
الإبداع كطريق للخروج من المآزق
كيف اكتشفت المجتمعات أهمية المبدعين
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب على طريق بناء المجتمع التقدمي
الاغترار بالنصر وعدم امتلاك خارطة طريق وخطة، وعدم التحلي بالإبداع لاستمرار الانتصارات، سيؤدي بالتأكيد إلى التراجع أمام العدو وسيدفع بالعدو نحو التقدم. إذا أصابنا الغرور وإذا ركنا إلى الجمود وعدم العمل وعدم الإبداع والابتكار فسوف نفشل. يجب مواصلة السعي والجد والاجتهاد والإبداع، والعمل والاستفادة من الطاقات والإمكانيات على أكمل وجه. [الإمام الخامنئي، 04/10/2018]
الإبداع هو الطريقة الوحيدة لحل المشكلات المستعصية والخروج من الأزمات المحتقنة، حين تشاهد مجتمعًا أو منظّمة تعاني من أنواع المشاكل لمدة زائدة عن الطبيعي، فاعلم أنّ ذلك يعود إلى بعدها عن ثقافة الإبداع وقيمته. فالإبداع هو القيمة الأبرز التي ترشدنا إلى الكفاءة؛ وحيث لا إبداع تكون المحاباة والجهل والقمع والتخلف.
إنّ أبرز ما يدل على الكفوئين ـ أي المناسبين للمواقع والمهام المختلفة ـ هو إبداعهم. فحين نضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فسوف ينتج عن هذا أمرٌ أساسيّ وهو أنّ هذا الشخص سيُخرج المنظمة أو المؤسسة من ورطتها؛ وهذا ما يحصل بواسطة الإبداع.
ليس من السهل أن يصبح الإبداع قيمةً أساسيةً ومحورية في المؤسسات المجتمعية المختلفة، إن لم تكن قد خبرت وجربت أهميته ونتائجه النوعية. فالذين يمكن أن يتبنوا ثقافة الإبداع في غير هذه الحالة (أي من دون التجربة) هم أناس يتميزون بدرجة عالية من الحكمة والإخلاص والصفاء؛ لأنّ المبدع يتحدى ويكشف عن العيوب والنقائص بسرعة، ولا يحب كشف عيوبه سوى المخلص النزيه.
يبدو أنّ المجتمعات التي تبنت قيمة الإبداع على مدى التاريخ قد مرت بثلاث مراحل أساسية:
الأولى، تمثلت بمعاناة المبدعين وصعوبة اتّصالهم بمراكز القرار.
والثانية، اكتشاف ومعاينة نتائج الإبداع وفوائده.
والثالثة، استقطاب المبدعين وتقديرهم من خلال وضعهم مواضعهم.
وحين تقوم المؤسسات على روح الإبداع ويتولى المبدعون زمام الأمور فيها، يأتي الدور للمرحلة الرابعة، وهي مرحلة تتميز بالاهتمام الفائق في خلق وإيجاد البيئات المناسبة لنشوء المبدعين ونموّهم (مرحلة التربية).
وقد تمتد المرحلة الأولى حقبًا. ولهذا رأينا الكثير من المبدعين لم يتم الكشف عنهم إلا بعد وفاتهم. وبالطبع هذا شيء يختلف عن التكريم الفخري الذي يُقام في بلادنا لكل عالِم يموت، حيث يكون تكريمه أشبه بالاحتفال الذي يجري توديعًا لمتقاعدٍ ترك وظيفته وسمح لمجيء من هو أنشط منه!
بَيد أنّ البحث عن المبدعين واكتشافهم، عبر التعرّف إلى نتائج وثمار أعمالهم وتأثيرها، لا يصبح أمرًا شائعًا أو جزءًا من عمل المؤسسات والمنظمات، إلا حين تكون هذه المؤسسات جزءًا أساسيًّا من حل المشاكل، بدل أن تكون هي المشكلة بنفسها. ولا تعيش المؤسسة همّ حل المشكلات إلا بعد أن تحدد آفاق التقدّم والتطور والوضع المرجوّ أو المنشود.
فما لم يشعر المسؤولون بوجود وضع سيئ أو غير مطلوب، لن يتمكّنوا من تحديد المشاكل. كما أنّ الشعور بالألم والعذاب والانزعاج والنقص والخلل شيء، وتحديد حقيقة المشكلة شيءٌ آخر. فتلك المشاعر هي أشبه بمشاعر الألم التي تعتري مريض السرطان وهو لا يدري ما أصابه، ناهيك عن أن يعرف العلاج!
اكتشفت بعض المجتمعات المتطورة صناعيًّا وماديًّا أهمية الإبداع والمبدعين في لحظات التنافس الشديد، كما حصل في الحرب العالمية الثانية حيث لم يبقَ مهندس يمكن أن يقدّم فكرة مفيدة إلا وتم العمل على استقطابه والاهتمام به. ولهذا وجدنا أنّ تلك السنوات الأربع للحرب العالمية الثانية كانت من أكثر السنوات في تاريخ أوروبا إنتاجًا للاختراعات في شتى الميادين، حيث ما زال بعضها مستعملًا لحد اليوم.
