
نحو فتح آفاق العلم
وكيف تتشكل ذهنية الفقيه
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب أي مجتمع نريد
عرّف بعضٌ مهمة علم الفقه والشريعة بالكشف عن أحكام الله فيما يتعلّق بشؤون الحياة اليومية والمسائل التي يُبتلى بها الناس. لكن هذا التعريف قد يؤدي إلى جعل هذا العلم المصيري علمًا انفعاليًّا حين يتحدّد في مقارباته واهتماماته ضمن دائرة شؤون الناس ومسائلهم. بينما المطلوب في الحقيقة هو الكشف عن أحكام الله بمُعزل عن ابتلاءاتنا وشؤوننا، ممّا يؤدي إلى رسم معالم الحياة التي يريدها الله تعالى. يُفترض بعلم الفقه أن يكشف عن خطة الله للبشر.
شريعة الله يمكن أن تبتلي الناس بقضايا لم تكن لتخطر على بالهم ولو عاشوا آلاف السنين في هذه الدنيا يختبرون ما فيها من بلاءات وقضايا. وبعبارةٍ أخرى، يُفترض وجود إرادة لله تعالى ترتبط بتشكيل حياة فردية واجتماعية وكونية لا يمكن التوصل إلى تفاصيلها بمعزل عن وحيه وشريعته. وهذا ما ينبغي أن يتوجه إليه الفقيه في اجتهاده.
وحين نحد الفقه والأحكام بالموضوعات والأسئلة التي يطرحها الناس، فمن شأن ذلك أن يحرفنا عن شريعة الله من حيث لا نريد. فإذا تجاهل الناس بعض الشؤون المهمة (كما حصل على مدى التاريخ) أو قلّصوا اهتمامهم بها إلى أدنى حد وذلك لطبيعة النظام الاجتماعي السائد، ثم قام الفقيه بتقديم شريعة مبنية على تلك الشؤون والاهتمامات، فسوف يظهر الإسلام كدين محدود وضيق حتمًا. ومن شأن هذا النقص أن يؤدي إلى توجيه حركة الناس نحو مسارات لا يرتضيها الله تعالى ولا توصل إلى أهدافه.
هذا ما حصل على مدى العصور، وهو ما يحصل اليوم، خصوصًا على صعيد المسائل الاجتماعية والبيئية. ولا مبالغة إذا قلنا بأن هذا هو أحد أهم أسباب تخلّف المسلمين وعجزهم عن مواجهة استحقاقات التحولات العالمية.
نظرة الفقيه (الذي يسعى لاستنباط الأحكام الإسلامية من مصادرها الأصيلة) إلى المسائل والقضايا والشؤون والموضوعات تلعب دورًا بارزًا في تحديد توجهاته العلمية واهتماماته الاجتهادية. وهذه النظرة سرعان ما تتحول إلى رؤية يحكم من خلالها على هذا العالم وعلى الحياة والمصير، ويتحدد بواسطتها نهج يبني عليه إن هو نزل إلى ساحات الحياة وميادين الإدارة والقيادة؛ هذا، بالرغم من إصرار هذا الفقيه على التعامل بطريقة تجزيئية بعيدة كل البعد عن فقه النظرية أو فقه المقاصد وأمثالهما.
هناك ما يشبه الحكم العام الذي يخضع له كل فقيه أثناء استنباطه، إنّه بمثابة الضوء الذي يسلّطه على الموضوعات، وهو الذي عبر عنه بعض العلماء بالذائقة أو الشامة الفقهية، حيث سينال الفقيه بسببها درجة من الروح العامة الجوهرية للدين والشريعة. وإنّما يكون لكل فقيه من هذه الروح نصيب بحسب التوفيق الذي ينتظره جراء إخلاصه في استنباط الأحكام وسعيه لخدمة الدين.
تارة يصل الفقيه إلى هذه الرؤية من خلال مجموع الأحكام التي توصّل إليها. وأغلب الفقهاء يُحجمون عن الإعلان عن أي نظرية في هذا المجال، رغم قوة حضور النظرية في أذهانهم وتأثيرها على فتاواهم وقراراتهم خصوصًا في مجال الإدارة والقرارات العامة التي لا تتطلب منهم تقديم الدليل والاستنباط. وهذا الانحياز الطبيعي أو التأثُّر المبطّن هو الذي يحدد ذائقته الاجتهادية. نجد مثل هذا عند البعض في إحجامهم عن مخالفة المشهور رغم توصُّل دليلهم إلى خلافه. ما يدفع هذا الفقيه نحو عدم مخالفة مشهور الفقهاء شيء نعبر عنه بالرؤية أو الروح العامة أو الذائقة.
