استعد للهرم
كيف نجعل الشيخوخة أفضل مراحل الحياة
السيد عباس نورالدين
بالنسبة لأكثر الناس، إنّ الشيخوخة لا تعني سوى ضعف القوى الجسمانية والعقلية. ولا حاجة لتصوّر ما يمكن أن يؤدّي إليه هذا الضعف على مستوى التمتّع بملذّات الحياة المختلفة؛ لكن أسوأ ما يمكن أن يحصل هنا هو ذلك الذل والهوان، بسبب عدم تمكّننا من العمل والإنتاج المتناسب مع احتياجات ومتطلّبات هذه المرحلة العمرية الحساسة.
لا يمكن أن نلغي هذه المرحلة من تفكيرنا، وإن كان البعض منّا يتمنّى أن لا يصل إليها. لكن عدم الاستعداد الصحيح لها لن يزيدها إلا صعوبةً وعناءً. لأجل ذلك، فإنّ العاقل النبيه هو الذي يفهم ما تعنيه هذه المرحلة العمرية، ويدرك أنّها جزء من هذه الحياة، التي جعلها الله تعالى فرصة تكاملنا؛ وأكثر من ذلك، فهو يعمل ويستعد لها قبل مجيئها.
إذا كانت مشيئة الله تقضي أن يصل بعضنا إلى مرحلة ضعف الحواس والقوى، فيجب أن نسعى لفهم الحكمة في ذلك. والحكمة الإلهية ليست سوى ظل الخير المطلق. وهذا يعني أنّ مصلحتنا تكمن في الوصول إلى هذه الحالة.
هل يريد الله لعباده الذل والهوان؟ كلا وألف كلا. حاشاه، سبحانه وتعالى. فلا نقص في الوجود؛ وكل نقص فهو بيدنا نحن. وليس الذل في النهاية إلا أمرًا نحصده نتيجة ما زرعناه في البداية. ولهذا، يجب أن نعلم أنّ النجاة من ذلّ الشيخوخة يقع ضمن تكاليفنا ومسؤولياتنا في مرحلة الشباب.. فكيف يمكن أن نجتنب هذا الهوان؟
إنّ هدفي من هذه المقالة يتجاوز هذه الحالة السلبية. فباعتقادي أنّه يجب أن نقول: كيف يمكن أن نجعل من مرحلة الهرم والشيخوخة أجمل مراحل الحياة؟ ولا شك بأنّ هذا الكلام سيكون مستهجنًا وباعثًا على سخرية من لا يرى الحياة إلا هذه التنعّمات المادية والجسمانية.. ولكن لنبدأ أوّلًا من موضوع نفي الذل.
الذل الأكبر في أرذل العمر هو ذاك الحال الذي ينتج عن اضطراب قوانا العقلية حين نفقد القدرة على التمييز بين النقص والكمال، والشر والخير، والحسن والقبح. وبسبب ذلك نتّخذ قرارات غير صائبة، فنتعلّق بسفاسف الأمور ومحقّراتها، ونضن بما هو زائل وفان، وننصرف عمّا هو دائم وباق. فما أسخف حال من يتعلّق بقطعة أرض أو مال دنيوي وهو على مشارف الموت، بدل أن ينفقه في سبيل الله وفي سبيله الصالح، عسى أن يأخذ معه إلى آخرته زادًا. فتراه سرعان ما يغادر هذه الدنيا، ولن يحصد إلا حسرات وندامات على ما فرّط في جنب الله وأضاع من فرص لا تعوّض. وليس هذا إلا من ضعف العقل وقلّة الرشد. لو كان هذا الإنسان عاقلًا، لعلم أنّ الخير كلّه في الآخرة وفي تحصيل زادها والتكثير من حسناتها؛ لكنّك تراه يصر على ترك الأموال والمقتنيات مع علمه أنّ غيره لن ينفقها في طريقٍ يعود عليه بثوابٍ أو أجر.