كان الانتصار في الحرب أو منع الهزيمة أفقًا واضحًا أمام قادة تلك المجتمعات، الذين سرعان ما اكتشفوا أنّ سبيلهم الوحيد لتحقيق ذلك يكمن في الأفكار الجديدة المفيدة. وهنا يوجد أمران يمكن أن يسعفا القادة في هذا المجال:
الأول: أن يكون لديهم كل الإمكانات التي يحلمون بها، ومع ذلك لا يقدرون على تغيير الوضع لمصلحتهم.
والثانية: أن يفتقروا للحد الأدنى من الإمكانات اللازمة لتحقيق ما يريدونه. ففي هذه الحالة يدرك هؤلاء القادة أنّ الحل لا يكمن في الإمكانات (كالمال والعدد والعتاد) بل في الأفكار، فيبدأون البحث خارج تلك الأطر التنظيمية التي كانوا يتوسلون بها طوال الوقت ومن دون نتيجة. أجل، في مثل هذه الأحوال يحصل المجتمع على فرصته لتقدير المبدعين.
ولكن ما الذي يمكن أن يوصل هؤلاء القادة إلى مثل هذا الشعور؟
إنّ الأمر غالبًا ما يتم عبر تشكيل قنوات سلسة وشبكات مرنة لاستقبال الأفكار الجديدة؛ لأنّهم إن لم يفعلوا ذلك، وجدوا أنفسهم بعد مدة غارقين في عددٍ كبير من المشاريع والمقترحات، لا يقدرون على التمييز فيها بين ما هو مطلوب ومناسب وبين ما هو غث غير نافع.. فاستنفاد الحلول سيكون هنا مقدمة لاكتشاف الحل الصائب. ولكن كيف يمكن أن يستنفد القائد الحلول وهو غارقٌ في بحرها؟ كما أنّ استنفاد الحلول لن يتحقق إلا ببناء الإدارة على قواعد التخطيط والسير التقدمي؛ ولا يتحقق السير التقدمي في المنظمات إلا بعد تحديد الآفاق التي يجب الوصول إليها.
وهكذا نرجع إلى مشكلة جوهرية تعشعش في ذهنية بعض القادة والمدراء، وهي تتمثل في استغراقهم بالتفاصيل والجزئيات والتكتيكات، بدل النظر إلى الأفق البعيد والانطلاق من التخطيط الاستراتيجي.
فإذا جعل رئيس دولة ما من الوصول إلى القمر هدفًا له، فهذا أمر لا يُتوقع أن يغرقه بالكثير من المقترحات والأفكار، لأنّ من سيملك الحل المناسب لهذا الهدف لن يكون سوى المبدع. أمّا إذا كان كل همّه الحفاظ على حياة المؤسسة وإرضاء الموظفين فيها، فيكفيه بعض الإجراءات التي لا تتطلب الكثير من الذكاء.
حين يمنّ الله على مجتمعٍ ما بقائد يصبو إلى الآفاق البعيدة، فمن المتوقع أن تنطلق تلك الحركة التقدمية، التي عمّا قريب سيتصدرها المبدعون. أما حين تصبح أولويات هذا القائد الحفاظ على النظام أو الوجود، فمن المتوقع أن ينصرف جهده وهمّه إلى توحيد الصفوف عبر إرضاء الخواص وتأليف القلوب؛ وهي أمور غالبًا ما تجد نفسها على نقيض مع الإبداع. ففي مثل هذه الحالة يتم نبذ المبدعين وابعادهم، لأنّهم محرِجون، يدفعون الآخرين نحو التمرد والانشقاق والشغب!
لذلك، كان لا بدّ أن يبدع القائد كل ما يلزم للخروج بسرعة من هذه الأولوية؛ لأنّ القتال في دائرة حفظ الوجود إذا طال لن يسمح بالبقاء نفسه. فسر البقاء يكمن في الحركة التقدمية. وما أجمل ما قيل هنا: "نحن كموج البحر إن هدأنا انتهينا!"
إنّ عالمنا اليوم حافلٌ بتجارب الأمم والمنظمات التي يمكن استخلاص الدروس الكثيرة منها. فبدل أن نمر بالمرحلة الأولى أو يطول دوراننا فيها، يمكننا أن نقلص من معاناة المبدعين من خلال تفعيل قنوات التواصل معهم؛ وذلك عبر تشجيعهم على الاستمرار في حركتهم الإبداعية أملًا بقطف ثمارها عمّا قريب. فلا شيء يزهّد المبدع بإبداعه مثل غفلة أصحاب القرار والقيادة عنه وعدم تقديرهم له. ونحن هنا لا نتحدث عن إبداعٍ واحد لكل مبدع، بل نتحدث عن حركة إبداعية مستمرّة تكون هي صبغة القيادة ولونها، ويُفترض بذلك أن يكون لها الكثير من النتائج العظيمة.
كم أعجبني كلام ذلك القائد حين قال لي ذات يوم: إن لم تجد الفرصة لنشر ما تكتب، فلا تتوقف عن الكتابة ولو وضعت كتاباتك في الأدراج، لأنّه سيأتي اليوم الذي تتمكّن من ذلك! وحين تريد نفسي أن تشعر بالتعب جراء اللامبالاة العجيبة من قِبل كل من يمكن أن يستفيد من أفكاري، أتذكر هذه النصيحة وآخذ منها مقدارًا من الطاقة.

