
في البحث عن أسباب انحراف الأبناء
فتشوا عن عدم الاحترام
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب تربية الأولاد وأولادنا
يعاني معظم الآباء والمربين من صعوبة إيجاد تواصل فعّال بينهم وبين أبنائهم وطلابهم. يختزن الكبار الكثير من الحكم المفيدة التي تعين الشباب والصغار أيضًا على تجنب العديد من الأخطاء المؤلمة. لا يريدون لأبنائهم أن يقاسوا ويعانوا من هذه الأخطاء التي تترك فجوات عميقة في شخصيتهم. يشاهدون الشباب وهم يتجهون نحو الهاوية أحيانًا دون أن يقدروا على فعل شيء. كل كلامهم النافع ونصائحهم المفيدة تتبخر في الهواء.
عدم إصغاء الأحداث والشباب للكبار يرجع إلى أخطاء تربوية اقترفها الكبار بحق هؤلاء منذ طفولتهم الأولى. إن أراد الكبار البحث عن أسباب ضعف التواصل الفعال يمكنهم أن يجدوها في عامل أساسي وهو قلة أو عدم احترامهم لهم. يعود ذلك إلى المراحل العمرية المبكرة، ربما إلى بدايات تشكُّل الوعي الأولي.
ميل الشباب إلى التمرُّد على آبائهم وأمهاتهم هو تعبير عن رفض تلك السلوكيات المسيئة. يمكن الادعاء بكل قوة أن النسبة الأكبر من تمرد الشباب على قيم الآباء ترجع إلى ما يشبه الانتقام لما تعرضوا له من قلة احترام. لا يحتاج الأمر إلى تخطيط؛ يحدث بصورة تلقائية. يدهشنا كم يمكن لقضية الاحترام أن يكون لها من آثار. معظم حالات التمرد التي تعاملتُ معها في استشاراتي التربوية، حيث نجد فتيات يرفضن ارتداء الحجاب أو يصر الشاب على التهاون بصلاته أو يصل الأمر إلى ما يشبه الارتداد عن الدين، أغلب ذلك في الواقع كان عبارة عن ردات فعل على الإساءات التي تعرضوا لها في طفولتهم بصورة ضعف احترام الآباء لهم.
القيم الدينية والعقائد الإلهية والأحكام الإسلامية تنسجم مع الفطرة وتستعذبها النفوس الطيبة وتنجذب إليها العقول والقلوب التائقة. لكنها إذا صدرت من شخص مسيء فسوف تفقد الكثير من جمالها وجاذبيتها. لا يُفرّق معظم الناس بين القول والقائل. جانب مهم من مصداقية القول يرتبط عندهم بقائله. ما يرفضه الأبناء في معظم الحالات على صعيد الالتزام الديني إنما هو رفض لمن يقوله أو يأمرهم به. وهذا الرفض يرجع بالدرجة الأولى إلى الإساءات التي تعرض لها هؤلاء الشباب في طفولتهم ممن كان يمثل ذلك الالتزام الديني.
من الطبيعي أن يرتكب الصغار الأخطاء والحماقات. الأخطاء ترجع إلى ضعف القدرة العقلية، والحماقات ترجع إلى قلة الخبرة. هذه الحماقات والأخطاء غالبًا ما تستفز الكبار بحيث يصدر منهم تعليقات مشينة بحق الصغار. التعالي المتوقع الذي يعيشه الكبار تجاه الصغار يتطلب درجة عالية من الانتباه وتهذيب النفس حتى يُقمع ويزول من نفوسهم. ومع كون هؤلاء الكبار أنفسهم قد تعرّضوا للإهانة والاستخفاف والتحقير منذ الطفولة تُضاف عقدة أخرى إلى مشكلة التعالي؛ يُصبح الأمر معقدًا للغاية ومظلمًا على صاحبه، إن أخرج يده لم يكد يراها. إنّها اللحظة التي يُنفّس فيها الكبار عن عقدهم بسهولة.
نفوس الكبار تسير بسلاسة صوب إهانة الصغار. يحتاج الكبير إلى وعي عميق بمخاطر إهانة الصغير. ربما جزء من هذا الوعي يتشكل جراء معرفة نفسه وما جرى عليه منذ طفولته حتى وصل به الأمر إلى حد الاستخفاف بالصغير. الجزء الآخر لتشكيل هذا الوعي المطلوب هنا هو أن يستشرف الكبير مُستقبل هذا الصغير فيما لو بنى شخصيته على التحقير، والتمرد الآتي عليه والذي لا يزيده العنف والقمع إلا شدة وحدّة.
خوف الآباء من انقلاب الأبناء وتمردهم في هذا الزمن ـ وخصوصًا في بلاد الغرب ـ شعور متوقع وطبيعي. لكن لهذا التمرد عامل أساسي وهو ضعف احترامهم لأبنائهم الذي يطحن بشخصيتهم ويدمر نفوسهم بصورة منهجية من اللب. لا شيء أشد سوءًا من هذا العامل على الإطلاق.
