مستلزمات التحول التربوي في مجتمعنا
أين نجحنا وأين أخفقنا؟
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب ثورة التربية والتعليم
من إحدى الباحثات التربويات جاءنا السؤال التالي، وقد وجدت أنّ طرحه في مقدمة هذه المقالة يمكن أن يساهم في تسليط الضوء على موضوعنا بصورةٍ أفضل. وهذا السؤال هو:
"لماذا لم تدخل وثيقة التحول في التربية التي أُقرت في إيران حيز التنفيذ على مستوى المؤسسات التربوية وبقيت في إطارها النظري فقط، بعد سنواتٍ عديدة من إقرارها؟
هناك الكثير من النقاشات التي تدور حول الوثيقة في الأوساط العلمية، حول جدواها وحتى أصل وجودها.
هناك من يعتبر أنّ هذه الوثيقة تحتوي على مضامين مثالية جدًّا غير قابلة للتطبيق وبعيدة جدًّا عن الواقع التربوي في إيران أو أنّها تحوي قيمًا فضفاضة جدًّا وشاملة لكل ما يمكن أن يُتصور حول العمل التربوي، ويمكن إدراج أي عمل تربوي تحت مظلّتها أو أنها تحتمل الكثير من التأويلات وفيها الكثير من الإبهامات.
إحدى الملاحظات مثلًا حول أهدافها التي تبتغي إنسانًا مؤمنًا بكل أبعاده. إن أصل موضوع الإيمان هو أمر فردي ومرتبط بداخل الفرد، وبالتالي فإن العملية التربوية غير معنية بما يجري في نفس كل إنسان فهو أمر لا يمكن لأحد التنبؤ به ولا ضمانته.
مسألة وثيقة التحول بدت لي معضلة كبيرة في النظام التربوي للجمهورية الاسلامية، فهي وإن كانت تقدم رؤية إسلامية غاية في الجمال حول التربية، ولكنّها تبدو عقيمة أمام كل المشكلات الموجودة وحتى إن أحدًا لا يملك تصورًا عن كيفية تطبيقها وربطها بالواقع".
انتصرت الثورة الإسلامية في إيران، وانتصر معها تيار التغيير الاجتماعي والسياسي في الفكر الشيعي، فتأسست دولة على قاعدة التمهيد لدولة المهدي العالمية. ومنذ اللحظة الأولى لقيام النظام الإسلامي الجديد، كان قادته بصدد تطبيق ما تحدثوا عنه على مدى عقود النضال بشأن نظام التعليم والتربية في المجتمع.
تعاقبت الحكومات، وكان الهم المشترك أن يكون لإيران نظامها التعليمي الخاص والمبني على الأصول الإسلامية. ولكن ما هي هذه الأصول؟ وهل بإمكان مسؤولي النظام الإجماع أو الاتفاق عليها وسط هذا الاختلاف الفكري والمنهجي ما بين كلامي وفلسفي وعرفاني وتجريبي؟
العقبة الأولى التي برزت على هذا الطريق تمثلت في نقص المتخصصين الإسلاميين في مجال التربية والتعليم؛ هؤلاء الذين يُفترض أن يكونوا حلقة الوصل بين الأصول وبين متطلبات التخطيط للنظام التعليمي. وحين تم تجاوز هذه العقبة إلى حدٍّ ما وبرزت نخبة من الباحثين والأكاديميين في التربية والتعليم؛
أطلت العقبة الثانية برأسها لتكشف عن صعوبة التوافق على الأصول الفكرية والمباني النظرية لمثل هذه القضية الكبرى؛ لكن تدخل المرشد العام للثورة والحكومة في البلاد وإصراره على المضي في هذا العمل حتى نهايته، أدى إلى انبثاق لجان من الباحثين والمفكرين ذوي الاهتمام المشترك، أنتج في النهاية تدوينًا لما عُرف بالمباني النظرية للتعليم والتربية في الجمهورية الإسلامية، والتي اتّصفت بدرجة عالية من التناغم والانسجام.
وهكذا وبعد مرور ثلاثة عقود على إسقاط النظام الملكي التابع للغرب، وُضعت إيران ولأول مرة على الصراط المستقيم لقيام ثورة أخرى في أخطر قضية يمكن أن يعرفها أي مجتمع، ثورة التربية والتعليم. ومن رحم هذه المباني النظرية تمّ تدوين وثيقة للتحول التربوي تنظر إلى آفاق ما بعد عشرين سنة. وأضحت هذه الوثيقة الرسمية دليلًا مرشدًا لكل الأعمال والمشاريع التغييرية المرجوة.
