كيف نرتقي بالمجتمع
ودور التعمُّق الفكري في هذا المجال
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب على طريق بناء المجتمع التقدمي
{كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فيمَا اخْتَلَفُوا فيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فيهِ إِلا الَّذينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ}
إلى الذين يحرسون قلعة السطحية.. فكّروا ثانية
لا شيء يمكن أن يمنح المجتمع حيويةً فائقة ونشاطًا كبيرًا مثل انشغاله بعالم الأفكار والقضايا الكبرى. وفي المقابل تُعدّ السطحية الآفة الكبرى التي تُهدّد المجتمعات البشريّة، نظرًا لما تُحدثه من إبعاد للناس وإلهائهم عن مصائرهم. ميزة القضايا الكبرى أنّها مصيرية سواء أجرى الاهتمام والتوجُّه إليها أم لا. في النهاية سيستغل البعض غفلتنا ليرسموا مصيرنا بأنفسهم. لا يمكن جعل القضايا الكبرى صغرى أو سخيفة لمجرد عدم الحديث عنها والاهتمام بها.
كلّما ازداد اهتمام الناس بالقضايا الكبرى وتوغّلوا في عالم الأفكار العميقة، كان ذلك عاملًا لمشاركتهم الفاعلة في تحديد مصيرهم وقطع أيدي المستغلين الذين يريدون الاستبداد به. الغافلون والسطحيون هم فريسة سهلة للأعداء المتربصين؛ خصوصًا حين يكون هذا العدوّ خبيرًا في صناعة السخافة والترويج لها. لا يوجد شيء اسمه صمتٌ مطلق في عالم اليوم. إن لم تكن متعمّقًا ستصبح سطحيًّا لا محالة.
لحسن الحظ لدينا مروحة واسعة من القضايا التي يمكن أن تمنحنا الكثير من العمق. ولكن تبرز هنا أسئلة مقلقة، منها: كيف لنا أن نبث مثل هذه القضايا في عالمٍ تبدو فيه المسائل السطحية أكثر جاذبية؛ بل تكون السذاجة فيه والسخافة دليلًا على الروعة؟ وما الذي يضمن لنا عدم تفرق الناس واختلافهم فيما بينهم حين تروج سوق الأفكار والقضايا العميقة؟ هذا في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة إلى وحدة الكلمة.
التوافق السياسي أو وحدة الكلمة بشأن العدو الحقيقي كان بالنسبة لبعض المجتمعات إنجازًا كبيرًا في عصر ما بعد الاستعمار أو الاستعمار الحديث. يثابر أصحاب القرار ليل نهار على حفظ هذا التوافق والوحدة الاجتماعية، حيث تبدو لهم هشة للغاية. فأيُّ اختلافٍ يقع يمكن أن ينجر بسرعة إلى سلسلة من الانفجارات الاجتماعية التي نحن بغنًى عنها! ربما يشبه حال شعبنا حال بني إسرائيل مع موسى حين ذهب لميقات ربّه، فتحولوا في وقتٍ قصير من عبادة الإله الواحد إلى عبادة العجل المُجسَّم! ولولا حنكة هارون وحرصه لتفرقوا شعوبًا وقبائل في تلك اللحظة.
نحن إذًا أمام مُعضلة لا بدّ لها من حل. فالسطحية تهديدٌ وجودي على مستوى الهوية، والتعمُّق الفكري قد يبدو كتهديدٍ وجودي على مستوى الكيان. كأنّنا هنا سنمشي فوق زجاجٍ رقيق! الوحدة السياسية تتعرّض كلّ لحظةٍ لمخاطر الصمود وسط قواعد شعبية ترى السطحية قيمة. ولا يمكن التغاضي عن مشروع الرسالة والمهمة الإلهية الموكلة إلينا بالخروج إلى الناس كأمّة واحدة وحضارة متفوقة.
تصوُّري هو أنّ قادة الحراك السياسي في أيّ مجتمعٍ سطحي إنّما يخشون التعمُّق الفكري لأنّهم لم يختبروا سوى أسلوبٍ واحدٍ في التعمُّق يؤدي حتمًا إلى الاختلاف والتعدُّد. رغم ما أنجزته الفلسفة وعلم الكلام على صعيد تشكيل رؤى كونية تتمتع بدرجة عالية من التناغم والانسجام، لكنّها سرعان ما تتحول إلى مثارٍ للتنازع والاختلاف بسبب طبيعتها الإقصائية واستخداماتها التشريعية (وإن كان هناك تفاوتٌ واضح بين الفلسفة وعلم الكلام في هذا المجال). لقد تمّ استخدام عالم الأفكار لتحديد الصديق وتشخيص الآخر أو العدوّ أو الكافر (بحسب من يستخدمها). كان ذلك ضرورة لتشكيل مذاهب وطرق وجماعات، لكنّه أضحى عاملًا مفرقًا إلى حدٍّ كبير. يوجد عشرات القضايا الفكرية التي يُمكن تقسيم الناس وفقها إلى كافرٍ ومؤمن. هذا التداخل العجيب بين نطاق الفقه والعقيدة قيد انطلاقة التفكير وبث الأفكار. بسرعة قياسية يمكن اعتبار المشكِّك بالعصمة كافرًا بتحميل كلامه سلسلة من اللوازم التي تنتهي إلى إنكار الله والرسالة! جرى الأمر في قضية القضاء والقدر وقضية خلق القرآن وغيرها الكثير. والسبب الجوهريّ يرجع إلى عدم التعمُّق في قضية حسّاسة مثل قضية الإيمان والكفر.
