
في البحث عن قيادة الإمام الحسين
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب لماذا استشهد الحسين سبط الرسول
هكذا تصبح مهمة خليفة النبي الأكرم الانطلاق من إنجازات من سبقه من الخلفاء والبناء على إنجازات النبوة التي استطاعت إرساء قواعد بناء الأمة الواحدة على هوية القرآن. ولكي تُحفظ هذه القواعد ويعلو البناء، يجب تعزيز حضور القرآن عبر منع تحريفه وتأويله من قبل المُبطلين الذين وجدوا في كتاب الله وسيلةً لتثبيت حكومة الطواغيت.
فالإمام الخليفة يجب أن يحفظ وحدة الأمة لأنّها المحل الذي يحفظ القرآن، لكن بشرط أن تتّجه هذه الوحدة نحو القرآن أكثر فأكثر. فما فائدة الأمة الواحدة إن لم تكن عاملة بكتاب الله أو تسعى نحو تطبيقه أو تمتلك بالحد الأدنى القابلية لذلك؟!
إنّ قابلية الأمّة تتمثل في هذا التقديس والتعظيم، وإن خلا من أي معنى. فيومًا ما ستُثمر هذه القداسة رجوعًا إلى المُقدَّس بعد اكتشاف معانيه.
والإمام الحسين خليفة النبي كان عليه أن يبتكر الخطّة اللازمة لمنع تمزيق الأمّة وحفظ قداسة القرآن. وبهذه الخطة تظهر خلافته الحقيقية وولايته الإلهية؛ لأنّ الإمامة تُعرف بالأفعال لا مُجرّد الأقوال، وتظهر في حركتها القيادية وإن خفيت على الناس. ولكي نطّلع على أبعاد الخطة الحسينية وإنجازاتها، يجب أن نتعرّف على طبيعة الظروف الاجتماعية بعمقها الثقافي مع ما تمثله من إمكانات وفرص من جهة، وتحديات وتهديدات من جهة أخرى.
|| فالقيادة ليست أطروحة فكرية وإن انطلقت منها، بل هي عملٌ وتحرُّك يظهر في المواقف الكبرى خصوصًا.
وهكذا كانت عاشوراء رائعة الإمام الحسين وموقفه الأكبر الذي لخّص لنا تلك الخطة، فاستطعنا أن نتعرّف على أعظم قياده في التاريخ؛ قيادة واجهت أسوأ واقعٍ اجتماعي وأكبر تهديدٍ يُمكن أن يُحيق بالمشروع الإلهيّ. ولأجل ذلك، كان لا بدّ من القيام بأكبر تضحية يُمكن أن يقدّمها أولياء الله.
ومثلما كان يُفترض أن تُفهم قيادة هذا الإمام انطلاقًا من ثلاثية الإصلاح والنهضة والمشروع الإلهي، كان يُفترض أن نطّلع على الحيثيات الزمانية التي تظهر فيها تلك الفرص والتهديدات.
إنّ عظمة هذه القيادة إنّما تتجلّى في بعض المراتب التي يُمكن لنا أن نستوعبها حين نتمكّن من فهم إنجازاتها الاستراتيجية والتي نُعبّر عنها بحفظ الدين وبقائه، والتقدُّم في عملية ترسيخ قيمة الإمامة الإلهيّة مع حفظ نواة الوحدة الاجتماعية.