من لم يعلم ما هو العقل، ولم يعمل على تنميته وتكميله في مرحلة الشباب والنشاط، كيف له أن يتمتّع بقواه وإمكاناته في مرحلة الضعف والهرم؟! فكل ذل في الحياة أصله فقدان العقل وعدم اتّباعه؛ لأنّ الذل يأتي من الخسران والحرمان ونقص الحظوظ والثواب. والخبر السار هنا هو أنّ قوانا العقلية قابلة للنموّ والازدياد على مدى العمر؛ بل إنّها تزداد قدرة حين تضعف التوجّهات والرغبات المادية والشهوانية (وهذا الضعف أمرٌ طبيعيّ في الشيخوخة).
إنّ أعلى اللذات وأرقى البهجات التي يتمتّع بها الإنسان هي تلك التي تنبع من الإدراك والوعي. وكلّما ازداد الوعي تجاه الوجود بجميع تجلّياته (الأنفسية والآفاقية) ازداد تمتّع الإنسان والتذاذه وسروره. لهذا، يمكن أن تكون مرحلة الهرم أجمل أوقات الحياة، إن استطعنا أن نمهّد لها بواسطة سلوك طريق التكامل العقليّ. وهو أمرٌ ممكنٌ وميسّر، وسوف يكون لنا كلام مفصّل حوله؛ لكن أساس ذلك كلّه هو كلمة واحدة، وهي: الزهد.
لا شيء يحرّر العقل ويعتقه من أسر الأوهام مثل الزهد وعدم التعلّق بمتاع الدنيا الزائل الفاني. "فكم من عقلٍ أسير تحت هوًى أمير"، كما قال من كان للمؤمنين أمير. ولا تنشأ الأهواء إلا بسبب التعلّق بالأمور المادية والدنيوية والحيثيات الباطلة والاعتبارات السخيفة. ويمكن لأي واحد منّا أن يجرّب هذا النوع من التحرّر والانعتاق في عمر الشباب، فيدرك مدى روعة الحياة المعنوية، وما فيها من بهجات ولذّات أعلى وأشد بكثير من ملاهي الماديات وعبثيتها؛ بل إنّ هذا التحرر الذي سيطلق العنان لقواه العقلية والروحية، سيضاعف من تمتّعه بماديات الحياة الضرورية أضعافًا كثيرة. وهذا ما نطلق عليه عنوان "روحنة الماديات".
إنّ الله أكرم من أن يبتلي عبده المؤمن الصالح الطالب للعزّة والكرامة الواقعية بفقدان العقل. فلا ينبغي أن نعتبر هذا البلاء إلا نتيجة تقصيرنا الفادح وإهمالنا المتعمّد. ولأنّ العقل القويّ السليم أساس القرارات والأحكام السليمة الحكيمة، ولأنّ القرارات الحكيمة سبيل الوصول إلى الخير والنفع، فمن المستحيل أن تكون نهاية حياة المؤمن العاقل ومراحلها الأخيرة حياة مقرونة بالخسران وما يجلبه عليه ذلك من ذلٍّ وهوان.
قد تصل حياة هذا المؤمن إلى أدنى درجات التمتّع بالماديات (فتحسبه فقيرًا)؛ لكنّه لو شاء لحصل على مال الدنيا وهو في هذا العمر المديد. فقد أعرض عن الكثير ممّا أنس به المترفون، لا لسبب إلا لأنّه مشغول بما هو أجمل وألذ. وهل هناك أجمل وألذ من أن يتمتّع الإنسان بمظاهر الوجود بواسطة إدراكها والتفاعل الواعي معها.
لقد قضى الغافل عمره وهو يصطاد السراب ظنًا منه أنّ الجمع والاعتبار والحيثية الاجتماعية والاقتناء هي التي تحقّق له السعادة والبهجة. أمّا العاقل فقد أدرك أنّ التفاعل مع نعم الله وكائناته وتجلّياته ووارداته وآثاره ومظاهره وآياته، هو أصل كل سعادة وبهجة وسرور وكرامة وكمال؛ لذلك، فهو يحفظ هذا الإدراك ويعمل على تفعيل هذا الوعي مع مرور الأيام، عالمًا متيقّنًا أنّ ذلك لا يكون إلا بالإعراض عن الأوهام والأباطيل والاعتبارات.
