لكي تكون كلها لك.. بحثًا عن المرأة الكاملة

السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب شركاء الحياة

في أعماق كل رجل سوي رغبة عميقة في أن تكون زوجته كلها له. أكثر سعي الرجال من وراء العلاقات هو الحصول على هذه المرأة (الحلم). لكن حين تتعارض هذه الرغبة العميقة مع العادات والمصالح الجزئية والأوهام، يسارع الرجل إلى التضحية بها. وهكذا يدخل الرجال في دوامة البحث عن هذا الشيء المفقود الذي لا يجدونه.

قيل بأن كل رجل متزوج ورغم احترامه وحبّه لزوجته، فإنه يقيم علاقة خارج الزواج لسببٍ ما. ولسببٍ ما، قيل بأن كل الرجال يحبون معاشرة الساقطات. والسبب في الواقع هو أنّ مثل هذه العلاقات تكشف عن البحث عن ذلك الشيء المفقود. 

 المسؤوليات الكثيرة المفروضة على الرجل في العلاقة الزوجية، غير متوقعة في هذا النوع من العلاقات؛ وبالتالي لا إرهاق ولا تعب ولا وجع رأس كما يبدو. المرأة المتطلبة لا تظهر في العلاقات السرية أو العابرة.

 فما الذي ستريده امرأة قد يئست من الزواج برجل تحبّه أو ترغب به ـ مهما كانت علّة هذا اليأس؟ هل ستطالبه بتأمين الحاجيات المنزلية وتحمل مسؤولية الأولاد والمدارس والطبابة والإجار والزيارات العائلية وما لا يُحصى من شؤون وشجون؟ بالطبع لا، فإن تركيز مثل هذه المرأة سيكون على جانبٍ واحدٍ فقط، مما يعني أعباء قليلة أو معدومة. حين ينزل مستوى توقعات المرأة إلى هذا الحد، ستركز على علاقتها العاطفية فقط. وهكذا ستبذل لهذا الرجل شيئًا واحدًا يكون بالنسبة له خالصًا من كل ألم وعناء.

في العلاقات التي تكون المرأة فيها مقبلة على الرجال لقاء أجر مالي، يتم تعليمها بعض الفنون التي يُفترض أن تتظاهر فيها بأنها بكلها للرجل الذي تعاشره، ولو لبضع دقائق. الإقبال الكامل (الموهوم والخادع) يحرك الرجل ويهيج مشاعره وأحواله بطريقة فريدة لا مثيل لها، مما يجعله يرغب بالرجوع مرة بعد أخرى. وهذا ما يريده أصحاب المواخير بالدرجة الأولى. يتوهم هذا الرجل للوهلة الأولى أن هذا التمثيل حقيقة. وبالرغم من بُعد الأمر عن الحقيقة، فإنّه سيرى ما يتمناه ويرغب به بشدة. حلم كل رجل في العالم هو أن تكون المرأة كلها له.

حين قبضت السلطات الأمريكية على الجاسوسة الروسية المشهورة التي كانت مهمتها التقرب من أكبر عدد ممكن من الرجال العاملين في بعض مؤسسات الحكومة، لأجل الوصول إلى ملفات حساسة، وأثناء التحقيق مع مجموعة منهم، سأل المحقق كل واحد منهم على حدة: "لو سنحت لك الفرصة للقاء بها مجددًا فهل تفعل؟" وكانت الدهشة أن معظم هؤلاء قالوا: نعم؛ رغم علمهم بافتضاح أمرها كجاسوسة للعدو. ولما سُئلوا عن السبب قالوا جملة واحدة: "لأنها كانت تفعل كل ما نتمناه".

أن تكون المرأة كلها للرجل، الحلم القديم الأبدي، له جذور في أعماق النفس البشرية. ولأجل ذلك، فإن الله يثيب أهل الجنة بالنساء العرب الأتراب. ولو بحثنا في أعماق هاتين المفردتين لوجدناهما تحكيان عن تلك الرغبة العميقة. فالعرب من الإعراب وهو الإفصاح الواضح الذي لا شوب فيه. وكان العرب يقولون هذا عربي لا إشارة منهم إلى العرق، بل لأنهم يفهمون ما يقول وينطق. وهذا سبب تسمية لغتهم بالعربية. والقرآن العربي هو الفصيح الواضح المفهوم. والأتراب هن اللواتي يلتصقن بالتراب من شدة الخضوع والتواضع. ففي أعماق كل رجل توق شديد إلى المرأة التي يكون باطنها كظاهرها، وتكون في الوقت نفسه شديدة الخضوع، ذات متربة. يظهر ذلك في إقبالها التام على رجلها واستعدادها لفعل كل ما يشتهي ويرغب.