فقد نتمكّن من إدراك هذه الإنجازات فيما لو طرحنا على أنفسنا مثل هذا الأسئلة، وهي:
|| لو لم يقم الإمام الحسين بهذا العمل البطولي الملحمي، فكيف كان الدين الإلهي ليكون؟
|| وكيف كان مآل الأمة المسلمة؟
||وهل كانت الإمامة الالهية ستُعرف بعدها كما نعرفها اليوم؟
بعض هذه الأسئلة قد تمت الإجابة عنه، وإن خلت الإجابة من التوضيحات اللازمة. إنّ شعار "إن لم يستقم دين محمد إلا بقتلي فيا سيوف خُذيني"، أصبح أفضل تعبير عن هذه العلاقة بين هذه الملحمة الاستشهادية وبقاء الدين. ولطالما أشرنا إلى ضرورة الاطّلاع على جميع التجارب الدينية في العالم المُسلم والتي نأت بنفسها عن نهضة الحسين وقيامه. وإنّ أقل ما يُقال هنا هو أنّ أي تجربة اجتماعية ـ سياسية تحقّقت في العالم المسلم وعلى مدى التاريخ وهي لا تبني على عاشوراء كانت محكومة بالفشل، لأنّ قسمًا مهمًّا من فهم الدين الإسلامي يقوم على تفسير التاريخ وفهم محطاته الكبرى.
وهل يمكن بالوجدان والقيم والعقل أن نعتبر أمة مقدّسة، وهي تمر مرور الكرام على عملية التنكيل بحفيد مؤسِّسها الذي أطبق الجميع على علوّ منزلته وعظيم زلفته عنده؟؟
ما نبتغيه هنا هو فهم التاريخ ومساره، لأنّه لا ينفصل أبدًا عن فهم قيادة الأئمة الربّانيين خلفاء النبي الأكرم (ص). كلما جهلنا التاريخ ابتعدنا عن فهم هذه القيادة، فكيف إذا فسّرناه تفسيرًا خاطئًا!
إنّنا لا نشك لحظة واحدة في أنّ عُقم وفشل وإخفاق جميع التجارب الاجتماعية السياسية التي قامت على مرّ تاريخ المسلمين وما زالت تجري في عالمنا المعاصر، إنّما ترجع بالدرجة الأولى إلى عدم فهم التاريخ، خصوصًا القريب من عصر الرسالة؛ ويرجع أيضًا إلى البناء على تفسيرٍ مغلوط مُحرَّف له، يمنع زعماء تلك الحركات السياسية وأتباعهم من استلهام الدروس المطلوبة لعدم الوقوع في الفشل والهزيمة.
وإنّ أسوأ تفسير للتاريخ المُسلم هو الذي يُقدّم تلك التجارب الفاشلة المُقيتة المُمتزجة بالعار والفجور والانحرافات على أنّها تجارب إيمانية مرضية عند الله. ولا يمكن الوقوع في مثل هذا الاشتباه إلا بعد التمهيد بمقدمات عقائدية ومبررات تشريعية تجعل من تلك الانحرافات والجرائم والأخطاء أعمالًا مقبولة ومُبرَّرة ولازمة. فينشأ بعدها رؤية بعيدة كل البعد عن الدين الحق باسم الدين الحق.
هكذا تم استحداث مذاهب انطلاقًا من عقلية التبرير والتسويغ، التي اضطُرت إلى تزوير التاريخ من أجل تفسيره. ولن يكون من المبالغة أن نقول بأنّ كل ما بُني في تلك المذاهب من عقائد ورؤى ونظم، إنّما كان لخدمة ذلك التفسير. فالتاريخ صار المصدر الأول للاجتهاد والاستنباط والتفسير والتأويل.
وحتى داخل المذهب الذي لا يهمل واقعة عاشوراء، فإنّ العجز عن فهم موضعها من سيرورة التاريخ والمشروع الإلهي، قد أدى إلى العجز عن فهم أهم أبعاد الإمامة والغض عن الظواهر الساطعة في كتاب الله المجيد.. هنا تُصبح عاشوراء قضية في واقعة لا يمكن استخلاص الدروس الكبرى منها، فتسقط في سجن الطقوس العاطفية وتنحسر إلى بقعة المواسم الزمنية بدل أن تكون "كل يوم ٍعاشوراء، وكل أرضٍ كربلاء".