الأهداف المطروحة والآمال المنشودة التي تضمنتها هذه الوثيقة كانت تحكي عن إنجازٍ استثنائي ما كان ليحدث في تاريخ الفكر الشيعي، لولا الإشراف المباشر لقيادة حكيمة حازمة. فما تحقق على مدى بضع سنوات، ربما كان ليحتاج في الماضي إلى بضعة قرون؛ وذلك كما نعلم بسبب طبيعة الاختلاف المنهجي للعلماء فيما يرتبط باستنباط الرؤية الكونية الإسلامية، واستحالة قيام أي إجماع حولها.
هكذا تولدت الرؤية الآفاقية التي رسمت لإيران أهداف التفوق الحضاري بعد طول انتظار. وكانت الأنظار مشدودة نحو حصول تحولٍ بنيوي تظهر آثاره بعد عشرين سنة كحدٍّ أقصى، من إقرار هذه الوثيقة التاريخية وتبنيها من جانب الحكومة؛ لكن شيئًا لم يحدث لحدّ الآن.
وباعتقادي، إنّ السبب الأساسي لمثل هذا الإخفاق يرجع بالدرجة الأولى إلى أنّ هذه الوثيقة ـ ورغم أهميتها النظرية ـ كانت تتطلب المزيد من الجهود التنظيرية المتوسطة التي تربط بين الأصول والمبادئ وبين ميادين التخطيط للمناهج والتحولات.
ولكي نعرف طبيعة هذا التعقيد وحجمه، يجب أن نتعرف إلى ما يحمله مصطلح التعليم العام من متطلبات، هي في الواقع أمور قد تبدو بعيدةً كل البعد عن تلك المبادئ والأهداف.
إنّ ما حصل هنا هو شيء شبيه باجتماع بضعة مفكّرين لأجل أن يضعوا تصورًا لسيارة المستقبل؛ فبدأوا بوصفها من ناحية الحجم والسرعة واستهلاك الوقود والسعة والقدرة والمتانة والرفاهية والراحة ومواكبة التقنيات الحديثة وتفاعل السائق معها و... لكنّ أحدًا من هؤلاء المفكرين الرؤيويين لم يكن يمتلك العلم والخبرة والمهارة اللازمة لتصميم هذه السيارة من الناحية التقنية والهندسية.
وهكذا ستبقى سيارة المستقبل حلمًا يدغدغ آمال الجميع، وهم ينتظرون مجيء ذلك المهندس القدير الذي يستطيع أن يحول الحلم إلى حقيقة. وقد تزداد المشكلة تعقيدًا إن علمنا بأنّ ما يمتلكه هؤلاء المفكرون من علمٍ ومعرفة لا يمكن أن يساعدهم على تحديد المهندس المناسب لمثل هذا المشروع. فشتان ما بين الرؤية والحلم، وبين الهندسة والميكانيك والصناعة.
ولكي لا نطيل الكلام حول عقبة التنفيذ هذه، نقول إنّ وثيقة التحول التربوي التعليمي، ورغم أنّها كانت مرحلةً تأسيسيةً مهمّةً وضرورية، لكنّها كانت تتطلب الشروع بمرحلة أخرى من التنظير الذي يصِل المبادئ بواقع التعليم. فإذا كان من أهداف هذه الرؤية "بناء الإنسان المؤمن الحر"، وتم تعريف معنى الإيمان وحقيقته وكذلك قيمة الحرية وآفاقها وفق الرؤية المستنبطة من منابع الإسلام، فإن هذا بحدّ ذاته لا يكفي لإعداد المناهج التي تحقق هذا الهدف، وبناء العملية التعليمية على أساسه. فهناك الكثير من الكلام الذي يبقى حول كيفية تشكل الإيمان في المراحل العمرية الأولى وتكامله وموانعه، ودور التعليم في هذا المجال وحدوده، وتأثير البيئة المدرسية وميادينها.
