
لماذا تعجز المقاومات عن تغيير بلادها.. وجدلية القدرة والفعل
الكاتب والمفكر السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب أي مجتمع نريد
الحياة الاجتماعية بكل شؤونها وقضاياها ساحة مهمة لاختبار أعظم تجربة في الوجود. وكلما أضحت هذه الساحة صاخبة بالأحداث المصيرية، كانت فرصها أعظم وأفضل. لقد منّ الله علينا بأن جعلنا في قلب أحداث العالم وفي الخطوط الأمامية لأكبر المواجهات الحضارية. وبفضل ذلك كان طريقنا إلى معرفة الله والشعور بحضوره أيسر وأسرع.
شاء الله أن يكون لبنان بلدًا تتعارك فيه الحضارات نظرًا لتنوع خيارات طوائفه، ونظرًا لوقوعه على الحدود الشمالية للكيان الاستعماري الغربي المسمى بإسرائيل. فكان علينا أن نخوض بصورة دائمة تحديات تفوق قدراتنا وأن نواجه تهديدات لا تقتصر على وجودنا.
بات الكثيرون مؤخرًا يستشعرون أنّ المواجهة في الواقع لم تكن مع كيان صغير، بل مع أمريكا ومعها الكثير من دول العالم، وأن التهديد كان ثقافيًا أكثر منه وجوديًا. وحين نفهم طبيعة هذه التحديات والتهديدات، سندرك جيدًا حقيقة آثارها على واقعنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. فمن الذي يشكك اليوم في أنّ الانهيار المالي في لبنان لم يكن فعل أمريكا وحلفائها الإقليميين. نعم، قد نختلف في اتهام الأدوات الداخلية ومستوى تآمرها أو خذلانها للبنانيين.
كل هذا بات معروفًا، لكن الاختلاف اليوم في ساحتنا التي تسمع وتناقش يدور بمعظمه حول الفعل الصائب والمطلوب لمواجهة تلك الآثار. فبعد الإجماع على دور المقاومة في تحرير الوطن وحمايته، يناقش البعض دورها في القضاء على الفساد الذي طال البشر والشجر والحجر. أكثر الذين يلومون المقاومة، بل ويصل بهم الأمر إلى حد اتهامها ـ سواء كان ذلك صراخ متألم أو اشتباه مفكر ـ يتوقعون منها أن تفعل الكثير مما لا تفعله!
حين تعظم التوقعات تكبر الخيبة، ومع الخيبة يتولد السخط، وربما يصل إلى حد الفعل العدائي، وهو أمر يجب على قيادات المقاومة ومسؤوليها أن يأخذوه بعين الاعتبار. فلا يوجد شعب في العالم يحاسب مسؤوليه على إنجازاتهم السابقة فقط أو على بعض إنجازاتهم، بل المحاسبة تتم على أساس ما هو متوقَّع منهم. والتوقع ينشأ من دائرة المسؤولية التي يتحملونها أو التي تُنتظر منهم.
إنّ توقُّع اللبنانيين من المقاومة أن تقضي على الفساد من جذوره هو أمرٌ طبيعي جدًّا، خصوصًا إذا خرجت هذه المقاومة ظافرة منتصرة في حروب شبه كونية! هذه المقاومة التي هزمت مشروع أمريكا في شرق أوسط جديد، ليست بالقوة التي يُستهان بها أو التي يُفترض أن تكون عاجزة عن إحداث تحوّلٍ ثوري في ساحة صغيرة كلبنان. كل المراقبين في العالم ينظرون إلى المقاومة في لبنان من هذا المنظار. فلا يُلام بعض اللبنانيين إن حاسبوا المقاومة أو طالبوها بمثل ذلك. لكن اللوم يقع على الذهن المفكر الذي يعجز عن فهم طبيعة القدرة وأبعادها. فالقدرات التي تتمتع بها أي جماعة بشرية هي أمور نسبية غير مطلقة إلا في حالة واحدة قد يسعفنا المقال لذكرها.
بعض الجماعات تظهر قوية جدًا إذا كان العدو المقابل لها ضعيفًا وبيته كبيت العنكبوت. وقد يكون ضعف العدو من ضعف إرادته أو من التخبط أو التمزق الداخلي الذي يعاني منه.
بعض الجماعات تكون قوية جدًا في مجالٍ ما، كالمجال العسكري، نظرًا لتركيزها الدائم على بناء هذه القدرات على مدى عقود.
وبعض الجماعات تصبح قوية جدًا بفعل القضية التي تتبناها وتستقطب التأييد الجماهيري الواسع حولها، في حين أنها تصبح ضعيفة جدًا في قضية أخرى.
فما أسهل أن تجمع التأييد الشعبي حول تحرير الأرض، وما أصعب أن تحصل على ذلك في مواجهة فساد متجذر في عمق بناء الكيان الطائفي!
من الطبيعي والمطلوب أن تحشد المقاومة كل إمكاناتها في الانتخابات وأن تقول للعالم الذي يهددها بحرب سياسية شاملة أنها قوية جدًا وقادرة على الصمود، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنها تمتلك القدرة اللازمة للقضاء على فساد أمراء الطوائف الذين أصبحوا بنظر أتباعهم أربابًا من دون الله.
نتذكر أن التوقعات الزائدة عن الحد هي سبب الخيبة. لكن يجب أن نتذكر أيضًا بأن القدرة ليست أمرًا ثابتًا، بل يمكن أن تتعاظم في حال عرفنا كيف يحصل ذلك. فلا شيء يمكن أن يُثبت بأنّ المقاومة من حيث القابلية والاستعداد غير قادرة على تغيير لبنان كله وإعادة بناء نظامه السياسي الاجتماعي، لكننا نحتاج إلى فهم العوامل التي توصل المقاومة إلى هذه القدرة وتفعّل استعداداتها الكامنة وتنقلها إلى حالة الفعلية والظهور.. وأتصور أنّ النقاش البنّاء والحيوي والجميل هو الذي سيدور حول هذه القضية بالذات.
اعترف قادة المقاومة مرارًا بمستوى قدراتهم في القضايا الداخلية، ولم يخدعوا جمهورهم بادّعاء القدرة المطلقة. لكن هذا الجمهور هو اليوم أحوج ما يكون إلى معرفة خارطة الطريق التي توصلنا إلى الوضع المنشود والمأمول عند كل شعوب العالم بدءًا من القضاء على الفساد، ومرورًا بإقامة العدالة وانتهاءً بتحقيق الازدهار المستديم. ولا شك بأنّ هذا كله يعتمد على نوعٍ خاص من الاقتدار. فالقدرة هي العنصر المحوري في التغيير.
إنّ طبيعة العمل العسكري للمقاومة وتعقيداته تُفرز دائمًا جمهورًا غير مشارك بصورة مباشرة، وعندها لن يشعر هذا الجمهور بتلك القدرة التي يستشعرها العسكريون. ولهذا، فإنّ من أولى أولويات العمل السياسي إشعار الناس بأنهم قادرون حقًا. ولكي يحصل ذلك يجب أن يعرفوا أولًا كيف يصبحون كذلك.
إننا نتحدث عن قدرة نوعية متميزة إن كنا بصدد مواجهة الفساد في لبنان. هذا الفساد الذي لا يفهمه من لا يدرك طبيعة النظام اللبناني وتشكيل كيانه الطائفي. ففي بعض الدول كان يكفي أن تنزل الجماهير إلى الساحات لتقلب النظام السياسي وتحدث ثورة، فهل يمكن ذلك في لبنان؟ لقد جربنا وشاهدنا هذا الفعل الجماهيري ومدى تأثيره.
لا تتسع هذه المقالة لطرح هذا المشروع، لكننا نؤمن بأنّ الاتصال بمنبع القدرة المطلقة ميسّر وأنّ طريقه واضح، وحين يحصل ذلك فلن تقدر أي قدرة في العالم على مواجهتها، حتى لو كانت قدرة لوردات الطوائف اللبنانية.
كل شعب أو جماعة تستطيع أن تتصل بقدرة الله شرط أن تسلك طريقه. والبداية تكون في حصول هذه القناعة عند الناس والمسؤولين. لقد قالها الإمام الخميني وطبقها في ثورته الكبرى حين خاطب الشعب الإيراني قائلًا: "ما دمتم متصلين بقدرة الله المطلقة، فلن تهزمكم أي قدرة في العالم".

