
ماذا نعرف عن أسرار الزلزال الأخير
اليد الخفية التي تقف وراء الحوادث الكبرى
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب معادلة التكامل الكبرى
مشهد الزلزال مهول جدًّا وصادم للغاية، ليس من حيث حجم الدمار فحسب، وإنما بسبب تراكم الصور المأساوية واجتماعها بصورة لا تكون النفوس مستعدة لتحملها دفعة واحدة.
فكل يوم تقع آلاف الحوادث المؤسفة في أرجاء المعمورة؛ لا نشعر بالألم الشديد ولا تنقبض صدورنا لها، وذلك لأنها لا تُعرض أمامنا بصورة متزامنة ومتراكمة. عشرات آلاف المفجوعين كل يوم بسبب حوادث تصادم السيارات، وما يمكن أن نشاهده فيها من تهشيم وتكسير ودماء وجراح لا يقل فجاعةً عن مشهد انهيار مبنى على رؤوس ساكنيه. لا حاجة لنتعمق في وصف بعض هذه الحوادث، ولا ضرورة لتسليط الأضواء على هولها. يكفينا الآن ما شاهدناه خلال هذه الأيام.. لكن يبقى السؤال: لماذا نتأثر بفجاعة الزلازل إلى هذا الحد؟
أحد الأسباب التي تخطر بالبال هو أننا نتصور بأن ضحاياها لا يستحقون مثل هذه الميتة المفجعة. قد يقل تعاطفنا مع ضحايا حوادث السير (مهما كان عددهم في اليوم الواحد) ربما لأننا نعزي الأمر غالبًا إلى الإهمال والتهور. كأننا في قرارة أنفسنا نعتبرهم مستحقين. لكن ضحايا الزلازل بالنسبة لنا هم أُناس لا ذنب لهم؛ فما هو ذنب من بات في منزله آمنًا مطمئنًا يستريح من عناء نهارٍ مُجهد وهو يكد على عياله؟!
بالنسبة للمؤمنين بالله ـ والذين يزداد عددهم بشكل ملحوظ في مثل هذه الكوارث ـ لا بد من وجود سبب وجيه؛ سبب لا يشوّه الصورة التي يحملونها عن الله. ولذلك، فلا بد أن يكون الزلزال بالنسبة لبعضهم نوعًا من العقاب والنقمة. والعقاب لا يكون إلا عن استحقاق، لأن الله لا يظلم أبدًا. عقاب الله الأليم لا بد أن يكون على ذنوبٍ اجترحها الناس. وفي الزلازل يبدو أن الذنوب خطيرة جدا!
ولكن إن كان الكبار قد أذنبوا، فكيف نُفسّر معاقبة الأطفال الصغار؟ وما ذنب هؤلاء الأبرياء الذين لم يُدركوا من الحياة شيئًا؟
أن نعزل الله عما يجري في العالم من أحداث، حتى لو كانت بهذه القسوة، ليس أقل سوءًا أو ضلالة من نسبة الظلم إليه؛ لأن توحيده تعالى يعني أنّ كل شيء في العالم وفي الوجود إنما يحدث بفعل تدبيره وإرادته. فلا مؤثر ولا فاعل في الوجود إلا الله، وكل تأثير أو فعل إنّما يكون ظل تأثيره سبحانه وتعالى.
على مدى التاريخ كانت التفسيرات الخاطئة بشأن هذه القضايا (الكوارث والفجائع والحروب والأوبئة..) عاملًا أساسيًّا لضعف الإيمان وانتشار الإلحاد. الذين عجزوا عن تصوّر الجمال الإلهي أو أنكروا الدور الرباني فيها وصلوا إلى ما يشبه القطيعة مع إله العالم. اللاأدرية هي واحدة من النزعات التي نشأت من عجز أصحابها عن تفسير حوادث الكون المهولة (لا يبحث الناس عن أسباب الحوادث الجميلة مهما بلغت، لأنهم يقعون حينها في نشوة عارمة تُعمي أبصارهم وأفئدتهم).
تفسير الزلازل الكبرى باعتبار أنها عقاب إلهي على جرائم العباد ليس بالأمر البسيط، لأننا عادة ما نتصور أنواعًا محددة من الجرائم. ننسى أن بعض هذه الجرائم لا يكون من قبيل ارتكاب الفواحش وشيوع الغش والكذب وأكل مال اليتامى (وهي جرائم تستجلب نقمة الله الكبرى).
إذا علمنا أن سكان بومباي الإيطالية كانوا يُعربدون مثل قوم لوط حين ثار البركان عليهم، فإننا لن نتعاطف معهم كما نتعاطف مع آخرين.
لكن هناك جريمة خفية لا يُدركها معظم الناس؛ وهي جريمة الإصرار على مخالفة حكمة الله تعالى. ولهذه الجريمة عواقب مؤلمة جدًّا.
حين يُصر الإنسان على إدارة العالم وتدبير الأرض وتسيير حياته كما يحب أو يرى، غافلًا أو متغافلًا عن حكمة الله تعالى وتدبيره، فلا ينبغي أن نتوقع مرور هذا الأمر دون نتائج وخيمة.
قد يرتكب أهل مجتمع أو مدينة فواحش كبرى تستوجب نزول أنواع العذاب عليهم؛ ولكن، غالبًا ما يتجاوز الله تعالى عن الناس. والشواهد على هذا العفو الإلهي أكثر من أن تُحصى. لو كان ارتكاب مثل هذه الذنوب علة تامة للعذاب الشديد لما رأينا على الأرض أحدًا يمشي أو يتحرك. سنة الله في العفو هي المهيمنة على سنن العقاب والانتقام؛ {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ}.[1]
لكن يوجد جريمة لا يمكن أن تمضي بلا عقاب أو تبعات، وهي جريمة مخالفة قوانين إصلاح الأرض!!