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع):‏ خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْخَمْسُ. قِيلَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: وَمَا الْخَمْسُ؟ قَالَ: الْهَيِّنَةُ اللَّيِّنَةُ الْمُؤَاتِيَةُ الَّتِي إِذَا غَضِبَ زَوْجُهَا لَمْ تَكْتَحِلْ بِغُمْضٍ حَتَّى يَرْضَى، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا حَفِظَتْهُ فِي غَيْبَتِهِ، فَتِلْكَ عَامِلٌ مِنْ عُمَّالِ اللَّهِ وَ عَامِلُ اللَّهِ لَا يَخِيبُ. [الكافي، ج5، ص325]

  لعلنا لن نجد مطلبًا ورغبةً أعلى وأعمق من هذا عند أي رجل في العالم. لكننا أشرنا في البداية إلى أن معظم الرجال يضحون بهذه الرغبة العميقة عن غير قصد منهم أو وعي. 

العادات التي ننشأ عليها، والتي تتحكم بالكثيرين منا، تفرض أن تكون المرأة عاملة مسؤولة في المنزل أو خارجه. يصر الرجل على اتّباع هذه العادات، وربما يظن أن فرضها على زوجته يمثل جزءًا من رجوليته. وهو لا يدري أنه بهذا يخسر جانبًا مهمًّا من كمال المرأة المنشود. لا ينبغي أن ننسى تلك الحكمة العلوية العظيمة بأن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة. القهرمانة لعلها من القهر، وقد فُسّرت بالتي يتم تحميلها مسؤولية نفسها ومسؤولية غيرها!

فعن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه الحسن(ع): لَا تُمَلِّكِ الْمَرْأَةَ مِنَ الْأَمْرِ مَا يُجَاوِزُ نَفْسَهَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَنْعَمُ لِحَالِهَا وَأَرْخَى لِبَالِهَا وَأَدْوَمُ لِجَمَالِهَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَة. [الكافي، ج5، ص510]

بالتأكيد، لا يخضع لهذه العادات الرجال وحدهم، بل نجد الكثير من نساء مجتمعاتنا يندفعن نحو هذه الأعمال من غير طلب أو فرض، لأنهن يرينها جزءًا من الشخصية المستقلة القوية النافذة، وطريقة لتحقيق الذات. 

الرغبات الأخرى تحرم الرجال أيضًا من ذلك الحلم. رُب أكلة قد منعت أكلات. الرجال يريدون الطعام جاهزًا والبيت نظيفًا والأولاد في حالة ممتازة و.. فهذا تخفيف لهم عن أعباء وعناء. الرغبة بالراحة تجمح وتهيمن على تلك الرغبة الأبدية. لا يشعر الرجل بعد مرور السنين سوى بحاجة عميقة لشيء يظن أنه موجود خارج زواجه، ولا يدري أنه قد ساهم بقتله في زوجته. أقول ساهم لأنني قد لا أعفي المرأة الزوجة من هذه المسؤولية (فقد تكون الجريمة مشتركة لرغبة عندها أيضًا!).

الأوهام، وما أكثرها، تحضر بقوة في العلاقات الزوجية. وهم السلطة والرجولة الذي يدفع الأزواج للتسلط بطريقة تبث رسائل تسبب اضطرابًا عند الزوجات. الزوجات في المقابل يعملن بردة فعل للحفاظ على الذات والدفاع عن الأنا المضطهدة ولاسترجاع الحقوق المسلوبة، حيث يصبح الزواج محلًّا لصراع الإرادات. الرجل يريد أن يثبّت موقعيته داخل المنزل، والزوجة تخاف أن ينجر ذلك إلى مطالب لا تنتهي، وإلى جرأة على قيامه بما لا تشتهي. تنتفض المرأة لتريه العين الحمراء أو تقتل الكلب على عتبة الدار. تصوروا لو أن المرأة كانت مطواعة بالكامل، ألن يحدّث الرجل نفسه بعلاقات أخرى علنية دون خوف أو وجل؟ أكثر الرجال الذين يقدمون على علاقات سرية مضطربة يكون إسرارهم هذا خوفًا من الزوجة. تحسبها الزوجة في نفسها وتجد أن الوداعة والخضوع والإقبال التام خسارة فادحة لها، أو هكذا تتوهم. لا تدري أنها تخسر شيئًا لا يمكن التعويض عنه. صراع الإرادات لم يجعل الرجال يومًا مخلصين لشريك واحد. حالة التسلط النسائي تبث رسائل سلبية ومعاكسة. أي ظهور لتسلط الزوجة ينقص من قدرها في عين الزوج دركات، ليبدأ البحث عن المرأة الكاملة!

هل يمكن إيقاف هذا التسلسل المشؤوم؟ وهل تستطيع كل زوجة تحقيق هذا الحلم لزوجها، فينعم الطرفان بأعلى علاقة زوجية متصورة؟ سأترك القراء الأعزاء ليتفكروا ويقرروا. الشرح والتفسير قد يساعدهم على اكتشاف الإجابة.