
التراث الروحي للأدعية الشريفة
كتابات تشرح تستنير وتطرح انطباعات
لأنّ الدعاء يقف على رأس المظاهر المعنوية في حياة البشر، ولأنّ الدعاء مخ العبادة، ولأنّ الدعاء أفضل تعبير عن إنسانية الإنسان، فقد حفل التراث الإسلامي بالأدعية التي تغوص إلى أعماق النفس البشرية وهي تسير في رحلتها البعيدة نحو آفاق الروحانية العظيمة.
وقد أثرت هذه الأدعية في نفوس المسلمين على مدى العصور، لكنّ عددًا قليلًا من العلماء عكس تجربته معها بصورة كتاب يشرح فيه ما قرأ أو يعرض لانطباعاته ووجدانياته.
وقد أحصينا هذه الكتب التي تتناول الدعاء سواء في أسراره أو آدابه أو مضامينه. وركزنا على الكتب التي تمحورت بشكل أساسي حول الأبعاد الأخلاقية والروحية المطروحة في الأدعية الشريفة مثل دعاء كميل ودعاء الصباح وأدعية الصحيفة السجادية بشكل عام.
ولأجل أن يتمكن القارئ من اختيار الكتاب الذي يناسبه، اخترنا الكتب التي تناولت بالشرح دعاءً معيّنا (كدعاء مكارم الأخلاق أو دعاء كميل...) وقمنا بعرض نماذج من هذه الشروحات للمقارنة بينها.
- كتب شرحت دعاء مكارم الأخلاق
1. سبيلك إلى مكارم الأخلاق (شرح دعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين(ع))
الشيخ نعيم قاسم
دار الهادي
الطبعة الأولى ـ 2004 م
287 صفحة من الحجم الكبير
شرح ميسر لدعاء الإمام زين العابدين في مكارم الأخلاق من الصحيفة السجادية. اعتمد تبسيط المعاني وتوضيحها من دون الولوج في التحليل الفكري أو النظري، مع ذكر لشواهد من القرآن الكريم وأحاديث المعصومين (ع).
2. حلية الصالحين في ظلال دعاء مكارم الأخلاق
السيد صادق الحسيني الشيرازي
دار العلوم
الطبعة الأولى ـ 2014 م
416 صفحة من الحجم الكبير
تناول الكاتب بعض فقرات دعاء مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال بالشرح والتحليل، متوخيًّا بذلك استلهام الدروس والعبر منها، وذلك من خلال محاضرات الأخلاق التي كان يلقيها كل يوم أربعاء من كل أسبوع، كما جاء في مقدمة الكتاب.
3. على أعتاب الحبيب
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
ترجمة: السيد عباس نورالدين
دار المعارف الحكمية
الطبعة الأولى ـ 2018 م
204 صفحات من الحجم الوسط
ورد في القسم الأول من الكتاب بحثًا تأسيسيًّا حول حقيقة الدعاء، شروطه وآدابه، وغيرها من المقدمات. ثم ذكر شروحًا لمقاطع من ثلاثة من الأدعية المركزية العالية المضامين، والتي ورد الحث على المواظبة عليها والتأمل في أبعاد مطالبها، وهي: دعاء الافتتاح، ودعاء أبي حمزة الثمالي، ودعاء مكارم الأخلاق؛ كما جاء في مقدمة الكتاب.
- نماذج شروحات من الكتب المذكورة أعلاه
- سبيلك إلى مكارم الأخلاق (ص 30-33)
"واجعل يقيني أفضل اليقين".
اليقين هو التصديق الجازم الناشئ عن العلم والذي لا يعتريه ريب، وعلى الإنسان أن لا يكتفي بما يُشعره باليقين، بل أن يطلب أفضل اليقين الذي يؤمِّن له رسوخ الإيمان، فلا شك، ولا ريب، ولا شبهة تزلزل الاعتقاد والتسليم لله تعالى. وها هو النموذج الأرقى في يقين أمير المؤمنين علي (ع): "لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينًا"، إنها درجة العصمة التي تعيش الإيمان حالة كمال في كل شيء، وهي محطة القدوة التي يجب أن نعمل بهديها للارتقاء إليها. إنّ اليقين درجة أعلى من الإيمان والتقوى، فعن أبي الحسن (ع): "الإيمان فوق الإسلام بدرجة، والتقوى فوق الإيمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة، وما قُسم في الناس شيء أقل من اليقين". ما الذي يمنعك أن تسعى لتكون واحدًا من هؤلاء القلة من المتيقنين؟! إنّها درجات تجتازها واحدة بعد أخرى في محطات تصاعدية، من الإسلام، إلى الإيمان، فالتقوى، فاليقين، إلى أفضل اليقين. و"اعلم أنّ العمل الدائم القليل على يقين، أفضل عند الله جل ذكره من العمل الكثير على غير يقين".
وما هي علامة اليقين؟ هل تريد اختبار نفسك وتحديد موقعك؟
عن اسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: "إن رسول الله (ص) صلّى بالناس الصبح، فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه، مصفرًّا لونه، قد نحف جسمه، وغارت عيناه في رأسه، فقال رسول الله (ص): كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أصبحت يا رسول الله موقنًا. فعجب رسول الله (ص) وقال: إنّ لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ فقال: إنّ يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني، وأسهر ليلي، وأظمأ هواجري، فعزفَت نفسي عن الدنيا وما فيها، حتى كأني أنظر إلى عرش ربي، وقد نصب للحساب، وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم، وكأني أنظر إلى أهل الجنة، يتنعمون في الجنة، ويتعارفون على الأرائك متكئون، وكأني أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذبون مصطرخون، وكأني الآن أسمع زفير النار، يدور في مسامعي. فقال رسول الله (ص) لأصحابه: هذا عبد نوَّر الله قلبه بالإيمان. ثم قال له: الزم ما أنت عليه. فقال الشاب: ادع الله لي يا رسول الله أن أُرزق الشهادة معك. فدعا له رسول الله (ص)، فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي (ص) فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر".
هذا الشاب الذي يُحتمل أن يكون حارثة بن مالك الأنصاري، واحد من ثلةٍ مؤمنة أقاموا الدين على الأرض بجهادهم وتضحياتهم، وبإمكانك أن تكون واحدًا منهم، فتأمل فيما أنت عليه، وتخلّى عن هذه الدنيا الفانية بترك حرامها، وأَقبِل على الآخرة بشوق لقاء الأحبة، ودرِّب نفسك على أن تستكشف روحُك مصيرها ومصير الخلائق، في مشهد يستحضر صورَ يوم القيامة، لتكون حاضرة لديك كما تحضُر عند المتقين الموقنين، الذين يعيشون لحظات السعادة الأبدية في النعيم الدائم، ويحزنون لشقاء الضالين مع ما يحيط بهم من الجحيم المستعر الذي يذيب البشر والحجر، ويتلهَّفون لتنطلق أرواحهم من أجسادهم كي ينغمسوا في لذة العطاء الإلهي الدائم، وقد وصفهم أمير المؤمنين علي (ع) بقوله: "ولولا الأجل الذي كتبَ الله عليهم لم تستقرَّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقًا إلى الثواب، وخوفًا من العقاب. عظُم الخالق في أنفسهم، فصغُر ما دونه في أعينهم، فهم والجنةُ كمن قد رآها فهم فيها منعَّمون، وهم والنار كمن قد رآها، فهم فيها معذَّبون. قلوبُهم محزونة، وشرورُهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة. صبروا أيامًا قصيرة أعقبتهم راحة طويلة. تجارةٌ مربحة يسَّرها لهم ربهم. أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وأسَرتهم فَفَدوا أنفسهم منها".
- حلية الصالحين في ظلال دعاء مكارم الأخلاق (ص 67- 72)
إنّ أعلى درجات العلم عند الإنسان هو اليقين. فقد يسير الإنسان على طريق ما بهدف الوصول إلى غايته، وفي الوقت نفسه يكون شاكًّا في سلامة هذا الطريق ومدى صوابه، ومع ذلك يصل إلى مرامه ومقصوده إن استعمل الاحتياط. وقد يسير الإنسان على الظن، فيكون احتمال نجاحه أكبر. ولكن مهما قوي الظن فإنّه لا يبلغ مرحلة اليقين، لأنّ اليقين أعلى مرتبة في العلم يمكن أن يبلغها الإنسان.
بيد أنّه حتى اليقين كثيرًا ما ينكشف أنّه كان خلاف الواقع، فهناك حالات كثيرة من اليقين يتبيّن أنّ الإنسان كان مخطئًا فيها.
وهذا الانكشاف قد يكون بعد آن وقد يكون بعد مرور أشهر، وقد لا يتحقّق إلا بعد مرور سنوات ـ وهناك أمثلة كثيرة على هذا الأمر ـ وأحيانًا قد لا ينكشف زيف يقين ما إلا في الآخرة والعياذ بالله، وهذه هي الطامة الكبرى.
رُوي عن الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه) أنّه قال: "إنّ قومًا عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإنّ قومًا عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإنّ قومًا عبدوا الله شكرًا فتلك عبادة الأحرار". فهناك من يعبد الله تعالى عبادة العبيد، حيث يدفعه خوفه من النار للامتثال، فلا يكذب ولا يظلم ولا يرتكب ما حرّم الله تعالى؛ خوفًا من نار جهنم، ويقوم بالطاعات والواجبات للسبب نفسه، فهو يصلي ويصوم ويتصدق على الفقراء لتحاشي الوقوع في العذاب. وهذه مرتبة من اليقين أيضًا وإن كان سببها الخوف، ولكنّها مقبولة على كل حال، والالتزام بهذا الحد لا بأس به، وما أسعد الناس لو التزموا بهذا الحدّ وبهذا المقدار. ولكن إذا ما قورنت هذه الحالة وهذا المقدار بمن يعبد الله لأنّه أهل للعبادة فإنّها ستبدو ناقصة أو كالأعور في مقابل من له عينان صحيحتان. فالأعور لا يمثّل الحالة الفضلى ولكنّه أحسن من الأعمى على كل حال، ولا مناقشة في الأمثال.
وهناك من يعبد الله تعالى طلبًا لثوابه وطمعًا في الجنة التي حشوها البركة. [وأكبر النعم في الجنة رضوان الله تعالى؛ يقول تعالى {وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَر} بمعنى أنّ علم أهل الجنة بأنّ الله راض عنهم يُعدّ من أكبر النعم. لتوضيح أكثر نقّرب الموضوع بمثال: لو أنّك كنت تحترم شخصًا ما ولنفرض أباك وكان يكرمك ويعطيك المال بل يُعطيك من وقته واهتمامه، ولكنك لا تعلم هل هو راض عنك حقًّا، فإنّك إذ ذاك لا تشعر بالقيمة الحقيقية لما يقدّمه لك، ولكن إذا كنت تعلم بأنّه راض عنك فسيكون رضاه أهم شيء وأكبر مكسب عندك. والأب مثال في المقام وإلا فقد يكون من تحب صديقًا عزيزًا أو غيره. وهكذا الحال في شعور المؤمن باللذة في الجنة، فإنّ أكبر مكافاة له هي شعوره برضى الرب تعالى عنه].
ولكن تبقى هذه الحالة (العبادة طمعًا في الجنة) أيضًا عبادة تجار ـ كما عبّر عنها الإمام (ع) ـ وهي أدنى مرتبة من عبادة الأحرار التي لا تنبع من خوف ولا طمع بل من يقين بأنّ الله تعالى يستحقّ العبادة.
روي عن أمير المؤمنين (سلام الله عليه) قوله: "إلهي ما عبدتك خوفًا من نارك ولا طمعًا في جنّتك، ولكن وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك".
ولتوضيح المطلب نذكر مثالًا: إذا كان لمرجع دين خادم وصديق ومقلّد، أما الخادم فتراه يُجدّ في عمله مخافة أن يُطرد ويُبدل بآخر إن لم يؤدّ مهمّته على الوجه المطلوب لأنّ الهدف الذي كان يتوخى منه لم يتحقق. فهو يعمل بجد ولا يتخلف عن الحضور في الأوقات المطلوبة للخدمة مخافة الطرد أو الاستغناء عنه.
أما الصديق فتراه يحاول أن يحبّب أو يقرّب نفسه للمرجع أيضًا، ولكن بدافع مختلف عن الأول، لأنّه لا يبتغي مالًا من وراء ظهوره بالمظهر اللائق الذي يجعل المرجع يرتاح إليه. بيد أنّه هو أيضًا ربما يكون يبحث عن منفعة وإن لم تكن المنفعة مادية بصورة مباشرة، كما لو كان يحاول أن يكسب ثقة المرجع أكثر فأكثر ليكون من مقرّبيه؛ لينال حظوة أو مكانة اجتماعية، ومن ثم يكون مؤثرًا في المجتمع، أو ذا كلمة مسموعة قد يستطيع من خلالها أن يحصل على فوائد مادية أو فئوية.