فإذا كانت عاشوراء رائعة الإمام الحسين والإنجاز الأكبر في الخطة الإلهيّة، فقد أضحى فهم الإمامة الربانية موقوفًا على معرفة موقعها التاريخي ودورها في مسيرة المشروع الرسالي. وأول ما نحتاج إلى معرفته هو أنّ الإمام الحسين قد ورث هذا المشروع وأُعين على وضع وتنفيذ خطته الربانية من قبل النبي الأكرم (ص) والإمام عليّ والحسن بن علي.
هذا ما يظهر جليًّا في الحديث عن عاشوراء والفاجعة والمصيبة عند هؤلاء المعصومين. فهل كانت أحاديثهم هذه مجرد تفجُّع وعزاء، أو كانت شخصيتهم القيادية تقتضي التعامل معها بالطريقة التي تُحوّلها إلى فرصة لتقدّم المشروع الإلهي.
إنّ معرفة النبي (ص)، بل حتى بعض أزواجه بما سيجري على حفيده على يد أُمّته، ومعرفة الإمام علي بذلك إلى حدِّ تعيين مكان هذه الفاجعة، ومعرفة الإمام الحسن(ع) بهول يومها في قوله: "لا يوم كيومك يا أبا عبدالله"، وهو يلفظ كبده الشريف من أثر السُّم الذي دسّه له معاوية؛ كل ذلك يُحتّم القول بأنّ هؤلاء القادة الإلهيين كانوا بصدد تبديل هذا الفصل الإجرامي المقضي إلى ما يخدم ثُلاثية المشروع الرسالي. وهذا يعني أنّنا أمام قائدٍ مُزوَّد بمقدّمات وإمكانات ورؤية وخطة قد أُعدت بمنتهى الدراية والأصالة الإلهية، بل وقد أُعدّت بيد الكيد السماوي لإحباط جرّ الأمة نحو السقوط الأبدي.
لو تأمّل أحدنا قليلًا لفهِم أنّ وصول أمة أي نبي إلى مرحلة ارتكاب مثل هذه الجريمة بحق وارثه، لهو تعبيرٌ عن نهاية انتمائها إلى غير رجعة. فماذا حدث حتى تمت إعادة هذه الأمة الهالكة الساقطة إلى جادة الطريق؟ بل ماذا فعل الإمام الحسين لمنع القضاء على الأمة، لا بل وترسيخ تلك الثلاثية والتقدُّم بها؟ وسوف يأتي الحديث عن أطوار ومراتب الأركان الثلاثة.
الشواهد التي لا تُحصى أكدت على عظيم الفاجعة في السماوات والأرض، وأشارت إلى فداحة الجريمة التي كان أقل منها يتوجب عذاب الاستئصال للأمم السالفة، من فعل المؤتفكات وجرائم فرعون وقتل ناقة الله وذنوب قوم لوط.
فلا يحتاج أهل القرآن إلى وحيٍ خاص ليصلوا إلى هذه النتيجة، وهي أنّ جريمة الأمّة بحق الحسين سبط النبي ينبغي أن تُسجّل عليهم كأفظع جريمة ارتُكبت بحق الأنبياء على مدى العصور. ولولا التدبير المُحكم والخطة الدقيقة التي تم وضعها وتنفيذها في عاشوراء للتعامل مع الفعل الحتمي لهذه الأمة، لكان يُفترض أن لا يبقى مُسلم على وجه الأرض في يوم عاشوراء نفسها.
إنّ مقدمات وصول هذه الأمّة لارتكاب مثل هذه الجريمة الأفظع هي التي نحتاجها لفهم التاريخ. فعاشوراء لم تكن أبدًا مجرد قرارٍ صدر من حاكم مستفَز، بل كانت خلاصة وصلت إليها الأمة كلها على مستوى ارتباطها بالقرآن والنبي والإسلام.
ومثلما كان النبي وأوصياؤه يُعدّون العِدّة لهذه الواقعة والمواجهة الكبرى، كان المُعسكر الآخر يجرى إعداده في حركة انفعالية تراكمية، بدأت منذ اللحظات الأولى للبعثة والدعوة النبوية الشريفة.