والأمر نفسه ينطبق على قضية الحرية وقضية التعلّم. ولئن حفل الفكر البشري بالتنظير في مجال التعلّم (كيف يتعلم الطفل وكيف تتكامل قواه الإدراكية عبر المراحل التعليمية المدرسية)، ما مكّن واضعي المناهج من الانطلاق من تصورات معينة، فإنّ الفكر الإسلامي هنا ما زال يحتاج إلى الكثير من الأبحاث والدراسات والنظريات فيما يرتبط بهذه الميادين والتحديات. حقًّا، هل نستطيع أن نقول إنّ هذه الوثيقة قد اتّصلت برؤية نظرية واضحة حول العلم والتعليم؟
فما نحتاج إليه لأجل البدء في تسييل الرؤية المستنبطة من أصول الإسلام هو تشكيل ثقافة وسيطة تربط الأصول بالعملية التعليمية؛ وعلينا أن نعترف بأنّ مساحة هذه الثقافة الوسيطة هي أكبر مما نتصور.
حين يريد معدّو المناهج أن يعالجوا قضية الإيمان في التعليم العام، فإنّهم سيبحثون عن الدراسات والرؤى والنظريات المفيدة في هذا المجال، وللأسف فإنّهم لن يجدوا ما يسعفهم. فقضية الإيمان ـ وكغيرها من القضايا القيمية التي ترتبط بالإنسان في الرؤية الإسلامية ـ لم تحظَ بنصيبها من الدراسات والأبحاث حين يصل الدور إلى عالم الطفل والتربية والمدرسة.
وهناك العديد من النقاط المحورية في الوثيقة التي تتطلب أعمالًا نظرية دؤوبة ترتبط بماهية العلم وكيفية حصوله والموقف الجوهري من العلوم التي أنتجها البشر في ظلّ الحضارة الغربية، وقد نمت وترعرت في بيئة لا تشبه البيئة التي نتطلع ونصبو إليها.
وهناك قضايا مفقودة ترتبط بظاهرة اللغة وتحولاتها ودورها في تشكل الفكر والرؤى والشخصية، وما الذي يمكن أن تحققه على صعيد تكامل القوى الإدراكية للإنسان عبر مراحل عمره المختلفة، وخصوصًا المرحلة المدرسية.
ولا شك بأنّ هناك أعمالًا بحثية عديدة تجري على قدمٍ وساق في البيئات الأكاديمية المختلفة، بيد أنّ ربط هذه الأعمال ونتائجها بالمشروع الكبير، يمثل تحديًا آخر لا يقل أهمية عن التحدي الثاني، وسوف نشير إلى عقباته وكيفية تجاوزها إن شاء الله.
المدرسة النموذجية
إنّ القوّة الأساسيّة للمدرسة النموذجيّة تكمن في برامجها ومناهجها التي تتميّز بقدرتها على تقديم المعارف والمهارات بأحدث الطرق وأسهلها، وتعتصر كل التراث العظيم للبشريّة وتتّصل بكامل التّراث الاسلامي وتقدّمه لطلّابها عبر السنوات الدراسيّة كأحد أعظم الكنوز المعرفيّة. وهكذا يتخرّج طلّابنا وهم متّصلون بهذا البحر العظيم لكلّ الإنجازات الحضاريّة في العالم كلّه ويمتلكون القدرة التحليليّة اللازمة لتمييز الخير من الشرّ في جميع أنحائه. المدرسة النموذجيّة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 140 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$
روح التربية
الإنسان لا يأتي إلى الدنيا فاسدًا. في البداية يأتي إلى الدنيا بفطرة جيّدة وهي الفطرة الإلهية "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَة"، وهذه هي الفطرة الإنسانية فطرة الصراط المستقيم والإسلام والتوحيد. أنواع التربية هي التي تفتح هذه الفطرة أو تسد الطريق على الفطرة. التربية هي التي يمكن أن توصل المجتمع إلى كماله المنشود، وهي التي تجعل البلاد إنسانية نموذجية كما يريدها الإسلام روح التربية الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 192 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$
المدرسة الإسلامية
يعرض لأخطر المشاكل وأهم القضايا حول أوضاع المدارس الحالية، التي تبنت المناهج الغربية، وذلك بالطبع بحثًا عن المدرسة المطلوبة التي تنسجم مع حاجات المجتمع وثقافته. كل ذلك من أجل بعث حركة فكرية جادة بين المهتمين بالتعليم عن طريق بناء الرؤية الشاملة للتربية التعليمية في الإسلام. المدرسة الإسلاميّة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 232 صفحةالطبعة الأولى، 2014مالسعر: 10$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
ثورة التربية والتعليم