بينما المقلد لم يقلد المرجع خوفًا ولا طمعًا بأي نفع مادي أو اجتماعي وإنّما قلّده لأنّه رآه أهلًا لذلك. فإذا قال المرجع إنّ الصلاة كذا قال سمعًا وطاعة، وإذا قال الخمس كذا نفّذ مقالته بلا تردّد.
فطاعة المقلد لأقوال المرجع والامتثال لأوامره نابعة من نظرته للمرجع في أنّه ممن يجب تنفيذ أقواله وامتثال أوامره فهو مرجعه المتخصص في الشؤون الشرعية، وليس خوفًا من طرده كالخادم أو الأجير ولا طمعًا في كسب الدنيا من ورائه كبعض الأصدقاء.
هكذا هو حال الأئمة (ع) في علاقتهم بالله، فهم لا يعبدونه سبحانه خوفًا من ناره ولا طمعًا في جنّته وإنّما رأوه أهلًا للعبادة فعبدوه.
الإنسان الذي يؤمن بالغيب وعنده يقين بأنّ المقادير كلها بيد الله تعالى، ينعم براحة بال دائمة وطمأنينة واستقرار؛ لأنّه يعتقد بأنّ كل ما يصيبه إنّما هو بقضاء من الله وقدره؛ قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا}. ولكن هذا لا يعني أن لا يعمل الإنسان بالشروط والأسباب الطبيعية التي أمره الله تعالى بها، مبرّرًا فشله بعد ذلك بأنّه مكتوب عليه من الله سبحانه.
فلو أنّ طالبًا تقاعس عن الدراسة ولم يصبح متعلمًا رغم مرور السنين، فهذا لا يمكنه القول إنّ الله عز وجل كتب عليه الجهل والتخلف. فإنّ الله تعالى كتب أنّ طريق الرقي العلمي هو الجد والاجتهاد، ولا بدّ من سلوكه للوصول إلى الهدف، ولا شكّ أنّ من لا يسلك الطريق لا يصل إلى الغاية. والشيء نفسه يصدق على كل مجالات الحياة الفردية والاجتماعية، فكما أنّ الله تعالى سنّ قوانين تشريعية، مثل {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيام} وغير ذلك من الفروض والواجبات أو النواهي والمحرمات مثل {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزيرِ} وغيرها، فكذلك هنالك لله عز وجل سنن تكوينية يستتبع التخلف عنها شقاء لازمًا، مثل {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ اللَّه}.
إذًا على الإنسان أن يعمل بالأسباب الظاهرية، فإن لم يوفَّق مع ذلك يستسلم إلى تقدير الله ويردّد قوله تعالى {قُلْ لَنْ يُصيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا}.
- على أعتاب الحبيب (ص 171- 172)
يقول الإمام (ع) بعد ذكر الصلوات: "وبَلِّغْ بإيماني اَكْمَلَ الإيمان واجْعَلْ يقيني أفْضَلَ اليقين".
حين يطلب الإنسان من الله أمورًا معنويّةً يجب عليه أن يطلب أعلاها وأفضلها، ونحن عادةً نطلب من حاجاتنا المادية والدنيوية ما هو الأفضل ونسأل الله ذلك أيضًا. ولكن لعلّنا بالنسبة للسجايا الإنسانية نكتفي بأدنى المراتب. فلو كنّا من أصحاب الهمم العالية يجب أن نسعى لأداء واجباتنا وترك المحرّمات لكي لا نُلقى في جهنّم. لكنّ الإمام (ع) يعلّمنا في هذا الدعاء أن لا نكون من أصحاب الهمم الدانية؛ وأن نطلب من الله في أدعيتنا إيمانًا مثل إيمان الأنبياء ويقينًا مثل يقين الصدّيقين. ولو لم نكن مستعدّين ولائقين لتلك المراتب العليا فإنّ الله يعطينا منها بقدر استعدادنا.
إنّ النّعم المادّيّة الكبرى تكون مصحوبةً عادةَ بالآفات. فكلّما كانت النعمة المادية أكثر ستكون مصائبها وغصصها أكثر. أمّا النعم المادية فليست على هذا النحو فإنّها كلّما ارتفعت وارتقت ازدادت لذّتها وسعادتها وكمالها. بناءً عليه، يجب أن نوجّه هممنا فيما يتعلق بالأمور المعنويّة إلى أعلى مراتب الإيمان واليقين ونطلب من الله المدد والعون لتحصيلها.
للإيمان درجات وهو يقبل الزيادة والنقصان لهذا يقول القرآن الكريم: {...وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ اِيمانًا}؛ يطلب الإمام(ع) في هذا الدّعاء أن يمنحه الله تعالى أفضل درجات الإيمان والتي لا يكون فيها أيّ نقصانٍ، ولعلّ السبب في استعمال الإمام (ع) لعبارة "أفضل" فيما يتعلّق باليقين هو أنّ حقيقة اليقين عبارة عن الاعتقاد القطعيّ (مئة بالمئة) الذي لا يكون فيه أيّ احتمالٍ للخلاف. لهذا، لا يمكن القول إنّ لليقين مراتب من الزيادة والنقصان، لكن يُمكن أن يُعدّد له أنواع، فأنواع اليقين تتفاوت. هناك نوعٌ من اليقين يحصل عن طريق الاستدلال ويعبَّر عنه بعلم اليقين، وهناك نوعٌ آخر من اليقين الذي يحصل بالكشف والشهود ويُعبَّر عنه بعين اليقين، والنوع الثالث هو الذي يحصل بإدراك الحقيقة والاتّصال بها وهو المسمّى بحقّ اليقين.
ولأجل تقريب المسألة إلى الذهن يمكن تشبيه هذا الموضوع بالشراب العذب المصبوب في كأسٍ ما. فهناك شخصٌ لم يره ولكنّه اطّلع على وجوده من خلال مُخبرٍ صادق، وهناك من شاهد هذا الشراب في الكأس، أمّا الثالث فإنّه تجرّع منه. فهؤلاء الثلاثة متيقّنون بوجود الشراب، لكنّ يقين كلّ واحدٍ منهم يختلف عن الآخر نوعًا. ولعلّ المقصود بـ "الأفضل" في هذا الدعاء هو النوع الأكمل والأفضل لليقين والذي يعبّر عنه علماء الأخلاق بـ"حقّ اليقين".
- كتب شرحت دعاء الافتتاح
1. على أعتاب الحبيب للشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
2. في رحاب دعاء الافتتاح
السيد محمد حسين فضل الله
دار الملاك
233 صفحة من الحجم الكبير
جاء في المقدمة: "لقد تناول سماحته النص الإمامي المسبوك دروسًا وعِبَر، وسيّل مفرداته مشاعلَ نور وهداية، تضيء للسالكين دروب الهدى. ويتضمن هذا الإصدار نصين لسماحته، الأول حول دعاء استقبال شهر رمضان المبارك، والثاني حول وداع شهر رمضان المبارك".
- نماذج شروحات من الكتب المذكورة أعلاه
- على أعتاب الحبيب (ص 79- 80)
"يَا رَبِّ إنّكَ تَدْعُوني فَاُوَلّي عَنْكَ وتَتَحَبَّبُ إلَيّ فَأتَبَغَّضُ إلَيكَ وَتَتَوَدَّدُ إلَيّ فَلَا أقْبَلُ مِنْكَ كَأنَّ لِي التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لي والإحِسَانِ إلَيّ وَالتَّفَضُّلِ عَلَيّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ. فَارْحَمْ عَبْدَكَ الْجَاهِلَ وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضِلِ إحْسَانِكَ إنَّكَ جَوَادٌ كَريمٌ".
في هذه المقاطع، يُشار إلى موقعيّة الإنسان في مقابل الله لكي يُدرك هذا الإنسان موقعيّته الحقيقيّة عنده، فمن جهة يرى لطف الله به ومن جهةٍ أخرى يُدرك كفرانه وضآلته أمام الله لهذا يقول: "يا ربِّ إنَّكَ تَدْعُوني فَاُوَلّي عَنْكَ".
فقد أذِن الله تعالى لنا بذكره ودعائه وهو أعظم لطفٍ أظهره في حقّنا. فلو لم يأذن لنا بذلك لما كنا نليق بمخاطبته. ولم يكتفِ بالإذن، بل إنّه يدعونا إليه رغم كل خطايانا ويُصرّ على دعوته عسى أن نتوجّه إليه ونسير نحوه. لكن نحن ماذا فعلنا مقابل هذا اللطف الإلهيّ الكبير؟! فبدل قبول دعوته أعرضنا وتولّينا عنه وأدرنا ظهورنا: "وَتَتَحبَّبُ إلَيّ فَأَتَبَغَّضُ إلَيْكَ"، نحن الذين نحتاج إليه ونحن الذين ينبغي أن نعفّر جبيننا في محضره عسى أن يرحمنا؛ لكنّ الأمر على العكس فهو الذي يتحبّب إلينا ونحن الذين نُعاديه ونُظهر البغضاء!
"وَتَتَودَّدُ إلَيّ فَلا أقْبَلُ مِنْكَ"، فهل حدث لحدّ الآن أن أظهرنا المحبّة وتودّدنا إلى شخصٍ لكنّه لم يكترث؟
فكيف سيكون حالنا لو فعل هذا الشّخص ذلك بنا؟! ألن نيأس من التودّد إليه بعد كلّ هذا الجفاء وعدم الاكتراث؟ لعلّ إظهار هذه المحبّة الإنسانيّة لشخصٍ آخر كان لأجل بعض الأغراض الدنيويّة، ولكنّ محبّة الله بالنسبة لعباده هل تنبع من مثل هذه الأغراض والمآرب؟ نحن في الواقع نحمل تصوّرًا خاطئًا حول هذا التودّد الإلهيّ حيث يشير مقطع الدعاء: "كَأنَّ لِىَ التَّطَوُّلَ عَلَيكَ"، فبدل أن نشعر بالاحتياج ونعترف به عسى أن نكون مورد عناية الله، نُعرض عنه ونتصوّر أنّه لنا حقًا على ربّنا أو أنّنا نمنّ عليه بدعائه وذكره. فما أقبح التكبّر والغرور مقابل مائدة رحمة الله الواسعة، فماذا نمتلك نحن حتّى نتبجّح؟! فكلّما دعانا ننشغل عنه بأمرٍ ما، ولكن مع ذلك فإنّ سلوكنا السيّئ هذا لا يمنعه من الاستمرار من الرّحمة والإحسان لنا.
"فَلَمْ يَمْنَعَكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لي وَالإحْسانِ إلَيّ وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ"، "فَاْرَحْم عَبْدَكَ الجْاهِلَ وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ إحْسانِكَ إنَّكَ جَوادٌ كَريمٌ".
- في رحاب دعاء الافتتاح (ص 104)
"إنّك تدعوني فأولّي عنك، وتتحبب إليّ فأتبغض إليك، وتتودّد إليّ فلا أقبل منك، كأنّ لي التطوّل عليك".
يأتي شخص يتحبب إليك وأنت لا تقبل، ويتودّد لك فلا تقبل، يدعوك وأنت لا تستجيب، من الذي يفعل ذلك؟
في حياتنا الاجتماعية، الشخص الذي تتودّد وتتحبب إليه وتدعوه وتعطيه كل شيء وهو لا يقبل، فهو شخص يرى لنفسه فضلًا، ويرى لنفسه علوًّا على الآخر، يريد أن يقول له: كأنّ لي الموقع المتقدم الذي يستعلي عليك.
ولو أنّ شخصًا، تتحبّب إليه وتتودّد وتدعوه وهو لا يقبل، لقلت له اذهب أنت بطريقك وأنا بطريقي، وأنا غير مسؤول عنك، وأنا لست مستعدًّا لأن أعطيك شيئًا لأني قدمت لك كل شيء وأنت لم تقبل، أعطيتك الحب وأعطيتني البغض، أعطيتك الودّ وأعطيتني البعد، أعطيتك ودعوتك وأنت لم تقبل. ولكن أنت يا رب: "ثم لم يمنعك ذلك من الرحمة لي والإحسان إليّ والتفضل عليّ بجودك وكرمك" مع شدّة هذا التمرد، وهذا العصيان، وهذه القسوة مني، مع ذلك بقيت معي الرب الرحيم، الرب المحسن، فبقيت نعمتك وبقيت رحمتك، وبقي تجاوزك يتحرّك معي في كل حياتي وفي كل أوضاعي.
وأنا يا ربي أقف بعد كل هذا الجو فأشعر أنّي عبدك الجاهل الذي لا يعرف مصلحته، لا يعرف مقام ربّه، ولا يعرف مسؤوليته أمام ربّه "فارحم عبدك الجاهل": ارحم جهله، ولا تؤاخذه بجهله لأنّ الجاهل يجني على نفسه وهو لا يعلم، والجاهل يورِّط نفسه في الهلكةِ وهو لا يشعر. "فارحم عبدك الجاهل، وجُدْ عليه بفضل إحسانك" أعطني يا رب من جودك وإحسانك "إنّك جواد كريم"، فإنّي أتحدث إليك، كما يتحدث العبد الجاهل إلى الرب الكريم الذي لا حدّ لكرمه ولا حدّ لجوده.
