
ما ينبغي أن يقلق منه الآباء وما لا ينبغي
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب تربية الأولاد
القلق على مصير الأبناء والتزامهم الديني أمر قد لا ينجو منه أب أو أم في زمن وصلت أساليب الغواية والضلالة إلى مستوى غير مسبوق.
حين ننظر فيما يُعرض على وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي والشبكة العالمية نتساءل فيما إذا كان أولادنا سيتمكنون من عبور هذه الفتن التي تطال عقولهم وقلوبهم وأرواحهم وخيالاتهم وحتى أجسادهم.
الإباحية والإلحاد والتشكيك والشبهات والانحلال الأخلاقي والاستخفاف بالمقدس واستسهال الحرام وضياع البوصلة وتشابك العلاقات البشرية وفقدان الرادع والخلط بين الحق والباطل وإلباس القبيح لباس الحسن وتمجيد البشاعة، كل هذه تنهال على أولادنا ليل نهار عبر مختلف الوسائل والوسائط.
حين يعبر أحد أولادنا مرحلة المراهقة وينتقل إلى عالم المسؤولية فيتزوج ويؤسس أسرة لا نكاد نصدق ما نراه بأعيننا! كيف استطاع أن ينجو من كل هذه الفتن العمياء؟! ورغم أهمية الإجابة عن هذا السؤال، إلا إنّ معظمنا يكتفي بالتعجب والذهول!
التوقف عند قصص النجاح والنجاة والصلاح قد يزودنا بالكثير من المعلومات المفيدة ويفسح لنا طريق الوصول إلى الحكمة البالغة. والعجز عن فهم القضية واستخراج الدروس والعبر منها مضر جدًّا ويتسبب لنا بالقلق الزائد ويصعّب حياتنا بما لا ينبغي.
إليكم بعض الدروس المفيدة مع أصولها التربوية:
فلنكن إيجابيين
أول ما ينبغي أن يُقلق الآباء والأمهات المتدينين هو ما يتعلق ببلوغ أولادهم مستويات التفوق والعظمة والكمال والتألق، لا النجاة من نار الفتنة. إنّ التفكير بإيجابية يبث الروح الطيبة الجميلة في الأسرة، ويساعدنا على تجاوز الكثير من المشكلات. ينعكس هذا التفكير في تربيتنا بالوثوق بأبنائنا وإفساح المجال لهم لكي ينطلقوا في آفاق الحياة بنشاط وحيوية، الأمر الذي يمثل معادلة التكامل الكبرى.
التفكير الإيجابي هذا لا يعني التساهل بشأن كل ما هو خطر وسلبي وحرام وفاسد ومضل وشر؛ بل سينعكس بداية في وضوح خطورة كل هذه التهديدات دون الوقوع في أسر ضغوطها. يحتاج كل إنسان إلى التفكير بالجنة لكي يجتنب النار. الخوف من النار وحده ضعيف التأثير. حين يكون الإنسان المخاطب والمعني بتربيتنا بريئًا ولطيفًا وطيبًا (كما هو حال الأطفال ومعظم أبناء المؤمنين) فإنه لا يحتاج سوى إلى جرعات محدودة ومضبوطة من التخويف. ما يسوق الطيبين هو الجمال والحسن والكمال والوعد والترغيب.
حين تزيد جرعة التخويف والترهيب ستؤدي إلى نتائج عكسية. من منا لم يلحظ آثار مثل هذا الأسلوب على الأطفال والناشئة؟!
أكثر ما ينبغي أن يقلقنا كآباء وأمهات هو أن نفتقد إلى أسلوب الترغيب الذي يُفترض أن يعتمد على عناصر الفطرة ومنطلقاتها. الفطرة التي تعشق الجمال أينما كان وتمجده في أي مجال. نتذكر هنا قصة عيسى روح الله والحواريين حين شاهدوا جيفة حمار، فاشمأزوا من نتانتها واستقبحوها أشد القبح، ليبادرهم نبي الله بالقول: "ولكن انظروا ما أشد بياض أسنانه!"
إنّ قدرتنا على اكتشاف الجميل وسط كل هذه البشاعة، والهداية من بين كل هذه الضلالة، والحسن رغم شدة القبح، ثم الاعتراف به وحتى الإشادة به أمام أولادنا هو الذي يثبت لهم شدة انتمائنا إلى الفطرة التي هي دينهم الأول وأول ما يعيشونه من الدين. إنّ تنكّرنا لكل هذه الأبعاد بحجة أنّنا مشمئزون من الفساد والقبح والغواية يرسل لهم إشارات مضطربة تتركهم في عاصفة الحيرة.
أولادنا في المرحلة الأولى من حياتهم لا يلاحظون سوى الجمال والحسن والكمال. إذا رأوا مشهد علاقة حميمة لا تنصرف أذهانهم إلى الإباحية والحرام، بل يرون حبًّا وغرامًا واتصالًا. وإذا شاهدوا فيلمًا حول بطولات الجيش الأمريكي، يعجبهم النظام وحسن الإدارة والقوة والتضحية وطاعة الأوامر و.. دون أن ينصرف ذهنهم إلى فساد أمريكا وطغيانها وتآمرها على الشعوب وارتكابها للمجازر ونهب الثروات.
يصعب على من وُلد من حلال أن يرى غير الجمال بداية. فإذا رأى منا الاستنكار ولم يدرِ ما سببه أو لم يفهم مغزاه، سينشأ على رفض ما نمثّله، خصوصًا إذا نسبنا استنكارنا للدين والإسلام والالتزام. مشكلة عويصة يقع فيها أكثر الآباء والأمهات. ما زلت أتذكر ملاحظة أستاذنا الخوئيني رحمه الله حين قال لنا إنّ الأم التي تقول لطفلها كخ كخ وهو يأكل الحامض بشهية فإنه سوف يصبح ملحدًا حين يكبر!
يمكن القول دون تردد بأن معظم المحتوى الذي يُعرض على مختلف الوسائل يغلب عليه القيم الجميلة. أمر قد يخالفني فيه كل عجول غير متحقق. لكن يصعب تقديم محتوًى ناجح في السينما والمسلسلات والبرامج إن كان مخالفًا للفطرة. نعم، الأصل في كل هذه العروض التي نراها مخالفة لديننا هو أنها تحفل بالقيم الإيجابية. رفضنا للأبعاد والعناصر المنحطة فيها لا ينبغي أن يجعلنا متهورين في الرفض. لا يعني هذا الكلام تشجيع أولادنا على مشاهدتها، لكن علينا أن نوجه قلقنا بالاتجاه الصحيح.
أكثر القلق في التربية ينبغي أن ينصب على ما يمكن أن يساعد أولادنا ليكونوا عظماء مميزين عباقرة يمتلكون قدرات متفوقة. الطيبة التي تعني رفض الشر، والطهارة التي تدفع نحو الجمال، من الميزات الأساسية التي يتمتع بها الأطفال وحتى الشباب. من الصعب أن نجد شابًا يبتغي الشر والفساد. مثل هذا يمكن البناء عليه كثيرًا. هزيمتنا أمام اجتياح الثقافة الغربية يرجع إلى ضعفنا بالدرجة الأولى. وأكبر الضعف يكمن في عدم قدرتنا على التحليل القيمي لما يجتاح أولادنا.
إن كنّا قادرين على صد الغزوات الثقافية ومنع تسللها إلى عقول أبنائنا وقلوبهم، فليكن. هل هذا ممكن أو مجرد حلم لا يتحقق؟ لم الاستمرار بالمكابرة؟
الأفضل أن نتسلح بكل الأدوات التي تحبط ذلك الغزو، بل تقلب السحر على الساحر. نتذكر هنا دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام حين يقول: "واجعل يا ربي ما يلقي الشيطان في روعي من التمني والتظني والحسد ذكرًا لعظمتك". أجل الشبهات والأباطيل والأماني والأفكار السلبية يمكن أن تتحول إلى عنصر قوة وصلاح، ولشرح هذا مكان آخر.
أول أداة تتمثل في قدرتنا على استكشاف كل خير وجمال وحق وسط كل هذا الركام. يجب أن نثق بقدرة الفطرة العجيبة. ويجب أن نعرف جيدًا بأن لعمر الطفولة والشباب حقه في ارتكاب الأخطاء والهفوات وطرح الأسئلة المقلقة وإعلان التمرد وتحدي الواقع. الإصرار على العصمة المطلقة منذ البداية يصعب على أولادنا عبور هذه المرحلة بأمن وهدوء وثقة.