يتطرّق الكتاب الرابع في سلسلة الأطروحة التربوية التعليمية التي يقدمها السيد عباس نورالدين إلى أهم القضايا التي تواجه أي ثورة حقيقية تريد إعادة إنتاج التربية التعليمية وفق استحقاقات العصر ومتطلّبات الزمان وبما يتناسب مع التحدّيات التي يعيشها مجتمعنا.الثورة التي يدعو إليها الكاتب تطال جميع مفاصل التربية التعليمية من رؤى ومناهج وقيم وحتى تلك التفاصيل التي تعني كل عامل أو مهتم بهذا المجال المصيري. ثورة التربية والتعليم الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 216 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-033-0 السعر: 12$
روح المجتمع
كتابٌ يُعدّ موسوعة شاملة ومرجعًا مهمًّا جدًّا يمتاز بالعمق والأصالة لكلّ من يحمل همّ تغيير المجتمع والسير به قدمًا نحو التكامل، يحدد للقارئ الأطر والأهداف والسياسات والمسؤوليات والأولويّات والغايات المرحليّة والنهائيّة في كلّ مجال من المجالات التي يمكن أن تشكّل عنصرًا فعّالًا في حركة التغيير، على ضوء كلمات قائد الثورة الإسلاميّة المعظّم روح المجتمع الكاتب: الإمام الخامنئي/ السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19*25غلاف كرتوني: 932 صفحةالطبعة الأولى، 2017م ISBN: 978-614-474-020-0 سعر النسخة الملوّنة: 100$سعر النسخة (أبيض وأسود): 34$ للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراءه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
حول أسلمة العلوم الطبيعية أو التطبيقية.. مبادئ أساسية لبناء المناهج
لا ينظر المؤمنون بالإسلام وقيمه إلى الحركة العلمية الغربية بارتياح عمومًا، ومنها ما يرتبط بالعلوم التي تمحورت حول دراسة الكون والطبيعة والإنسان؛ هذه العلوم التي عبّرت عن نفسها بمجموعة من الاختصاصات والفروع، وظهرت بنتاج هائل استوعب جهدًا كبيرًا للبشرية، فأصبح بسبب ضخامته وحضوره مدرسة عامة يتبنّاها العالم كلّه. فالمنهج الغربيّ في التعامل مع الطبيعة والكون والإنسان هو المنهج المعتمد اليوم في كل بلاد العالم دون استثناء. إلا إنّ المؤمنين بالإسلام متوجّسون من حركة الغرب عمومًا، لا سيّما حين ينظرون إلى نتائج هذه العلوم على مستوى علاقة الإنسان بربّه. لقد أضحت هذه العلوم علمانية بالكامل، ليس أنّها لا ترتبط باكتشاف مظاهر حضور الله وعظمته وتدبيره وربوبيته فحسب، بل أصبحت سببًا لحصول قطيعة بين الإنسان وخالقه؛ في حين أنّ هذه العلاقة هي أساس سعادة الإنسان وكماله. أضف إلى ذلك، الآثار الهدّامة المشهودة لهذه العلوم على مستوى التطبيق والتكنولوجيا.من هنا، فإنّنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، والعمل على تأسيس مقاربة أدق وأوسع وأشمل تجاه الكون والإنسان والوجود تنطلق من فهم فلسفة الوجود وغايته، فتكون عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف الكبرى.
تطوير منهج تعليم الدين... وأسس بناء الشخصية المتدينة
هناك إجماع واسع على أنّنا كمؤسسات تعليمية إن كنّا نريد الانسجام مع هويتنا وثقافتنا الأصيلة، فيجب أن نولي التعليم الديني المزيد من الاهتمام كمًّا ونوعًا. فالتحديات التي تواجه التدين والنظرة إلى الدين تضاعفت وتشعّبت إلى حدٍّ كبير؛ ولم تعد تلك المناهج التي أُعدت بذهنية وظروف العقود الماضية قادرة على تلبية تلك التطلعات وتحقيق ما فيها من أهداف.
ظاهرة اللغة كقضية في التعليم.. ما الذي يعرفه خريجو المناهج الحالية؟
إنّ اللغة كظاهرة كونية كانت ولا تزال تُعد أهم عنصر لقوة البشر؛ فلولا اللغة لما استطاع الإنسان أن يبلغ ما بلغه من شأن على مستوى الحضارة والعمران والفكر وحتى المعنويات؛ بيد أنّ العلاقة بين اللغة وهذه الإنجازات الكبرى لا تظهر بأي نحوٍ من الأنحاء في المناهج التعليمية الشائعة؛ بل نجد عملًا ممنهجًا يؤدي إلى طمسها بشتى السبل، والتي يصل بعضها الى درجة التآمر!
