صعود القوّة النسائية
هل هذا خطر يهدّد مجتماتنا؟
السيد عباس نورالدين
تعيش مجتمعاتنا على وجه الخصوص تجربة جديدة على مستوى صعود قوّة هائلة، وهي القوة النسائية. ونقصد بالقوة النسائية ذلك التيار المنبعث داخل مجتمعنا المسلم والذي يتمحور حول سلسلة من القضايا المرتبطة بواقع المرأة وحقوقها ودورها وهويتها على ضوء التفاعل والاصطدام مع العادات السائدة والالتزامات الدينية. هذا، ومن الصعب التكهن بما سيؤول إليه هذا التيار على مستوى إعادة هيكلية المجتمع وعلى مستوى الأوضاع والنتائج.
هناك آلاف الشواهد اليومية على أنّ عددًا كبيرًا من نساء ورجال مجتمعنا يعيدون النظر في كل القضايا المرتبطة بالمرأة انطلاقًا من موقعها في الدين وفي العرف؛ كما أنّ هناك حراكًا ينشأ بشكل طبيعي نتيجة ما يمكن أن يعبَّر عنه بتمكين الفرد وازدياد قوّته بسبب التحولات السياسية والتكنولوجية.
إنّ القوة الدافعة الأساسية لهذا التيار ترجع بالدرجة الأولى إلى أنّ واقع المرأة في المجتمعات الحالية تمثل قضية حيوية تطرح الكثير من التساؤلات، ولأجل ذلك يمكن أن تتحول بسهولة إلى قضية جديرة بالنضال. فلدى النساء اليوم قضية ينبغي ان يبذلن من أجلها التضحيات، لأنّها ترتبط بحقوقهن وامتيازاتهن. ولأنّ المستهدف الأول في هذا النضال هو نظرة الناس إلى الدين، فمن المتوقع أن يكون الصراع عسيرًا.
إنّنا حين نتحدّث عن تيار نسائي في المجتمع لا نقصد أنّه عبارة عن تجمع من النسوة والإناث فقط، فنحن نجد شريحة واسعة من الذكور والرجال مؤيدين لهذا الحراك أو متعاطفين معه أو حتى منخرطين فيه. والكل يبحث عن كبش فداء يتم تحميله المسؤولية عن كل ما جرى ويجري. أجل، هناك من يحلو له أن يظهر الأمر وكأنّه معركة محتمدة بين النساء والرجال، وأنّه عملية انقلاب واسعة على هيمنة الذكر على شؤون الحياة. الجانب الأكبر من هذا الحراك يتمحور حول النضال من أجل استعادة ما يُسمّى بالحقوق المسلوبة. ولأنّنا نعيش تحوّلات نوعية على مستوى تشكّل القوى الاجتماعية واستخدامها، فإنّنا نتوقع أن تكون هذه القوّة النسائية الصاعدة بالغة التأثير فيه.
لقد نال الفرد في المجتمع المعاصر حصة مهمة من القدرة نشأت من امتلاكه حقّ التصويت والانتخاب للنظام السياسي والحكومة والإدارات المدنية وحتى المجالس التشريعية؛ وها هي هذه القدرة في تزايدٍ مستمر بفعل الإمكانات الكبيرة التي توفرها الشبكة العنكبوتية للأفراد في التعبير عن الموقف وإيصال الصوت. ومن الطبيعي أن تجد المرأة فرصة سانحة في نضالها هذا بطريقة لا سابقة لها، تمنحها الكثير من النفوذ والتعاطف. والأمر لا يتوقف عند هذين العنصرين، فما يمنح الحركة النسائية القوة الدافعة الأساسية هو وجود قضية كبرى تناضل من أجلها، حتى لو كانت تحت عنوان انتزاع الحقوق المسلوبة.
في زماننا هذا يجري العمل على تصوير مشكلة المرأة الأساسية في استبداد الرجال، وفي هيمنة الدين الذكوري، وفي كون المؤسسة الدينية ذكورية؛ولا شك بأنّ كل قضية من هذه القضايا تحمل معها العديد من الشواهد. لكن ما يؤسف له هو الخلط بين النظرية والواقع، حيث يتم استغلال نماذج من الواقع المر والتجارب السيئة لضرب أصل النظرية؛ هذا، بالرغم من اعتراف الجميع بوجود مسافة كبيرة بين الواقع المعاش عند المسلمين والنظرية الإسلامية المرتبطة بالمرأة؛ كما يعترف مفكرو الإسلام بأنّ هناك بونًا شاسعًا بين الوضع الحالي والوضع المنشود بحسب الرؤية الإسلامية.