ثم بعد هذه الجولة في دراسة الموقف السلبي الذي يقفه العبد من ربّه مقابلًا بالموقف الإيجابي الذي يقفه ربُّه منه، بعد ذلك يدخل في جولة حول صفات الله التي تتحرك في حياة الكون كله وحياة الإنسان كله.
- كتب شرحت دعاء الصباح
1. مع الإمام علي (ع) في دعاء الصباح
ناجي صبرا
دار الهادي
الطبعة الأولى ـ 2006 م
253 صفحة من الحجم الكبير
جاء في المقدمة: "إنّ هذا الكتاب يحاول أن يتذوّق بيان أمير الكلام من خلال دعاء الصباح.. هذا الدعاء كنز من كنوز آل محمد ووثيقة من هدي النبوة مهرّبة من عمق التاريخ، مبثوثة على موجة خفيّة جدًّا يجيد أهل الأدب والإيمان التقاطها وتفكيكها وتحسّسها والتعمّق في حقائقها".
2. شرح دعاء الصباح
الحكيم المتأله ملّا هادي السبزواري
مؤسسة العروة الوثقى
الطبعة الأولى ـ 2010 م
236 صفحة من الحجم الكبير
جاء في مقدمة الكتاب: "هذا الكتاب هو الأثر الثاني للحكيم السبزواري بعد كتابه المفصل في شرح الأسماء الحسنى من الأدعية المأثورة. وقد أنهى السبزواري هذا الكتاب بتاريخ رمضان 1267 هجرية.
قسم الحكيم السبزواري دعاء الصباح في شرحه إلى فقرات واعتنى في كل فقرة بالنكات الأدبية بلحاظ اللغة والمعاني والبيان والبديع، ثم انتقل إلى شرح ظاهر العبارات وفي الأغلب اهتم بالتأويل والباطن وقد قال في مقدمته: "أردت أن أشرحه شرحًا يذلّل صعابه ويكشف نقابه ويوضح أغلاق لفظه ومعناه، ويبيّن أعماق قشره ومغزاه، وما تقاعدتُ في منازل تفسير ظاهره وتنزيله، بل استشرفت إلى ذروة مقام باطنه وتأويله"."
- نماذج شروحات من الكتب المذكورة أعلاه
- مع الإمام علي(ع) في دعاء الصباح (ص 32- 33)
"وسرَّح قطع الليل المُظلم بغَياهِب تَلَجلُجِه"
نعم هذه الإشراقة الصباحية التي تختزن مظهرًا جماليًّا تأتي بعد مشهد جلالي ومظهر من مظاهر القدرة الإلهية بعظمتها ولطفها، فقبل أن يتنفّس الصباح كان هناك حالة من الضيق الظلامي، أو قل من الاختناق الظلامي، كان هناك دفق من أمواج الظلمات تتداخل وتتزايد وتتلاطم وتتعاظم، وكأنّ الليل رمى بثقله على وجه الأرض وبسط سلطانه عليها {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلى يَوْمِ الْقِيامَة}، لا أحد غير الله قدّر وقدِر على إخراج هذا الضياء رغمًا عن تلك الغياهب وذلك السواد الشديد الذي يبتلع كل شيء، سبحانه أخرج النور الجلي من رحم تلك الظلمات المتلجلجة أي المتردّدة. نلتفت هنا لنشير أنّه مهما اشتد خناق الظلمات على الإنسان فإنّه حينما يتولى الله تعالى بصدق فإنّ الله يُنجيه وينير قلبه، {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّور}.
نعود لنقول أنّه ما من أحد غير الله سرّح وأذهب بهذا اليسر ذلك الليل الدامس القاسي والشديد بظلمته {إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسير}، وكما يقول الإمام لاحقًا في هذا الدعاء: "فَلَقتَ بلطفك الفَلق، وأنرت بكرمك دياجي الغسق".
ثم إنّ هذا التعاقب بين الليل والنهار هو من أعظم آيات الله في استقامة الحياة على وجه الأرض، {إِنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْباب}، بل إنّ التأمل العميق في آي القرآن يؤكد أنّ وجود الليل والنهار وانتظامهما كان المقدمة الثالثة في المقدمات الست أو الأيام الستة في تهيئة الأرض وتمهيدها لقابلية الحياة عليها، {وأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها}.
{إِنَّ في اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُون}.
- شرح دعاء الصباح (ص 12- 14)
"وسرّح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه".
التسريح: الإرسال وتسريح الماشية إسامتها ومنه قوله:
ولقد نهزتُ مع الغُواة بدَلوِهم واَسَمتُ سَرح اللحظ حيث أَساموا
فتشبيه "قطع الليل" في النفس بقطع المواشي إستعارة بالكناية، وإثبات التسريح لها إستعارة تخييلية. وفيه إيماء إلى مُسَخَّريتها لله تعالى، وإنّها متحرّكة بتحريك الملائكة الموكّلة بها التي هي أيدي عمّالة لله تعالى كتسخر قطيع الغنم للراعي.
وأيضًا التسريح: التطليق ومنه قوله تعالى: {أو تسريح بإحسان}.
وأيضًا حلّ الشعر وإرساله، ومنه: إطلاق المِسرَح ـ كمِنبَر ـ على المشط وحينئذ كان فيه تشبيه الليل بالشَّعر.
و"القِطعة" بالكسر: الطائفة من الشيء والمراد "بقطع اليل"، ساعاته ودقائقه وثوانيه وهكذا، لأنّه الكمّ المتّصل الغير القارّ القابل للقسمة إلى غير النهاية. وأمّا "القِطع" كما في قوله تعالى: {بقِطعٍ من الليل}، فهو مخصوص بظلمة آخر الليل أو بقطعة من أوله إلى ثلثه.
و"المُظلِم": من أظلَمَ بمعنى صار ذا ظلمة، كما في قولهم اَغَدَّ البعُير أي صار ذا غدّة.
و"الغياهب": جمع الغيهب أي الظلمة، والشديد السواد من الخيل، وإظلام الليل بمرور الشمس في قوس الليل ووقوع المخروط من ظل الأرض فوق الأرض.
و"التلجلج": التردد في الكلام لثقل لسان أو دهشة وخشية ومنه قولهم "الحقُّ أبلج والباطل لجلج" أي الحق ظاهر والباطل غير مستقيم بل متردد، ولجّة البحر: تردّد أمواجه، ولجّة الليل: تردّد ظَلامه.
وأضيف التلجلج إلى الليل لأنّ الأشياء فيه غير متميّزة مثل كلام المتلجلج، فكأنّه الحيوان الأبكم والنهار هو الحيوان الناطق.
والباء في قوله (ع): "بغياهب" إما للمصاحبة متعلقة بسرّح وإما للسببية متعلقة بالمظلم، ويمكن على الأول جعل التلجلج من لجّة البحر، والغياهب، الخيل الشديدة السواد، تشبيهًا، فيكون أوفق بالتسريح بمعنى الإسامة.
التأويل: أن يرُاد "بقطع الليل": الماهيات المطلقة والمواد المختلفة: بالنوع الفلكية، والمادة العنصرية الأولى، والمادة المجسّمة الثانية أنفسها. و"ظلماتها"، إمكاناتها الذاتية وإمكاناتها الاستعدادية. ففي الفقرة الأولى تكلّم في المنير والأنوار التي هي من صُقع الفاعل، وفي الثانية تكلّم في المظلم والظلمات التي هي من ناحية القابل، حتى يظهر للناقد البصير والمتوقّد الخبير أنّ الملك لله تعالى والأنوار من صُقعه، وأنّه نورُ كل نور وظهور كل ظهور والفعليّات والكمالات كلها طواري وعواري للمواد وليس لها في ذواتها إلّا الفقر والإمكان، فإنّ نسبة الشيء إلى فاعله بالوجوب والوجدان، وإلى قابله بالإمكان والفقدان. فإذا أُخِذت الماهيات والمواد بشرط لا، ظهرت مَقابحها ومَساويها، وإنّ البقاء والدوام لبارئها، وإنّ الثبات والفعلية تعودان إلى عالم الربوبية، وإنّ الدنيا ونشأة الطبيعة دائرة فانية، كما أنّها متجدّدة حادثة.
- كتب شرحت دعاء كميل
1. في رحاب دعاء كميل
السيد محمد حسين فضل الله
دار الملاك
الطبعة الأولى ـ 1995 م
279 صفحة من الحجم الوسط
هذا الكتاب هو الحلقة الثانية من سلسلة "في رحاب الدعاء"، وهو جمع للتفسير الخاص الذي قام به السيد محمد حسين فضل الله والذي سبق أن قدّمه عبر حلقات عدة كدروس في المسجد، كما جاء في مقدمة الكتاب؛ وقد امتازت الدروس بأسلوب عملي استطاع فيه الشارح تحويل المعاني المجردة إلى واقع حي مَعيش.
2. شرح دعاء كميل
المولى عبد الأعلى السبزواري
مؤسسة الهداية
الطبعة الأولى ـ 2004 م
206 صفحات من الحجم الكبير
شرح عرفاني أخلاقي للدعاء المشهور، وقد اشتهر المولى عبد الأعلى السبزواري بشروحاته العرفانية العميقة. وقد قال في شرحه هذا: "شرحًا يمتاز عن العبارات إشاراتها، تسهيلًا للوصول إلى معانيها الغامضة ومقاصدها القاصية".
3. أسرار العارفين في شرح كلام مولانا أمير المؤمنين (ع) ـ شرح دعاء كميل
السيد جعفر بن محمد باقر بحر العلوم
دار جواد الأئمة ـ بيروت
الطبعة الأولى ـ 2008 م
498 صفحة من الحجم الكبير
شرح تفصيلي لدعاء كميل بن زياد المعروف أيضًا بدعاء الخضر وهو دعاء جليل لأمير المؤمنين عليه السلام. وتضمن هذا الشرح العديد من المباحث العقائدية والأخلاقية؛ وقد مزج المؤلف شرحه بروايات كثيرة أخذها من مصادر الحديث المعتبرة. فرغ من تأليفه سنة 1330 هجرية وطبع أول مرة بعدها باثنتي عشرة سنة.
4. تأملات من دعاء كميل
السيد ياسر محفوظ الموسوي الساري
دار الولاء
الطبعة الأولى ـ 2019 م
494 صفحة من الحجم الكبير
جاء في تعريف الكتاب أنّه: "يطرح مفاهيم تتناول الواقع من الحياة، وبأسلوب قريب لفهم فئات المجتمع، ويتضمن قسمًا من البحوث التربوية والأخلاقية والسلوكية، التي تمس الواقع المعاصر، وذلك من خلال التأمل في فقرات دعاء كميل المروي عن أمير المؤمنين (ع). وأيضًا يتناول الكتاب بحوث علمية مستمدة من المصادر التي تحدثت عن هذه البحوث من قبيل خصائص الماء أو مفاهيم صحية، والتي كان سبب طرحها بحسب مقتضى الفقرات من الدعاء، ناهيك عن جملة البحوث المطولة نوعًا ما تتناول المفاهيم التي تناولها الدعاء المبارك كما في المفاهيم الأخلاقية كالاعتذار والإنابة والاستغفار". مع إضافة المدلول اللغوي وقسم كبير من روايات أهل البيت (ع).
5. مواهب الليل في شرح دعاء كميل
الشيخ فاضل الصفّار
دار المحجة البيضاء
الطبعة الأولى ـ 2019 م
ثلاثة مجلدات من الحجم الكبير، الأول: 522 صفحة، الثاني: 492 صفحة، الثالث: 524 صفحة
جاء في المقدمة: "اشتمل البحث على فصل تمهيدي بثلاثة مباحث: أولها: استعرضنا فيها لولادة كميل بن زياد ونسبه وشيئًا من تأريخه وسيرته في الدفاع عن الحق ومجاهدة الظلم والطغيان حتى شهادته ومدفنه. وثانيها: في حقيقة الدعاء وأهميته وآثاره. وثالثها: في آدابه وما ينبغي للداعي أن يتصف به للوصول إلى أغراضه. ثم تناولنا بالشرح البسملة، وبعدها وقفنا على فقرات الدعاء على التوالي، بحثنا فيها دلالاتها اللغوية والنتائج المعرفية والأخلاقية المستفادة منها معزّزة بالآيات وما قرّره العلماء في كل حقل ومجال".
** وقد صدر كتاب تحت عنوان شرح دعاء كميل للسيد حسين اسماعيل الصدر، وهو نسخ حرفي كامل لكتاب المولى عبد الأعلى السبزواري.
- نماذج من شروحات من الكتب المذكورة أعلاه
- في رحاب دعاء كميل (ص 104- 105)
"وبسلطانك الذي علا كل شيء".