بالاحترام تتعزز الشخصية الحرة التي يمكنها أن ترى الحق وتميزه عن الباطل وتدرك الحسن وتفرقه عن القبح. وبالاحترام يحصل الانتماء الشديد والحب الكبير للكبار، حيث تتحول مجرد أمنياتهم إلى أوامر، فما بالك بالطلبات.
أجل، من المستبعد جدًا أن تقرر الفتاة أذية والدين احترماها أشد الاحترام وتخلع الحجاب وهي تعلم كم سيكون ذلك مؤلمًا لهما. في ظل الاحترام يتولد التواصل الفعّال، وفي ظل التواصل الفعّال يمكن للكبار أن يُفهِموا الشباب ما يعنيه لهم خلع الحجاب أو ترك الصلاة أو الاستخفاف بالمحرمات. كل والد ملتزم سيقول إنّ ذلك أشد عليّ من نشري بالمناشير. لو ماتت الأم وهي ترى ابنتها تهتكت بلباسها لما كانت بذلك ملومة. لكن، يمكن للآباء والأمهات أن يتجنبوا مثل هذا الوضع المشؤوم بالالتزام بقاعدة أساسية وهي احترام أبنائهم وعدم توجيه أي نوع من الإهانات لهم مهما كانت صغيرة.
بعض أخطاء الصغار قد تُلحق أضرارًا معينة بأغراض المنزل وغيرها من الأمور المادية، لكن نحن نعلم أنّ كل والد سيكون مستعدًّا لبذل كل ماله وممتلكاته لمنع انحراف ولده. لماذا نظهر كأنّنا نهتم بأغراض المنزل أكثر من كرامة أبنائنا؟!
نتصور أنّ الأطفال لا يشعرون بالمهانة؛ لا نُدرك كم يكون للضرب من أثرٍ سيئ، فما بالك باللسان الذي هو أشد قسوة! نغفل عن هذه الآثار الوخيمة لأنّ أطفالنا لا يُعبّرون عن حجم الأذى والجُرح الذي يشعرون به. إنّها دورةٌ لعينة. فمع كل إساءة يضعُف التواصل، ومع ضعف التواصل يضعُف التعبير. نُدخل أنفسنا كآباء في متاهة الجهل بما يحدث داخل نفوس أبنائنا باختيارنا. ثم نتفاجأ بحجم ما كان يُخزّنه أولادنا في أنفسهم.
جزءٌ بسيط من الضلال العقائدي يرجع إلى الاشتباه العقلي أو ضعف القدرة التحليلية، وجزء أقل منه يرجع إلى النزوع نحو الحداثة والموضة وحب الظهور. القسم الأكبر من النزوع نحو العقائد الباطلة يرجع إلى ضعف البنية التي تعتنق العقائد الحقة. وهذا الضعف البنيوي هو ما سيراه الأبناء ضخمًا جدًّا في شخصية آبائهم وهم يتعاملون معهم. بعبارة أخرى، يسقط التوحيد الحق، الذي هو أعظم عقيدة وأجمل مبدأ، من أعين الأبناء حين يشاهدونه في أشخاص يسيئون إليهم. هكذا سيكون حال الصلاة والحجاب وغيرهما من القيم الدينية.
تكمن المشكلة بالدرجة الأولى في أنّ الآباء لا يتعمّدون الإهانة وعدم الاحترام، إنّهم يرون ذلك تأديبًا أو ردة فعل طبيعية على الخطأ والحماقة. يتم التعويل كثيرًا على ما يُقدّمونه لأبنائهم من حب واهتمام وحاجات. جزء من هذا التعويل في محله، لكن يجب ألّا ينسى هؤلاء الآباء أنّ الاحترام مُقدَّم على جميع الحاجات. إضعاف العقائد الحقة في النفوس ليس بالجرم العادي. ضعف الإيمان وبهوت رونقه في النفوس يرجع بالدرجة الأولى إلى تحقير الذات التي هي محل استقرار هذا الإيمان.
احترام الأبناء يعني في جانبٍ منه تعظيمهم دون تملقهم وتضخيمهم. التعظيم يتوجه إلى هذا البعد الجوهري الإلهي فيهم. هم نفخة الروح الإلهي ومستودع الخلافة الربانية ومشاريع إنسان كامل. لو لم نتوجه إلى شيء في أبنائنا سوى هذا الاستعداد والقابلية، لكان ذلك كافيًا.
الاحترام لا ينحصر إذًا في بعده السلبي وهو عدم الإهانة وعدم الإساءة، بل يقوم أيضًا على هذا التقدير والتبجيل. يصعب ذلك على من لا يرى في الأطفال سوى العيوب والأخطاء والحماقات. لكن هؤلاء الأطفال سرعان ما يدهشونا بعظمة ملفتة ونبوغ فريد حين نقدّرهم. يصبح الأمر بعدها مفروضًا. بهذه الطريقة يتعلم الإنسان كيف يفرض احترامه على الآخرين. والبداية تكون منّا كآباء وأمهات.
قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: "وقروا كباركم وارحموا صغاركم"، حكمة بالغة لأنها جامعة لكل أصول التربية الصالحة والمعاملة الحسنة.