قد تضعف قوانا الحسّيّة والجسمانية في هرمنا، فنفقد بسبب ذلك أكثر من ثمانين بالمئة من قدراتها وإمكاناتها، لكن لأنّنا حفظنا العقل والإدراك، سنستمتع بالعشرين الباقية أكثر ممّا يستمتع به الشباب والأطفال؛ لأنّ أساس الاستمتاع والالتذاذ هو حياة القوى المعنوية والروحية، ولا يحصل ذلك إلا بالإقبال والاندفاع نحو عالمها الكبير اللامتناهي والاشتياق إليه.
فطالب الآخرة والسعادة الأبدية في ظلّ لقاء الله، هو الذي يزداد كل يوم بهجة وسرورًا والتذاذًا؛ وكيف لا يكون كذلك، وهو يقترب من هذا المصير!
وطالب الآخرة ورضوان الله، هو الذي يزداد كرامة وحبورًا؛ وكيف لا يكون كذلك، وهو ينعتق من أوهام الدنيا ويتحرّر من اعتباراتها السخيفة!
لأجل ذلك، يجب أن نرحّب بالشيخوخة ونستقبلها بالقلب والروح، مع كلّ ما قد تجلبه لنا من متاعب ونقائص. فهي المرحلة الأخيرة في سفرنا إلى النعيم المقيم والسعادة الأبدية.. ولا شك بأنّ المسافر كلّما اقترب من هدفه ومقصده سيصبح أكثر بهجةً وسرورًا.
إنّها المرحلة التي نعاين فيها الحقائق التي آمنّا بها بقلوبنا بعد أن اعتقدنا بها بعقولنا. وشتّان ما بين الإيمان واليقين. فقد انفتحت أبواب السماوات وصدح صوت النداء الملكوتي: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}.[1]
[1]. سورة الفجر، الآيات 27-30.
عشر قواعد لحياة روحية عظيمة
عشر قواعد أساسيّة تدلّنا على كيفية الوصول إلى حياة روحانية صاخبة فوّارة طيّبة مفعمة بالنشاط والاندفاع. 10 قواعد لحياة روحية عظيمة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 160 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 7.5$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
أطوار القلوب
بأسلوب يراعي الإيجاز والتسهيل، مزدان بالرسوم والصور التعبيرية المميزة، يسعى الكتاب لتقديم الرؤية الشاملة لأحوال القلوب وأطوارها ومنازلها وآثار كل مقام وعلاماته، ليكون هذا الكتاب دليلا مرشدًا لكل من يحب أن يتجول في عالم المعنويات والروح دون أن يغرق في المصطلحات والتعقيدات العلمية.إنه دليل موجز لرحلة السالكين في عالم المعنى. أطوار القلوب الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19.5*19.5غلاف ورقي: 96 صفحةالطبعة الأولى، 2008م
سفر إلى الملكوت
المبادئ الأساسيّة لبناء حياة معنويّة رائعة.كتاب يتحدّى تفكيرنا ويحثّنا على إعادة النظر بما كنا نعتبره من المسلّمات أو الأمور التي لا تحتاج إلى تعمّق وتدبّر. سفر إلى الملكوت الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 406 صفحاتالطبعة الرابعة، 2017مالسعر: 10$ تعرّف أكثر إلى الكتاب من خلال الكاتب يمكنكم شراء الكتاب عبر موقع جملون على الرابط التالي:
الحياة الحقيقية
كل لذة نشعر بها أو سعادة نعيشها أو بهجة نأنس بها صغيرة أو كبيرة ترتبط بدرجة الحياة التي نمتلكها.. فما هي أعلى درجة من الحياة يمكن أن يصل إليها الإنسان وكيف تتحقق؟ هذا ما يجيب عنه هذا الكتاب المزدان بالرسوم الجميلة والبيانات الرائعة. الحياة الحقيقيّة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 20*19.5غلاف ورقي: 96 صفحةالطبعة الأولى، 2010م يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي: النيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=0وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء
دروب الحياة
أراد الله خليفة له، يظهر عظيم صفاته في جميع مراتب الوجود، فخلق الإنسان.. وأحب الله أن يعرف في سره المكنون فأبدع الإنسان... وشاء الله لأقرب الخلق إليه أن يعبدوه حقًّا فصوّر الإنسان... وكان لعلماء الإسلام شرف الحديث عن الإنسان في أجمل بيان، ففاقوا غيرهم في أعظم فن من الفنون. وحينما كان الغربيون يتباهون في رسم تقاسيم جسده وجمال صورته، كان العرفاء المسلمون يغوصون في أعماق روحه ليستخرجوا من بحارها أجمل وأروع المشاهد والمعاني. وما يقدمه هذا الكتاب هو صورة مصغرة عن حقيقة هذا الإنسان. دروب الحياة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 20*20غلاف ورقي: 48 صفحةالطبعة الأولى، 2006م
ذلك الرجل الخمسيني البائس... ماذا لو أصبحت عاطلًا عن العمل وأنت في الخمسين؟
من المشاهد المؤلمة التي لا أنساها ما حييت حين كنت أرى رجلًا خمسينيًّا لم يهرم ولم يفقد قواه ونشاطه، لكنّه فقد وظيفته، وهو مع ذلك لا يجد عملًا يؤمّن لعائلته قوت يومها وحاجاتها الأساسية؛ كنت أراه مضطربًا حائرًا وقد انطفأت شعلة الحياة من عينيه رغم أنّه ما زال في منتصف العمر.
