
لكي تنجح المصارحة.. الشرط الأول للتواصل الفعّال
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب الزواج في مدرسة الإيمان
تقوم الحياة الزوجية والعلاقات الإنسانية بشكل عام على التواصل الفعّال. لكل علاقة خصائصها وشروطها التي ترتبط بنجاحها. إن حصل الوعي التام لطبيعة التبادل في أي علاقة، ثم التزم كل طرف بمسؤولياته تجاه هذا التبادل، فمن المتوقع أن تنجح هذه العلاقة نجاحًا تامًا.
تبدأ المشكلة حين يرى أحد الطرفين أو كلاهما أن الآخر يقصّر بأحد حقوقه، سواء كان هذا التقصير حاصلًا أو لا (قد يكون مجرد ظن لا أساس له). تتفاقم المشكلة حين لا يقدر هذا "المظلوم" على التعبير عما يشعر به أو يراه من الطرف الآخر. ومع تكرار السلوك "الظالم" أو المقصر لهذا الآخر بحقه، تتصاعد حدة المشاعر السلبية، وقد تؤدي إلى الانفجار.
لذلك، كانت المصارحة أفضل وسيلة لمنع تفاقم المشاكل الزوجية ووصولها إلى مرحلة اللاعودة. كثيرًا ما تساعد المصارحة على اكتشاف الحقيقة التي لم نكن نراها بوضوح.. الاعتذار من الشخص الذي كنّا نظنه ظالمًا لنا أو مقصرًا، يضع الأمور على السكة الصحيحة مجددًا. الاعتذار يعني توضيح الموقف وتقديم العذر يعني بيان جهة البراءة، لذلك نقول في الدعاء "ولست بريئًا فاعتذر"؛ وأحيانًا يكون الاعتذار تعبيرًا عن الرغبة في التراجع عن ذلك التقصير.
في كل الأحوال هذه الصراحة من شأنها أن تعيد للعلاقة دفئها اللازم.
ليت الأمور تكون بهذه السهولة في العلاقات الإنسانية والزوجية خصوصًا. قد يعجز المقصر نفسه عن فهم طبيعة تقصيره أو خطئه بحق الآخر، فلا يقدر على تقديم العذر المناسب؛ الأمر الذي قد يتلقاه "المظلوم" كنوع من الإصرار أو اللامبالاة أو الكذب والتحايل.
هناك تصرفات أو مشاعر لا يمكن لصاحبها نفسه أن يفهمها أو يدرك طبيعة منشئها، لأنها تصدر في حالات من الشك والغموض الذاتي. يحتاج الناس أحيانًا إلى وقت لفهم طبيعة مشاعرهم أو أسباب بعض الأفعال التي يقومون بها. لا تكون جميع المشاعر والمواقف واضحة دومًا. فكيف إذا أضفنا عامل العجز عن التعبير، وهو أمر شائع جدًا!
لذلك تحتاج المصارحة لكي تنجح إلى ركن أساسي، بدونه، ربما لن تجلب سوى خيبات الأمل. لا شك بأن معظم الناس جربوا المصارحة في حياتهم عدة مرات. كثيرون يقولون إنّ المصارحة لا تفيد في حالات عديدة.
"المصارحة لم تجلب لنا سوى وجع الرأس".
"كنت في موقف الدفاع عن النفس، لكن المصارحة جعلتني متهمًا".
" لم تفهم شريكة حياتي ما صارحتها به، فأدى إلى تفاقم المشكلة".
نسمع كثيرًا مثل هذه العبارات حين نؤكد على أهمية المصارحة في الحياة الزوجية. يبدو أن معظم المتزوجين لا يجيدون هذا الفن، لا لأنهم لا يؤمنون به، بل لأنه لم يؤتِ ثمرته المرجوة في حالات عدة.
ومع ذلك، لن يكون هناك ما هو أهم من المصارحة إن أردنا أن نبني علاقة زوجية متينة وعميقة.
العمق الذي نرجوه من الزواج هو تواصل الأرواح، بل اتحادها. وفي ظل هذا الاتحاد يحصل الإنسان على أفضل نصير وملجأ في حياته.
كثيرة هي الحالات التي يُسجل لنا فيها ارتكاب أخطاء غير بسيطة، لأننا لم نجد من نصارحه ونستشيره في مسائل حساسة ومعقدة. تصور أن تجد من يمكنك أن تبثه أسرارك التي لو اطلع الناس عليها لتلاشيت خجلًا وحياءً. هل ستُقدم بعدها على ارتكاب هذا الخطأ!
وجود مثل هذا الشخص يساعدك على اكتشاف مواقع الخطأ والضرر قبل حصوله.
نحجم عن المصارحة عادةً لأننا نظن أنها ستجلب لنا ضررًا أكبر. والسبب بالنسبة لنا هو أن من نصارحه لن يغفر لنا ولن يتقبل ما نخفيه من مشاعر أو نزعات.
لكن الأمر لا يدور بين خسارة أو أخرى أو بين أهون الشرين دائمًا؛ قد نتمكن من بناء مصارحة ليس فيها سوى الربح والنفع الخالص. وكل هذا يعتمد على ركن أساسي هو الانطلاق في المصارحة من معرفة الحقيقة!
الحقيقة هنا هي تعبير عام يشمل كل حقائق الوجود، منها ما يتعلق بالبشر والطبيعة الإنسانية وغيرها. وفي الحياة الزوجية تكون الحقيقة المنشودة هي كل ما يرتبط بقضاياها وشوؤنها وشجونها. ومنها على سبيل المثال حقيقة اختلاف المرأة والرجل في النظر إلى الأمور وفي المشاعر والتطلعات والتحليل و... إن لم يتفق الشريكان على هذه الحقائق، فمن الصعب أن يكون لمصارحتهما الفائدة المرجوة.
من الحقائق نتمكن من تحديد كل ما هو خير وشر أو حسن وقبيح. وبذلك نستطيع أن نبني مصارحتنا على أساس متين. ذلك لأننا نريد أن نصل إلى الخير والحسن، حتى لو كان بنحوٍ أناني!
الحقائق هي التي نحتكم إليها في حواراتنا ونرجع إليها في جدالاتنا، وبذلك نتمكن من الاستمرار في الحوار حتى نصل إلى النتيجة المطلوبة (وهي امتلاك تفسير واضح لهذا الموقف أو الشعور أو..).
إحدى هذه الحقائق ما أشرت إليه منذ قليل، وهو أن للبشر أحوالًا من المشاعر والمواقف لا يمكنهم تفسيرها بأنفسهم. ليس دقيقًا أبدًا أن كل تصرفاتنا أو أحاسيسنا مفهومة لنا تمامًا. قد ينفعل المرء تجاه أمر دون أن يكون ذلك ناشئًا من خطة أو تعمّد أو قصد مسبق. وقد يبقى هذا الإنسان في حالة من الانفعال لمدة من الزمن، دون أن يعرف ما الذي يعنيه ذلك جيدًا.. هذه حقيقة بشرية تجعلنا نتسامح ونتساهل ونعفو، بدل أن نقسو في أحكامنا ونجزم.
لا يوجد حوار بين اثنين إلا وهو قائم على نوع من الثوابت التي يؤمن بها الطرفان. ليست المشكلة في وجود ثوابت، المشكلة في كون هذه الثوابت غير دقيقة أو ناقصة.
النقص في الحقائق التي نحتاج إليها لإكمال الحوار (المصارحة)، بصورة بنّاءة وتكاملية، سيمنعنا من تحقيق ذلك. سرعان ما يتحول الحوار إلى تبادل للاتهامات؛ ومعها نزرع بذور الشك وسوء الظن في النفوس.
يُبتلى الأزواج بانسداد أفق المصارحة حيث يلجأان إلى الصمت وتجنب المشكلة، وذلك لعجزهما عن الحصول على المساعدة اللازمة في هذا المجال. هنا تكمن أهمية استشارة العقلاء من أهل الخبرة والدين. يساعدنا الخبير على اكتشاف الحقائق التي تقف وراء هذا التصرف أو ذلك الشعور. يتضح بعدها أن النفس البشرية أعقد مما كنّا نتصور. لا يدور الأمر دائمًا بين الأسود والأبيض. لكن بالمصارحة السليمة يمكننا أن نبدل الكثير من الرمادي إلى الأبيض.