لنجعل القرآن محور التعليم المدرسي.. كيف نقارب إعداد المنهاج
النظر إلى المرحلة العمرية الحساسة والمفعمة بالنشاط والاندفاع والانفتاح ـ والتي يقضيها الإنسان في المدرسة ـ كفرصة كبرى لتحقيق أهم أهداف تعليم القرآن، يجب أن يكون على رأس أولويات المناهج التعليمية. فالقرآن هو كتاب الاتّصال بالله العظيم، والله هو منبع كل خير وكمال في الوجود كلّه وهو منتهى رغبة الراغبين وأمل الآملين. والقرآن هو الشافي من كل الأمراض الأخلاقية والنفسية، وهو محل ذكر الله الذي يطمئن القلوب ويمنحها السكينة والقوة والثبات. وفي القرآن كل علمٍ مفيد يحتاج إليه البشر لتحقيق سعادتهم المطلقة وتحقيق الحياة الطيبة والعيش الهنيء. القرآن هو صانع الشخصية القويمة المتوازنة التي تتمتع بكل القدرات المفيدة، ومنها القوة البيانية التي لها تأثير بالغ في حياته وفي تقدم المجتمع وسعادته. وبكلمةٍ وجيزة، يجب أن يكون القرآن الهدف الأعلى لحركة الإنسان ومسيرته العلمية.
المنهاج السليم في تدريس الدين... الأصول والقواعد
للنصوص الدينية وقعٌ عميق وبنّاء في النفوس، سواء كانت من القرآن الكريم وأحاديث المعصومين، أو ما صدر من علماء الدين الذين ذابوا في هذين الثقلين. وبالنسبة لنا لن نجد ما هو أبلغ وأكثر تأثيرًا من هذا التراث العظيم على مستوى ترسيخ الفضيلة والاندفاع نحو الكمال وصيانة النفوس من آفات هذا العصر.
المشروع الحضاري للتعليم العام.. كيف ننزل هذا المشروع في قالب المناهج المدرسية
السؤال الأساسي هنا هو أنّه كيف يمكن أن نجعل من المشروع الحضاري الكبير الذي نؤمن به منهاجًا دراسيًّا، بل محورًا أساسيًّا في التعليم العام، بحيث يمكن الوصول بالمتعلم إلى مستوى من الفهم والإيمان والتبني والمسؤولية تجاهه، حتى ينتقل إلى الحياة التخصصية والمهنية وقد جعل ذلك كله قائمًا عليه ومتوجهًا إليه.حين يتمكن المتعلم من رؤية الحياة كما هي في الحقيقة، لن ينخدع بعدها بهذه الظواهر: ناطحات السحاب، التكنولوجيا، الطائرات، العدد الكبير لسكان دولة، الدخل القومي الكبير.. فكل هذه المدنية وهذا العمران وهذه الآلات والأدوات لن تكون عاملًا يصرف ذهن هذا المتعلم عن حقيقة ما يجري، وسوف يجد نفسه منخرطًا بسهولة في المكان والموقف الحق الذي يعمل بصدق ووفاء على تحقيق صلاح البشرية والأرض.
كيف تكون الأرض مشروعًا تعليميًّا أساسيًّا؟ بدل التشرذم، تتضافر العلوم والمناهج
منذ أن حصل الطلاق بين العلوم التجريبية والفلسفة، والأرض تئن تحت وطأة التفلت العجيب في استخدام عناصرها ومكوّناتها بطريقة تنذر بكارثة وجودية. حين أصبح ما يُسمى اليوم بالعلم (أو الساينس) يمارَس لأجل "العلم" كما يُقال، فقد العمل البحثي في كل ما يتعلق بالأرض أي نوع من التوجه الهادف والمسؤول تجاه هذا الكوكب الذي يبدو أنّه الوحيد الحاضن للحياة.
كيف تصنع المناهج هم تهذيب النفس؟ إطلالة معمقة على دور المدرسة في التربية
يمكن للتعليم المدرسي أن يساهم مساهمة كبرى في توجيه المتعلم نحو أحد أكبر قضايا الحياة وأهمها وأكثرها تأثيرًا على حياته ومصيره، ألا وهي قضية تهذيب النفس والسير التكاملي إلى الله. ولا نقصد من التعليم المدرسي تلك البيئة الفيزيائية المتعارفة، التي يمكن أن تكون معارضة تمامًا لهذا النوع من التربية والتأثير، وإنّما المقصود هو المناهج التعليمية التي يمكن صياغتها وتطويرها بحيث تصبح قادرة على جعل قضية التكامل المعنوي الجوهري همًّا واهتمامًا أساسيًّا، يعيشه المتعلم ويمارسه في هذه المرحلة العمرية الحساسة.