فقد شاء الله تعالى أن يكون لهذه الأرض عاقبة طيبة ونهاية سعيدة، ولو بعد آلاف السنين. مسير الأرض نحو هذا الهدف الجميل أمرٌ ثابت في حكمة الله تعالى ووعده. لا بد أن تتبدل الأرض يومًا إلى أرض مشرقة بنور ربها، حيث لا يوجد فيها أي عامل للغفلة عن الله. حين يقع هذا الحدث الكبير فهذا يعني انتفاء كل أسباب الألم والحرمان والفقر والمرض والخوف (لا حروب ولا كوارث ولا أوبئة).
هذه الأرض الموعودة التي سيرثها عباد الله الصالحون لا تكون سببًا لفتنة أهلها، لأن مجاهدي الإسلام العظام سيحققون هذا الإنجاز الكبير حين أمرهم الله قائلًا: {وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه}؛[2] ولأن إصلاح الأرض وتبديلها لا بد أن يتحقق على يد الإنسان ـ فهذه سنة الله منذ أن جعل في الأرض خليفة ـ فإن البشر محتاجون إلى معرفة الطريقة والبرنامج والمنهاج الذي يمكّنهم من ذلك. البشر لا بد أن يصلوا يومًا إلى معرفة حكمة الله تعالى، لأنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك الهدف العظيم.
حكمة الله الشاملة تتضمن كل القوانين والأنظمة والإجراءات والأفعال التي ينبغي القيام بها لأجل جعل الأرض محلًّا آمنا مطمئنًّا، فيه الحياة الطيبة والعيش الرغيد.
ولأنه وعد، فقد أضحى الوصول إلى حكمة الله وتطبيقها أمرًا محتومًا يومًا ما.
والناس يدركون وجود الحكمة (القوانين الحتمية للنجاح والفلاح) من خلال مشاهدة آثار مخالفتها.
لو كان الناس يُحققون الأهداف الجميلة بأي وسيلة كانت، لكان الأمر مضحكًا وعبثيًا للغاية؛ في مثل هذه الحالة تفقد الحياة قيمتها ولا يكون هناك أي معنى للعقل والعلم والاختيار.
معنى الحكمة هو أن مخالفتها تستلزم حصول الآثار السلبية.
وجود نظام دقيق لجسم الإنسان مثلًا، يعني أن مخالفته تؤدي إلى الأمراض والآلام.
هذا النظام الدقيق (أو الحكمة) هو وسيلتنا لتحقيق الأهداف الجميلة.
يُصر الناس على أن يعيشوا كيفما شاؤوا (يبنون أي نوع من العمارات وفي أي مكان وبأي طريقة)، آملين أن ذلك سيحقق لهم مبتغياتهم (لكن هيهات! فليس هناك سوى طريقة أو نظام محدد للسكن)، لا تبديل لحكمة الله. وسائلنا مهما كانت لن تُبدل القوانين الإلهية المحكمة؛ وكما قال الإمام زين العابدين عليه السلام مناجيًا ربه تعالى: "يا من لا تبدل حكمتَه الوسائل". الوسائل هي التي ينبغي أن تنصاع للحكمة لا العكس. يجب أن نكتشف الوسائل التي تنسجم مع قوانين الوجود وحكمة الخالق إن أردنا الوصول إلى الأهداف الجميلة (الأمن والرخاء والازدهار والهناء...).
هناك حالات يتعلّم الإنسان فيها مثل هذا القانون عبر مشاهدة آثار مخالفة للقانون نفسه (وهي عواقب الوسائل التي اعتمدها للوصول إلى مبتغاه)؛ فقد يتراجع ولا يكرر فعلته ولا يصر عليها، لأن الثمن سيكون كبيرًا. لكن، هناك حالات يكون فيها إدراك هذا القانون فوق القدرة العادية للناس. علوم البشر اليوم عاجزة عن اكتشاف العديد من القوانين التي تُحقق الرخاء والأمن والازدهار في معظم مجالات الحياة، من البناء والسكن وغيرها. ونحتاج إلى تجاوز هذه المنظومة السائدة في العلم لكي نتمكن من الوصول إلى معرفة هذه القوانين؛ وإلا سيكون الثمن باهظًا جدًّا.
مهما كان السبب الذي يقف وراء هذا الجهل ووراء هيمنة هذه المنظومة العلمية الحالية التي لم تُقدم لنا ما نحتاج إليه في قضايانا الكبرى، فإن الحل الوحيد سيكون في البحث عن منظومة أخرى.
نحن نؤمن بأنّ علم الأرض وحكمة التدبير مُتاحة للبشر، وما كان الله ليضن على الإنسان بعلم هو بحاجة إليه في خلافته وفي مهمته الكبرى هذه. لكن مرة أخرى، يجب أن نعلم أن الوصول إلى هذا العلم يتبع قانونًا إلهيًّا لا يقل أهمية عن العلم نفسه.
لأن العلم يجب أن يُطبق حتى يكون نافعًا، فيجب أن يقع بيد أهله الذين لا همّ لهم سوى إصلاح الأرض. لأن أي علم، إن وقع بيد الأشرار والجاهلين، سيكون استعماله سببًا للمزيد من الخسران والضرر.
ولهذا، يجب أن يُجهّز البشر تلك الأرضية اللازمة لنزول هذا العلم عليهم. ولا يكون ذلك إلا بوقوع السلطة العليا في يد الصالحين.
بواسطة هذا العلم الكاشف عن حكمة الله وقوانينه، يتمكن الصالحون من توجيه الأرض نحو ذلك الهدف المنشود، فتنتفي فيها كل أشكال الكوارث المهولة والحوادث المؤلمة. وما دام الناس مصرين على أن يحققوا ما يريدون بأي طريقة أو وسيلة، فلن يستفيدوا من نعمة الحياة على هذه الأرض، لأن سر وجودنا فيها كان لأجل أن نشاهد حكمة الله في علمه وقدرته.
{اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}.[3]
[1]. سورة النحل، الآية 61.
[2]. سورة الأنفال، الآية 39.
[3]. سورة الطلاق، الآية 12.