أولادنا..أسئلة حسّاسة، تحدّيات معاصرة
إنّ الهدف الأول .. هو مساعدة المربين على تبيّن المبادئ الأساسية التي تختفي وراء المعالجات المختلفة للمشاكل والأمور التي فرضتها الحياة المعاصرة.. وقد أردنا أن يكون هذا العرض نموذجًا ووسيلة لتعميق مقاربة هذه القضايا من زاوية المبادئ والأصول بدل الاعتباطية والسطحية. وكل رجائنا أن نكون قد ساهمنا في تفعيل الخطاب التربويّ بالاتّجاه الصحيح. الكتاب: أولادناالكاتب: السيد عباس نورالدينبيت الكاتب للطباعة والنشر والتوزيعالطبعة الأولى، 2019الحجم: 17*17عدد الصفحات: 396isbn: 978-614-474-083-5يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي النيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=0وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء

تربية الأولاد
هذا الكتاب عرض مفصل لأهم مبادئ التربية وأصولها التي تغوص إلى أعماق النفس البشرية وتستكشف قواها وإمكاناتها العظيمة وحاجاتها الأساسية، دون أن يغفل النصائح العملية والتطبيقات المفيدة.إنه دليل مرشد لكل من يؤمن بهذه القضية كمسؤولية كبرى يجب أن يؤدي أمانتها إلى الله تعالى. تربية الأولادالكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبالطبعة الأولى، 2019حجم الكتاب: 17*17عدد الصفحات: 396نوع الغلاف: ورقيISBN: 978-614-474-082-8للحصول على الكتاب خارج لبنان، يمكن طلبه عبر جملون على الرابط: https://jamalon.com/ar/catalog/product/view/id/37164097او عبر موقع النيل والفرات على الرابط:https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb321957-312703&search=books

ذاك الشاب المغمور قدوتي! كيف يتحوّل شخص ضعيف بائس إلى قدوة لآلاف الشباب؟
يرسم بعض النّاس لنا صورة القدوة ويجسّدونها من خلال التحوّل العميق الذي يحدث في شخصيّتهم. هذا التحوّل الذي يظهر بارتقائهم من أسفل سافلين إلى أعلى عليّين في زمنٍ محدود، يعبّر عنه بعض أهل العرفان والرّوحانية بعبور ألف شهر في ليلة واحدة. يدهشنا كيف أنّ شابًّا بائسًا عديم الجدوى يمكن أن يصنع مثل هذه المعجزة دون أن يبذل جهدًا كبيرًا أو يستغرق زمنًا طويلًا.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...