الحياة الغنيّة للمؤمن
قال أمير المؤمنين عليه السلام في صفة المؤمن: "الْمُؤْمِنُ... بَعِيدٌ هَمُّهُ، كَثِيرٌ صَمْتُهُ، مَشْغُولٌ وَقْتُه".[1] تتميّز حياة المؤمن الواقعيّ بغنًى واسعٍ يثري نفسه بأعمق المشاعر وأجملها. وليس هذا بعجيب لمن أدرك سعة الفرص التي جعلها الله تعالى في هذا الكون. فلو نظرنا إلى العالم المحيط بنا لرأينا الكثير الكثير ممّا يمكن أن نقوم به في الليل والنهار، ويعود علينا بالنفع والفائدة.
ما معنى أن أكون مؤمنًا؟ العلامة الفارقة للإيمان الحقيقي
الإيمان الذي نتحدّث عنه هنا هو الإيمان بحقيقة كبرى هي أصل كل حقيقة في هذا العالم. أمّا الإيمان بأي حقيقة فهو موجود عند أكثر الناس. إنّه عبارة عن حالة نفسية يذعن معها الإنسان بشيء ما، ويشعر به، ويتعامل معه بمقتضاه. وهذه الميزة الأخيرة هي التي تميّز الإيمان عن العلم. لذلك قيل أنّ الإيمان كلّه عمل، ولا إيمان بلا عمل.
الحياة الجميلة للإنسان المؤمن... كيف نملأ حياتنا بالفرح والبهجة؟
لكلّ إنسان آمن بسعة رحمة الله، حياة صاخبة مذهلة. فهو يعتقد بأنّ الله تعالى قد أعدّ له كل خير وكمال، وهو يفيضه على كلّ الكائنات دون حظرٍ أو انقطاع. فالحياة بالنسبة إليه مليئة بالفرص، ولا شيء يجعلها بهيجة مفرحة مثل اغتنام هذه الفرص والاستحواذ عليها.
المقالة الأولى، الفصل 12: في الإشارة إلى أنّ حب الدنيا منشأ لتشتت الخيال 2
كيف نتخلص من حبّ الدنيا الذي يعدّ مانعًا أساسيًا من حضور القلب وتوجهه إلى المعبود؟
المقالة الأولى، الفصل 12: في الإشارة إلى أن حب الدنيا منشأ لتشتت الخيال 1
حب الدنيا ليس رأس كل خطيئة فقط، بل هو عامل أساسي في حرمان الإنسان من لذة الصلاة وآثار العبادات.
المقالة الأولى، الفصل 12: في الإشارة إلى أنّ حب الدنيا منشأ لتشتت الخيال 3
العلاج العملي لمرض تعلّق القلب بالدنيا وزينتها وزخرفها واعتباراتها.
11-إحياء العقل والفطرة
كيف نصون الفطرة من التشوه؟ وكيف نزيل القيود التي تحدّ من العقل؟ وفي حال سقطت فطرتنا في مستنقع التلوث واحتجب عقلنا بفعل أسر الأهواء، كيف يمكننا أن نستعيد هاتين القوتين الإلهيتين الضامنتين للحياة المعنوية؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...