
لماذا لا يرقص المسلم فرحًا؟
السيد عباس نورالدين
تكاد لا تخلو ديانة أو ثقافة من الرقص كأحد أوجه التعبير عن الفرح والمرح وغيرها من تعابير الشموخ والفخار أو البهجة والازدهار! لكننا في المقابل نجد نهيًا واضحًا وزجرًا شديدًا عن هذا النوع من التعبير الجسدي داخل التجربة الإسلامية الشرعية، حتى لو كان الأمر حصرًا بين زوجين في خلوتهما. وينظر كل الفقهاء في فتاواهم إلى الرقص كرمز للمجون والشهوانية والانحطاط والميوعة والخلاعة والتهتك وانعدام الكرامة وسقوط الحياء. أي أنّ الفاصل بين الشائع في الثقافات العالمية وخصوصًا الغربية الشهوانية وبين النظرة الفقهية الإسلامية السائدة هو فاصل كبير جدًا.
ويومًا بعد يوم يتم تثبيت الرقص كأحد أهم أساليب التعبير عن الفرح والشعائر القومية في كل بلاد العالم (حتى في دولة متزمتة كالسعودية)، ويطرح كوسيلة مناسبة لاستجلاب الفرح وتحصيله. فإذا كنت فرحًا (بحسب هذه النظرة) فارقص؛ وإذا أردت أن تشعر بالبهجة فارقص. هذا بالطبع، ناهيك عن إحدى دلالته البارزة على صعيد الشهوانية الفظة التي تحاكي الممارسات الجنسية الحيوانية (وهي دعوة صريحة للجنس دون قيد أو شرط).
إذا قلنا أنّ قسمًا مهمًّا من فنون الرقص ـ خصوصًا في الثقافات والبيئات المادية الغربية وكل بيئة تقلدها ـ يهدف إلى إثارة الغرائز الحيوانية ورفع مستوى الاندفاع الجنسي المتهتك الفاقد للحياء والعفة والبراءة والصفاء، فلا نبالغ أبدًا. وفي الواقع إنّ فنون الرقص ومدارسه المختلفة تكاد تجمع على محورية الجنس في أساليبه وممارساته..
لهذا، فكلامنا هنا لا يدور حول ما يتفق العقلاء على قبحه وبشاعته، بل حول القسم الآخر من الرقص الذي يدّعي وجود رابطة طبيعية وفطرية بينه وبين الفرح والسرور. فيقال بما أنّ الإنسان إذا فرح كثيرًا فسوف تعتريه حالة خاصة تُخرجه عن الاعتدال والثبات، فيبدأ بتحريك أعضاء بدنه كما يفعل السكران. وبما أنّ الفرح أمر ممدوح ومطلوب، فلماذا لا يكون الرقص الفرِح كذلك؟ وكيف نريد للإنسان أن يكون فرحًا ومسرورًا ونمنعه من التعبير الطبيعي عن ذلك؟ ولماذا نهمل سببًا مهمًّا من أسباب الفرح، ولا ندعو إلى الرقص كوسيلة لبعث السرور والانبساط؟
إن عالم اليوم يعيش ظاهرة أقل ما يقال عنها بأنّها عملية اجتياح كبير لثقافة الرقص، حيث تمتلئ وسائل الإعلام المختلفة والمدارس والجامعات والأماكن العامة وما لا يحصى من الأنشطة ذات الطابع الثقافي والاحتفالي بالرقص. ويتم تعليم الأطفال على الرقص وتشجيعهم عليه، وكأنّه رياضة راقية وفن متحضر وعنوان للانخراط في المدنية والحياة الاجتماعية النبيلة ووسيلة لتحسين الفهم والاستيعاب وإيصال الأفكار والمعارف الصعبة. وقد يبتكر البعض أنماطًا من الرقص لتعليم الحروف أو الحساب أو القواعد أو حتى المعادلات الفيزيائية المعقدة!
ما هي قصة هذا الرقص الذي لا نجد من ينكره ويرفضه إلّا في الوسط الديني الإسلامي؟ ولماذا تتميّز الثقافة الإسلامية بهذا الإنكار، رغم أنّها ثقافة داعية إلى الفرح والسرور والبهجة، بل تحمل شعار سعادة البشرية وتدعو إليه.
فكل من ترعرع وسط القيم الإسلامية ونهل من منبعها العذب يدرك أنّ دعوة الإسلام الكبرى هي بلوغ أعلى مراتب اللذة والبهجة والفرح. وهذا أمر لا غبار عليه ولا نقاش فيه البتة. فلماذا نجد مثل هذا الرفض لكل أشكال الرقص، حتى في الأعراس التي يجاز فيها بعض الألحان الموسيقية وما يرتبط بها.
أوّل كلام هنا هو أنّ علينا التمييز بين الفرح والتعبير عنه. فلا يوجد رابطة ملازمة بين شدّة الفرح والرقص أبدًا. ولو لم ينشأ هذا الفرد في بيئة تربط بينهما منذ الطفولة لما خطر على باله أن يرقص حين يعتريه الفرح. بل ربما كان الرقص مانعًا من تعبير جميل جعله الله تعالى فينا حين ندرك الفرح الحقيقي ونشعر بالسعادة الواقعية، وبسبب هذا المنع وانحراف الطبيعة البشرية عن ذلك التعبير الفطري، حرمت من تجليات الفن الأعلى.
