لماذا يستحيل إنتاج دراما إسلامية؟
كيف نؤسّس لهذا المجال المحوري
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب على طريق بناء المجتمع التقدّمي
منذ انبعاث الصحوة الإسلامية وتشكُّلها في إطار الدول والمنظمات، بات بإمكان المهتمين بنشر الفكر وترسيخ القيم الثقافية العمل على إنتاج أعمال درامية تتناسب مع الاستحقاقات والتحديات. المشروع الإسلامي الثوري النهضوي ما زال يواجه تهديدات وجودية، وأمامه استحقاقات كبرى وآفاق رحبة. وباختصار، لم تصل هذه النهضة إلى خواتيمها، بل يمكن القول بأنّها ما زالت في بداياتها رغم الإنجازات المهمّة التي حقّقتها.
ورغم بعض الموانع النفسية والفكرية والفقهية، تم إنتاج أعمال درامية كثيرة؛ لكن الدور الذي يُفترض أن يؤديه عالم الدراما في واقعنا ومشروعنا لم يتحقق بعد. موقعية الدراما وسط كل هذا النشاط الصاخب مفقودة. يصعب أن نشير إلى أي عمل درامي تمّ إنتاجه على مدى هذه العقود الأربعة، ونقول إنّه كان مؤثّرًا ومفصليًّا في أي قضية حساسة، هذا بالرغم من وجود الكثير من القضايا الحساسة.
حين ينشغل بال الناس في قضايا تؤرقهم وتقضّ مضاجعهم، فمن الطبيعي أن تكون أي مساهمة جادّة في معالجتها والتعامل معها عاملًا مهمًّا للجذب والتوجيه نحو الحلول المطلوبة. لا يبدو لنا أنّ الدراما كانت حاضرة في أي واحدة من هذه القضايا. هذا هو الإشكال الأكبر. دائمًا ما يبدو أنّ الدراما متأخّرة عن هموم الناس واهتماماتهم الكبرى وهواجسهم. الدراما الإسلامية ليست قريبة من الموقع الريادي الذي يُفترض أن تشغله، ولهذا أسبابه العديدة. التعرُّف إلى هذه الأسباب قد يساعد أهل القرار والمال على بذل جهدٍ مناسب في المكان المناسب.
إنّ ضعف قناعة المسؤولين بدور الدراما المحوري وتأثيرها البالغ يمنعهم من وضع خطط استراتيجية في هذا المجال. وهكذا يمكنهم إلقاء اللائمة على الآخرين أنّى شاؤوا. "لا يوجد كُتّاب ولا يوجد نصوص مناسبة". تتكرر الشكاية والتذمُّر، ولا أحد يعرف كيف يحل هذه المشكلة.
الإمكانات موجودة: معدّات ومُخرجون وممثّلون ونفقات؛ لكنّ النصوص المتناسبة مع عمق التحدّيات غير مُتاحة. يتصور هؤلاء أنّ الكُتّاب يخلقون من الفراغ. الهموم الكبرى التي يعيشها المسؤولون في مختلف المستويات، وبعضهم يفهم جيدًا عواملها وأسبابها وسبل الخروج منها، لكنّهم لا يُدركون أنّ عليهم تقديمها وجعلها في متناول يد أهل القلم. هل وصلت سيناريوهات وقصص أفلام الشرطة والجريمة إلى هذا المستوى من الإبداع والعمق لو لم تفتح مراكز الشرطة المجال للوصول إلى وثائقها وملفّاتها؟
يوجد حلقة مفقودة بين من يُدرك الواقع ويعيش همومه وتفاصيله وبين من يُمكن أن يوصله إلى الناس. النشاط الأدبي الإسلامي يتحرّك في مسارٍ آخر ليس قريبًا من الواقع الذي يُدركه المسؤولون الكبار والمؤثرون المهمون في الأحداث والمسار. لو دخلت إلى عقول هؤلاء المسؤولين لرأيت واقعًا مختلفًا تمامًا عن الذي تقرأه في الكتب أو تشاهده في الدراما الإسلامية. لفت نظري مسلسل عُرض مؤخرًا في القنوات الإيرانية يتناول جرائم وملفات تتعلق بالفساد الاقتصادي. ما لفت نظري بالتحديد هو أنّ كاتب السيناريو قد كُلّف من قبل الجهاز القضائي هناك. يمكن القول إنّ هذا المسلسل هو نتاج مجلس القضاء نفسه. وفي الحلقة الأخيرة تم عرض مقاطع من تصوير المسلسل، حيث نشاهد قاضي القضاة متفقدًا لهذه العملية.