تربية الأولاد
هذا الكتاب عرض مفصل لأهم مبادئ التربية وأصولها التي تغوص إلى أعماق النفس البشرية وتستكشف قواها وإمكاناتها العظيمة وحاجاتها الأساسية، دون أن يغفل النصائح العملية والتطبيقات المفيدة.إنه دليل مرشد لكل من يؤمن بهذه القضية كمسؤولية كبرى يجب أن يؤدي أمانتها إلى الله تعالى. تربية الأولادالكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبالطبعة الأولى، 2019حجم الكتاب: 17*17عدد الصفحات: 396نوع الغلاف: ورقيISBN: 978-614-474-082-8للحصول على الكتاب خارج لبنان، يمكن طلبه عبر جملون على الرابط: https://jamalon.com/ar/catalog/product/view/id/37164097او عبر موقع النيل والفرات على الرابط:https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb321957-312703&search=books

أولادنا..أسئلة حسّاسة، تحدّيات معاصرة
إنّ الهدف الأول .. هو مساعدة المربين على تبيّن المبادئ الأساسية التي تختفي وراء المعالجات المختلفة للمشاكل والأمور التي فرضتها الحياة المعاصرة.. وقد أردنا أن يكون هذا العرض نموذجًا ووسيلة لتعميق مقاربة هذه القضايا من زاوية المبادئ والأصول بدل الاعتباطية والسطحية. وكل رجائنا أن نكون قد ساهمنا في تفعيل الخطاب التربويّ بالاتّجاه الصحيح. الكتاب: أولادناالكاتب: السيد عباس نورالدينبيت الكاتب للطباعة والنشر والتوزيعالطبعة الأولى، 2019الحجم: 17*17عدد الصفحات: 396isbn: 978-614-474-083-5يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي النيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=0وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء

كيف أقوي صبري على تربية أولادي
إنني أم لثلاثة أطفال تحت السابعة من العمر، وغالبًا ما أجد نفسي غير قادرة على التحكم بغضبي فأصرخ عليهم.ما هو السبيل لأقوي صبري وعزيمتي لتربيتهم بشكل سليم وفي أجواء من الحب والسكينة؟

أخاف أن أخطئ في تربية إبني!
أم حريصة على تربية ابنها وفق الأصول التربوية الصحيحة، وتحاول أن لا تخطئ لكن الإنسان ليس معصومًا. فهي تخطئ في بعض التصرفات، فهي ترفع صوتها لتنهاه عن بعض الأمور لكنها تسارع لتحتضنه وتقبله. فهل هذا يكفي لإزالة أثر الصوت المرتفع عن نفسه. كما أنها لا تستعمل أسلوب الضرب أبدًا.

كيف أربي أولادي في بيئة يكثر فيها الكذب والاحتيال؟
أعيش في بيئة يستخدمون الكذب والاحتيال لتمرير أمور حياتهم اليومية البسيطة. لا أستطيع أن أواجههم بكذبهم لأنني أعلم ان ذلك نابع من الانزعاج واللؤم لا من الرأفة وطلب الإصلاح، لكن الأمر بدأ يتعبني ويمنعني من القيام بواجباتي، كما أنني أفكر كيف أربي أولادي في هكذا بيئة، فتغيير السكن غير ممكن... لا أعلم إذا كان الطلاق هو الحل أو أنّه ينبغي أن أصبر لأغير هذا المحيط، لكنني أتراجع أحيانًا نفسيًّا.. فماذا يمكن أن يكون الحل؟

نحو منهاج فعال في التربية (1)
مشروع لتغيير العالمالتقصير الأكبر بحقّ الأجيال إعداد مناهج مدرسية للتعليم العام في مجال المعارف الدينية يُعد اليوم من أهم المهمات التي يمكن أن تُحدث نقلية نوعية على مستوى المجتمع. لو نظرنا إلى أكبر مشكلة نعاني منها في مواجهة كل التحديات والتهديدات المستمرة الوجودية الحضارية الاقتصادية... نجد أن المشكلة الأساسية تتمحور حول جهل الشباب بقضايا الدين.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...