فنحن لا ننكر أبدًا وجود ربط سببي بين الباطن والظاهر، بل نراهما بمنزلة العلة والمعلول، كما يحصل لمن يخجل أن تتورد وجناته، ولمن يخشع أن يسجد، ولمن يتأثر أن تدمع عيناه. وأغلب الظن أنّ من يقف وراء ظاهرة الرقص في الحياة البشرية هذه قد أراد أن يفتح للبشر طريقًا للتعبير عن فرحهم بما يؤدي إلى سلبهم هذا الفرح. وهذا ما يمكن أن نأتي عليه بشاهد كبير من خلال النظر العلمي في المجتمعات التي ترقص صبح مساء وهي مثال للكآبة والغم وانعدام الطمأنينة. ولا يمكن لأيّ باحث أن يغضّ النظر عن هذا الارتباط. ففي المجتمعات الغربية التي ابتكرت ورسخت أماكن خاصة وعامة للرقص في كل وقت لقاء ثمن أو بالمجان، وحيث يمكن لأيّ شخص يعيش فيها أن يرقص ويشارك بالرقص متى ما شاء، لا نجد الحد الأدنى من المنسوب الطبيعي للفرح البشري.
وهذا هو حال كل قضايا الالتذاذ المادي الذي ما إن يخرج عن حدود المعنى والروح حتى ينقلب ضد نفسه ويتحوّل إلى ألم وينخفض منسوبه. ففي المجتمعات المتهتكة التي تكاد الحدود والضوابط الجنسية تنعدم، هناك معاناة شديدة على مستوى الكم والكيف في التمتعات الجنسية، رغم كل هذه الصناعة المرتبطة بها والتي تبلغ مئات مليارات الدولارات سنويًّا. وكذلك ما يرتبط بالالتذاذ بالشراب والطعام، بعد اختراع الخمور والمأكولات المضرة. فقد خلق الله الإنسان وجعل التذاذه الحقيقي بكل شهوات الجسد في ظل لذة الروح وطهارتها وضمن نطاق التقييد والانضباط.
ولهذا، أتصوّر أنّ الراقصين من ممتهني الرقص وأمثالهم لا يجدون في رقصهم أيّ فرح، وإذا كان فهو عابر تعقبه غصص وحسرات.
إنّ رقص إنسان الغرب اليوم لم يعد للتعبير عن الفرح بقدر ما هو تعبير عن العبثية وعن سخافة الحياة وضحالتها وفقدانها للمعنى. فالراقص حين يرقص ويهتك نفسه كأنه يقول أنّني لا ارى لنفسي من قيمة، وها أنا أنثر ما بقي منها في الهواء.
وإذا ما نظرنا إلى الجانب المرتبط بمهارات تحريك الأعضاء بصورة إيقاعية منتظمة تحكي عن قدرة متميّزة حاصلة من التمرين المتواصل، فإنّ الرقص لم يكن في يوم من الأيام رياضة مناسبة لصحة البدن وسلامة أعضائه ودواميّة مفاصله وقوّة غضاريفه. ولن تكون ممارسة الرقص حجّة للرياضة والنشاط البدني طالما أنّ هناك ما هو أيسر وأسهل وأقل ضررًا منها.
أجل، من الممكن الحديث عن فوائد الرقص (وهل يخلو أمر سيئ من منفعة ما في هذا العالم؟)، لكن كلامنا ليس عن وجود فائدة، بل عن المنفعة الحقيقية التي تكون حصيلة هذا النشاط الذي نقطع بأنّه ليس سوى عامل آخر من عوامل انحطاط البشرية وتسافلها المعنويّ والأخلاقي والسلوكي.
هدفنا من هذا العرض هو أن نتأمّل بعمق في هذه الظاهرة التي يضعها الشيطان بوجهنا كأقوى ورقة تعبّر عن تفوّق ثقافته. تلك الثقافة التي تريد أن تقول أنّنا ثقافة الفرح وأنتم ثقافة الحزن والكآبة. ومن خلال هذا التأمل والتحليل المعمّق نكتشف حجم الخداع وقلب الحقائق وإخفاء الأباطيل.
أجل، لم تعرف البشرية في حياتها العامة لحدّ اليوم وضعًا فرحًا بعيدًا عن الشيطان وقيمه المنحطة. فعلى ما يبدو سرعان ما واجهت انطلاقة الإسلام في رسالته ودعوته للسعادة موانع حقيقية وقفت بوجه انبعاث روحه وسريانها في الثقافة العامة. ولهذا، يصعب أن نجد تعبيرات أصيلة عن الفرح الإسلامي الذي يفترض أن يتجلى في الفنون والأدبيات وحتى الشعائر.
لقد سقطت التجربة الإسلامية في بداياتها بأيدي من لم يكونوا أهلًا ليعيشوا عمق روحانيتها وهويّتها ودعوتها، فبدأوا بإسقاط أحوالهم السطحية والضحلة على تعاليم الإسلام؛ مما أوجد تحديات من نوع آخر فرضت على الأصيلين برامج وأولويات ترتبط بمواجهة هذا الانحراف.
نعترف أنّنا لا نظهر كأمّة فرحة؛ لكن ذلك لا دخل له بأصول الدين وتعاليمه وقيمه العميقة، وإنّما هو كغيره من الانحرافات وليد جهل مدقع امتزج بنكبات الزمان. فسبحانك اللهم ننزّهك من أخطائنا ومعاصينا وجهلنا راجين أن تمنّ علينا بمعرفة الدين وتوفّقنا لنقيم له دولة ومجتمعًا حقيقيًّا في القريب العاجل لتعرف البشرية حقيقة السعادة والفرح الإنساني العظيم.

