العلوم البشرية كظاهرة للدراسة
في نقد هذه التجربة والبحث عن البدائل
السيد عباس نورالدين
استطاع معدّو المناهج المدرسية أن يرسخوا مبدأً أساسيًّا فيما يتعلق بالعلوم التي ابتكرها البشر، وهو أنّ هذه العلوم هي "الطريق الوحيد لإنتاج العلم وتحسين حياة الإنسان وحل مشاكل العالم"، فخرّيجو هذه المناهج لا يمكن أن يخطر على بالهم أنّ هذه العلوم ليست سوى ظاهرة بشرية يحيط بها الكثير من علامات السؤال وينبغي أن تخضع للنقد والمساءلة. وبدل تشجيع التلميذ على التفكير خارج هذا الصندوق المعلّب، فإنّ حجم ومستوى تشغيل العقول ـ الذي يبدأ من المدرسة ولا ينتهي عند الجامعة ـ يجعل من شبه المستحيل عليها أن تحقق ذلك.
إنّ العبودية المطلقة لهذه العلوم هي الشيء الذي أصبح يُعد جائزة للمتفوقين والناجحين في التعليم المدرسي. ولا شك بأنّ إحدى وسائل تحقيق هذا الهدف تتجلى في تغليب الجانب المفيد لنتائج هذه العلوم وبهرجته وزخرفته بكل ما يمكن، وإخفاء الكثير من الجوانب السلبية التي قد تكشف عن قصور فادح أو أضرار فائقة حلّت بالأرض والحياة والمصير.
لأجل ذلك، يجب أن نجعل من العلوم البشرية قضية للدراسة والتحليل والنقد والمساءلة في جو من الحرية التامة، انطلاقًا من التفكير في نتائجها ومخرجاتها، مرورًا بمناهجها وأدواتها، وانتهاءً عند البحث الجاد عن بدائلها وتغييرها.
تواجهنا هنا مشكلة معروفة وهي الادّعاء بأنّ التعليم اليوم يبدأ من المرحلة العمرية التي لا يكون فيها الطفل مستعدًّا لهذا النوع من التحليل أو التفكير الناقد، ونحن ملزمون في عالم المسابقة هذه أن ينخرط جميع أبنائنا منذ بداية عمرهم في التعّلم وإلا لم نلحق. والادّعاء كذلك بأنّ هذا النوع من التحليل قد يؤثر سلبًا على تفاعل المتعلم المبتدئ مع هذه العلوم فيما بعد، ممّا يفقدنا فرصة مهمة لبناء الطاقات اللازمة لإعمار الوطن وازدهاره. وهكذا، تم العمل بتوجه مقصود نحو بناء تعليم المواد العلمية على قواعد ومسلمات إظهار الجوانب الجميلة لهذه العلوم.
النزعة الملحوظة عند الإناث تجاه الجماليات تكشف عن أحد أسباب ضعفهن في العلوم الرياضية والحسابية مقارنةً بالذكور، والسبب كما يُقال إنّنا لم نتمكن من تقديم هذا المجال العلمي بصورة جميلة، بالرغم من كل المساعي لجعلها كذلك. وقد نحا البعض إلى تبرير ذلك استنادًا إلى بعض الفقاقيع العلمية والاستنتاجات المتسرعة حول تكوين دماغ الأنثى الذي ينسجم مع اللغة أكثر من الرياضيات.
لكي تصبح قضية العلوم محورًا في التعليم ينبغي أن نبدأ من طرح الأسئلة الصحيحة: ما هو العلم؟ ومن أين يأتي؟ وكيف نناله؟ وما هي العلوم البشرية؟ وما هو دور كل علم؟ وما هو منهجه البحثي؟ وهل يصح دراسة موضوعه بالاكتفاء بهذه المقاربة البحثية؟ وما هي آثاره ونتائجه؟ وكيف يتم استخدامه؟
كل هذه الأسئلة يُفترض أن تكون شغل العقل البشري قبل أن ينخرط في تحصيل مهارات البحث المرتبط ببعض العلوم، والتي تم اختيارها من قبل واضعي المناهج على أساس تلبية احتياجات الوطن!
