حين نعاني من طباع شريك حياتنا
فلنبدّل الاختلاف إلى متعة

السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب شركاء الحياة وكتاب الزواج في مدرسة الإيمان

نحن البشر نكره الطباع السيئة؛ ببساطة لأنها مزعجة. يصبح الأمر أكثر إزعاجًا حين يكون شريك حياتنا مطبعًا، أي صاحب طبع سيئ لا ينفك عن الظهور بكل المناسبات. الانزعاج سيظهر على لساننا وتصرفاتنا، فتتولد المشكلة ويبدأ الشجار. الشجار يكبر ويحتد ويُمكن أن يؤدي إلى قطيعة.

يصعب علينا كبشر الاعتراف بطباعنا السلبية، لأنّها أولًا جزءٌ أساسي من شخصيتنا التي نشأنا عليها منذ الطفولة. حين يعتاش المرء مع مرض لمدة طويلة لن يشعر به بعد مدة. وثانيًا لأنّ هذا بالنسبة لنا اعتراف بالعجز والضعف.

 نتعجب من شدة انزعاج من حولنا بسبب ما يصدر منا نتيجة هذا الطبع، ونعتبرهم يُضخّمون الأمر. وأحيانًا قد نلجأ إلى الوسيلة المعروفة ـ وهي أفضل وسيلة للدفاع ـ الهجوم. يصبح الأمر أسوأ من ذي قبل، لأنّه يجمع بين الطبع السيئ والمكابرة. لا شيء يُعقّد الحياة الزوجية مثل وضع هذه الحدود. يلجأ كل طرف إلى حصنه ويتقوقع داخله بانتظار فرصة الهجوم للدفاع عن النفس. تُصبح الطباع السيئة أمكنة تنطلق منها النيران بكل الاتجاهات.

مشكلة الطباع أنّها تكون مغروزة في عمق النفس، ولا يُمكن التخلُّص منها إلا بواسطة المجاهدة التي تنطلق من اعتقادنا وإيماننا بضرورة السير التكاملي. وهذا ما لا يقوم به إلا القليل النادر من الناس. قد تكون النصيحة البديلة عن مطالبة شريك حياتنا بمجاهدة نفسه تحمّل طباعه من خلال عدم السعي والإصرار على تغييره. يقل تأثير الطباع السيئة كثيرًا من خلال الالتفاف عليها وغض النظر والتغافل والتحمّل. أنا شخصيًا أعرف أشخاصًا استمر زواجهم حتى آخر العمر رغم وجود هذا الاختلاف الحاد في الطباع، وذلك بفضل انتهاج سياسة غض النظر. كان هذا الزواج ناجحًا بحسب أهم المعايير.
باستطاعتنا أن نستثير هذه الطباع عند الطرف الآخر، وباستطاعتنا الحد منها كثيرًا. لماذا نجلب لأنفسنا الغم والهمّ ونحن قادرون على اجتنابه. كل ذلك يعتمد على تلك النظرة العقلانية للحياة التي تعترف بوجود مثل هذه النقائص عند البشر كجزءٍ أساسي فيها. إصرارنا على تجاهل هذه الحقيقة لا يجلب لنا سوى التعاسة. 

إن استطعنا أن نُقنع شريك حياتنا بأهمية السير والسلوك ستكون مجاهدة النفس للتخلص من الطباع السيئة على رأس لائحة اهتماماته. لكن هذا أمرٌ يحتاج إلى مهارة خاصة وتوفيق كبير. وبالتأكيد يبدأ كل هذا من أنفسنا. قدرتنا على المسامحة والتغافل غالبًا ما تنشأ من سيرنا المعنوي ونظرتنا العميقة للعالم الروحي. 

لا يقدر المرء على تجاوز أخطاء الآخرين وإساءاتهم بحقه إلا إذا كان زاهدًا حقًا. التجاوز الذي ينشأ من عقدة الحقارة سُرعان ما يتفجر بركانًا يُدمّر كل شيء من حوله.

رغم أننا قد نشير أحيانًا إلى المنشأ الوراثي لطباع الشريك، وذلك في محاولة منّا للتحمُّل والإذعان، لكن هذا لا يساعدنا كثيرًا. يتألم الزوج حين يعلم أنّ زوجته تراه هكذا، ولو كان قصدها في الباطن عدم ملامته. يحب الأزواج شركاء حياتهم الذين يؤمنون بهم. هذا الإيمان الذي يعني أنّ بإمكانهم أن يكونوا أفضل.
إذًا، التجاوز والتغافل لوحده لا يكفي، بل يجب أن يكون مصحوبًا مع تلك الدعوة المُبطّنة نحو الأفضل والأكمل. لا يمكن معرفة مدى تأثير هذا الإيمان إلا بعد أن نشاهد نتائجه. أسوأ الناس قد يتحول إلى إنسان صالح بفعل إيمان شريك حياته به وتشجيعه المُبطّن له.
إن لم يكن هذا التحوُّل أثمن ما في الزواج، فما الذي يمكن أن يكون؟