الإسلام كما عرفته وآمنت به
هذا الكتاب مساهمة في ترسيخ حوار القيم والمشتركات في زمن يبحث فيه الجميع عن التلاقي. ولا شيء أفضل في هذا المجال من إظهار بعض جمال ما نؤمن به ونعتنقه. الإسلام كما عرفته وآمنت به الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 198 صفحةالطبعة الأولى، 2017مللحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

معادلة التكامل الكبرى
يقدّم رؤية منهجيّة تربط بين جميع عناصر الحياة والكون وفق معادلة واحدة. ولهذا، فإنّك سوف تلاحظ عملية بناء مستمرّة من بداية الكتاب إلى آخره، تشرع بتأسيس مقدّمات ضروريّة لفهم القضية ومنطلقاتها، ثمّ تمرّ على ذكر العناصر الأساسية للحياة، لتقوم بعدها بالجمع بينها والتركيب، لتخرج في النهاية بمعادلة شاملة لا تترك من مهمّات الحياة شيئًا. معادلة التكامل الكبرى الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 21.5*28غلاف ورقي: 336 صفحةالطبعة الأولى، 2016مالسعر: 15$ تعرّف إلى الكتاب من خلال الكاتب للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم أن تطلبوه عبر موقع جملون على الرابط التالي:

مختصر معادلة التكامل
هذه الطبعة المختصرة لكتاب "معادلة التكامل الكبرى" الذي يبيّن مدى سعة الإسلام وشمول رؤيته ومنهجه لكلّ شيء في الوجود. كيف لا؟ والله عزّ وجل هو المبدأ والمنتهى.. نقدّمها لقرّائنا الذين يودّون أن يحصلوا على معرفة أوّليّة بتلك المعادلة الكبرى، أو للذين لا يجدون الوقت الكافي لمطالعة الكتب الكبيرة. مختصر معادلة التكامل الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 200 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

روح المجتمع
كتابٌ يُعدّ موسوعة شاملة ومرجعًا مهمًّا جدًّا يمتاز بالعمق والأصالة لكلّ من يحمل همّ تغيير المجتمع والسير به قدمًا نحو التكامل، يحدد للقارئ الأطر والأهداف والسياسات والمسؤوليات والأولويّات والغايات المرحليّة والنهائيّة في كلّ مجال من المجالات التي يمكن أن تشكّل عنصرًا فعّالًا في حركة التغيير، على ضوء كلمات قائد الثورة الإسلاميّة المعظّم روح المجتمع الكاتب: الإمام الخامنئي/ السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19*25غلاف كرتوني: 932 صفحةالطبعة الأولى، 2017م ISBN: 978-614-474-020-0 سعر النسخة الملوّنة: 100$سعر النسخة (أبيض وأسود): 34$ للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراءه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

لماذا يُعد الغناء أحد أسوأ الظواهر؟ وكيف يمكن مواجهته؟
عن الإمام الصادق عليه السلام: "مَنْ أَصْغَى إِلَى نَاطِقٍ فَقَدْ عَبَدَهُ، فَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ يُؤَدِّي عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ عَبَدَ اللَّهَ، وَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ يُؤَدِّي عَنِ الشَّيْطَانِ فَقَدْ عَبَدَ الشَّيْطَانَ".

الحياة الجميلة للإنسان المؤمن... كيف نملأ حياتنا بالفرح والبهجة؟
لكلّ إنسان آمن بسعة رحمة الله، حياة صاخبة مذهلة. فهو يعتقد بأنّ الله تعالى قد أعدّ له كل خير وكمال، وهو يفيضه على كلّ الكائنات دون حظرٍ أو انقطاع. فالحياة بالنسبة إليه مليئة بالفرص، ولا شيء يجعلها بهيجة مفرحة مثل اغتنام هذه الفرص والاستحواذ عليها.

ما معنى أن أكون مؤمنًا؟ العلامة الفارقة للإيمان الحقيقي
الإيمان الذي نتحدّث عنه هنا هو الإيمان بحقيقة كبرى هي أصل كل حقيقة في هذا العالم. أمّا الإيمان بأي حقيقة فهو موجود عند أكثر الناس. إنّه عبارة عن حالة نفسية يذعن معها الإنسان بشيء ما، ويشعر به، ويتعامل معه بمقتضاه. وهذه الميزة الأخيرة هي التي تميّز الإيمان عن العلم. لذلك قيل أنّ الإيمان كلّه عمل، ولا إيمان بلا عمل.

الحياة الغنيّة للمؤمن
قال أمير المؤمنين عليه السلام في صفة المؤمن: "الْمُؤْمِنُ... بَعِيدٌ هَمُّهُ، كَثِيرٌ صَمْتُهُ، مَشْغُولٌ وَقْتُه".[1] تتميّز حياة المؤمن الواقعيّ بغنًى واسعٍ يثري نفسه بأعمق المشاعر وأجملها. وليس هذا بعجيب لمن أدرك سعة الفرص التي جعلها الله تعالى في هذا الكون. فلو نظرنا إلى العالم المحيط بنا لرأينا الكثير الكثير ممّا يمكن أن نقوم به في الليل والنهار، ويعود علينا بالنفع والفائدة.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...