وفق تتبعي، لم يعالج الفكر الإسلامي هذه القضية انطلاقًا من التعمّق والبحث الجاد في التراث الإسلامي الأصلي. وفي معظم الحالات تم النظر إلى العلوم التي ابتكرها البشر على أنّها ثمرة طبيعية وطيبة لحركة الأنبياء؛ حتى إنّ البعض قد ذهب إلى اعتبار أئمة الدين الواقعيين مؤسسين لها، وإنّه لولاهم لما كان هناك فيزياء أو كيمياء أو أحياء!
وقد حدث مثل هذا الانسياق في عصر الانسحاق أمام نتائج العلوم الحديثة، والذي وصل إلى ذروته في خمسينات وستينات القرن العشرين، حيث ظهرت هذه العلوم كعاملٍ وحيد وراء كل هذا التطور والاقتدار والإبداع والهيمنة الغربية؛ وكان على بعض مفكرينا أن يرأبوا الصدع بين الشباب المنبهر بالغرب والدين.
وعلى كل الأحوال، فقد شارك الجميع في جوقة واحدة لتمجيد هذه العلوم ونسبتها إلى الملائكة والأنبياء والقرآن والدين، غافلين عن أحد أهم المعطيات والنتائج التي كانت ماثلة أمام الأعين، وإن ظهرت بوضوح اليوم حين عمّ الفساد والخراب والأزمات البيئية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية هذا العالم. هنا ربما بات البعض يمتلكون شجاعة التشكيك بأصل هذه العلوم ومناهجها، وليس فقط باستخدام نتائجها أخلاقيًّا وسياسيًّا.
لطالما ميّز العقلاء بين العلم والأخلاق، واعتبروا أنّ مشكلة الإنسان الحديث تكمن في سقوطه الأخلاقي واستخدامه البشع لشيءٍ جميل اسمه العلم، والذي تجلى بأفظع ما يكون في الحروب العالمية الكارثية. وقد كانت العلوم التي ابتكرها البشر تخرج بريئة عند كل محاكمة، إلى أن نضج العقل البشري قليلًا، وبات يُسائل ويحاكم هذه العلوم في أصولها.
إنّ البحث عن العلم المفيد النافع الهادي المؤدي لسعادة الإنسان والعالم يدل على قضية مهمة ينبغي أن تأخذ المزيد من الجهد البحثي، وهي أنّ هناك علاقة وطيدة بين هذا العلم المُرتجى ومصدره، وأنّ الوصول إلى هذا العلم مشروط بالانتماء الحقيقي لذلك المصدر الوحيد. والملفت هنا ـ أي بحسب هذه الرؤية ـ أنّ هذا المصدر لم يُعدم، بل ما زال موجودًا، وهو ينتظر بفارغ الصبر أن يأتي الزمان الذي يتم تقدير وجوده والاستفادة الكاملة منه.
إنّ جعل تحقيق السعادة والصلاح والفلاح منطلقًا للبحث عن العلوم والأدوات التي تنتجها، لهو النمط الصحيح للتفكير الذي ينبغي أن يصبح منطق العلم والبحث العلمي. فالغايات ينبغي أن ترسم مسار التعلّم؛ ومن الغايات يجب العمل على تشكيل منظومة شاملة، تتحدد فيها الأولويات وتستبين فيها معالم الطريق التي ينبغي أن يسير عليها الإنسان في رحلته الدنيوية هذه.
فوفق الرؤية الكونية الإسلامية، تُعتبر الأرض محل شغل الإنسان ومسؤوليته؛ وإصلاحها هو البداية لنهاية تمر عبر تبديلها إلى أرض مشرقة بنور ربّها، كما ذكر الكتاب المجيد. ولأجل الاضطلاع بهذه المسؤولية الثقيلة التي عجزت السماوات والأرض والجبال عن أن يحملنها واشفقن منها، وحملها الإنسان، كان لا بد من الوصول إلى معرفة لا تحصل إلا بتعليمٍ خاص؛ وكان هذا العلم ولا يزال متاحًا بشرط الانخراط بمشروع بناء المجتمع الصالح؛ وكان المجتمع النموذجي الأداة الوحيدة لتحقيق الهدف المنشود.
وعليه فإنّ المجتمع الصالح أو المدينة الفاضلة أو الحكومة العالمية الواحدة هي الغاية الأولى لحركة الإنسان. وعليها يجب أن تبنى صروح المعرفة والعلوم، ومن أجلها يجب أن يسعى الإنسان في العلم والتعلم؛ وأي حراك خارج هذا المسار سيؤدي إلى الابتعاد عن الهدف وتضييعه (كما حصل منذ مئات السنين وإلى يومنا هذا).