المنهاج التربويّ للقرآن الكريم... كيف نحقّق الأهداف القرآنية؟
إنّ جميع الأهداف القرآنيّة أو الغايات الفرديّة والاجتماعيّة، التي أُنزل هذا الكتاب الإلهيّ من أجلها، إنّما تتحقّق في ظلّ السّعي الحثيث لتطبيق القرآن في الحياة. وهذا ما يحصل بعد اكتشاف المنظومة العامّة أو الخطّة الإلهيّة الشاملة التي فصّلها الله فيه.
هل يصح تدريس العلوم الطبيعية بمناهجها الحالية؟ وما هي الشروط التربوية لنجاح هذا التعليم؟
تعمد الأطروحة الجديدة للمدرسة النموذجية إلى إعادة النظر بشأن تعليم العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والأحياء وكذلك الرياضيات، وذلك بما يتناسب مع الرؤية المرتبطة بدور العلم في الحياة البشرية. لقد تم التركيز على هذه العلوم في المناهج الغربية باعتبار الموقعية المركزية لعالم المادة والطبيعة في الحياة البشرية. ففي الفكر الغربي المادي يُعد تسخير الطبيعة وعناصرها أساس السعادة البشرية، وذلك باعتبار أنّ المنشأ الأساسي للقدرة هو المادة. وبحسب هذا الفكر، بالقدرة يتمكن البشر من الوصول إلى السعادة أو حلّ المشكلات المختلفة... في حين أنّه بحسب الرؤية الكونية الدينية، فإنّ القدرة الأساسية (أي قدرة التغيير والتأثير) إنّما تتجلى في إرادة البشر. وهذه الإرادة لا تظهر فقط بالسيطرة على عناصر الطبيعة، وإنّما تظهر في سلوكياتهم وتعاملهم فيما بينهم في الاجتماع والسياسة. كما أنّ مستوى القدرة يتحدد وفق طبيعة استخدام عناصر الطبيعة وآلياتها وبرامجها؛ ممّا يعني أنّ هذه القدرة الناشئة من تسخير مواد الطبيعة إنّما تتبع أهداف البشر ونواياهم وكيفية استعمالهم لهذه المواد، لا مجرد تسخيرها كيفما كان.لذا يجب قبل أي شيء العمل على بناء الرؤية السليمة المرتبطة بدور الانسان في تسخير عالم المادة، ومدى تأثير ذلك على سعادة البشرية أو شقائها، وتعريف المتعلم إلى كل عناصر القدرة التي يمكن أن يحقق من خلالها سعادته وسعادة مجتمعه.
التعليم لأجل صناعة أبناء الآخرة.. أين هي القضية الأولى في المناهج؟
إن أردنا أن ننسجم مع رؤيتنا الكونية للوجود والمصير، ينبغي أن يكون للحياة الآخرة حضور أقوى في المناهج المدرسية، يتناسب إلى حدٍّ ما مع محوريتها وأولويتها. فكيف يمكن أن نعد الطالب المدرسي ليكون من أبناء الآخرة بدل أن يكون من أبناء الدنيا امتثالًا لقول أمير المؤمنين عليه السلام؟ المبدأ الأول الذي ينبغي أن تُبنى عليه مناهج التعليم هو ضرورة إعداد المتعلّم للتعامل مع قضايا الحياة الأساسية بما يتناسب مع أهميتها وتأثيرها ودورها في حياته. ولا شك بأنّ الحياة الآخرة هي القضية الأولى
تنمية العقل بمواجهة القضايا... كيف يمكن أن نبني منهاجًا حول محور القضايا؟
يصرّ المهتمّون والنقّاد على أنّ الكلام الكلّي والعام لا يفيد ولا ينفع في مجال التعليم المدرسي، لأنّ المشكلة كلّ المشكلة تكمن في كيفية تحويل عملية مواجهة القضايا إلى منهاج تعليمي يراعي شروط المراحل المدرسية. ومن حقّ هؤلاء أن يعترضوا أو يطالبوا بتقديم النموذج، لكن فطرية وبداهة ما ذكرناه حين الحديث عن التعليم المتمحور حول القضايا كان من المفترض أن تغني عن هذا النقاش؛ أضف إلى ذلك التجارب الذاتية التي يمكن لأي إنسان أن يكتشف معها دور تحليل قضايا الحياة في تنمية القدرات العقلية عند الطالب.
