
كيف يُحفظ الدين؟
ماذا يحدث حين تختلط الأصول بالفروع؟
إحدى ميزات الدين الحق في عرضه وظهوره للناس أن يُعرض بشكل منظومة تتشابك فيها الحقائق والقضايا في علاقات منطقية كعلاقة العلة والمعلول، والكلي والجزئي.
إنّ إقبال الناس على الدين وتقبلهم له واعتقادهم وتمسكهم به يصبح سهلًا يسيرًا حين يسهل عليهم فهمه وتطبيقه. ولكي نفهم مثل هذه المجموعة اللامتناهية من القضايا والحقائق والأحكام والإرشادات فهمًا يحفظ وحدتها وانسجامها، نحتاج إلى بابٍ واضحٍ ندخل منه، ومسلك سهل نسير عليه ونعبر مراحله ونرتقي في درجاته. وهذا ما لا يتحقق إلا بفضل وجود تلك المنظومة المحكمة المتناغمة.
إنّ التطبيق والالتزام أيضًا مرتبطان بمسارٍ تكاملي؛ فمن الصعب أن يطبق الإنسان كل أحكام الدين دفعة واحدة. وإنما يحتاج إلى التدرج من الأهم فالأهم بحسب أولويات صاحب الدين نفسه. وهذا أحد معاني الشريعة السهلة السمحاء. في مثل هذه الحالة، نحتاج إلى التمييز بين الأصول والفروع وما يتفرع من الفروع أيضًا. وينبغي أن نتوقع أنه من الطبيعي أن تتعرض الفروع إلى التحريف والتأويل أكثر من الأصول لما فيها من قابلية التحريف وسهولته مقارنةً بالأصول. كما إنّ إصرارنا على فرع وتشددنا فيه كما نتشدد في أصل، قد يضيّع الأصل نفسه دون شعورٍ منّا، خصوصًا إذا كان الفرع محرفًا أو مجانبًا للواقع بشكلٍ ما.
أتوقف مليًّا عند الضربة الكبرى التي تلقتها الكنيسة من الحركة الساينسية في أوروبا قبل عدة قرون، والتي أُطلق عليها عنوان التنوير. إنّ تهاوي أركان الكنيسة وشأوها وما كانت تمثله في أعين الناس، حين واجهت بشراسة كبرى ما عُرف بالحركة العلمية، يرجع بالدرجة الأولى إلى تشدد الكنيسة في أمور ما كان ينبغي لها أن تتشدد فيها؛ وحين نعبر بالتشدد فلسنا الوحيدين هنا، لأن زعماء الكنيسة أنفسهم عادوا واعترفوا بهذا الخطأ في العصر الحديث، متنازلين عن عقائد كانت عندهم ذات يوم أصولًا. وكان التشدد في مقولة كروية الأرض ومركزيتها أحد مظاهر التشدد بالأصول، حين تم اعتباره دفاعًا عن الإنجيل نفسه.
لقد اعتبر زعماء الكنيسة في ذلك العصر أن التنازل بشأن هذه القضية سيُعتبر تنازلًا عن الإنجيل كله وقبولًا بتحريفه، في الوقت الذي كان القول الآخر يناقش تفسير الإنجيل لا نصوصه. وكان الإصرار الكنسي حينها على مواجهة أي تفسير لطبيعة المنظومة الشمسية وكروية الأرض نابعًا من التفسير السائد لعقيدة الخلق. ثم تكررت المحنة في مواجهة المقولة الداروينية لتتتالى معها حركة الانحدار.. كل ذلك بسبب العجز عن التمييز بين الأصول والفروع. وها نحن اليوم لا نجد أي تعارض بين القول بمركزية الشمس وكروية الأرض وتطور الكائنات، وبين مبدأ الخلق ووجود الله تعالى.
لعل هذا ما يُحسب لصالح الإسلام، حيث لم يجد أتباعه مشكلة في قبول التفاسير المتناقضة للكون والنظام الشمسي وأمثاله. فلا شك بأنّ القول بكروية الأرض كان موجودًا منذ بدايات الإسلام، كما القول بسطحيتها. ومع ذلك لم ينجر النقاش حولها إلى مستوى التشكيك بالخالقية والوحدانية وصيانة القرآن من التحريف.
يُحسب للإسلام هذا الإنجاز، وهو أمرٌ عظيم، لأن المسلم لم يجد نفسه يومًا كمسلم في مواجهة مع الحركة الساينسية والعلوم التجريبية، ولم يشعر بهذا التعارض والتناقض مع المقولات التي كانت تخرج من أروقة المختبرات أو فرضيات التجريبيين.
ولا شك بأن للقرآن ولعلماء المسلمين الدور البارز هنا، حيث استطاعوا تبيُّن الأصول من الفروع والتمييز بينها إلى حد كبير. نجدهم بسبب ذلك غير متشددين في معارضة اكتشاف في الطبيعة والكون؛ كما نراهم غير متحرجين من سماع أي تفسير في هذا المجال. المعارضة التي ظهرت عند بعض المفكرين المسلمين لما عُرف بفرضية داروين كانت نتيجة التأثر بالمناظرات والجدالات التي راجت في الغرب بين المسيحيين والملاحدة. وكأن رفض الإلحاد يعني تبني تفسير المسيحية.
ويبدو أن من أسباب افتقاد الدعوات المسيحية إلى تلك المنظومة التي تتموضع فيها الأصول والفروع في مواضعها هو التشدد العجيب في القضايا العقائدية واللاهوتية، كما حصل في التشدد حول قضية الصلب، وجعله ركنًا أساسيًّا في الديانة والإيمان وعنوان الالتزام بالمسيحية وسر الخلاص وسبب النجاة والفلاح.
{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسيحَ عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذينَ اخْتَلَفُوا فيهِ لَفي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقينًا}.[1]
وبسبب هذا التشدد تشكل لاهوت عجيب يعتمد على المظنون كيقين مطلق. وحين يتم تمجيد شأن الظن وإعلاء الحادثة التاريخية على حساب اليقين والعقلاني، سوف يحدث اضطراب عجيب في المنظومة العقائدية والفكرية.
نعم للكنيسة مبرراتها بشأن الحفاظ على أتباعها باعتماد شعائر ظاهرية يمكن ضبطها في السلوك اليومي بسهولة. فرمز الصليب والتصليب الذي يصبح مع الأيام جوهر العبادة والالتزام كان وسيلة لتثبيت الانتماء ومراقبة الأتباع. يذكّرنا هذا بفرض لبس السواد عند العباسيين في مرحلةٍ ما.
ويبدو أيضًا أن الكنيسة كانت على موعد مع هذا النوع من المواجهة في قضية الشذوذ الجنسي. ولكن هذه المرة باعتبار الأمر فرعًا بسيطًا يمكن التنازل عنه طالما أنه لا يخدش بعقيدة الصلب. فها نحن نرى دعوات وادّعاءات بأن المسيحية لا تتعارض مع زواج المثليين وأنه يمكن للإنسان أن يكون مسيحيًّا وشاذًّا في الوقت نفسه.
لا يمكن التشدد إلا في اليقينيات. واليقينيات أصول وفروع أيضًا. فما لم نلتفت إلى أصل الأصل يصعب التمسك بالأصل المتفرع منه. لأن ما يحفظ الإيمان ويرسخه هو اليقين النابع من قواعد العقل. كل يقين آخر سواء نشأ من شهود أو تجربة روحية أو رسوخ عادات لا يصمد، خصوصًا إذا واجه رياح العقل العاتية.
[1]. سورة النساء، الآية 157.