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

روح المجتمع
كتابٌ يُعدّ موسوعة شاملة ومرجعًا مهمًّا جدًّا يمتاز بالعمق والأصالة لكلّ من يحمل همّ تغيير المجتمع والسير به قدمًا نحو التكامل، يحدد للقارئ الأطر والأهداف والسياسات والمسؤوليات والأولويّات والغايات المرحليّة والنهائيّة في كلّ مجال من المجالات التي يمكن أن تشكّل عنصرًا فعّالًا في حركة التغيير، على ضوء كلمات قائد الثورة الإسلاميّة المعظّم روح المجتمع الكاتب: الإمام الخامنئي/ السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19*25غلاف كرتوني: 932 صفحةالطبعة الأولى، 2017م ISBN: 978-614-474-020-0 سعر النسخة الملوّنة: 100$سعر النسخة (أبيض وأسود): 34$ للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراءه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

الدور الأساسي للجامعة في المجتمع
لو أرادت الجامعة أن تؤدي دورها المطلوب على مستوى النهوض بالمجتمع، ينبغي لها أن تكون محلًّا لانطلاق المشاريع وبناء الخطط، شرط أن يكون ذلك قائمًا على أساسين: الأساس الأول: الارتباط الحقيقي بكل الطاقات العلمية المتاحة. والأساس الثاني: تفعيل هذا الارتباط ضمن البيئة الجامعية.

العامل الأول لانطلاق مسيرة التقدم في المجتمع
ورد عن الإمام الصادق (ع): "ثَلَاثَةٌ تَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ: مُكَافَأَةُ الْمُحْسِنِ بِالْإِحْسَانِ لِيَزْدَادُوا رَغْبَةً فِيهِ، وَتَغَمُّدُ ذُنُوبِ الْمُسِيءِ لِيَتُوبَ وَيَرْجِعَ عَنْ غَيِّهِ، وَتَأَلُّفُهُمْ جَمِيعًا بِالْإِحْسَانِ وَالْإِنْصَاف". لا يمكن لأي مجتمع أن يتجه نحو الفضيلة، بمعنى أن ينشأ فيه توجّه عام وتيّار عمومي نحو الفضائل والكمالات والأعمال الصالحة والتقدّمية، من دون وجود مثل هذه القيادة على رأسه، ترعى وتقود وتنشّط هذه الحركة العامة... وهنا يأتي الإمام الصادق (ع) ليُرشد السلطات أو الحكومة أو القيادة في هذا المجتمع إلى أنّهم إن قاموا بهذه الواجبات الثلاثة، فإنّها ستكون عاملًا أساسيًّا في تنشيط هذه الحركة ودفع تلك العجلة الأساسية للتقدّم على مستوى المجتمع.

عوامل نجاح الإبداع والأعمال والكبرى.. الاختلاف الجوهري في أنماط القيادة
الإبداع سر النجاح في الأزمات وحين تشح الموارد وتضيق السبل. والأعمال الكبرى عماد المجتمعات القوية التي تسعى لتحقيق قفزات نوعية في حياتها. وحين يجتمع الإبداع مع ضخامة العمل، فهذا يعني التفوق والعظمة.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...