فمنذ متى ادّعى علماء الدين والمتدينون أنّ الدين الإسلامي قد أقيم بكامله وطُبّق بجميع حذافيره؟! ومتى أمكن القول بأنّ معظم رجال المجتمع هم من الملتزمين المتقيدين بأحكامه خصوصًا فيما يرتبط بالمرأة، حتى يمكن أن نجعل من ممارساتهم وتجربتهم شاهدًا دقيقًا على النظرية والأطروحة الدينية؟! ومن الذي يقول أنّ الواقع السياسي للمسلمين وتجربتهم التاريخية الممتدة من أكثر من ألف سنة وإلى يومنا هذا تحاكي تعاليم الدين ورؤيته؟! ومن الذي يمكن أن يدّعي أنّ ما يحكم سلوك الرجال في مجتمعنا هو روح الإسلام وأخلاقه؟!
نساء مجتمعنا ورجاله يعلمون أنّنا ما زلنا نعيش عملية البحث عن أطروحة الإسلام ونظريته للحياة والعيش.. ولأجل ذلك لن تنطلي عليهم تلك المغالطة (التي تجعل الواقع حاكمًا على النظرية)، ولن يقبلوا بتوجيه نضال المرأة نحو الإسلام والدين.
لأجل ذلك، سيجد هذا التيار الصاعد نفسه منسجمًا مع الرؤية الإسلامية على المدى المتوسط والبعيد، لأنّ الممثلين الواقعيين للدين في مجتمعنا لم يكونوا يومًا ذكوريين، والأهم أنّهم أبعد ما يكونوا عن التعصب تجاه قضية كقضية المرأة، وإن أسيء فهم بعض كلماتهم أحيانًا.
إنّ طبيعة الحراك الاجتماعي الحالي تقتضي التواصل الفعال بين جميع الفئات والشرائح، لأنّ إمكانيات التفاهم موجودة؛ ومجتمعنا هو أبعد ما يكون عن تلك التجربة الغربية التي يكون التعصّب فيها قيمة ممدوحة والقسوة فيها عنصرًا حاسمًا. نحن لا نشبههم بشيء وإن حلا للبعض أن يقارنوا بين التجربتين.
أجل، قد نصبح كذلك، حين نبتعد عن تجربتنا الفتية التي بدأت منذ عدة عقود وحين يحكمنا الجهل بدل الحوار وحين ننساق وراء برامج معدة خارجًا بكل رغبة؛ وهذه مشكلة مجتمعنا الأولى: الجهل وقلة البصيرة. لكن الذين يراهنون على حدوث نزاع بين المرأة ورجال الدين واهمون تمامًا، ومشكلتهم الأولى أنّهم لا يعرفون ما هم علماء الإسلام الواقعيون.
وهنا نسأل هل أنّ قضية الحقوق المسلوبة هي قضية دائرة بين النساء والرجال، أو بين الإناث والذكور، أم أنّ الأمر أعمق من ذلك؟ فمن تأمل في أساس مشاكل المسلمين، بل المجتمعات البشرية قاطبة، يعلم أنّ كل المصائب تأتي من الحكام والسياسيين أو الزعماء وإن كان معظمهم من الرجال؛ لكنّ حكام الجور هؤلاء لا يعرفون ذكرًا أو أنثى حين يتعلق الأمر بمصالحهم وأهوائهم واستبدادهم بالسلطة. فالمتضرر من الظلم الاجتماعي والسياسي هو عامة الناس لا فرق فيهم بين رجل وامرأة.
ولأجل ذلك نجد العديد من الشواهد على أنّ إثارة قضية المرأة وفق المنظور الغربي إنّما تأتي ضمن سياق التآمر على شعوبنا وديننا، حيث وجد الغربيون في هذه القضية منفذًا مهمًّا يستغلون فيه الواقع، الذي كانوا أحد صنّاعه، لتأليب المرأة على الدين. فالمستعمر يخلق الواقع السيّئ والظالم، ثمّ يطرح نفسه كنصير للمظلومين.
إنّ فضح المخططات الغربية الخبيثة لا تكفي للتعامل مع هذه المشكلة، بل يجب أن نعمل على تقديم الإسلام القيمي كإطارٍ واسعٍ يحيط بالإسلام التشريعي. وأغلب الظن أنّ إصرار البعض على التعامل مع قضية المرأة من منظورٍ واحد وضمن إطار التشريعات فقط هو الذي يبعد الأنظار عن روعة الرؤية الإسلامية التي ترتبط بالحياة والإنسان.