إنّ اجتناب العلوم التي لا تساعد على تحقيق هذا الهدف الأولي ينبغي أن يسير جنبًا إلى جنب البحث عن المعارف التي تساعد عليه. فمع كل خطوة سلبية يجب القيام بخطوة إيجابية أو خطوتين. وفي الوقت الذي تعمل الطاقات المجتهدة على تأمين أمن المجتمع واستقلاله يجب أن تعمل الطاقات المختلفة بجهدٍ مضاعف على تحقيق المجتمع النموذجي الراقي الذي لا يردع الآخرين عن مهاجمته، بل يجعل ذلك بحكم المستحيل.
فهل كان عقاب الابتعاد التاريخي المزمن عن المنبع الصافي للعلم أن يعمل المجتمع بجهدين مضاعفين:
الأول: إتقان العلوم الحالية بما يخدم هدف الاستقلال؟
والثاني: البحث عن المصدر الصحيح والوصول إليه والانطلاق ممّا أسسه في التاريخ الماضي؟
سؤال يجب أن نجعل من الإجابة عنه أصلًا للتفكير الصحيح في عملية إعداد مناهج التعليم الحديث.
المدرسة الإسلامية
يعرض لأخطر المشاكل وأهم القضايا حول أوضاع المدارس الحالية، التي تبنت المناهج الغربية، وذلك بالطبع بحثًا عن المدرسة المطلوبة التي تنسجم مع حاجات المجتمع وثقافته. كل ذلك من أجل بعث حركة فكرية جادة بين المهتمين بالتعليم عن طريق بناء الرؤية الشاملة للتربية التعليمية في الإسلام. المدرسة الإسلاميّة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 232 صفحةالطبعة الأولى، 2014مالسعر: 10$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
روح المجتمع
كتابٌ يُعدّ موسوعة شاملة ومرجعًا مهمًّا جدًّا يمتاز بالعمق والأصالة لكلّ من يحمل همّ تغيير المجتمع والسير به قدمًا نحو التكامل، يحدد للقارئ الأطر والأهداف والسياسات والمسؤوليات والأولويّات والغايات المرحليّة والنهائيّة في كلّ مجال من المجالات التي يمكن أن تشكّل عنصرًا فعّالًا في حركة التغيير، على ضوء كلمات قائد الثورة الإسلاميّة المعظّم روح المجتمع الكاتب: الإمام الخامنئي/ السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19*25غلاف كرتوني: 932 صفحةالطبعة الأولى، 2017م ISBN: 978-614-474-020-0 سعر النسخة الملوّنة: 100$سعر النسخة (أبيض وأسود): 34$ للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراءه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
ثورة التربية والتعليم
يتطرّق الكتاب الرابع في سلسلة الأطروحة التربوية التعليمية التي يقدمها السيد عباس نورالدين إلى أهم القضايا التي تواجه أي ثورة حقيقية تريد إعادة إنتاج التربية التعليمية وفق استحقاقات العصر ومتطلّبات الزمان وبما يتناسب مع التحدّيات التي يعيشها مجتمعنا.الثورة التي يدعو إليها الكاتب تطال جميع مفاصل التربية التعليمية من رؤى ومناهج وقيم وحتى تلك التفاصيل التي تعني كل عامل أو مهتم بهذا المجال المصيري. ثورة التربية والتعليم الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 216 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-033-0 السعر: 12$
روح التربية
الإنسان لا يأتي إلى الدنيا فاسدًا. في البداية يأتي إلى الدنيا بفطرة جيّدة وهي الفطرة الإلهية "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَة"، وهذه هي الفطرة الإنسانية فطرة الصراط المستقيم والإسلام والتوحيد. أنواع التربية هي التي تفتح هذه الفطرة أو تسد الطريق على الفطرة. التربية هي التي يمكن أن توصل المجتمع إلى كماله المنشود، وهي التي تجعل البلاد إنسانية نموذجية كما يريدها الإسلام روح التربية الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 192 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$
