
رواية بلا "آخرة"
أمل عبد الله
هل ينال كل الأشرار عقابهم في الدنيا؟ ليس بالضرورة، أو على الأقل لا ينال جميعهم في هذه الدنيا العقاب الذي يرضي الأخيار ويشفي صدورهم. وربما يكون عقابهم الدنيويّ خفيًّا لا يظهر لأعين المنتظرين بصبر تحقّق العدالة. لكن في السينما، في الزمن المُسمّى الزمن الجميل، كان الأشرار ينالون العقاب الذي يستحقّونه باستمرار، بشكل جليّ ودون اي استثناء، لينتهي الفيلم نهاية سعيدة ترسم ابتسامة على وجه المشاهد وفي قلبه.
ثمّ تبدّلت الأمور، وجاء من يرى أنّ صناعة سينما واقعية تفرض علينا ألّا نزيّف "الواقع". ففي "الواقع"، كثيرًا ما يبقى الشر منتصرًا جيلًا بعد جيل؛ فلا شلل رباعيّ يطال حتى لسان الشرّير، ولا حريق مجهول الفاعل يطال مصانعه، ولا فقد لأعزّ الأبناء. هذا بالإضافة إلى النهاية الوادعة التي يحظى بها العديد ممّن يتسبّبون بكوارث للبشرية.
لكن ما غفل عنه أصحاب هذا الرأي أو أغفلوه هو أنّ ما أسموه واقعًا ليس في الحقيقة سوى جزء من الواقع. فالواقع لا يتحدّد بمقطعٍ زمنيّ محدّد - طال أو قصر- وإنما حدوده الحياة الممتدّة إلى الأبد. وعليه، فإنّ الواقع يشمل الدنيا والآخرة في آن. وعلى الرغم من أنّ الآخرة تبقى غيبًا بالنسبة لسكّان هذه الدنيا، إلّا إنّ إيمانهم بها يجعلهم متيقّنين من الجحيم الذي ينتظر الأشرار ما إن يغادروها. فالمسألة مسألة وقت قبل أن يشهد الأخيار بأمّ العين مصير الأشرار المظلم؛ وقت يطول أو يقصر بحسب مجموعة من القوانين التي تحكم هذا العالم وحياة البشر. لهذا، العدالة ـ بالنسبة لهم ـ متحقّقة، ولو بعد حين.
أمّا في عالم السينما أو الرواية ـ بشكل عام ـ فالأمر يختلف. فلئن كانت الرواية هي تصوير لمجريات الواقع إلّا إنّ كاتبها ملزم بمدّة زمنية محدودة بهذه الحياة الدنيا. ففي أحداث الرواية لا مكان للساعة ولا للقيامة ولا للحساب ولا للآخرة. إنّما هي حياتنا الدنيا! وهنا تكمن المشكلة. فنحن إن كنّا فعلًا حريصين على نقل الواقع بحقيقته؛ الواقع الذي ينال فيه الخيّرون الثواب وينال الأشرار العقاب، علينا أن نجد جوابًا للسؤال التالي: كيف نحفظ واقع الرواية من فخ التجزئة من دون أن نقع في كليشيهات الشلل الرباعي والإفلاس والثكل؟
أعتقد أنّ الحل هو في نوعية الشخصيات التي نقدّمها. فنحن قد لا نستطيع تقديم مجريات الحياة الآخرة في الرواية التي نكتبها، لكنّنا بكل تأكيد قادرون على تقديم شخصية أخرويّة قادرة على حماية القارئ من السقوط في هوّة اليأس، التي يصرّ البعض على تسميتها "الواقع". إنّها الشخصية القادرة على إبصار خيوط النور في أحلك الظلمات. لكن كيلا يكون ما تبصره شخصيّتنا الأخرويّة مجرّد سراب، فتبدو للقارئ شخصيّة ساذجة منفصلة عن "الواقع"، علينا رفدها قدر المستطاع بأحداث تجعل خيوط النور هذه مرئيّة للقارئ أيضًا.
أمّا عن طبيعة هذه الأحداث، فليس بالضرورة أن تكون أحداثًا عُظمى كالنصر المبين على الأعداء، بل يكفي أن تكون إشارات بسيطة وإنّما جليّة تعزّز فكرة انتصار الخير والحقّ ولو بعد حين؛ أحداث من قبيل التمسّك بشهادة حقّ، أو إطلاق صرخة بوجه ظالم، أو إصغاء طفل صغير لحكاية بطل؛ طفل صغير سيكبر يومًا ليصبح هو الحكاية.

إلى أين يذهب الحب حين يموت؟
إلى أين يذهب الحبّ حين يموت؟ أظنّ أنّه سؤالٌ مشروعٌ خاصّة بالنسبة لنا نحن الذين نؤمن بالحياة بعد الموت وبالجنّة والنار. لكن هل أنّ الحبّ كائنٌ حي حتى نتساءل عن مصيرٍ غير عدميّ له؟
الكاتب
أمل عبدالله
دخلت عالم الكتابة في العام 2008 ، بعد سنوات عديدة أمضتها في التعليم والعمل المخبري. أول أعمالها رواية "برج الخديعة" التي تلتها رواية "يوم سقطت طهران". في مجال أدب الطفل، للكاتبة مجموعة متنوعة من القصص صدر منها قصتي "توتة بلا توت" و "الأسبوع الذي أصبحت فيه متنمّرًا". شاهد اللقاء مع الكاتبة حول ...