يبدو أنّ إشغال الناس بقضايا العقيدة العميقة أمرٌ خطرٌ في الوقت الذي لا يكاد أهل العلم يتّفقون على شيء. سيكون لهؤلاء العلماء والمفكرين دورٌ بارز في تحريك الناس نحو تحرُّكٍ مُخيف. فبدل أن يتم حثّهم على التفكُّر والتعمُّق، ربما يتم استخدامهم كأداة لتصفية الحسابات!
ومع ذلك، لا يمكن لأحد أن يقف بوجه انتشار الأفكار العميقة. إن قُدّر لأيّ مفكّر أن يعبّر عن هذه الفكرة العميقة أو تلك بأسلوبٍ يفهمه الناس وبوسيلة تصل إلى أكبر عددٍ ممكن منهم، فهذا يعني أنّ حركة التعميق الفكري ونبذ السطحية قد بدأت. المشكلة إذًا لا تكمُن في تعقيد الأفكار، بل في ضعف انتشارها؛ الأمر الذي يأخذنا إلى مشكلة التعبير.
قد يبدو مفاجئًا للقارئ إذا علم أنّ الكثير من الأفكار الفلسفية العميقة تبقى في دائرة طلاب الفلسفة وأساتذتها لا لأنّها معقّدة، بل لأنّ معظم هؤلاء لا يفهمونها كما ينبغي. الكثير من هؤلاء أيضًا قد بذلوا جهدًا مضنيًا حتى فهموها، إلى الحد الذي فقد معه أي طاقة للقيام بنشرها بوضوحٍ وسلاسة!
إنّ تبسيط الأفكار العميقة وإنزالها إلى حيّز الأفهام العادية يُعد واحدًا من أعظم المهارات التي قلّ من يمتلكها. تذكّر كم هو نادرٌ عدد الأساتذة الجامعيين الذين يستطيعون شرح النسبية الخاصة دون أن يُشعروك بالغباء. هذا ما نلاحظه في مختلف مجالات العلم والمعرفة. لا يعرف الكثير من الذين أوكل إليهم مهمة الشرح والتعليم كيف وصلوا إلى فهم ما يعرفون. لقد شاهدتُ العديد من العلماء الحقيقيين الذين لا أشك بعلمهم مثلما أنّني شاهدتُ الكثير من الذين يظنّون أنّهم علماء، لكن كان عدد العلماء الذين يمتلكون مهارة بيان الأفكار الصعبة والعميقة قليلًا جدًّا.
نحن إذًا أمام معضلة صوّرت لأهل القرار والقيادة أنّ التعمُّق الفكري أمرٌ مُعقَّد وشاق ويحمل الكثير من المخاطر. والمُفرح المبشِّر في هذا المجال أنّه لن يتمكّن أحدٌ من الوقوف بوجه تيار التعمُّق الفكري بمعناه الإيجابي. نعم، يمكن للبعض أن يبطِّئه أو يحاصره، فيصل متأخرًا.. والله يعلم أنّ المجتمع الذي يتأخر عن ركب الحضارة سيسبقه عدوُّه وينتصر عليه.
على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$
هل التحرك نحو العدالة يأتي من النخب العلمية حين تعلن افلاسها؟
هل أنّ التحرك باتجاه العدالة يأتي من المجتمع العلمي والنخب العلمية حين تعلن إفلاسها وعجزها؟ وهل هذه النخب تتحرك بإرادتها المستقلة وتبحث عن العلم الحقيقي دون خيانة وتبعية للأنظمة السياسية المهيمنة؟
كيف نبني برنامجنا العلميّ الصحيح (1)
إذا أردت أن تختبر علاقتك بالله، فابحث عن مدى رغبتك في طلب العلم.
كيف نبني برنامجنا العلميّ الصحيح (2)
امتلاك الرؤية الصحيحة للعلم هي أساس الاهتداء العملي. ما لم نحمل في أذهاننا رؤية واضحة عن ماهية العلم ودوره في حياتنا وكيف نحصل عليه، فإنّ حركتنا العلمية مهما كانت نشطة لن تكون مهتدية.