المدرسة النموذجية
إنّ القوّة الأساسيّة للمدرسة النموذجيّة تكمن في برامجها ومناهجها التي تتميّز بقدرتها على تقديم المعارف والمهارات بأحدث الطرق وأسهلها، وتعتصر كل التراث العظيم للبشريّة وتتّصل بكامل التّراث الاسلامي وتقدّمه لطلّابها عبر السنوات الدراسيّة كأحد أعظم الكنوز المعرفيّة. وهكذا يتخرّج طلّابنا وهم متّصلون بهذا البحر العظيم لكلّ الإنجازات الحضاريّة في العالم كلّه ويمتلكون القدرة التحليليّة اللازمة لتمييز الخير من الشرّ في جميع أنحائه. المدرسة النموذجيّة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 140 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$
حول أسلمة العلوم الطبيعية أو التطبيقية.. مبادئ أساسية لبناء المناهج
لا ينظر المؤمنون بالإسلام وقيمه إلى الحركة العلمية الغربية بارتياح عمومًا، ومنها ما يرتبط بالعلوم التي تمحورت حول دراسة الكون والطبيعة والإنسان؛ هذه العلوم التي عبّرت عن نفسها بمجموعة من الاختصاصات والفروع، وظهرت بنتاج هائل استوعب جهدًا كبيرًا للبشرية، فأصبح بسبب ضخامته وحضوره مدرسة عامة يتبنّاها العالم كلّه. فالمنهج الغربيّ في التعامل مع الطبيعة والكون والإنسان هو المنهج المعتمد اليوم في كل بلاد العالم دون استثناء. إلا إنّ المؤمنين بالإسلام متوجّسون من حركة الغرب عمومًا، لا سيّما حين ينظرون إلى نتائج هذه العلوم على مستوى علاقة الإنسان بربّه. لقد أضحت هذه العلوم علمانية بالكامل، ليس أنّها لا ترتبط باكتشاف مظاهر حضور الله وعظمته وتدبيره وربوبيته فحسب، بل أصبحت سببًا لحصول قطيعة بين الإنسان وخالقه؛ في حين أنّ هذه العلاقة هي أساس سعادة الإنسان وكماله. أضف إلى ذلك، الآثار الهدّامة المشهودة لهذه العلوم على مستوى التطبيق والتكنولوجيا.من هنا، فإنّنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، والعمل على تأسيس مقاربة أدق وأوسع وأشمل تجاه الكون والإنسان والوجود تنطلق من فهم فلسفة الوجود وغايته، فتكون عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف الكبرى.
المجتمع والتاريخ محورًا في التعليم .. في المقاربات والمناهج والأهداف
للمجتمع في حركته دورٌ كبير في تكوين شخصية الإنسان وتحديد مصيره، فضلًا عن كونه من أبلغ الآيات الدالات على صفات الرب المتعال وحضوره. وكلما استطعنا ترسيخ هذه النظرة وتعميقها أصبح الإنسان أكثر تفاعلًا مع إحدى أهم سبل الوصول إلى كماله. وباختصار، يجب أن تأخذ المناهج التعليمية على عاتقها مهمة أساسية تتجلى في إيصال الإنسان إلى أعلى درجات التفاعل الإيجابي مع مجتمعه والمجتمعات البشرية قاطبة.
المشروع الحضاري للتعليم العام.. كيف ننزل هذا المشروع في قالب المناهج المدرسية
السؤال الأساسي هنا هو أنّه كيف يمكن أن نجعل من المشروع الحضاري الكبير الذي نؤمن به منهاجًا دراسيًّا، بل محورًا أساسيًّا في التعليم العام، بحيث يمكن الوصول بالمتعلم إلى مستوى من الفهم والإيمان والتبني والمسؤولية تجاهه، حتى ينتقل إلى الحياة التخصصية والمهنية وقد جعل ذلك كله قائمًا عليه ومتوجهًا إليه.حين يتمكن المتعلم من رؤية الحياة كما هي في الحقيقة، لن ينخدع بعدها بهذه الظواهر: ناطحات السحاب، التكنولوجيا، الطائرات، العدد الكبير لسكان دولة، الدخل القومي الكبير.. فكل هذه المدنية وهذا العمران وهذه الآلات والأدوات لن تكون عاملًا يصرف ذهن هذا المتعلم عن حقيقة ما يجري، وسوف يجد نفسه منخرطًا بسهولة في المكان والموقف الحق الذي يعمل بصدق ووفاء على تحقيق صلاح البشرية والأرض.