مختصر معادلة التكامل
هذه الطبعة المختصرة لكتاب "معادلة التكامل الكبرى" الذي يبيّن مدى سعة الإسلام وشمول رؤيته ومنهجه لكلّ شيء في الوجود. كيف لا؟ والله عزّ وجل هو المبدأ والمنتهى.. نقدّمها لقرّائنا الذين يودّون أن يحصلوا على معرفة أوّليّة بتلك المعادلة الكبرى، أو للذين لا يجدون الوقت الكافي لمطالعة الكتب الكبيرة. مختصر معادلة التكامل الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 200 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

معادلة التكامل الكبرى
يقدّم رؤية منهجيّة تربط بين جميع عناصر الحياة والكون وفق معادلة واحدة. ولهذا، فإنّك سوف تلاحظ عملية بناء مستمرّة من بداية الكتاب إلى آخره، تشرع بتأسيس مقدّمات ضروريّة لفهم القضية ومنطلقاتها، ثمّ تمرّ على ذكر العناصر الأساسية للحياة، لتقوم بعدها بالجمع بينها والتركيب، لتخرج في النهاية بمعادلة شاملة لا تترك من مهمّات الحياة شيئًا. معادلة التكامل الكبرى الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 21.5*28غلاف ورقي: 336 صفحةالطبعة الأولى، 2016مالسعر: 15$ تعرّف إلى الكتاب من خلال الكاتب للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم أن تطلبوه عبر موقع جملون على الرابط التالي:

كيف ننهض لمواجهة الظلم الذي يتسبب بكوارث مرضية وبيئية؟
لقد استمعنا إلى إجابة حضرتكم (لماذا يُصاب الطفل بمرض خبيث)، ونودّ الاستفسار عن كيفية "الأخذ على يد الظالم"، ما هي الخطوات العملية التي علينا اتباعها في هذا المضمار.. وهل يكفي فقط إظهار الاعتراض (الفردي) حتى و لو لم يؤد إلى أي نتيجة؟

كيف نفسّر وجود الشرور في العالم؟
السؤال إذا كان صادرًا عن موحّد يكون عادة للبحث عن حكمة الشر في العالم.. وإذا صدر من غير الموحد فإما أنّه يريد أن ينسب الشر إلى الله اعتراضًأ عليه، أو يريد نفي معنى الألوهية من الأساس من خلال إنكار وجود حكمة أو هدفية في هذا العالم.

ها هو ملكوت الله على الأرض ... حول ظهور الملائكة في زمن المهدي
لم تخلُ الأرض يومًا من ملائكة الله؛ فكل هذا الجريان والتدبير والإحياء والإماتة ونزول المطر وما يجري في الكون يتم عبر ملائكة الله تعالى المدبّرات. وللملائكة حكاية تشير إلى حضور الغيب في عالم الشهادة. تريد هذه الحكاية أن تخبرنا أنّ وراء هذا العالم الماديّ المحسوس عوالم أعلى تمثّل جانب الحقيقة منه.

حين تصبح الأرض ضحية خيارات الشيطان
ما يحدث اليوم حين يجري الحديث عن البيئة والأرض، ويحتد النقاش بين خيارين: الأول يدور حول ضرورة أن نترك الطبيعة على رسلهاأما أصحاب الخيار الثاني، فيعتقدون بضرورة تدخل الإنسان، ويؤمنون بأهمية ذلك ودوره في إصلاح الطبيعةولكن أليس هناك من خيار ثالث؟

كيف نفسر كل هذا الظلم والشر
الدرس الرابع والعشرون من الدورة "نحو بناء عقيدة متينة" دروة مرحلة ثانية في العقيدة

ما هو سبب كل هذا الشر في العالم؟
الدرس 22 من دورة "نحو بناء عقيادة متينة" المرحلة الثانية

الشرط الأساس لنهضة الأمم
كل أمّة أو شعب يريد التقدّم الحقيقيّ ينبغي أن يتبرّأ من أخطائه وأخطاء أجداده، وهذا هو المعنى الكبير في قول "حطّة". فكيف يحصل هذا التبرّؤ؟ ولماذا تستنكف شعوب العالم عن ذلك؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...