السلطان: من السلطة، وهي القدرة، والملك. والسلطان هو القادر، والمالك، والمتسلط على غيره.
وعلا: من العلو، وتفيد الارتفاع، والقوة، والقدرة، والقهر، والغلبة.
من هنا، لأنّ قدرة الله عز وجل تعلو كل قدرة، وإرادته تقهر كل إرادة، فهو المتسلط حقًّا على كل شيء وعلى كل شأن. قال تعالى: {وَالْأَرْضُ جَميعًا قَبْضَتُه}، أي ما من شيء إلا وهو في متناول قدرته، وما من شيء إلا وإرادته نافذة فيه. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فحتى لا يتوهم متوهم بأنّ سلطة الله تقف عند حد محدود، قال تعالى: {وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمينِه}.
فالله سبحانه وتعالى محيط بكل شيء، ومالك لكل شيء، وقاهر لكل شيء. وكيف لا يكون هذا شأنه وهو خالق كل شيء ومبدعه. وهو مبدئ كل شيء ومعيده. ومحيي كل شيء ومميته: "سبحان من.. قهر عباده بالموت والفناء". ولذا، ما من إرادة أو قدرة، يمكن أن تزاحم أو تنافس إرادة وقدرة الله تعالى. وبالتالي، ما من سلطة يمكن أن تزاحم سلطة الله تعالى مهما توهم صاحبها أنّ لديه من أسباب القوة والمنعة والعظمة. فكل مشاعر السلطة التي تنتاب الإنسان، سواء سلطته على الطبيعة أو الكون بفعل التقدم العلمي أو التقني، أو سلطته على أخيه الإنسان بالقهر والغلبة، أو بالسياسة وسواها، فإنّها كلها لا تخرج عن إرادة الله وقدرته مهما عظمت واشتد عودها وكثفت أغصانها.
فسلطة الله سبحانه وتعالى مطلقة لا متناهية لا تضاهيها سلطة أخرى في الوجود. بل إنّ أسباب كل سلطة وعناصرها هي بيد الله سبحانه وتعالى وحده. فبيد الله تعالى مقادير وأزمّة كل سلطة مهما بلغت وعظمت.
ولأنّ الله تعالى وحده هو السلطان حقًّا، فلا يجوز الخضوع لأي سلطة غير سلطته تعالى. فالخضوع والانصياع لغير سلطة الله تعالى، إنّما هو إقرار بسلطة في مقابل سلطته تعالى، مما يفضي إلى نوع من أنواع الشرك بالله تعالى. ولأنّ الله سبحانه وتعالى له السلطة جميعًا، فله وحده فقط يعود أمر تفويض شيء من سلطته، كما فوّض تعالى الأنبياء والرسل بعض السلطات، فكانت لهم الولاية التشريعية والولاية التنفيذية الإجرائية والولايات التي تدخل في سياق الكرامات والمعجزات.
من هنا، فكل سلطة لا تستمد شروطها وأسبابها، شكلها ومضمونها، غاياتها وأهدافها، ومواصفات القيّمين عليها، من عند الله سبحانه وتعالى، هي سلطة جاحدة كافرة.
وفي هذا السياق، يحدثنا الله سبحانه وتعالى في القرآن عن الليل الذي يعقبه النهار، وبيد الله أن لا يكون نهار بعد الليل، وعن النهار الذي يعقبه الليل، وبيد الله أن لا يكون هناك ليل بعد النهار، بيد الله أرواح الناس، والماء الذي يجري، وكل الهواء الذي نتنفس، فماذا يملك الناس من سلطة؟ إنما يملكون شيئًا من قدرة الله، يملكون بعض الأشياء التي هي من مخلوقات الله سبحانه وتعالى.
الله هو السلطان "وبسلطانك الذي علا كل شيء"، إذا تصوّرنا كل القوى الكبيرة والصغيرة، فما قيمتها أمام قوة الله وسلطانه؟! عندما تضغط القضايا على شخص من الأشخاص، ومن جميع الجهات، فيجب أن يرتفع بفكره إلى الله حتى يشعر بالانفتاح، لأنّ الناس قد يصيبهم الاختناق وقد يهزمهم، وحين يصيب الاختناق النفسي قومًا، فمعنى ذلك أنّهم قدّموا لأعدائهم أكثر مما يريدون.
لماذا ذلك يا ترى؟
إنّه الاختناق بالضعف.. وعلى الإنسان المؤمن أن يرفع قلبه وروحه وحياته لله سبحانه وتعالى في كل الأوقات، وفي كل الأحوال.
- شرح دعاء كميل (ص 33 – 34)
"وبسلطانك الذي علا كل شيء".
السلطان: الحجة والبرهان. وقوله تعالى:{وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا} يجوز أن يكون بمعنى الغلبة والتسليط، ويحتمل أن يكون بمعنى الحجة، أي يجعل لكم حجة وبرهانًا. والسلطنة: القوة والغلبة.
علا، يعلو: ارتفع وتفوّق، وفاق.
وفي القاموس: "السلطان: الحجة، وقدرة الملك ـ ويضم لامه ـ والوالي".
وهاهنا بجميع معانيه صادق عليه تعالى: لأنّ حجّته وبرهانه وسلطنته وغلبته وكذا قدرته وتوليته علت وفاقت على جميع الأشياء.
ثم إنّ من حججه وبراهينه خلفاءه تعالى في أرضه، وأمناءه في بلاده الذين افتتحت منهم الباديات، واختتمت بهم العائدات، كما ورد: "بكم فتح الله وبكم يختم". فإنّه لمّا كان مقامهم بحسب الروحانية مقام العقول الكلية ـ وهي وسائط جوده تعالى بحسب النزول، وروابط الحوادث بالقديم بحسب الصعود ـ كان افتتاح الفيض منهم واختتامه بهم.
فهم عليهم السلام ـ بشراشر وجودهم ـ حجج الله تعالى على عباده، التي لا تعلوها حجة سوى ذاته تعالى؛ إذ عقولهم الصحيحة الكافية المستكفية حجج على العقول، ونفوسهم المطمئنة المعلّمة حجج على النفوس، وأقوالهم الشافية الوافية حجج للمحبين، وأفعالهم الخالصة الصافية حجج للعاملين المستكملين المسترشدين.
ومن حججه وبراهينه النفوس المتعلّمة بالأسماء بالقوّة، كما ورد عن أمير المؤمنين (ع): "الصورة الإنسانية هي أكبر حجج الله على خلقه، وهي الكتاب الذي كتبه بيده، وهي الهيكل الذي بناه بحكمته، وهي مجموع صور العالمين، وهي المختصر من اللوح المحفوظ، وهي الشاهدة على كل غائب، وهي الحجة على كل جاحد، وهي الطريق المستقيم إلى كل خير، وهي الجسر الممدود بين الجنة والنار".
والآيات الفرقانية والكلمات الحكمية والعرفانية في هذا الباب كثيرة جدًّا. منها قوله تعالى: {اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسيبًا}، وقوله: {وَفي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُون}، وقوله تعالى: {سَنُريهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَق}، وقوله تعالى: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِما مَعَهُم}. وقوله (ع) "من عرف نفسه فقد عرف ربه"، وقوله "أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه".
- أسرار العارفين في شرح كلام مولانا أمير المؤمنين (ع) (ص 83):
"وبسلطانك الذي علا كل شيء"
السلطان: مصدر كالغفران، بمعنى القهر، وقهره تعالى للأشياء وسلطانه عليها هو كونها مسخّرة تحت قدرته، عاجزة في قبضته، بحيث ينفذ مشيّته فيها، ويصرّفها كيف يشاء.
- تأملات من دعاء كميل (ص 55- 57):
"وبسلطانك الذي علا كل شيء".
السلطان: قدرة الملك كما جاء في اللسان، سلطان الله عز وجل هو قدرته وملكه وسيطرته على مجاري الأمور، قال تعالى:{الَّذي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْديرًا} فهذه الآية تشير إلى أنّ الله تعالى هو الحاكم والسلطان على كل عالم الوجود، من سماواته وأرضه، ولم يجعل لنفسه شريكًا يساعده في تدبير هذا الكون الواسع، وأعطى كل شيء حقه ولم يبخس حق شيء من هذه الموجودات الممكنة، وقد قدّر الموجودات بدقة عالية ومتنامية، فعلى سبيل المثال نضع هذه المعلومة العلمية من تفسير الأمثل:
يقول العلماء: لو كانت قشرة الأرض أسمك مما عليه الآن بمقدار بضعة أقدام، لما وُجِدَ "الأوكسجين" الذي يعتبر المادة الأصلية للحياة، ولو كانت البحار أعمق من عمقها الفعلي عدة أمتار لامتصّت جميع ما في الجو من الكربون والأوكسجين، ولما أمكن وجود حياة لحيوان ونبات على سطح الأرض، ويحتمل أن تقوم قشرة الأرض والبحار بامتصاص كل الأوكسجين، وكان على الإنسان أن ينتظر نمو النباتات التي تلفظ الأوكسجين.
وطبقًا للحسابات الدقيقة في هذا المجال يتضح أنّ للأوكسجين مصادر مختلفة، ولكن مهما كان مصدره، فإنّ كميته مطابقة لاحتياجاتنا بالضبط.
ولو أنّ طبقة الغلاف الجوي أرق مما هي عليه الآن مما هو، فإنّ بعض الشهب التي تحترق كل يوم بالملايين في الهواء الخارجي، كانت تضرب جميع أجزاء الكرة الأرضية، وهي تسير بسرعة تتراوح بين ستة أميال وأربعين ميلًا في الثانية، وكان بإمكانها أن تُشعِلَ كل شيء قابل للاحتراق.
ولو كانت تسير ببطء رصاصة البندقية لارتطمت كلها بالأرض ولكانت العاقبة مروعة، ولو تعرض الإنسان للاصطدام بشهاب ضئيل يسير بسرعة تفوق سرعة الرصاصة تسعين مرة، لتحول إلى رماد لمجرد حرارته.
"الذي علا كل شيء" العُلوُّ: ضد السُّفل، والعُلْويّ والسُّفلي المنسوب إليهما، والعلوُّ: الارتفاع كما هو في المفردات للأصفهاني.
إنّ الحسابات الدقيقة التي ذكرناها آنفًا تدلّ على أنّ السلطة الربانية حاكمة على مقاليد وأسرار السماوات والأرض، وهذا يركّز بنا المعطيات العلمية التي تبرهن على الدقة المترامية التي سيطرت على مجاري الأمور.
إلّا إنّ قسمًا من بني البشر لم يتفاعل مع هذه الحقيقة، بل راح يوجّهُ نفوذه السلطوي إلى تمييع هذه الحقيقة لمصالحَ يرتجي منها المنفعة والفائدة، حيث كوّن لذاته شأنية من الطغيان والاستبداد، وسعى جاهدًا إلى قذفها نحو الناس المستضعفة، ساعيًا من خلال ذلك إلى إلهاء الناس عن السرقات التي تقترفُها يده ويد الآخرين الذين يُعبِّدون له الشارع، فهؤلاء ينهبون الأموال ويغصبون الأراضي ويحاولون قدر المستطاع نشر المادة الفاسدة من الأفلام والأغاني الصاخبة، وكل هؤلاء أمسكوا السلطة بالحديد والنار، وحكموا العالم بذراع القوة الطاغية والمستبدة، لم يستضيئوا بنور الله تعالى، ولم يلبسوا ثياب الورع والتقوى، ولم تكن مهمتهم خوفَ العدالة الإلهية.
- مواهب الليل في شرح دعاء كميل (ص 207 – 216):
السلطان: مصدر مثل غفران وسبحان وطغيان، وقد ذكروا له معاني:
الأول: الغلبة والقوة. يُقال تسلط على الشيء أي تمكن وتحكم كما في قوله تعالى: {وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا} أي قوة؛ وكذا قوله تعالى: {فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا} أي تسلطًا وقوة لأخذ الحق قصصًا أو بالدية أو بالعفو عن القاتل؛ وقوله تعالى: {لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطان} أي بقوة من الله سبحانه أو سلطة منه، وحينئذ يكون معنى الفقرة: أن كل شيء مقهور مغلوب بسلطان قدرته، ولا يتخلف عنها مطلقًا.
الثاني: الحجة والبرهان، وفيه ورد قوله تعالى: {وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبين} أي حجة بينة، وقوله تعالى: {فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطان} أي حيثما كنتم شاهدتم حجةً لله تعالى وسلطانًا يدل على أنّه واحد، وكل سلطان في القرآن حجة، وقوله تعالى: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَه} معناه ذهبت عني حجتي، والسلطان: الحجة، ولذلك قيل للأمراء سلاطين؛ لأنّهم الذين تقام بهم الحجة والحقوق... والسلطان: الوالي، والسلطان: قدرة الملِك،... وقوله تعالى {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ} أي حجته وبرهانه يعلو على كل حجة وبرهان، بحيث تقطع الأعذار.