كيف تتغلب المدرسة على العقبة الأولى أمام بناء المجتمع؟ لماذا تعزز مناهج اليوم النزعات الفردية وفرار الأدمغة
بالنسبة لأي مجتمع في العالم، لا يوجد ما هو أسوأ من تضييع الطاقات الشابة الخلاقة والفعالة التي يحتاج إليها للتقدم والازدهار وحتى البقاء.. شباب اليوم هم مدراء البلد والمسؤولون عن تقرير مصيره، والفارق الزمني الذي يفصل بينهما لا شيء مقارنة بعمر الأوطان؛ لهذا، فإنّ أي مجتمع سرعان ما سيلحظ الخسارة الكبرى من تضييع الطاقات الشابة.
الدين كقضية أساسية في المناهج التعليمية.. مبادئ ومنطلقات
للمعارف المرتبطة بالأديان والمذاهب وخصوصًا الإسلام ميزة مهمة لا يمكن أن نجدها في أي مجال معرفي آخر مهما كان واسعًا؛ ويمكن أن نجعل من هذه الميزة نقطة تفوّق نوعي في شخصية المتعلم، الأمر الذي يرفع من شأنه ومن دوره وموقعيته في المجتمع. إنّ القدرة التي تمنحها العلوم المختلفة، مهما بلغت، لا يمكن أن ترقى إلى قدرة المعارف الدينية (وهذا بمعزل عن الحق والباطل). فالمهندسون والمخترعون والأطباء والتجار ورجال الأعمال لا يمكن أن يكون لهم من القدرة والتأثير في المجتمع كما يكون لمن يمتلك المعارف المرتبطة بحياة الإنسان ومصيره وسلوكه وروحه وتاريخه ومستقبله ونمط عيشه. ولو التفتت المناهج التعليمية في مدارسنا إلى هذه القضية وجعلتها محورًا أساسيًّا في التعليم لشهدنا عمّا قريب هذا التفوّق الذي نطمح إليه.
كيف تصنع المناهج هم تهذيب النفس؟ إطلالة معمقة على دور المدرسة في التربية
يمكن للتعليم المدرسي أن يساهم مساهمة كبرى في توجيه المتعلم نحو أحد أكبر قضايا الحياة وأهمها وأكثرها تأثيرًا على حياته ومصيره، ألا وهي قضية تهذيب النفس والسير التكاملي إلى الله. ولا نقصد من التعليم المدرسي تلك البيئة الفيزيائية المتعارفة، التي يمكن أن تكون معارضة تمامًا لهذا النوع من التربية والتأثير، وإنّما المقصود هو المناهج التعليمية التي يمكن صياغتها وتطويرها بحيث تصبح قادرة على جعل قضية التكامل المعنوي الجوهري همًّا واهتمامًا أساسيًّا، يعيشه المتعلم ويمارسه في هذه المرحلة العمرية الحساسة.
حول أسلمة العلوم التطبيقية والطبيعية... مبادئ أساسية لإعداد المناهج
لا ينظر المؤمنون بالإسلام وقيمه إلى الحركة العلمية الغربية بارتياح عمومًا، ومنها ما يرتبط بالعلوم التي تمحورت حول دراسة الكون والطبيعة والإنسان؛ هذه العلوم التي عبّرت عن نفسها بمجموعة من الاختصاصات والفروع، وظهرت بنتاج هائل استوعب جهدًا كبيرًا للبشرية، فأصبح بسبب ضخامته وحضوره مدرسة عامة يتبنّاها العالم كلّه. فالمنهج الغربيّ في التعامل مع الطبيعة والكون والإنسان هو المنهج المعتمد اليوم في كل بلاد العالم دون استثناء. إلا إنّ المؤمنين بالإسلام متوجّسون من حركة الغرب عمومًا، لا سيّما حين ينظرون إلى نتائج هذه العلوم على مستوى علاقة الإنسان بربّه. لقد أضحت هذه العلوم علمانية بالكامل، ليس أنّها لا ترتبط باكتشاف مظاهر حضور الله وعظمته وتدبيره وربوبيته فحسب، بل أصبحت سببًا لحصول قطيعة بين الإنسان وخالقه؛ في حين أنّ هذه العلاقة هي أساس سعادة الإنسان وكماله. أضف إلى ذلك، الآثار الهدّامة المشهودة لهذه العلوم على مستوى التطبيق والتكنولوجيا.من هنا، فإنّنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، والعمل على تأسيس مقاربة أدق وأوسع وأشمل تجاه الكون والإنسان والوجود تنطلق من فهم فلسفة الوجود وغايته، فتكون عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف الكبرى.