شركاء الحياة
شركاء الحياةالحياة سفر والسفر يحتاج إلى صحبةولا معين في الحياة كالزواجفيه تتأسس شراكة فريدة لا مثيل لهايتحد معها الزوجان في كل شيءلأجل النجاح الأكبرحيث الوصول إلى مرضاة الله ونعيمه الأبديفكيف نكون خير شركاء في أجمل رحلة الكتاب: شركاء الحياةالكاتب: السيد عباس نورالدينالطبعة الأولى، 2023بيت الكاتب للطباعة والنشر الحجم: 17*17عدد الصفحات: 346ISBN: 978-614-474-102-3 سعر الكتاب: 15$ بعد الحسم 60%: 6$ يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقع النيل والفرات https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=0

الزواج في مدرسة الإيمان
ما هو الحب؟ وما هو الزواج؟ وهل الحب شرط لنجاح الزواج؟ هذا ما يجيب عنه هذا الكتاب بالإضافة إلى العديد من الأسئلة الأخرى التي تفرضها الحياة في عصر الإنترنت. فلننظر إلى الزواج قبل اشتعال نيران العشق وقبل انطفاء شعلة الحب. الزواج في مدرسة الإيمان الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب:17*17غلاف ورقي: 264 صفحةالطبعة الأولى، 2016مللحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

ما فائدة المصارحة إذا لم يكن بالإمكان تغيير الشريك؟
أحيانًا يكون لدى الشريك صفة أو خصلة لا يستطيع تغييرها، فما الفائدة من مصارحته بها سوى التسبب بالأذى له؟ أليس من الأفضل ترك المصارحة في مثل هذه الحالة؟

كيف نجمع بين المصارحة وكتمان السر تجنبًا للمشاكل؟
كيف نجمع بين المصارحة وكتمان السر؟ فإذا ما أقدم الرجل على التعرف إلى امرأة أخرى بنية الزواج وكان الأمر سرًّا بينهما قبل الإعلان عن ذلك، وقام بمصارحة زوجته بالأمر لوقعت المشاكل وربما فسد الأمر، وإذا ما بقي على كتمانه فيكون بذلك لم يلتزم بقيمة المصارحة، فماذا يفعل؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...