فـ (علا) بمعنى تفوق وغلب كما في قوله تعالى: {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا}؛ وورد عن الكاظم (ع): "أن الله أعلى وأجلى" ويُحتمل أن (علا) بمعنى (لاح) أي ظهر وحينئذ يكون المعنى أن برهانه يلوح على كل شيء، ويدل على قدرته وكماله وألوهيته.
وتتجلى غلبة حجته سبحانه وعلو برهانه في آيات الأنبياء والأولياء (ع)، ففي قصة موسى (ع) وتغلبه على فرعون بآياته ـ مثلًا ـ ذكر القرآن المعنيين في آية واحدة، حيث قال سبحانه: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُون}.
قال في المجمع: سلطانًا أي حجة وقوة وبرهانًا؛ لذا لا يصل فرعون وقومه إلى الإضرار بكما بسبب ما نعطيكما من الآيات، وما يجري على أيديكما من المعجزات، فيخافكما فرعون وقومه لأجلها.
أنتما ومن اتبعكما الغالبون على فرعون وقومه، القاهرون لهم، وهذه الغلبة غير السلطان، فإن السلطان الحجة، والغلبة بالقهر حين هلك فرعون وقومه وملك موسى وقومه ديارهم.
وعن مولانا الباقر (ع) في حديث طويل يشرح كيفية غلبة موسى وهارون (ع) بآيات الله وسلطانه قال: "أنّه لما رجع موسى (ع) إلى امرأته قالت: من أين جئت؟ قال: من عند رب تلك النار. قال: فغدا إلى فرعون، فوالله لكأني أنظر إليه طويل الباع، ذو شعر أدم، عليه جبة من صوف، عصاه في كفه، مربوط حقوه بشريط، نعله من جلد حمار، شراكها من ليف، فقيل لفرعون: إن على الباب فتًى يزعم أنّه رسول رب العالمين، فقال فرعون لصاحب الأسد: خلّ سلاسلها ـ وكان إذا غضب على رجل خلّاها فقطعته ـ فخلّاها، فقرع موسى الباب الأول وكانت تسعة أبواب، فلما قرع الباب الأول انفتحت له الأبواب التسعة، فلما دخل جعلن تبصبصن تحت رجليه كأنهن جراء، فقال فرعون لجلسائه: رأيتم مثل هذا قط؟! فلما أقبل إليه فقال: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فينا وَليدًا} إلى قوله: {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّين}... فقال: خلّوا عنه. قال: فأخرج يده فإذا هي بيضاء قد حال شعاعها بينه وبين وجهه، فألقى العصا فإذا هي حية، فالتقمت الإيوان بلحييها، فدعاه: أن يا موسى أقلني إلى غد، ثم كان من أمره ما كان".
ولكن السؤال الذي قد يخطر في الأذهان عن الفرق بين الحجة والبرهان؟
وربما يقال إنهما كالفقير والمسكين إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا، وحينئذ تكون الحجة ما يحتج به في مقام الجدل أو الخصومة ونحوهما، بينما البرهان ما يكون مقدمة للحجة، والحق أنّ الحجة أعم من البرهان من جهتين:
الأولى: أن الحجة تطلق على كل دليل مثبت عقليًّا كان أو نقليًّا.
والثانية: أن الحجة ما يحتج به سواء علميًّا كان أو ظنيًّا، وأما البرهان فلا يطلق إلا على الدليل العقلي القاطع، أو الوجداني الذي لا يقبل الشك، كما أنّه الحجة القاطعة المفيدة للعلم، ومن هنا عرفوه في المصطلح بالقياس المؤلّف من اليقينيات سواء كانت ابتداء وهي الضروريات أو بواسطة وهي النظريات، والحد الأوسط فيه لا بد أن يكون علة لنسبة الأكبر إلى الأصغر.
ولا شك أن برهانه سبحانه سواء في الضروريات أو النظريات من أصدق البراهين وأعلاها؛ إذ إن حدّه الأوسط يقيني وجداني فطري لا شك ولا شبهة فيه، ولذا قال سبحانه: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْض} بلسان الاستفهام الاستنكاري أو التقريري.
الثالث: السلطة والحكم، وهو فيه سبحانه بمعنى الحاكم المطلق في كل شيء، وهو الوالي الحقيقي لمملكة الوجود، وهو المهيمن المستولي عليها بلا منازع ولا نظير، ومن أسمائه سبحانه الولي والوالي، ومن معاني الأول: المتولي لأمور الخلائق القائم بها، والولاية بالكسر السلطان.
ومن معاني الثاني: مالك الأشياء جميعها المتصرّف فيها كما في لسان العرب.
وقال ابن الأثير: وكأن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل، وما لم يجتمع ذلك فيها لم يطلق عليه اسم الوالي.
إذ لا مؤثر في الوجود إلا هو، ولا معبود يستحق العبادة إلا هو تبارك وتعالى، وسيرد ذلك في بيان قوله (ع): "ولا يمكن الفرار من حكومتك" فحكومته تبارك وتعالى المباشرة أو بالوسائط والأسباب كالملائكة والأنبياء والأولياء (ع)، أو القوانين الطبيعية التي أودعها في الأشياء في النافذة التي لا تضعف ولا تزول ولا تغفل، فكل ما يحدث في العالم فهو بعلمه وقدرته وإذنه. أما غيرها من الحكومات والسلطات فهي اعتبارية ضعيفة زائلة.
الرابع: الملك؛ إذ هو المالك، وملكه دائم لا يزول بعكس سائر الملوك، وسلطانه دائم باق، وكل شيء دونه مملوك له؛ إذ كل مملوك له سلطة خاصة ولو على نفسه، وهو المتيقن، وربما على غيره إما بعلمه، أو بماله، أو بقوته، أو بالاعتبار والتنصيب، أو بموقعه الاجتماعي ونحو ذلك، ولكن سلطان الله فوق كل هذه السلطات والقدرات، بل ملكه هو الحقيقي وسائر الأملاك فهي اعتبارية لا قوة لها ولا دوام، ولذا ينفي الخلائق ثم يخاطبهم في القيامة: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّار}، وكذلك: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْد} إذ ملكه لا يزول وملكهم يزول، وملكه حقيقي لأنّه هو العلة، وملكهم اعتباري، وملكهم يزداد وينقص وملكه ثابت قائم، وملكهم محدود على بعض الأشياء وملكه واسع شامل لكل شيء تكوينًا وتشريعًا وتدبيرًا.
ففي رواية يعقوب الأحمر قال: دخلت على أبي عبدالله (ع) نعزيه بإسماعيل فترحم عليه ثم قال: "إنّ الله عز وجل نعى إلى نبيه (ص) نفسه فقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون}، وقال: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ}، ثم أنشأ يحدث فقال: "إنّه يموت أهل الأرض حتى لا يبقى أحد، ثم يموت أهل السماء حتى لا يبقى أحد إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرائيل وميكائيل (ع)، قال: فيجيء ملك الموت حتى يقوم بين يدي الله عز وجل فيُقال: من بقي؟ ـ وهو أعلم ـ فيقول: يا رب لم يبقَ إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل، فيُقال له: قل لجبرئيل وميكائيل فليموتا، فيقول الملائكة عند ذلك: يا رب رسوليك وأمينيك؟ فيقول: إني قد قضيت على كل نفس فيها الروح الموت، ثم يجيء ملك الموت حتى يقف بين يدي الله عز وجل فيقال له: من بقي؟ ـ وهو أعلم ـ فيقول: يا رب لم يبقَ إلا ملك الموت وحملة العرش، فيُقال: قل لحملة العرش فليموتوا، قال: ثم يجيء كئيبًا حزينًا لا يرفع طرفه فيُقال له: من بقي؟ ـ وهو أعلم ـ فيقول: يا رب لم يبقَ إلا ملك الموت، فيُقال له: مت يا ملك الموت فيموت، ثم يأخذ الأرض والسماوات بيمينه ويقول: أين الذين كانوا يدعون معي شريكًا؟ أين الذين كانوا يجعلون معي إلهًا آخر؟" وفي رواية أخرى يقول سبحانه: "أين الجبارون؟ وأين المتكبرون؟ وأين الذين ادّعوا معي إلهًا آخر؟ أين المنكرون ونخوتهم؟".
المعنى الجامع للسلطان
أقول: ولعل مرجع المعاني المتعددة المزبورة إلى معنى واحد وهو (الجامع) الذي ترجع إليه جميع المعاني، وهو القوة والغلبة التي بها يتسلط على الأشياء، والملك والقدرة والحجة ونحوها كلها من مصاديق السلطان، ولكن تختلف بالوجوه والاعتبارات، كما هو مبنى جماعة منهم الآخوند وسماحة السيد الشيرازي تبعًا للرضي نجم الأئمة في نفي الترادف، وهو الذي صرح به الطبرسي في مجمع البيان أيضًا.
وذلك لأنّ الغلبة إذا تحققت في مقام الكلام والمحاورات العلمية والعقلية تُسمى حجة؛ لأنّها الغاية والمقصد في الاحتجاج. قال الشيخ المظفر: إنّ أسمى هدف للمنطقي وأقصى مقصد له (مباحث الحجة) أي مباحث المعلوم التصديقي الذي يستخدم للتوصل إلى معرفة المجهول التصديقي، و(الحجة) عندهم عبارة عما يتألف من قضايا يتجه بها إلى مطلوب يستحصل بها، وإنّما سُميت (حجة) لأنّه يحتج بها على الخصم لإثبات المطلوب، وتُسمى (دليلًا) لأنّها تدل على المطلوب، وتهيئتها وتأليفها لأجل الدلالة يُسمى (استدلالًا).
ويمكن أن يكون من أسباب التسمية بـ (الحجة) أنّ المعلومات التصديقية توجب غلبة قول المتكلم فتكون أعم من الاحتجاج، وهذا المعنى تضمن معنى الغلبة، كما أنّ الولاية تتضمن الغلبة والتسليط؛ إذ لولا سلطته سبحانه النافذة على الأشياء لم تتحقق ولايته، ولم ينفذ عليها أمره وإرادته، وهكذا السلطان والملك.
فيتحصل: أن لفظ السلطان بجميع معانيه صادق النسبة إلى الله سبحانه؛ لأنّه الغالب بقدرته وجلاله وكماله وأدلته وحججه وبراهينه، وآياته لائحة على كل شيء: {وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون} لكن الناس غافلون جاهلون بهذه الحقيقة في العمل وإن أذعنوا لها بالقول، والدليل عليه أنّهم يستندون إلى قواهم وقدراتهم ووجاهاتهم في تنفيذ ما يريدون ظنًّا منهم أنّ الوقائع تحصل من دون الله سبحانه، وبهذا السلطان الواسع النافذ في الأشياء يسأله.
- كتب شرحت دعاء أبي حمزة الثمالي
1. في رحاب دعاء أبي حمزة الثمالي
أمل حسن
دار الاعتصام
الطبعة الأولى ـ 1419 هـ
192 صفحة
شرح لفقرات دعاء أبي حمزة الثمالي.
2. على أعتاب الحبيب للشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
- نماذج شروحات من الكتب المذكورة أعلاه
- في رحاب دعاء أبي حمزة الثمالي (ص 23):
"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا أَدْعُو غَيْرَهُ وَلَوْ دَعَوْتُ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَجِبْ لِي دُعَائِي، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا أَرْجُو غَيْرَهُ وَلَوْ رَجَوْتُ غَيْرَهُ لَأَخْلَفَ رَجَائِي": الاعتماد على المخلوقين في قضاء الحاجات لا توصل إلى المطلب، ورجاء غير الله تعالى نتيجته الخُلْف والخسارة؛ وعلى هذا فالداعي يحمد الله تعالى على هذه النعمة حيث إنّه جعل الدعاء له وحده وضمِن الإجابة وجعلنا في رجاء وننتظر عطاءه.
- على أعتاب الحبيب (ص 106- 108):
من المناسب أن يدقّق الإنسان في مضامين هذه الأدعية وأن يجسّد أمام ناظريه حالة الإمام السّجاد(ع) في ليالي شهر رمضان وهو يرفع يديه إلى السّماء ويُناجي ربّه قائلًا: "اَلْحَمْدُ لِّلهِ الَّذي لا أدْعُو غَيْرَهُ وَلَو دَعَوْتُ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَجِبْ لي دُعائي"؛ إنّ تبدّل أملنا إلى اليأس إنّما يكون بسبب تعلّق آمالنا بغير الله لهذا يقول الإمام السجّاد(ع): "اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا أرجُو غَيْرَهُ وَلَوْ رَجَوْتُ غَيْرَهُ لأخْلَفَ رَجَائي"؛ وفي موضعٍ آخر يقول مخاطبًا ربّه تعالى: "كَيْفَ اَرْجُو غَيْرَكَ وَالْخَيْرُ بِيَدِكَ كُلُّهُ".