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

هل يوجد خيار غير المقاومة؟ ماذا تحكي لنا انتخابات 2022
تكرر في الآونة الأخيرة سؤالي إن كنت سأقترع في الانتخابات! كنت في البداية أتعجب من هذا السؤال وأقول كيف يُطرح مثل هذا السؤال على شخص له في إثبات ولاية الفقيه وتأييدها كتابان وعشرات المقالات، لكن التأمل في طبيعة الذين كانوا يسألونني جعلني أعيد النظر!

1- الوعي السياسي... لماذا؟
ما هي ضرورة الوعي السياسي؟وما هي عواقب الغفلة السياسيّة؟ما هي أهداف البصيرة السياسية؟وإلى ماذا نحتاج لنكتسب الوعي السياسي؟

عوامل تقوية الوعي السياسي... متابعة مواقف الفاعلين في صناعة الواقع السياسيّ
يمكن تقسيم الناشطين في المجال السياسي إلى فئتين أساسيتين: 1- الفئة الأولى: الفاعلة 2- والفئة الثانية: المنفعلة. أما الفاعل فهو الذي يمتلك هدفًا ويسعى لتحقيقه.وأمّا المنفعل فهو ذاك الذي ينفعل تجاه فاعلية الأول، فهو لا يملك هدفًا، وإن كان يمتلك رغبات أو طموحات أو أماني ووضعها في قالب الأهداف، فإنّه لا يسعى لتحقيقها بل يكون منفعلًا وشهوانيًا وغضوبًا، بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معنى. بالطبع، هناك فئة ثالثة لا تدخل ضمن النشاط السياسي، وهي الفئة التي ارتضت لنفسها أن تكون منقادة ومنساقة وغافلة وغير مكترثة.الفئة التي تهمنا هي الفئة الفاعلة التي تنطلق من أهداف كبيرة واستراتيجية، ومن رؤى وأطروحات تعمل على تطبيقها، لأنّها فاعلة لا مجرّد منظّرة، أي إنّها تمتلك أدوات وطاقات وإمكانات تستعملها في مجال الوصول إلى تلك الأهداف. هذه الفئة يمكن أن تكون بعملها وأدائها صانعةً للواقع السياسي؛ وحين تتحرّك نحو تلك الأهداف، فسوف تمتلك الوعي السياسي وتكتشف القوانين والسنن الحاكمة على حياة البشر والمجتمعات والتاريخ. لذلك أعتقد أنّ مواكبة ومتابعة هذه الفئة في مواقفها وتصريحاتها وفي دروسها وشروحاتها هذه، يعطينا وعيًا سياسيًا مميزًا.

عوامل تقوية الوعي السياسي.. امتلاك الرؤية الكونية الصحيحة
ما هو دور معرفة الرؤية الكونية الصحيحة في الوعي السياسي؟ كيف نتعرّف على السنن والقوانين الاجتماعية ونطبّقها على واقعنا الحالي؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...