أصول الإسلام وفروعه
كثيرة هي الكتب التي تتعرض لأصول الدين، لكن معظم هذه الكتاب يحصر اهتمامه بالجانب الاستدلالي الجدلي دون أن يتمكن من الغوص إلى أعماق القضايا. وقد استطاع هذا الكتاب أن يستخرج من كتب الإمام وكلماته ودروسه أهم ما يرتبط بأصول الدين مع تسهيل الأمر على القراء من خلال تصنيف هذه الكلمات إلى مراحل ثلاث. ثم جاء القسم الثاني من الكتاب ليعرض كلمات الإمام حول فروع الدين وجوهر الفرائض الكبرى.إنه كتاب سهل وعميق لكل من يريد أن يتعرف إلى الاسلام من أعظم أبوابه. أصول الإسلام وفروعه في مدرسة الإمام الخميني الكاتب: الإمام الخمينيإعداد ونشر: مركز باء للدراسات حجم الكتاب: 20*19 غلاف ورقي وكرتوني: 192 صفحة الطبعة الأولى، 2010مالسعر (للغلاف الورقي): 8$ / السعر الجديد: 5.6$السعر (للغلاف الكرتوني): 10$ / السعر الجديد: 7$

أصول الفكر الإسلامي
إنّ أهم ما يميّز هذا الكتاب هو أنّه صدر في مرحلة من أكثر المراحل حساسيّة في تاريخ أمّتنا الإسلاميّة. وقد عبّرت عن الفكر الأصيل العابق بروح الثورة والقيام ضدّ الطواغيت والمستكبرين. وقد كان سعيه منصبًّا في نشر وتوضيح الأصول الفكريّة للعمل السياسيّ والثورة. أصول الفكر الإسلامي الكاتب: الإمام الخامنئيترجمة: السيّد عبّاس نورالدين- محمد علي حسينالناشر: مركز بقيّة الله الأعظم (مركز باء للدراسات)الحجم: 14*21غلاف ورقي: 96 صفحةالطبعة الأولى، 1998محالة الكتاب: نافد

ما الذي يمنع الناس من الإقبال على الدين؟ الدين وتحديات العصر
من القضايا الكبرى الأساسية هي علاقة الدين بواقع الحياة البشرية. حين يجد الناس أنّ هذا الدين قريب من واقعهم وقضاياهم ومشاكلهم ومعاناتهم واحتياجاتهم وتطلّعاتهم وآمالهم، فإنّهم يقبلون عليه ويشعرون بأنّه يمثّل إنسانيتهم وما يبتغونه وما يصبون إليه. هذا هو التحدّي الأكبر الذي يواجه أي منظومة فكرية أو دين أو مذهب في الحياة وهو: كيف يكون قريبًا من واقع الناس؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...
مجالات وأبواب
نحن في خدمتك

برنامج مطالعة في مجال الأخلاق موزّع على ثمان مراحل
نقدّم لكم برنامج مطالعة في الأخلاق على ثمان مراحل