يجب أن نقرأ هذه الكلمات على لسان الإمام السّجاد(ع) فالذي يمكنه أن يُخاطب ربّه هكذا هو شخصٌ مثل معصوم، ومثل هذا الإنسان يحقّ له أن يدّعي ذلك؛ أمّا نحن فإنّنا لم نصل إلى تلك المرتبة التي يحقّ لنا فيها أن ندّعي هذا الكلام انطلاقًا من واقعنا.
"اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي يَحْلُمُ عَنّي حَتّى كَأنّي لاذَنْبَ لي"؛ بالطبع يجب الالتفات إلى أنّ كلّ هذا الحلم والصفح من جانب الله يختصّ بهذا العالم الذي يتمّ فيه تأخير العقاب على أعمال الإنسان السيّئة لعلّه يرجع ويندم على ما فعل. لهذا، فإنّ الله يعطف على هذا الإنسان العاصي بمثل هذه الرأفة والرحمة وحين يتوجّه هذا الإنسان العاصي إلى ربّه فكأنّه حبيبٌ يأتي إلى حبيبه؛ فهو لا يقول له إنّك قد خالفتني مرّاتٍ ومرّات وعصيتني، ولا يكتفي بعدم طرده بل يعامله وكأنه لم يرتكب تلك المعصية من الأساس!
حين يتوجّه الإنسان إلى مثل تلك الحقائق فإنّ تلك الجاذبة الموجودة بينه وبين ربّه تزداد قوّةً وتزداد معها محبّته لله، لهذا يحبّ أن يكلّم الله أكثر ويأنس به ويصبح مستعدًّا للإعراض عن أعماله السيّئة وغضّ النظر عن تلك التعلّقات الموجودة فيه تجاه الأمور المادّيّة والدنيويّة، ذلك لأنّه يُدرك أنّ الوحيد الذي يوجد بينهما رابطةٌ حقيقية هو الله لا غير. فالوحيد الذي يمكن أن يحقّق آماله هو الله، والوحيد الذي يمكن أن يؤمّن حاجاته هو الله. فإنّ التوجه إلى مثل هذه المعاني اللطيفة يؤدّي بالتدريج إلى زوال الحجب بينه وبين الله، وسوف يشعر بمقدار استعداده ووعائه أنّه يتقرّب إلى الله، والله تعالى يسمع صوته، وهو جاهزٌ لاستجابة دعائه وطلبه. وفي "دعاء الافتتاح" يقول الإمام وهو يصف الله تعالى: "...اَلْباسِطِ بِالْجُودِ يَدَهُ".
بناءً عليه، فإنّ الله قد بسط مائدة عنايته بخلقه ونحن الذين يجب علينا أن نحقّق ذلك الاستعداد بأنفسنا بواسطة حسن اختيارنا لكي نتمكّن من التنعّم بفيوضات الله، لأنّ الله تعالى لا يغفل عن عباده ولا يقبض يده؛ وإنّما فقدنا فرصة التوجّه إلى هذه القضايا بسبب مصائبنا وانشغالاتنا والقذارات التي أوجدناها في أنفسنا. في حين أنّ الله حاضرٌ في كلّ مكانٍ وكلّ زمان، ولو دعوناه لسمع صوتنا وأجابنا بل ما هو أعلى من ذلك. ففي حديثٍ قدسي ذُكر أنّ الله تعالى يقول: "اُناجِيهِ في ظُلَمِ الْلَّيْلِ وَنُورِ النَّهارِ"؛ أي إنّه بدل أن يكون العبد مناجيًا لربّه فإنّ الله تعالى هو من يناجيه ويكلّمه. فحين يصبح العبد محبوبًا عند الله فإنّه إذا غفل عن الله، يُذكّره تعالى بنفسه ويُخاطبه في قلبه.
إنّ ألطاف الحقّ تعالى ما ظهر منها وما بطن هي بالنسبة لعباده بدرجةٍ لا يمكن بيانها. وقد أدركنا مثل هذه الحالات والعنايات في ظلّ وجود الأئمّة الأطهار(ع) ولأجل أن نقتبس من الفيوضات الإلهية نقرأ دعاءً ونظهر أمرًا لعلّنا نصبح مشمولين لعناية الله فيطهّرنا من تلك القذارات، لأنّ أحوالنا وصلت إلى حيث لا يمكننا أن ننجي أنفسنا بسبب تلك القيود التي وضعناها على أيدينا وأرجلنا؛ اللهمّ إلّا إذا تطلّعنا بعين الأمل إلى الله وأوليائه. فلو أدرك الإنسان مثل هذه الأحوال المعنويّة وذاق حلاوتها لن يتطلّع إلى أيّ شيءٍ آخر. فأولياء الله الذين أدركوا مثل هذه الحلاوة يقولون: "اِلهي ما ألَذَّ خَواطِرَ الإلْهامِ بِذِكْرِكَ عَلَى الْقُلُوبِ وَما أحْلَى الْمَسيرَ اِلَيْكَ بِالأوْهامِ فِي مَسالِكِ الْغُيُوبِ وَما أطْيَبَ طَعْمَ حُبِّكَ وَما أعْذَبَ شِرْبَ قُرْبِكَ".
بناءً عليه، يجب أن ندعو وإذا لم نكن قادرين، فعلى الأقل نقلّد الداعين الحقيقيّين فنعمل مثل أولئك الذين يناجون ربّهم مناجاةً حقيقيّة لعلّ الله يجعلنا مورد عنايته. فقد يحبّ الله أولئك الذين يتصرّفون مثل عباده. وقد جاء في روايةٍ أنّ الله تعالى قد أنجى مهرّجًا كان يقلّد موسى(ع) في بلاط فرعون ويحمل العصا بيده ويتكلّم كما كان يتكلّم موسى(ع) في دعوته إلى الله؛ فحين غرق فرعون وجنوده وكان هو معهم لم يُغرقه الله لأنّه كان يُشبه شخصًا يحبّه الله تعالى.
بناءً عليه، فلنجعل أنفسنا أيضًا مشابهين لأحباب الله ونقرأ ما يقرأونه لعلّ الله يتلطّف ويعتني بنا؛ "إلهي إنْ كانَ قَلَّ زادي فِى الْمَسيرِ إلَيْكَ فَلَقَدْ حَسُنَ ظَنّي بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ، وَاِنْ كانَ جُرْمي قَدْ أخافَني مِنْ عُقُوبَتِكَ فَإنَّ رَجائي قَدْ أشْعَرَني بِالأمْنِ مِنْ نِقْمَتِكَ".
- كتب شرحت المناجاة الشعبانية
1. بوارق العرفان في مناجاة شعبان
بلال نعيم
مؤسسة العروة الوثقى
72 صفحة
قال الكاتب في الخاتمة: "دفعني إلى البحث في هذه المناجاة ما قرأته من تأكيدات سيد عرفاء القرون الأخيرة الإمام الخميني(قده) على قراءة هذه المناجاة ومقطوعاتها، إضافة إلى أنّي لم أجد تفسيرًا لهذه المناجاة باللغة العربية"؛ فعمل الكاتب على فك مفردات ومعاني البارقات العرفانية لهذه المناجاة.
2. المناجاة الشعبانية
الشيخ حسين كوراني
المركز الإسلامي ـ بيروت
2011 م
114 صفحة
جاء في المقدمة أنّ الكتاب: "تعريف بالمناجاة الشعبانية من حيث الرواية وكلمات العلماء فيها، ووقفة صافية مع نصوص الإمام الخميني (قده) في الحث على قراءتها، وكذلك في تسليط الضوء على بعض دقائقها. يُختتم هذا الباب بنصوص لسماحة الإمام الخامنئي عن هذا الدعاء ـ المناجاة". وفي الباب الأخير وقفة تأمل مع مُفتَتح المناجاة الشعبانية".
3. روائع المناجاة ـ شرح المناجاة الشعبانية ومناجاة المريدين
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
إعداد: السيد محمد رضا غياثي كرماني
ترجمة: السيد عباس نورالدين
دار المعارف الحكمية
الطبعة الأولى ـ 2018 م
222 صفحة من الحجم الوسط
يقدّم الكتاب مجموعة دروس للمؤلف (حفظه الله) قدّم فيها بشكل متسلسل شرحًا للمناجاة الشعبانية، ومجموعة أخرى قدّمها في شرح مناجاة المريدين، كما ذكر في المقدمة.
- نماذج شروحات من الكتب المذكورة أعلاه
- بوارق العرفان في مناجاة شعبان (ص 17 – 18):
إنّ معرفة الحق الذي يتم السفر إليه ضرورية من أجل حسن السير وسلامة السفر، فالله سبحانه الذي هو غاية آمال العارفين والذي لقاؤه نهاية المنى وغايته، يعرف سرّنا وجهرنا ومطّلع على خفايا أمورنا بل إنّ علمه بأحوالنا ليس علمًا إجماليًّا بواقع الحال وإنّما علمٌ تفصيليٌّ يطّلع من خلاله على السرائر وعلى مكنونات الأنفس وعلى أسرارها، والالتفات إلى هذه الحقيقة الحقة يؤدي إلى التدبر في الخطوات وإلى الدقة في الأعمال فالله سبحانه يراقب كل حركات السالك إليه ويطّلع على تفاصيل نواياه وعلى ضميره المحرّك له وعلى عزمه وإرادته، لذا فإنّ السالك عليه أن يراقب نفسه لمراقبة الله له كي لا تزل قدمه فيهوى والله ينظر إليه.
من هنا كان تأكيد الأمير (ع) في المقدمة لمناجاته على الاعتراف بهذه الحقيقة الواقعة وهي اطّلاع الله على كل شيء عنده من الظاهر والباطن والسر والعلن والجهر والإخفات، وهو يقول: "وتعلم ما في نفسي وتخبر حاجتي وتعرف ضميري ولا يخفى عليك أمر منقلبي ومثواي وما أريد أن أبدئ به من منطقي وأتفوه به من طلبتي وأرجوه لعاقبتي وقد جرت مقاديرك عليّ يا سيدي فيما يكون مني إلى آخر عمري من سريرتي وعلانيتي".
وما أحلى هذا الاستعمال لمفردات العلم الإلهي بحال السالك إليه فهو يذكر العلم لواقع النفس، والخبر لواقع الحاجة والمعرفة للضمير، حيث يتضح من خلال هذه المفردات أنّ العلم يعني المعرفة ولكن بالتفاصيل وبالخفايا حيث استعمله في مقام النفس، وهذه النفس العلم بها يحتاج إلى الغوص في خباياها، فهي ليست من الملكات الظاهرة حتى تُنظر بالعين أو حتى تُعلم بالحسّ بل لا بدّ من النفاد في أعماقها كي يتم إدراكها وإدراك شؤونها، ويتضح أيضًا أنّ الخبر هو علم ولكن يختص بالأمر الطارئ على النفس المعلومة لديه سبحانه، لأنّ الحاجة تتبدّل وتتغيّر حسب هذه النفس التي توجّه الحاجة، وكذلك فإنّ المعرفة هي عبارة عن العلم بوجهة هذه النفس وهو الضمير الذي يحرّكها.
وهكذا تكون الفائدة العملية من الالتفات إلى اطّلاع الباري عز اسمه على كل شيء لدى السالك هي مراقبة السالك نفسه وأعماله ليكون أقرب إلى الصواب ومن هذه المراقبة تنشأ المحاسبة للنفس حيث من الضروري الوقوف عند الهفوات التي تمرّ مع الغفلة عن النفس والسهو عن أفعالها، وكلاهما أي المراقبة والمحاسبة يقرّبان من العصمة المستحبة التي هي المقام الرفيع الذي يصله السالك في نهايات سلوكه حيث يصبح شبه معصوم لأنّه يستطيع عندها أن لا يفوّت على نفسه أي طاعة ويقدر أن يمسك بزمام نفسه فلا يوقعها بأيّ معصية.
- المناجاة الشعبانية (74 – 78):
وتخبر حاجتي: ورد لفظ "خبير" منكرًا ومعرّفًا وبالضم والنصب خمسًا وأربعين مرة في القرآن الكريم من ذلك: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبيرًا}.
قال في (المفردات): "الخُبرة المعرفة ببواطن الأمور".
وفي (التحقيق في كلمات القرآن)، حول معنى أنّ الله خبير بما يصنعون وشبهه، قال: "فهو تعالى عالم بحقائق أفعالهم وأعمالهم وصفاتهم وبواطن ما في أنفسهم في الدنيا والآخرة، لا يَخفى عليه شيء من مكنونات قلوبهم ودقائق أعمالهم".
وحول الحاجة قال: "فالحاجة هي المنبعثة من رؤية النقص في أمر مادي أو نظر أو صفة".
معنى "وتخبُر حاجتي": وأنت يا إلهي خبير بنقصي الذي أطلب رفعَه.