تنشيط الحياة الفكريّة في المجتمع
لكلّ مجتمع أنماطٌ من الحياة قد تكون فاعلة ناشطة أو كامنة مخفيّة. وكلّما تنوّعت حياة هذا المجتمع وتعمّقت، كان المجتمع أشدّ قوّةً وتكاملًا وازدهارًا ودوامًا.
ضرورة رواج التعمق الفكري... السيد عباس نورالدين يطرح قضية التعمق الفكري مجدّدًا
التعمّق الفكري يرتبط بالبحث عن أسرار وخبايا وخفايا أي ظاهرة أو قضية يمكن أن يواجهها الإنسان؛ هذا بالإضافة إلى أنّ التعمّق الفكري من شأنه أن يفتح على الإنسان أبواب الكثير من القضايا المجهولة. فالمتعمق بفكره لا يرضى بأن تكون حياته سطحية وهامشية، خصوصًا حين يرى الوجود وهذا الكون بما فيه من حوادث وظواهر مليئًا بالقضايا المثيرة والعجائب المدهشة، وهذا ما يحفز على التفكر فيما وراء الأشياء لمعرفة أسبابها وعللها.إنّ مجتمعنا بأمسّ الحاجة إلى التعمّق الفكري، لأنّه يواجه ظاهرة خطرة هي ظاهرة الغزو الثقافي بكل أشكاله، في الوقت الذي تعشعش فيه حالة الانبهار وغلبة الأوهام، ولا يمكن الخروج من كل هذه الحالات السلبية إلا بالوعي والبصيرة التي تتحقّق بواسطة التعمق.
في ظل الجمود الفكري وفي ظل الحاجة إلى أجوبة عن أسئلة حساسة.. أين هو المنهاج العلمي الفريد؟
كل من يشرف على مراكز الإعداد والتعليم الإسلامي يفكر مليًّا في البرامج المُثلى التي تصنع المفكّر والعالم القادر على تعميق الوعي العام تجاه قضايا الإسلام الكبرى.. ولكن نظرة عامة على قضية المهدوية يبين لنا حجم الفراغ وعدد الأسئلة التي ما زالت دون أجوبة شافية.
أعظم الدروس من سيرة الإمام... كيف تعامل هذا القائد مع الاختلافات الفكرية
إنّ الخلافات الفكرية، وما ينتج عنها من مشاحنات، لهي أمور متوقّعة وطبيعية في أي مجتمع أو بيئة لا ترى العالم إلا بمنظار الأفكار والجدالات الفكرية؛ لكنّها أمور سيئة ومضرة إن نظرنا إليها بمنظار القيم المرتبطة بحركة المجتمع التقدمية.
3. أركان المجتمع العلمي، دور المفكّر في بنائه
لكي يتحقق المجتمع العلمي لا بد من تشكّل سلسلة من الحلقات تبدأ من المنبع الحقيقي لتصل إلى الإبداع والفن فما هي هذه الحلقات وكيف تتصل وتتواصل؟
6.لا طبقيّة في المجتمع العلمي
إن تقسيم المجتمع الى طبقتين عالمة وعامية له جذوره في الرؤية التي سادت في أوساط أهل العلم طيلة قرون من الزمن، باعتبار أن العلم الذي ينبغي الوصول إليه حكر على عدد قليل من الذين يتمتعون بالمقدرة العلمية والذهنية، وعلى باقي الناس أن يعملوا وفق ما تقوله هذه الفئة القليلة. لكن الرؤية الصحيحة للعلم تبيّن أنّ العلم متاح للجميع ويمكن لهم أن يصلوا إليه بسهولة فتنتفي الطبقية العلمية التي هي أحد أسوأ أنواع الطبقيات في تجارب التاريخ.
5. ضرورة الإنتاج الفكري في المجتمع العلمي
يحتاج المجتمع العلمي إلى المفكرين لأنّهم يقومون بتطبيق مبادئ الإسلام والاجتهاد وأصول الشريعة على الواقع المُعاش والقضايا الزمانية، ففي كل عصر وزمان هناك مقتضيات تنشأ من التطوّر والتحوّل الاجتماعي والسياسي والتكنولوجي، وكل هذه تؤدي إلى نشوء قضايا تحتاج إلى عملٍ فكريٍ أصيل.
2. من أين ننطلق لنصنع المجتمع العلميّ؟
هل تعلم أنّ المجتمعات البشرية تعاني كثيرًا من الجهل؟ المجتمعات الإسلامية اليوم لا تمتلك الكثير من المعارف والعلوم التي تحتاج إالها في إدارة شؤونها وتحقيق التقدم والازدهار.. هل تعلم أنّ القرآن الكريم يتضمن كل ما تحتاج إليه البشرية من معارف وإنّه المصدر االوحيد للعلم فكيف نصل إلى معارف القرآن؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...