المجتمع والتاريخ محورًا في التعليم .. في المقاربات والمناهج والأهداف
للمجتمع في حركته دورٌ كبير في تكوين شخصية الإنسان وتحديد مصيره، فضلًا عن كونه من أبلغ الآيات الدالات على صفات الرب المتعال وحضوره. وكلما استطعنا ترسيخ هذه النظرة وتعميقها أصبح الإنسان أكثر تفاعلًا مع إحدى أهم سبل الوصول إلى كماله. وباختصار، يجب أن تأخذ المناهج التعليمية على عاتقها مهمة أساسية تتجلى في إيصال الإنسان إلى أعلى درجات التفاعل الإيجابي مع مجتمعه والمجتمعات البشرية قاطبة.
الدين كقضية أساسية في المناهج التعليمية.. مبادئ ومنطلقات
للمعارف المرتبطة بالأديان والمذاهب وخصوصًا الإسلام ميزة مهمة لا يمكن أن نجدها في أي مجال معرفي آخر مهما كان واسعًا؛ ويمكن أن نجعل من هذه الميزة نقطة تفوّق نوعي في شخصية المتعلم، الأمر الذي يرفع من شأنه ومن دوره وموقعيته في المجتمع. إنّ القدرة التي تمنحها العلوم المختلفة، مهما بلغت، لا يمكن أن ترقى إلى قدرة المعارف الدينية (وهذا بمعزل عن الحق والباطل). فالمهندسون والمخترعون والأطباء والتجار ورجال الأعمال لا يمكن أن يكون لهم من القدرة والتأثير في المجتمع كما يكون لمن يمتلك المعارف المرتبطة بحياة الإنسان ومصيره وسلوكه وروحه وتاريخه ومستقبله ونمط عيشه. ولو التفتت المناهج التعليمية في مدارسنا إلى هذه القضية وجعلتها محورًا أساسيًّا في التعليم لشهدنا عمّا قريب هذا التفوّق الذي نطمح إليه.
دور المناهج في تفعيل القوى الإدراكية... وكيف تنمو شخصية الإنسان التعلّمية
حين أصبح التعليم عامًّا وإلزاميًّا منذ الصغر، واجهت أكثر دول العالم تحديًا خاصًّا يرتبط بوضع مناهج تعليمية تتناسب مع القوى الإدراكية للأطفال وهم يسيرون على طريق النضج والرشد. وقد تمّ إعداد أكثر المناهج التعليمية في العالم على أساس الملاحظات التي قدمها علماء نفس وتربية حول النموّ الذهني أو العقلي أو درجة الذكاء وأنواعه في الإنسان.
كارثة تعليم اللغة العربية في المناهج الحالية.. وكيفية الخروج من هذه الورطة
نسمع كثيرًا من طلاب المدرسة تعبير "أنا لا أحب اللغة العربية". ودون أن نلتفت إلى خطورة هذا الأمر، نستمر في التسبب بهذه المشكلة. طريقتنا في تعليم اللغة العربية، وما نفعله من جعل تلامذتنا في مواجهة لغتهم الأم، تجعلنا أشبه بمن يتعمد تعميق المشكلة وإيصال أعزاءنا وأمانات الله بين أيدينا إلى هذه الحالة النفسية التي هي أسوأ ما يمكن أن يعيشه إنسانٌ عربي أو مسلم تجاه اللغة العربية.
أفضل مناهج دراسة الطبيعة، لماذا يجب أن نعيد النظر في تعليم هذه المواد؟
عرفت البشرية طوال تاريخها المديد منهجين أساسيين لدراسة الطبيعة. وقد انتصر ثم هيمن أحد هذين المنهجين بعد صراع لم يدم طويلًا. كان الأول يعتمد على فلسفة البحث من خلال طرح الأسئلة المرتبطة بالموقعية الوجودية لأي كائن أو عنصر طبيعي والبحث عن سر وجوده وعلاقته بغيره.