في صحيفة (الانتقال) التاسعة من صُحُف إدريس (ع): "إلهي أنت تعرف حاجتي وتعلم فاقتي، وأنت عالم الغيوب وكاشف الكروب، تعلم الكائنات قبل وقوعها، وتُحيط بالأشياء قبل وقوعها، وأنت غنيّ عن العالمين وهم فقراء إليك..".
تَجدر الوَقفة هنا عند الفرق بين طَلب الحاجة من المخلوقين، وبين طلبها من الخالق عز وجل.
طَلَب الحاجة من المخلوق: إستثارة كَوَامِن الخير فيه، والطلب من الله تعالى إستثارة كَوَامِن الخير فينا.
طَلَب الحاجة من المخلوق، إقناعٌ، وبيان اضطرار، واستدرار عطف.
والله تعالى بكل شيء عليم، عالِم بالحاجات، يعلم من حاجاتنا ما لا نعلم، وهو أرحم الراحمين، لا تنفد خزائنه، فلماذا الدعاء بطلب الحاجة؟
الطلب من الله تعالى، حفرٌ في النفس لتحقيق صدق السؤال، والتنبه إلى أنّ المانع من استجابة الدعاء يرجع إلينا، بما كسبت قلوبنا والجوارح.
قضاء حوائجنا ـ عادة ـ بأيدينا. وابتلاءاتُنا منّا.
{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِم}.
نحن وقضاء الحوائج، كما قال الشاعر: كَالعِيس في البيداء يَقتلها الظمأ * والماء فوق ظهورها محمول.
عن أمير المؤمنين (ع): "لا تستبطئ إجابة دعائك وقد سَدَدتَ طريقه بالذنوب".
عن الصادق (ع): "جاء رجل إلى أمير المؤمنين (ع) فقال: إني دعوتُ الله فلم أرَ الإجابة، فقال: لقد وصفتَ الله بغير صفاته، وإنّ الدعاء أربع خصال: إخلاص السريرة، وإحضار النية، ومعرفة الوسيلة، والإنصاف في المسألة. فهل دعوتَ وأنت عارفٌ بهذه الأربعة؟ قال: لا. قال: فاعرفُهُنّ".
عن الإمام الباقر (ع): "إنّ العبد يسأل الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطيء، فيُذنب العبدُ ذنبًا، فيقول الله تبارك وتعالى للملَك: لا تقضِ حاجته، واحرِمه إياها، فإنّه تعرّض لسَخَطي واستوجبَ الحرمان".
عن أحد الصادقين (ع): "إنّ الله تبارك وتعالى يقول: إنّ من عبادي مَن يسألني الشيء من طاعتي لأحبَّه، فأصرف عنه ذلك لكي لا يُعجبه عملُه".
عن الإمام السجاد (ع): "المؤمن من دعائه على ثلاث: إمّا يُدّخر له، وإما أن يُعجّل له، وإما أن يُدفع عنه بلاءٌ يريد أن يُصيبه".
عن الأمير (ع): "لا يُقنّطْك أن أَبطأَتْ عليك الإجابة، فإنّ العطية على قدر المسألة، وربما أُخّرت عنك الإجابة ليكون أطول للمسألة، وأجزل للعطية. ربما سألتَ الشيء فلم تُؤتَه، وأوتيتَ خيرًا منه عاجلًا أو آجلًا، أو صِرتَ إلى ما هو خيرٌ لك، فَلَرُبّ أمر قد طَلَبتَهُ وفيه هلاكُ دينك ودنياك لو أُوتيته".
عن ربيعة بن كعب: "قال لي ذات مرة رسول الله (ص): يا ربيعة، خدمْتَني سبع سنين، أفلا تسألني حاجة؟ فقلتُ: يا رسول الله أمهلني حتى أُفكّر. فلمّا أصبحتُ دخلتُ عليه. قال لي: يا ربيعة، هاتِ حاجتَك. فقلت: تسأل الله أن يُدخلني معك الجنة، فقال لي: من علّمك هذا؟ فقلت: يا رسول الله ما علّمني أحد، ولكنّي فكرتُ في نفسي وقلتُ إن سألتُه مالًا كان إلى نفاد، وإن سألتُه عمرًا طويلًا وأولادًا، كان عاقبتهم الموت. فنكّس رأسه ساعة، ثم قال: أفعلُ ذلك، فأعنّي بكثرة السجود".
- روائع المناجاة ـ شرح المناجاة الشعبانية ومناجاة المريدين (ص42):
"تخبُر حاجتي": اللهم أنت أعلم بحاجتي منّي. فقد يغفل الإنسان عن حاجاته وقد يُدرك حاجاته فقط تحت ضغط مجموعة من العوامل التي تنشأ من الغريزة الحيوانية من قبيل الجوع والعطش والبرد والحرّ والشهوة و... ويعلم أنّ الغذاء والماء ووسائل التدفئة والتبريد والزوج والمسكن هي مطلبه، ولكن قد يكون لديه آلاف الحاجات الأخرى التي يكون غافلًا عنها تمامًا وتتكشّف له حينًا بعد آخر.
قد تكون بعض حاجاتنا الباطنية مغلّفةً وقد تكون معقّدةً إلى درجة أنّها تخفى علينا. يمكن للإنسان أن يرغب أحيانًا بالقيام بعملٍ ما، لكنّه لا يعلم الدّافع أو السّبب وراء ذلك. فعلى سبيل المثال، قد يكون الدافع وراء الكثير من تصرّفاته عقدة الحقارة أو الحسد أو الرّياء، وإن كانت تظهر بصورة الإحسان أو اكتشاف الحقيقة أو تحصيل الثواب. ولو قام أحدٌ بتنبيهه لذلك فإنّه لا يُصدّق بل ربما يتّهمه بسوء الظن. هذا هو الشيء الذي يُعرض في علم النفس تحت عنوان الشعور اللاواعي أو شبه الواعي في مقابل الشعور الواعي (الشعور واللاشعور).
إنّ الله مطّلعٌ على أعماق أرواحنا، وإن كنّا نحن لا نُدرك حتى الطبقة الأولى منها. ققد نطلب أشياء لم نجرّبها أو نرها أو نسمع بها أو ندرك آثارها من قبل، في حين أنّ الله يعلم كل هذه الحاجات.
- كتب شرحت دعاء عرفة
1. أصول المعرفة في شرح دعاء عرفة للإمام الحسين(ع)
عباس أحمد الريّس الدرازي البحراني
4 أجزاء:
الأول: 430 صفحة، منشورات مكتبة العلوم العامة، الطبعة الأولى ـ 1989 م
الثاني: 413 صفحة، دار البلاغة، الطبعة الأولى ـ 1991 م
الثالث: 415 صفحة، دار البلاغة، الطبعة الأولى ـ 1991 م
الرابع: 376 صفحة، دار البلاغة، الطبعة الأولى ـ 1992 م
جاء في المقدمة أنّ هذا الكتاب محاولة لشرح الدعاء المأثور عن أبي عبدالله الحسين (ع). وقد حاول الكاتب توضيح المعنى والتوسعة في شرحه والربط بين المعنى المطروح وبين النص المشروح. وقال الكاتب: "حاولت أن يكون الكتاب جامعًا شاملًا، ولقد كنت أستنطق كل كلمة من كلمات الحسين (ع) في ذلك المحشر".
2. على أجنحة الروح
العلامة محمد تقي الجعفري
ترجمة عبد الرحمان العلوي
مؤسسة البلاغ
الطبعة الأولى ـ 2003 م
160 صفحة من الحجم الصغير
شرح لدعاء عرفة للإمام الحسين (ع) مطعّم ببعض أشعار حافظ ومولوي.
3. مباني وأصول العرفان الشيعي (قراءة في دعاء عرفة)
الملا محمد علي فاضل (الشهير ب"حاجي فاضل خراساني")
دار المعارف الحكمية
الطبعة الأولى ـ 2011 م
254 صفحة من الحجم الوسط
بعد التعريف بشخصية المؤلف ونبذة عنه، عرض الكتاب شرحًا لدعاء عرفة للإمام الحسين (ع)، مستخلصًا من مقاطعه مباني وأصول المعارف الإسلامية.
- نماذج شروحات من الكتب المذكورة أعلاه
- أصول المعرفة في شرح دعاء عرفة للإمام الحسين(ع) (ص 68 – 69):
"ولا لعطائه مانع":
ثم انتقل (ع) إلى شيء آخر، لطيف كل اللطف، عجيب كل العجب، جميل كل الجمال، وهو طلب العطاء من الله تعالى بدون أن يأتي بصيغة الأمر كقوله: "اللهم أعطني" بل ذكر كيفية العطاء الذي يعطيه الله لعباده بدون أن يمنع ذلك أحدًا، فاعتبر نفسه (سلام الله عليه) كواحد من الناس الذين يشملهم ذلك العطاء الغير الممنوع في ذلك الموقف الذي جمع من أصناف اللغات وتعدد اللهجات، واختلاف الأصوات، على مكانته (سلام الله عليه) وقربه من الله وهذا منتهى الغاية في التعبد لله في ذلك اليوم الذي يكون فيه الناس عادة كالفراش المبثوث على هيئة واحدة.
- على أجنحة الروح (ص 31- 32):
"الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانع":
أية قدرة تلك التي بإمكانها أن تستعرض وجودها أمام القضاء الإلهي في حين أنّها ليست سوى جزء من هذا القضاء؟ وأية إرادة بإمكانها أن تكشف عن نفسها أمام إرادة الله، في حين أنّ وجودها من نتائج إرادة الله؟
- مباني وأصول العرفان الشيعي (قراءة في دعاء عرفة) (ص 52- 53):
قال (ع): "ولا لعطائه مانع".
وهو حق لا شبهة فيه، فإنّ واجب الوجود لذاته واجب الوجود من جميع جهاته، فهو واجب العلم، واجب القدرة، واجب الإرادة والمشية، واجب الإعطاء والجود، وليس فيه تبارك وتعالى جهة إمكان، ولا فيه حالة منتظرة، فيجب عليه العطاء والجود. وهو معنى قوله تعالى: {كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، فإنّه تام الفاعلية وهو العلة التامة وليست بناقصة تحتاج إلى رفع مانع، فإنّه ليس له مضاد في ملكه ولا منازع في أمره، فعطاؤه لازم على كل شيء لا يتغير ولا يتبدل، وإنّما التغيّر والتبدل من ناحية القابل {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِم} وما يبدّل القول لديه.
وأما توهّم بعض من لا خبرة وبصيرة له من أنّ الوجوب ينافي الاختيار فكيف يجب عليه العطاء؟ فمعنى الاختيار أن يكون كل من الفعل والترك ممكنًا، فهو باطل، فإنّه ليس في ناحية الواجب جلّت عظمته جهة إمكان، وكل ما يمكن في حقه تعالى بالإمكان العام فهو واجب، وهو لا ينافي الاختيار، فإنّ الوجوب بالاختيار اللازم له يؤكد الاختيار، فإنّ الاختيارات والإرادات ظل اختياره وإرادته، وإرادتنا ومشيتنا كما عرفت مستندة إلى مشيته وإرادته اللازمة له.
وبعبارةٍ أخرى وأوضح: كل ما بالعرض لا بدّ وأن ينتهي إلى ما بالذات، وواضح أنّ إرادتنا ومشيتنا ليستا لازمتين لذاتنا وإلا لم تتخلّفا عنا، وهو باطل بالضرورة، فلمّا كان اختيارنا وإرادتنا ليسا بذاتيّين، فلا بدّ أن ينتهيا إلى ما تكون الإرادة والمشية والاختيار ذاتية له، لأنّ كل ما بالعرض لا بدّ أن ينتهي إلى ما بالذات.
- كتب أخرى حول الدعاء
1. الدعاء
الشهيد عبد الحسين دستغيب
ترجمة لجنة الهدى
دار البلاغة
الطبعة الثانية ـ 1998م
183 صفحة من الحجم الكبير
كشكول يجمع بين دفتيه محاضرات للشهيد حول الدعاء ومعانيه وفضله وشروطه، بالإضافة إلى بعض المواضيع الأخرى.
يعتمد بشكل ملحوظ على الاستشهاد بآيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وبعض القصص المؤثرة.
2. الدعاء لإمام الزمان (عج)
إعداد: الشيخ مهدي علاء الدين
الدار الإسلامية
الطبعة الأولى ـ 2001 م
111 صفحة من الحجم الوسط
يبين هذا الكتاب كيفية الدعاء للإمام المهدي (ع) وأهميته وزمانه ومكانه والفوائد المترتبة عليه وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالدعاء له (ع).
3. شرح الصحيفة الكاملة السجادية
السيد محمد باقر (المشتهر بمحقق الداماد)
بهار قلوب
الطبعة الثانية ـ 1422 ه.ق.