نقطة تحوُّل تدل على مدى وعي مسؤول بضرورة محاربة الفساد عبر التوعية العامة. وهل يوجد ما هو أهم وأيسر من الدراما لتحقيق ذلك؟!
وراء الكثير من الأعمال الدرامية الكبرى في الغرب مذكّرات لرؤساء وشخصيات كبيرة كان لها تأثيرٌ كبير على مسرح الأحداث. يجد كُتّاب الأفلام الكثير من الوثائق والمصادر المُلهمة. وما لم يتم نقل تجاربنا وهمومنا الكبرى وتحويلها إلى مادة وسيطة، لا ينبغي أن نتوقع انبعاث دراما إسلامية تؤدي دورها المطلوب.
هكذا استشهد عظماء عندنا ولم نجد لعظمتهم أثرًا يمكن البناء عليه لعرض عظمتهم الواقعية. هكذا تضيع عظمة الكثير من المسؤولين العاملين المضحين الساهرين المتصدين لأعظم القضايا وأهم الشؤون، لأن هؤلاء لا يعملون على نقل تجاربهم وبث همومهم للآخرين. يتصورون أنّ الاستمرار في العمل والتضحية كافٍ لتحقيق الأهداف المنشودة، غافلين عن أنّ مشاركة الآخرين وخصوصًا الأجيال المقبلة ضرورية لاستمرار النهضة وتألُّقها.
الحق الأعلى في الجمال.. أين هي مكامن القصة الساحرة؟
إنّ الاهتداء إلى الحق والجمال الواقعي غير ممكن إلا بمعرفة الباطل والقبح. "إنما تُعرف الأشياء بأضدادها"، مقولة دقيقة تبقى إلى أبد الدهر.
لماذا الإقبال على القصص والروايات؟
ينشط سوق القصّة والرواية حتى في العصر الرقمي. فما الذي يدفع القرّاء إلى مطالعة مجلّدات ضخمة في الوقت الذي اعتادت أذهانهم على المقاطع القصيرة في قنوات التواصل الاجتماعي؟ هذا السؤال يمكن أن يساعدنا في الكشف عن أحد أهم أسرار الكتابة الناجحة.
أهمية حضور السينما في المدارس... أي دور تربويّ وتعليمي يمكن أن يتحقّق هنا؟
إنّ قدرة السينما على إمتاع حواس وخيالات وعقول الناس وحتى أرواحهم، جعلها تستحوذ على ثروات وإمكانات هائلة؛ الأمر الذي مكّنها من الاتّصال القويّ والواسع بالتراث المعرفيّ البشريّ والهيمنة على العديد من مجالات إنتاجه.
كيف نتفوّق في السينما؟ إذا كنّا نريد العزّة لأمتنا فلا مناص من نهضة أدبية متفوقة
إذا كنّا ندرك حجم تأثير الإعلام والسينما والدراما، وأردنا الخلاص من براثن هذه القوّة الغربيّة المشؤومة، فلا مناص من العمل على بناء صرحٍ إعلاميّ إسلاميّ أصيل، ينبع من ثقافتنا وديننا ورؤيتنا الكونيّة.
السلاح الاستراتيجي الذي سيغيّر مصير شعوبنا.. وما هي الطريقة لصناعته؟
المجتمع المقاوم هو الذي يكون جميع أفراده في أزمنة الرخاء والهدنة متوجهين بالكامل إلى وقت المواجهة الكبرى مع العدو المتربص والمحتل، حيث يعمل الجميع (أو الأكثرية) على الإعداد والاستعداد لهذه الأيام بكل ما يمكنهم من طاقة وجهد؛ فإن لم يحصل مثل هذا التوجه، فهذا المجتمع لن يكون مجتمعًا مقاومًا بالحقيقة، وسوف يقع كل الجهد والعناء على فئة قليلة منه حين اشتعال الحروب.
لماذا يجب التركيز على الدراما.. نحو امتلاك أهم قوة تأثير في العالم
يتفاعل البشر كثيرًا مع الأفكار والأطروحات وأي حديث يرتبط بواقعهم، والسبب يكمن في الأسرار والألغاز التي لا تزال تشغل هذا الواقع وتنبعث منه.. يريد كل واحد منّا أن يفهم واقعه لكي يتحكم به؛ فلا شيء يُقلق الإنسان مثل أن يكون ريشة في مهب رياح حوادث الحياة.
ما هي السينما الإسلاميّة؟
إذا أردنا الحديث عن سينما تكون وسيلةً لترسيخ الالتزام بالقيم السّامية واكتساب المعارف العميقة وتوسعة البصيرة والوعي، فلا بدّ من الحديث عن سينما تنافس هوليوود أو تكون عاملًا أساسيًّا في إحباط باطلها وإزهاقه.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...