أجل، هناك فارقٌ نوعي بين جبهة الحق وجبهة الباطل في أنّ الأولى قيادتها فاعلة هجومية، والثانية منفعلة مُستفَزّة، وإن ظهر الأمر في كربلاء خلاف ذلك تمامًا. ورغم وجود الأحقاد والضغائن العشائرية التي تولّدت من أيام بدر وأُحُد والفتح، إلا إنّ أهل المعسكر الآخر ما كانوا بحاجة إلى خطة يجري إعدادها وتناقلها من جيلٍ إلى جيل، بل كل ما يحتاج إليه هذا المعسكر الذي استفحل أمره وسيطر على مقاليد الأمّة وأزمّتها هو الابتعاد عن وصايا النبي بشأن الخلافة والحكومة، لتصبح بعدها مُحتنَكة من قبل الشيطان. وما هو مصير أمّة يمسك بزمامها عدو الله الأكبر؟ وهل يمكن أن يُرجى لها خيرٌ وهي تتبع خطواته في ارتكاب أبشع ذنب وخطيئة في تاريخ الأنبياء؟
إنّ استيعابنا لدروس القيادة الحسينية يبدأ من فهم هذه النقطة المحوريّة، حيث يقوم هذا الإمام بفعلٍ يمنع نزول عذاب الاستئصال على أمّة النبي الأكرم(ص). والحقيقة هي أنّ استدراج معسكر الباطل إلى كربلاء وحمله على القيام بكل ما سمعنا عنه من مواقف الإجرام والتنكيل والفظاعة والجرأة، إنّما كان لأجل تجميع كل جرائمه في يومٍ واحد لمنع توسُّع جرائمه وامتدادها وانتشارها إلى الحد الذي تُصبح عادة رسمية لكل الحكومات الآتية. هنا حتمًا نفهم شيئًا من معنى فداء الإمام الحسين نفسه لأجل أُمّة جدّه الأعظم صلى الله عليه وآله. هنا ندرك أنّ هذا الإمام قد استدرج أولئك المنحطّين لارتكاب جريمة تحت اسم خلافة النبي والدين!

لماذا استشهد الحسين سبط الرسول؟
حقائق مذهلة حول عاشوراء..ما الذي ميّز نهضة الإمام الحسين(ع) عن غيره من الأئمة(ع) رغم أنّ هدفهم واحد وقضيّتهم واحدة؟لماذا كل هذا التأكيد على زيارة الإمام الحسين(ع) في جميع المناسبات، وهذا الثواب العظيم للبكاء عليه؟ماذا يعني شعار: "كل يوم عاشوراء، كلّ أرضٍ كربلاء"؟ وكيف يمكن أن نطبّق هذا الشعار في حياتنا، فنتصل بعاشوراء ونكون حسينيّين؟ما الجديد الذي يقدّمه لنا هذا الكتاب؟ لماذا استشهد الحسين(ع) سبط الرسول(ص)؟ الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 136 صفحةالطبعة الأولى، 2018م السعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي: القرّاء ككل شيء جميل يمضي تاركًا فينا أثرًا، كان هذا الكتاب..ترددت قبل قرأتي لهذا الكتاب فعلى غلافه الخلفي دُوّن أنه "للشباب من 14 إلى 18 "ولكل من فاتته فرصة الشباب"، فقلت في نفسي أصبح عمري 23 عامًا لقد أصبحت كبيرا على هذا الكتاب، ولكنّي قرأته بعد تشجيع أحد الأصدقاء وأدركت حينها أنّي ممن فاتته فرصة الشباب، وأدركت أني لا أعرف شيئا عن جوهر عاشوراء ومعانيها العميقة. ولعل أكثر فكرة رسخت في عقلي هي المقطع الأخير عن إتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب وضرورة عدم الإبتعاد عن قضايا الحياة الكبرى وعدم التلكؤ أو التقاعس. ع. مكّي

الإمام الحسين(ع) هو الفادي الأكبر
كيف نستقبل هذا الفداء؟ وكيف نحافظ عليه؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...