437 صفحة من الحجم الكبير
جاء في المقدمة حول الكتاب: "من أمتن الشروح وأخصرها ما كتبه السيد الداماد على الصحيفة المكرّمة السجادية، حيث يشتمل هذا الشرح على بحوث فلسفية ورجالية، وكذلك يتضمن دراسة لغوية معمقة حول لغة الأدعية وألفاظها، وكذلك يتضمن دراسة مفصلة في الهيئة، وقد كتب السيد الداماد كل ذلك بأسلوبه المتميز الذي يتسم بالعذوبة والروعة".
4. منهج الإمام السجاد في التوحيد والسلوك والتربية
شلتاغ عبود
دار الهادي
الطبعة الأولى ـ 2002 م
210 صفحات من الحجم الكبير
يبين قيم الإمام الفكرية للصحيفة في فصول هذا الكتاب الستة الأولى وهي: الإمام والصحيفة، مفهوم الدعاء في الإسلام، العرفانية الربانية، منهج يومي للسلوك، البعد الأخلاقي في الصحيفة، البعد السياسي. أما الفصل "الصحيفة والنفس الإنسانية" فكان لرصد القيم العاطفية والنفسية، في حين خصص الفصل الثامن لدراسة القيم الجمالية في أسلوب الصحيفة.
5. الكنز المعنوي: نسيم الحياة في ظل الدعاء
رضا كريمي
ترجمة: عبد الهادي الركابي
دار المحجة البيضاء ـ الرسول الأكرم
الطبعة الأولى ـ 2002 م
268 صفحة من الحجم الوسط
يعرض لبعض آداب الدعاء وشرائطه وأحكامه التي وردت على لسان أئمة أهل البيت (ع)، ويبين خصائص بعض الأدعية والآيات القرآنية الكريمة في شفاء الأمراض الداخلية والظاهرية.
6. شذرات من قصص الدعاء
السيد محمد حسن صادق آل طعمة
مؤسسة الفكر الإسلامي
الطبعة الأولى ـ 2003 م
252 صفحة من الحجم الكبير
يحتوي على مجموعة من قصص الدعاء، مصنفة إلى ستة أبواب فيما يتعلق بالرزق ونفي الفقر، والخلاص من الشدائد والأعداء، وشفاء الأمراض، وغفران الذنوب، بالإضافة إلى باب خاص أُدرجت فيه كل القصص المتفرقة التي لم تدخل ضمن أي من العناوين السابقة.
7. أسرار الدعاء
الشيخ حسن مكي الخويلدي
دار الواحة
الطبعة الأولى ـ 2004 م
82 صفحة من الحجم الوسط
يبين معنى الدعاء وأهميته وشروطه وأثره على النفس وعلى علاقة العبد بربه. معتمدًا في ذلك على الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.
8. الدعاء والذكر في الصلاة وآثارهما التربوية
الشيخ محمد أحمد حجازي
دار المحجة البيضاء
الطبعة الأولى ـ 2007 م
198 صفحة من الحجم الكبير
يبحث الكاتب معنى إقامة الصلاة بجميع القوى البدنية والنفسانية ودور الدعاء في الوصول إلى أفضل مراتب الحضور والمشاهدة القلبية. ولهذا عقد الكتاب على أقسام ومحاور عدة: العمل العبادي بين العادة وتنمية القابليات وبُحث فيه عن المفهوم العبادي للدعاء، مسألة التقدير على الله تعالى في قضاء الحاجة وبُحث فيه حول آداب الدعاء وخصوصية الصلوات على محمد وآله وفوائدها ومفهوم الذكر ومنزلته وآثاره، معراجية الصلاة وأحوال النبي والأئمة (عليهم السلام) في الصلاة، وبعدها عن المقدار المجزي من إقامة الصلاة وبيان بعض أجزاء الصلاة وشرائطها كالسجود والقنوت والأدعية والأذكار والتعقيب والآثار التربوية والروحية للذكر والدعاء؛ كما ورد في مقدمة الكتاب.
9. حُسنُ المآب
مركز نون
جمعية المعارف الإسلامية
الطبعة الأولى ـ 2010 م
128 صفحة من الجحم الكبير
"قبسات من دعاء التوبة: كتاب تعليمي ممنهج يتناول بعض مقاطع الدعاء ويشرحها"، من مقدمة الكتاب.
10. نهج الدعاء
محمدي الري شهري
دار الحديث ـ قم
الطبعة الثالثة، 1431 هـ
788 صفحة
جاء في المقدمة: "من الضروري الاطلاع على قيمة الدعاء وشأنه وعظمته ومعرفة آدابه وشروطه وموانع إجابته وكذلك التعرف على سيرة أئمة الإسلام في هذا المجال.. إنّ "نهج الدعاء" خطوة متواضعة على طريق بلوغ هذا الهدف الرفيع وهو في خدمة المثقفين وجميع التواقين إلى البحث والتعرف على العلوم الإسلامية بنظم جديد سهل المنال وتحليلات فاعلة خليقة بأن يُرتشف منها".
11. شرح الصحيفة السجادية
السيد محمد حسين الجلالي
الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة
الطبعة الأولى ـ 1436 ه
3 أجزاء، الأول: 488 صفحة، الثاني: 424 صفحة، الثالث: 376 صفحة
شرح لأدعية الصحيفة السجادية وأدعية الأسبوع والمناجاة الخمسة عشر بشيء من التفصيل والتبويب والعنونة لمقاطع الأدعية.
12. رسالة السيد القاضي في شرح دعاء السمات
السيد علي القاضي
مؤسسة العروة الوثقى
الطبعة الأولى ـ 2016 م
64 صفحة
رسالة صغيرة وجهها السيد لتلامذته في العرفان وقد سُميت بالرسالة اليتيمة، طُبعت في إيران ضمن كتيّب مسمى بثلاث رسائل لعدة مؤلفين. وقد قام الناشر بطبعها بعد زيادة يسيرة عليها بشرح مفردات الدعاء وشيء يسير عن حياة السيد القاضي، كما جاء في المقدمة. وقد ذكر المؤلف أنّه توخى في شرح الدعاء تبيان مبانيه والإشارة إلى بعض مطاويه ومعانيه مع الاعتراف بأن لا يحيط تفسيره وتأويله إلا الله جل جلاله أو من أحاط بعلمه.
13.الدعاء لكل حاجة
السيد عباس نورالدين
مركز باء للدراسات
الطبعة الأولى، 2017 م
112 صفحة من الحجم الوسط
كتاب أعدّ للشباب من عمر 14 إلى 18 عامًا ولكل من فاتته فرصة الشباب ليكون معينًا لهم على مواجهة المشاكل والضغوط التي يعيشونها. فيعرّفهم على أهمية فهم ومعرفة مناشئ المشاكل وكيفية مواجهتها، ثم يبين موقعية الدعاء في إيجاد الحلول لها. وبعدها يشرح مجموعة من المقاطع المستخرجة من كتاب الصحيفة السجادية المنقول عن الإمام زين العابدين (ع) مع وضع عناوين لكل المقاطع لكي يسهل الرجوع إليها بما يناسب وضع القارئ وحاله وحاجته في اكتشاف سر الدعاء الأعظم؛ كما ورد في مقدمة الكتاب.
13. شرح المناجيات الخمس عشرة
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
ترجمة: حيدر الحسيني
دار المعارف الحكمية
الطبعة الأولى ـ 2019 م
جزءان، الأول: 360 صفحة من الحجم الوسط/ الثاني: 319 صفحة من الحجم الوسط
شرح تفصيلي عميق وسلس للمناجيات الخمس عشرة المروية عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) والتي تدرج أحيانًا على هامش الصحيفة السجادية المباركة.
14. الدعاء المردود في دار الدنيا
السيد هاشم الناجي الموسوي الجزائري
104 صفحات من الحجم الكبير
جزء من موسوعة جزاء الأعمال في دار الدنيا يتضمن مجموعة من الأحاديث في علل رد الدعاء، مرتبة بالترتيب الهجائي، من قبيل الاعتصام بالمخلوقين دون الخالق، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عقوق الوالدين وغيرها من العناوين.
إعداد: ع. نورالدين و م. علامة

التراث الأخلاقي الإسلامي
لمن يريد أن يتصل بالتراث الأخلاقي الروحي الغني الواسع المتشعب دون أن يغرق فيه.ولمن يحب مطالعة موضوعات محددة ولا يعرف كيف يصل إليها.ولمن يريد أن يكتب أو يحقق أو يعد بحثًا في أي موضوع أخلاقي أو سلوكي.هذا الكتاب هو وسيلتك التراث الأخلاقي الإسلامي إعداد: مركز باء للدراساتالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 17*24غلاف ورقي: 112 صفحةالطبعة الأولى، 2006م

الدعاء لكل حاجة
يواجه الشباب الكثير من المشاكل والضغوط والتحدّيات التي تلقي بثقلها على حياتهم، ولكن يمكن لكل مشاكلهم أن تُحلّ، بل أن تتحوّل إلى فرصة للسعادة والبهجة في حال استطاعوا أن يهيّئوا أنفسهم لهذه التحدّيات ويحصّلوا الاستعدادات اللازمة لمواجهتها، أي في حال عرفوا أين يكمن مصدر القوّة الذي يغترفون منه للتعامل معها. ولا يوجد مثل أدعية الصحيفة السجّادية المباركة في هذا المجال. ففي الدعاء أسرار القوّة كلّها. الدعاء لكل حاجة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 112 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$

الدعاء لإمام الزمان
الدعاء لإمام الزمان الكاتب: مهدي علاء الدينالناشر: الدار الإسلامية (مركز باء للدراسات)حجم الكتاب: 14.5*21.5غلاف ورقي: 112 صفحةالطبعة الأولى، 2001محالة الكتاب: نافد

كيف أحيا مسلمًا وأعيش سعيدًا
في عالم اليوم حيث تتلاقى الحضارات وتتصادم الثقافات، تبرز الأديان كمحور أساسي في كل هذا التفاعل. وما أحوجنا إلى تقديم ثقافتنا الأصيلة في بعدها العملي المعاش الذي يطلق عليه عنوان نمط العيش.وفي هذا الكتاب سعى المؤلف إلى عرض القيم الإسلامية المحورية في قالب الأسلوب والنمط الذي يميز حياة المسلم الواقعي الذي ينطلق من عمق إيمانه والتزامه بمبادئ الإسلام وقيمه السامية. كيف أحيا مسلمًا وأعيش سعيدًا الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 288 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-037-8 السعر: 12$

خوفنا من نزول البلاء أحيانًا يولد فينا النفور من الدعاء، ما العلاج؟
يحصل أن نخاف أحيانا من نزول البلاء حين نرى هذا التلبد وعدم إقبال القلب فنعلم أن البلاء سيأتي من أجل أن نستقيظ وننهض، لكن ذلك يولد فينا نفورًا من الدعاء بسبب هذا الخوف، فكيف نحل هذه المشكلة؟

لماذا لا يصح الدعاء على أنفسنا بالموت إذا أصبنا بمصيبة كبرى؟
لم لا يصح للمرء ان يدعو على نفسه بالموت او يتمنى الموت اذا اصابته مصيبة كبرى او تصور ان تصيب مصيبة ما لاحبابه، في حين ان السيدة مريم دعت على نفسها وقت المصيبة {قالَتْ يا لَيْتَني مِتُّ قَبْلَ هذا}؟

هل تجب القراءة في الدعاء؟
هل تجب القراءة في الدعاء أي التلفّظ بالكلمات، أم يكفي التوجّه القلبي؟

ألا يساعد الدعاء على تعزيز الأنا؟
عادة ما يدعو الإنسان بحوائج وطلبات تنقصه ويفتقر إليها ليرفع حاجته، ألا يساعد الدعاء هنا على تعزيز الأنا؟

حين لا نعي ما نقرأ في الدعاء، هل نستمر في الدعاء؟
أحيانًا نشعر أن ما يرد في الأدعية بعيد عن شعورنا أي أننا لا نعي ما نقرأ، هل علينا أن نستمر بالدعاء أو نقرأ غيره؟

يوميات مسلم مع الدعاء
حين يكتشف المسلم قوّة الدعاء سرعان ما تصبح الأدعية التي نطق بها أولياء الله الكاملون المنبع الأوحد لهذه التجربة الروحية العظيمة والمصدر الذي يرجع إليه لتوجيه شؤون حياته كلّها. وسرّ ذلك، كما لا يخفى، هو أنّ هؤلاء المعصومين، الذين بلغوا أعلى مراتب الكمال، قد أدركوا الحاجات الواقعية للخلق حين شهدوا جميع منازل الإنسانية ومقاماتها. فأدعيتهم أضحت خارطة طريق تهدي إلى الكمال والسعادة.

مشروع خدمة التراث الأخلاقي
كل من يتعرف إلى القيم الدينية وأخلاق الإسلام فإنّه يلاحظ البون الشاسع ما بين هذه القيم من جهة وواقع المسلمين من جهة أخرى.