إنّ قيم الإسلام شديدة الرسوخ وعظيمة الجاذبية، وتكفي لتوجيه النضال بالاتّجاه الصحيح. وإنّ التراث التشريعي للمسلمين ما زال يخضع للبحث والتدقيق والاجتهاد، ولا يدّعي المجتهدون أنّ قضايا المرأة التشريعية هي من المسلمات والضرورات التي لا مجال للاجتهاد فيها.
الإسلام كما عرفته وآمنت به
هذا الكتاب مساهمة في ترسيخ حوار القيم والمشتركات في زمن يبحث فيه الجميع عن التلاقي. ولا شيء أفضل في هذا المجال من إظهار بعض جمال ما نؤمن به ونعتنقه. الإسلام كما عرفته وآمنت به الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 198 صفحةالطبعة الأولى، 2017مللحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
كيف أحيا مسلمًا وأعيش سعيدًا
في عالم اليوم حيث تتلاقى الحضارات وتتصادم الثقافات، تبرز الأديان كمحور أساسي في كل هذا التفاعل. وما أحوجنا إلى تقديم ثقافتنا الأصيلة في بعدها العملي المعاش الذي يطلق عليه عنوان نمط العيش.وفي هذا الكتاب سعى المؤلف إلى عرض القيم الإسلامية المحورية في قالب الأسلوب والنمط الذي يميز حياة المسلم الواقعي الذي ينطلق من عمق إيمانه والتزامه بمبادئ الإسلام وقيمه السامية. كيف أحيا مسلمًا وأعيش سعيدًا الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 288 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-037-8 السعر: 12$
فينيق يخرج من بين الركام... القوّة العظيمة الآتية لنساء مجتمعنا!
يشهد مجتمعنا ما يشبه الثورة الهادرة على صعيد انبعاث دور المرأة وازدياد مشاركتها في مختلف مجالات الحياة. تسجّل النساء معدّلات مرتفعة ملفتة على صعيد الدراسات العليا وتحصيل العلوم المختلفة. وفي ظلّ الاقتصاد القائم على العلم، المتوقّع أن يجلب ذلك الكثير من القوّة المضافة والإمكانات المتزايدة.. إلا إنّ هذا كلّه لا شيء إذا ما قورن بالشعور العارم الذي بات يسيطر على قطاعات واسعة من نساء مجتمعنا على صعيد الرغبة بالتحرّر وتحقيق الذات بعيدًا عن سلطة الرجل وهيمنة الذكور.
قضايا الحياة الكبرى
حين تبدأ بالإحساس بوجود مجتمعات بشريّة ذات هويّات متعدّدة تعيش فيما بينها تفاعلًا قويًّا، وحين تدرك طبيعة هذا التّفاعل الذي يتّخذ سمة الصّراع في العديد من الموارد، وحين تكتشف مفاعيل ونتائج هذا الصّراع؛ فأنت إنسانٌ حيٌّ شاعرٌ مدرك. وهنا، ستحتاج إلى أن ترتقي بوعيك إلى المستوى الأعلى، حيث تفهم طبيعة ما يتولّد عن هذا التّفاعل الكبير من قضايا ـ تكون بمنزلة محدِّدات المسارات الكبرى.
زيف الغرب في الدفاع عن المرأة
يُطرح هذه الأيام الكثير من الإشكالات حول أحكام الإسلام فيما يتعلق بالمساواة بين المرأة والرجل. نعلم جميعًا أنّ قضية المساواة بين المرأة والرجل هي قضيّة أساسيّة في الغرب، ومنطلقات هذه الحضارة وتلك الثقافة تختلف تمامًا عن منطلقات الإسلام ورؤيته الكونيّة ونظرته للحياة. لكن الغربيين بفعل ما يمتلكونه من أدوات ضغط وقوّة ونفوذ يصرّون أن يملوا علينا ما يفهمونه حول هذه القضيّة، بل يشكلون على أساسها مواقف دولية تصل إلى حد الضغوط السياسية والاقتصاديّة. نحن إذا أردنا أن نفهم هذه القضيّة جيدًا، علينا أن نلتفت أن نظام التشريعات الإسلامي يقوم على نظامٍ قيميّ.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...