هل يصح تدريس العلوم الطبيعية بمناهجها الحالية؟ وما هي الشروط التربوية لنجاح هذا التعليم؟
تعمد الأطروحة الجديدة للمدرسة النموذجية إلى إعادة النظر بشأن تعليم العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والأحياء وكذلك الرياضيات، وذلك بما يتناسب مع الرؤية المرتبطة بدور العلم في الحياة البشرية. لقد تم التركيز على هذه العلوم في المناهج الغربية باعتبار الموقعية المركزية لعالم المادة والطبيعة في الحياة البشرية. ففي الفكر الغربي المادي يُعد تسخير الطبيعة وعناصرها أساس السعادة البشرية، وذلك باعتبار أنّ المنشأ الأساسي للقدرة هو المادة. وبحسب هذا الفكر، بالقدرة يتمكن البشر من الوصول إلى السعادة أو حلّ المشكلات المختلفة... في حين أنّه بحسب الرؤية الكونية الدينية، فإنّ القدرة الأساسية (أي قدرة التغيير والتأثير) إنّما تتجلى في إرادة البشر. وهذه الإرادة لا تظهر فقط بالسيطرة على عناصر الطبيعة، وإنّما تظهر في سلوكياتهم وتعاملهم فيما بينهم في الاجتماع والسياسة. كما أنّ مستوى القدرة يتحدد وفق طبيعة استخدام عناصر الطبيعة وآلياتها وبرامجها؛ ممّا يعني أنّ هذه القدرة الناشئة من تسخير مواد الطبيعة إنّما تتبع أهداف البشر ونواياهم وكيفية استعمالهم لهذه المواد، لا مجرد تسخيرها كيفما كان.لذا يجب قبل أي شيء العمل على بناء الرؤية السليمة المرتبطة بدور الانسان في تسخير عالم المادة، ومدى تأثير ذلك على سعادة البشرية أو شقائها، وتعريف المتعلم إلى كل عناصر القدرة التي يمكن أن يحقق من خلالها سعادته وسعادة مجتمعه.
أفضل مناهج دراسة الطبيعة، لماذا يجب أن نعيد النظر في تعليم هذه المواد؟
عرفت البشرية طوال تاريخها المديد منهجين أساسيين لدراسة الطبيعة. وقد انتصر ثم هيمن أحد هذين المنهجين بعد صراع لم يدم طويلًا. كان الأول يعتمد على فلسفة البحث من خلال طرح الأسئلة المرتبطة بالموقعية الوجودية لأي كائن أو عنصر طبيعي والبحث عن سر وجوده وعلاقته بغيره.
كيف تكون الأرض مشروعًا تعليميًّا أساسيًّا؟ بدل التشرذم، تتضافر العلوم والمناهج
منذ أن حصل الطلاق بين العلوم التجريبية والفلسفة، والأرض تئن تحت وطأة التفلت العجيب في استخدام عناصرها ومكوّناتها بطريقة تنذر بكارثة وجودية. حين أصبح ما يُسمى اليوم بالعلم (أو الساينس) يمارَس لأجل "العلم" كما يُقال، فقد العمل البحثي في كل ما يتعلق بالأرض أي نوع من التوجه الهادف والمسؤول تجاه هذا الكوكب الذي يبدو أنّه الوحيد الحاضن للحياة.
المحور الأوّل للنّظام التعليميّ السّليم
من أهم القضايا التي تشغل بال أهل التربية والتعليم هي قضيّة العلم. لذا من أراد أن ينبي رؤية واضحة في التربية والتعليم يحتاج إلى تحديد موقفه من العلم.
المدرسة النموذجية: كيف ستكون المدرسة في المستقبل
إنّ القوّة الأساسيّة للمدرسة النموذجيّة تكمن في برامجها ومناهجها التي تتميّز بقدرتها على تقديم المعارف والمهارات بأحدث الطرق وأسهلها، وتعتصر كل التراث العظيم للبشريّة وتتّصل بكامل التّراث الاسلامي وتقدّمه لطلّابها عبر السنوات الدراسيّة كأحد أعظم الكنوز المعرفيّة. وهكذا يتخرّج طلّابنا وهم متّصلون بهذا البحر العظيم لكلّ الإنجازات الحضاريّة في العالم كلّه ويمتلكون القدرة التحليليّة اللازمة لتمييز الخير من الشرّ في جميع أنحائه.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...