
الشراكة الزوجية... إعادة نظر في الشروط
من أين نبدأ عند اختيار شريك لحياتنا؟
الكاتب المفكر السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب شركاء الحياة
مع ازدياد التوجه نحو الرومانسية تتغير النظرة إلى شريك الحياة الزوجية من حيث التوقعات والمواصفات اللازمة. من الطبيعي أن يحلم كل شاب بشخص يشاركه رحلة الحياة بكل أبعادها وتفاصيلها. لكن هل يمكن لمثل هذه الأحلام أن تكون سببًا لحرماننا من أهم بهجات الحياة؟! هذا ما يستدعي إعادة النظر في معنى الشراكة الزوجية.
قبل أن تجتاحنا أمواج الرومانسية المختلفة الآتية من الثقافة الغربية، يبدو أننا لم نكن نمتلك سوى أقل القليل من هذه التوجهات الإنسانية والمعنوية، ولهذا قصته المفصلة.. ظهر آباؤنا وأجدادنا كأشخاص لا يعرفون من الحياة سوى المعيشة والبقاء والتناسل. من النادر أن نسمع عن أجداد أحبوا وعشقوا. غالبًا ما كان يتم اختيار الزوج والزوجة على أساس تأمين الخدمات اللازمة للأسرة. واشتهر فحص الفتاة المخطوبة من حيث قدرتها على العجن وتحطيم الجوز بأسنانها. ربما سُمّي الزوج جوزًا في منطقتنا بسبب الحاجة إلى التحطيم أيضًا!
كانت الحياة رتيبة ذات بعد واحد، فلا معنى للمسير والرحلة فيها، فضلًا عن الهدف الكبير والطموح العالي. ظن بعض الناس أنّ التحول إلى الإنسانية والبحث عن الذات قد جرى على النساء في مجتمعاتنا فقط، وغفلوا عن أنّ القضية شملت الرجال أيضًا. في عصر هجوم الرومانسية، لم تكن المرأة وحدها من سعى لاكتشاف ذاته(وهذا كله بمعزل عما توصلت إليه رحلة البحث والاكتشاف وأدواته)، بل سار كل من الرجل والمرأة جنبًا إلى جنب في رحلة الاستكشاف هذه؛ مع الإذعان بتمييز الذكور عن الإناث من حيث فرص الاكتشاف وأدواته في المراحل الأولى للرومانسية الوافدة (مثل التعليم وفرص العمل..).
ومع تشعب الحياة وهمومها واهتماماتها، تبدلت مواصفات الزوجة وتغيرت معها التوقعات. ففي أيامنا هذه من الطبيعي أن نسمع الشباب يبحثون عن زوجة تشاركهم رحلة الحياة. حتى أولئك الذين يحلمون برحلة معنوية من طراز السير والسلوك باتوا يبحثون عن زوج يكون من السالكين أو السالكات (حتى لو كان مفهومهم للسلوك ساذجًا وبدائيًا). لكن أتصور أنّ الخاسر الأكبر من وراء هذه التوقعات الزائدة كانت مؤسسة الزواج نفسها.
التوقعات لا تتوقف عند حد التصور، بل تصبح فعلًا وسلوكًا. إذا وجدت في بعض المجتمعات نزوعًا غريبًا نحو كمال الأجسام، فلن تتعجب من رؤية الإقبال النسوي الكثيف على نوادي بناء الأجسام. الرجال الذين يبالغون في تضخيم عضلاتهم يميلون بشكل طبيعي للارتباط بامرأة ذات تفاصيل عضلية مهمة!
ولكن لو كنا ندرك جيدًا ما الذي يعنيه الزواج في حياتنا الدنيا ونعرف موقعيته على خارطة الطريق، لما جمحنا بتصوراتنا وتوقعاتنا. إنّ هذا الدور المحوري للزواج وفق النظام الأصيل للخلقة لا يعني التناقض مع تلك التوقعات أو المطالبة بالتخلي عنها؛ بل ما سيحدث هو أنّنا لن نضحي بالأصول على حساب الفروع، فيما لو انطلقنا من هذا الدور الصحيح للزواج.
