أفضل طريقة للانتصار في الحرب الناعمة

السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب على طريق بناء المجتمع التقدمي

 {إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ‏ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعيرِ}

إنّ استعمال أعداء الإسلام والأمة للقوة الناعمة أمر يقر به العدو قبل الصديق. لا يخجل الغرب عمومًا والأمريكي خصوصًا من التبجح بالسعي لتغيير قيم كل الشعوب التي تخالفه. إنّ السيطرة على العقول والقلوب يمثل نوعًا من الرسالية عند المؤمنين بالليبرالية هناك. نحن نراها حربًا لأنها تمثل مقدمة لاستعبادنا ونهب ثرواتنا. جزء أساسي من انتصار الأمريكي في هذه الحرب يعتمد على غفلة الناس والشباب عن الحرب نفسها. فتأثير القوة الناعمة يعتمد كثيرًا على تقبّلها واستقبالها. وفي المقابل، حبط هذه الآثار، بل قلب السحر على الساحر يمكن أن يحصل حين يلتفت الشخص المستهدف إلى كونها حربًا. لا أحد يقبل بأن يكون مورد هجوم من أعدائه. يكفي أن يدرك الشباب أن حربًا تُشن عليهم حتى يكفروا بكل أدواتها.

لكن القضية كلها تكمن في قدرتنا على إقناع المستهدفين بذلك. لا نحتاج إلى أي شيء آخر إن كان بإمكاننا إثبات وجود مثل هذه الحرب الآثمة. لو استطعت أن تقنع الفتاة بأن حجابها مستهدف من قبل العدو، لن تخلعه أو تستخف به، بل سيزداد تمسكها به! إذا أدرك الشاب بأن الموضة التي يتبعها ليست سوى خطة وُضعت تفاصيلها في أروقة الأعداء، سيتخلّى عنها في لحظة واحدة. يكره الإنسان أن يكون مخدوعًا ومغرّرًا به وضحية مؤامرة. لكن كيف يمكننا أن نبين للآخر ما كان عندنا بديهيًّا ومسلّما؟

إنّ إقناع أي شخص بوجود عدو يتربص به، أو أن هذا عدو له، يعتمد على مجموعة من المبادئ والأصول. نشير هنا إلى بعضها:

1.    مصداقية المتكلم: إن لم تكن تتمتع بمصداقية عالية عند المخاطب، ربما ينقلب كلامك عليك أو يؤدي إلى عكس الغرض. حين لا تكون مقبولًا، فهذا قد يعني أنك أنت المتآمر والذي تقصد شرًّا (مهما كان هذا الشر). حديثك في مثل هذه الحالة عن الحجاب والتشدد بشأنه، لن يعني عنده سوى أنك تريد فعلًا تقييد حرية المرأة وحبسها واستغلالها و.. كل هذه المفردات والمفاهيم ودعاياتها منتشرة على نطاقٍ واسع وبكل الوسائل. لا يحصل المتكلم على المصداقية المطلوبة إن كان يمثل جبهة فشلت في تقديم البديل الحضاري الراقي.

2.    التمهيد وتوفير المقدمات: لا تنس أنك قد توصلت لوجود حرب ناعمة وغزوات ثقافية عبر أحد طريقين. فإما أنك كنت واسع الاطلاع وقرأت التاريخ الأسود للولايات المتحدة (زعيمة العالم الليبرالي) واطلعت على ما لا يُحصى من شواهد التآمر على الشعوب، وإما أنك كنت تثق كثيرًا بقائدك الذي حفلت خطاباته وكلماته بالحديث عن هذه الحرب. باختصار، يوجد مقدمات مطوية قد تغفل عنها من شدة استغراقك فيها، لكنها مهمة وأساسية بالنسبة للطرف الآخر. كلما ساعدنا الشباب على معرفة ما نعرفه كان ذلك أفضل. يصعب أن نجد كتابًا واحدًا يكفي لكشف حجم هذه المؤامرة، لذلك فنحن بحاجة إلى المزيد من الأعمال التي تسلط الضوء على هذه الحرب.

3.    الخطاب الإيجابي بدل الإيغال في الحديث السلبي الذي لا يتناسب مع ذهنية ونفسية المخاطبين. فبدل الظهور بمظهر المتشائم الذي ينتظر نهاية العالم، وبدل اعتماد مفردات التخويف والهزيمة، يجب التركيز على البديل الحضاري الإسلامي، الذي يقوم على رؤية كونية عميقة وسلسة ومنظومة قيم وروحانية عالية، والذي منه يتفرع إطلاق مشروع تغيير العالم وإصلاحه. حينها يمكن للمخاطب أن يدرك حجم المخاطر والأهوال والعبث والإفساد والجرائم الشنيعة التي يرتكبها من يمثل الخطاب المقابل. يميل شباب اليوم إلى المرح والدعة والدعابة، وهي على الطرف المقابل من التجهم والعبوس والحدية. فإن كنا نبرر لأنفسنا مثل هذه الحالات بسبب هول المصيبة، فشبابنا لن يروها سوى مظهر للهزيمة والضعف.

4.    التواضع وعدم الاختباء وراء الإصبع: لا ننكر بأن جبهتنا تعاني من نقاط ضعف بارزة. فبدل التبجح والتظاهر بأن كل شيء عندنا كامل وحق وجميل، يجب أن نميز بين ما نؤمن به من جهة وما نحن عليه من جهة أخرى. المسافة بين الأمرين كبيرة جدًّا. مجتمعاتنا ما زالت في مرحلة الولادة، أهم ما يميزها هو القابلية الموجودة لتقبل تعاليم الدين السامية وتطبيقها يومًا ما. ثغراتنا واضحة بالنسبة للأذكياء، المكابرة لا تزيد الشباب إلا بعدًا عنّا. يحتاج هؤلاء إلى تواضعنا والاعتراف بأننا أيضًا كنا ضحايا لتلك الحرب بنحو ما.