حول أسلمة العلوم التطبيقية والطبيعية... مبادئ أساسية لإعداد المناهج
لا ينظر المؤمنون بالإسلام وقيمه إلى الحركة العلمية الغربية بارتياح عمومًا، ومنها ما يرتبط بالعلوم التي تمحورت حول دراسة الكون والطبيعة والإنسان؛ هذه العلوم التي عبّرت عن نفسها بمجموعة من الاختصاصات والفروع، وظهرت بنتاج هائل استوعب جهدًا كبيرًا للبشرية، فأصبح بسبب ضخامته وحضوره مدرسة عامة يتبنّاها العالم كلّه. فالمنهج الغربيّ في التعامل مع الطبيعة والكون والإنسان هو المنهج المعتمد اليوم في كل بلاد العالم دون استثناء. إلا إنّ المؤمنين بالإسلام متوجّسون من حركة الغرب عمومًا، لا سيّما حين ينظرون إلى نتائج هذه العلوم على مستوى علاقة الإنسان بربّه. لقد أضحت هذه العلوم علمانية بالكامل، ليس أنّها لا ترتبط باكتشاف مظاهر حضور الله وعظمته وتدبيره وربوبيته فحسب، بل أصبحت سببًا لحصول قطيعة بين الإنسان وخالقه؛ في حين أنّ هذه العلاقة هي أساس سعادة الإنسان وكماله. أضف إلى ذلك، الآثار الهدّامة المشهودة لهذه العلوم على مستوى التطبيق والتكنولوجيا.من هنا، فإنّنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، والعمل على تأسيس مقاربة أدق وأوسع وأشمل تجاه الكون والإنسان والوجود تنطلق من فهم فلسفة الوجود وغايته، فتكون عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف الكبرى.
الطريقة الأمثل لتدريس الدين.. رؤية منهاجية ومعالجة تقنية
الدين الإلهي نظام حياة لأجل تحقيق إرادة الله في تكميل الإنسان والعالم. فهو مشروع عملي تطبيقي له أهداف محددة، لا مجرد اختبار أو امتحان. وأبعد ما يكون الدين عنه هو إشقاء الإنسان وتكبيده والإضرار به وتعذيبه. ففيه الحل لكل المشاكل المستعصية التي تعجز عقول الناس عنه، بالإضافة إلى أنّه أفضل وسيلة لتنمية العقول والاستزادة من أنوارها.إنّ إيمان الإنسان بالتكامل واعتقاده بأنّ حياته عبارة عن فرصة وحيدة لتحقيق هذا الهدف هو القاعدة الأولى لبناء الدين وصرحه المتين في النفس والقلب. وحين تهون نفس الإنسان عليه ويستقل شأنها، فسوف تضعف علاقته بالدين ولا يرى حاجة فيه. فإن كنّا نريد تقوية رابطة أبنائنا بهذا الدين الحق، فعلينا أن نبتكر كل وسيلة ممكنة لأجل ترسيخ شعورهم بأهمية الاهتمام بنفوسهم وارتباط ذلك بكل ما سيجري عليهم في الحياة الدنيا والآخرة.
كيف تتغلب المدرسة على العقبة الأولى أمام بناء المجتمع؟ لماذا تعزز مناهج اليوم النزعات الفردية وفرار الأدمغة
بالنسبة لأي مجتمع في العالم، لا يوجد ما هو أسوأ من تضييع الطاقات الشابة الخلاقة والفعالة التي يحتاج إليها للتقدم والازدهار وحتى البقاء.. شباب اليوم هم مدراء البلد والمسؤولون عن تقرير مصيره، والفارق الزمني الذي يفصل بينهما لا شيء مقارنة بعمر الأوطان؛ لهذا، فإنّ أي مجتمع سرعان ما سيلحظ الخسارة الكبرى من تضييع الطاقات الشابة.
المدرسة النموذجية: كيف ستكون المدرسة في المستقبل
إنّ القوّة الأساسيّة للمدرسة النموذجيّة تكمن في برامجها ومناهجها التي تتميّز بقدرتها على تقديم المعارف والمهارات بأحدث الطرق وأسهلها، وتعتصر كل التراث العظيم للبشريّة وتتّصل بكامل التّراث الاسلامي وتقدّمه لطلّابها عبر السنوات الدراسيّة كأحد أعظم الكنوز المعرفيّة. وهكذا يتخرّج طلّابنا وهم متّصلون بهذا البحر العظيم لكلّ الإنجازات الحضاريّة في العالم كلّه ويمتلكون القدرة التحليليّة اللازمة لتمييز الخير من الشرّ في جميع أنحائه.
المحور الأوّل للنّظام التعليميّ السّليم
من أهم القضايا التي تشغل بال أهل التربية والتعليم هي قضيّة العلم. لذا من أراد أن ينبي رؤية واضحة في التربية والتعليم يحتاج إلى تحديد موقفه من العلم.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...