كثيرة هي الخيرات والبركات التي يمكن أن نحصدها من شريك الحياة الزوجية، لكن بعضها ليس شرطًا لنجاح الزواج، والبعض الآخر يمكن الحصول عليه بسهولة خارج الزواج نفسه. والمهم هنا هو أن تكون توقعاتنا متلائمة مع دور الزواج الواقعي الذي قام عليه نظام الخلقة الربانية.
حين نضع الحاجات والرغبات المتوقعة من الزواج في سلّم الأولويات، من الصعب أن نخيب إن كنا قد أحسنا اختيار الزوج. فالاختيار الصحيح هو الذي يقوم على أساس ملاحظة سلّم الأولويات.. الأولويات المرتبطة بالزواج تنبثق من موقعية الزواج في النظام التكويني قبل أي شيء. والنظام الصحيح هو الذي يضمن لنا الحصول على كل ما نحتاج إليه لأجل الوصول إلى الأهداف المنشودة. كما إنّ رعاية الأولويات في أي نظام صحيح يمثل الضمانة الأولى للحصول عليها جميعًا. حين نضع الأولويات وفق السلّم والترتيب الصحيح، فليس ذلك إلا لأجل رعايتها كلها وعدم التضحية بأي منها. تكون التضحية بما هو أدنى لحساب الأَولى في حالات التزاحم النادرة. لكن الأصل في رعاية الأولويات هو أن نحصل عليها دون استثناء.
لكيلا نطيل الكلام النظري، نسأل: ما هو الأولى في نظام الحياة الزوجية، أهي الزوجة التي تشاركك رحلتك المعنوية ومشاريعك العملية أم تلك التي تؤمّن لك الاستقرار النفسي المرتبط إلى حدٍّ كبير بالحاجات الجسمانية؟
سؤال محرج لأنه قد يُفهم على إنّه لا انساني أو مادي في عصر التوجّه إلى الروح والمعنى. لكن علينا أن نلتفت إلى أنّ توفير الحاجات الجسمانية الضرورية والطبيعية ليس سوى مقدّمة لتأمين الحاجات الأخرى والمعنوي منها.. لم يكن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله يقدّم الطعام على الصلاة التي هي قرة عينه حين قال: "بارك لَنَا فِي الْخُبْزِ وَلَا تُفَرِّقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَلَوْلَا الْخُبْزُ مَا صَلَّيْنَا وَلَا صُمْنَا وَلَا أَدَّيْنَا فَرَائِضَ رَبِّنَا"؛[1] بل ما أراده صلى الله عليه وآله وسلّم هو أن يلفت نظرنا إلى موقعية تأمين العيش في نظام الحياة كلها. الأمم التي تعجز عن تأمين اقتصادها لن تتمكن من الحفاظ على ثقافتها وكرامتها.
إنّ الحاجات الجسمانية في الزواج ـ والتي يمكن أن نطلق عليها عنوان الحاجات الجنسية والتي تشمل كل أشكال التمتع بالزوج ـ ليست شيئًا سخيفًا أو سطحيًّا في الحياة الأرضية، فبدونها يختل توازن الإنسان. ولأن ناتجها عظيم عند الله، فقد جعلها حاجة ماسة تضغط بقوة على البشر وتفرض عليهم الإقدام على الزواج مهما كلف الأمر.
إن من أهم عوامل ضعف الإقبال على الزواج في المجتمعات الغربية هو ضعف القوة الجنسية في المعدل العام. ولهذا أسبابه المختلفة التي ترجع إلى طبيعة النظام الغذائي المعتمد، وكثرة العرض والتمتع الذاتي و..
وماذا عن الحاجات النفسية والعاطفية؟
حسنًا، إنّ تبادل المنافع الجنسية ضمن دائرة الزواج من شأنه أن ينشئ مثل هذا التراحم والتودد، مثلما أنه يقويه ويرتقي به بصورة ملفتة. فوجود زوج نستمتع به متى ما شئنا وبهذه السهولة واليسر (الذي لا يحصل خارج الزواج حتى في أكثر المجتمعات انحلالاً)، ليس بالأمر البسيط. إنه نعمة كبرى تجلب معها الكثير من المشاعر الطيبة. إنّ مقابلة الجنس بالحب وجعلهما كالضدين أمر بعيد عن الصواب. فمثلما أنّ الحب يستدعي الجنس، فإن الجنس يولّد الحب في النفوس الطيبة.
حين كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله يدعو ويسأل الله أن لا يجعل لفاجر عليه منّة فيرزقه منه محبة، كان يشير إلى هذه القاعدة الإنسانية؛ وهي أنّ تبادل المنافع يؤدي إلى التحابب والتوادد. ولا يتنكر لمثل هذا الأثر سوى اللئيم الجاحد. والله تعالى يأمر الأزواج المتنازعين ويذكّرهم قائلًا: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}.[2]
إن كنت عاقلًا وتريد الحياة الزوجية المفعمة بالمودة والعطف، ابحث عن شريكة حياتك التي يمكن أن تتبادل معها أكبر قدر ممكن من المنافع. ولتكن هذه المنافع نوعية لا يمكن الحصول عليها خارج إطار الزواج. لا ينبغي أن تكون فائدة الزوجة مبنية على ما يرتبط بمهنتك وعملك (مهما كان عملك مهمًا). هذه فائدة يمكن أن تحصل عليها من غير الزوجة. ما يؤمّنه الزوج ويحققه هو أمر نوعي خاص، ويصبح قويًّا مستديمًا في إطار الزواج الشرعي.
تعود إلينا الحكمة القديمة رغم مرور هذه الأزمنة لتقول لنا إنّ أفضل النساء الولود الودود، وفي هذا إشارة إلى البعد الجنسي الذي لا ينفصل عن الجانب النفسي المعنوي. لأنه من الصعب أن تكون المرأة مقبلة وهي غير ودودة. إنّ النشاط الجنسي الحقيقي ـ لا التمثيلي ـ يدل على استعداد مميز عند المرأة لتكون ودودة محبة. حين تضعف القوة الجنسية بصورة ملفتة في بعض النسوة أو في مرحلة عمرية معينة، فإنّ ذلك يكون مصاحبًا بضمور واضح في الحنان والعطف تجاه الزوج. أكثر الزيجات تعاني من مثل هذه المصيبة حين تضعف الميول الجنسية، ولا يبقى بين الزوجين سوى القليل، القليل من المنافع المشتركة.
هذا ما أشرنا إليه في إحدى المقالات التي تعرضنا فيها لظاهرة كثرة الطلاق بين المتزوجين الكبار من أبناء الخمسينات؛ حيث كان يُفترض بالمنافع الجنسية والمعيشية أن تولّد محبة راسخة تحفظها أخلاق الإنسان الطيب الكريم الذي لا يجحد النعمة.
[1]. الكافي، ج5، ص 73.
[2]. سورة البقرة، الآية 237.

الزواج في مدرسة الإيمان
ما هو الحب؟ وما هو الزواج؟ وهل الحب شرط لنجاح الزواج؟ هذا ما يجيب عنه هذا الكتاب بالإضافة إلى العديد من الأسئلة الأخرى التي تفرضها الحياة في عصر الإنترنت. فلننظر إلى الزواج قبل اشتعال نيران العشق وقبل انطفاء شعلة الحب. الزواج في مدرسة الإيمان الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب:17*17غلاف ورقي: 264 صفحةالطبعة الأولى، 2016مللحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

ما مدى أهمية التوافق الفكري كمعيار لاختيار الشريك
بعض الشباب يضع التوافق الفكري شرطًا أساسيًّا ضمن معايير انتخاب الزوجة. وفي ظل هذا الشرط تسخف لديه اهتمامات الفتيات ويجد صعوبة في إيجاد الفتاة التي يتحقق فيها هذا الشرط إلى جانب شروط أخرى، برأيكم ما هي أهمية التوافق الفكري في الساحة الزوجية، وما هي تراتبية هذا الشرط ضمن سلسلة معايير اختيار الزوج والزوجة؟

كيف نحمي أبناءنا من كارثة الاختيار السيّئ للشريك؟
معظم الآباء والأمهات يواجهون ذلك الموقف العجيب من أبنائهم، حين لا يبقى للمنطق أي صوت مسموع. الأبناء مصرون على خيارات يراها الآباء خاطئة ومضرة، ومع ذلك لا ينفع الوعظ والإرشاد والنصيحة. فماذا لو كان الأمر مرتبطًا باختيار شريك لحياتهم؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...