وحين تنبثق هذه الرؤية مما يتركب من مجموع الأحكام في كل أبواب الفقه أو بحسب كل باب، فمن الطبيعي أن تتحدد هذه الرؤية بحسب هذا المجموع؛ وقد تكون من القوة بحيث تقفل على أي رؤية أخرى لشدة استغراق هذا الفقيه في هذه الأحكام. وقد سمعنا فقهاء يقولون إنّه لم يبقَ في الحياة من موضوع إلا وقد بينت الشريعة أحكامه. ومقصودهم من كلمة الشريعة هنا مجموع التشريعات التي ظهرت في كتب الفقهاء واستنباطاتهم ورسائلهم العملية. فلا شك بأنّ الشريعة في أُصولها قد بيّنت أحكام كل شيء حتى الأرش في الخدش، لكن ذلك لا يعني أنّه قد تم الكشف عنها واستنباطها.
تظهر المشكلة بقوة حين يدخل المتدينون إلى ساحات جديدة لم يخبرها من كان مثلهم ممن سبقهم. فإذ بالضعف والفراغ يظهر بوضوح وينبثق معه أيضًا الخلاف العميق الذي ينشب بينهم ويشدهم نحو اشتباك محموم.
خذ على سبيل المثال قضية الوطن القومي وما يرتبط بالحدود والجنسية وتحديد دخول المُسلم من الوطن الآخر إليه. أو خذ على سبيل المثال قضية فهم الآخر ومعرفة أفكاره ودينه. تجد السائد في أذهان المتشرعين حرمة طرح الأفكار المخالفة في المناهج التعليمية وفي المدارس والجامعات تحت عنوان حرمة نشر وترويج الضلالة. وبسبب هذا السائد يزداد تخلفنا وضعفنا حين نعجز عن فهم الآخر والتواصل معه والانتباه إليه ومحاورته. فمن الذي يمكن أن يشك من العقلاء بضرورة معرفة الآخر لتوقي شره في الحد الأدنى، فما بالك بهدايته أو الاتفاق معه! ونحن هنا لا نتحدث عن معرفة نخبة من أهل العلم والفكر، بل نتحدث عن جماعة بشرية يُفترض أن ينتشر فيها الوعي تجاه الآخر في زمنٍ يُراد فيه أن يكون للناس والجماهير الدور المحوري في المواجهة والتقدُّم والعمل.
أردتُ من خلال هذا العرض أن أدخل في ذهن هذه الفئة التي لا يزال لها الدور الأبرز في القرارات والقيادة والإدارة. وهي فئة لا يُستهان بها تنطلق من فهمها الخاص للدين والشريعة دون أن تُدرك حجم الخسائر وتضييع الفرص التي نُبتلى بها جراء عقليتها وذهنيتها. عسى أن يوفق الله المسلمين من أهل الفقه والاستنباط للمزيد من التقدُّم على طريق الوصول إلى روح الدين ونهجه ورؤيته الشاملة.
ما لم يتعرّف الفقيه على شؤون الحياة انطلاقًا من تلك الرؤية الإلهية الشاملة، فمن المتوقع أن يستنبطها مما توصل إليه من فقهٍ منفعل ومحدود، فيؤدي به ذلك حكمًا إلى الانفعال والمحدودية.

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

الاجتهاد الجماعي... ودوره في الانتقال بالإنتاج الفقهي إلى آفاق غير مسبوقة
هناك عدّة عوامل تؤدّي إلى نضج الفقه وارتقائه إلى مستوًى يجعل الفقيه يرى الفقه أكثر تطوّرًا ودقّةً وعمقًا. ففقهاء اليوم، ومع اعتزازهم بالقدماء والأقدمين من نظرائهم، يعلمون أنّ الاجتهاد وصناعة الفقه والتحقيق الفقهي قد مر بمراحل من التطوّر النوعي الذي يجعل الاجتهاد على الطريقة القديمة غير مقبول. تمتع قدامى الفقهاء بمجموعة من الخصائص والميزات الخاصة على صعيد الاجتهاد، منها قرب عصرهم وزمانهم من عصر المعصوم، مما كان عاملًا مساعدًا لفهم حيثيات ترتبط بمعرفة الأحكام بطريقة لا تتطلّب بذل الكثير من التحقيق والتدقيق الذي يحصل اليوم. يعرف فقهاء زماننا ومجتهدو عصرنا هذه الميزة جيدًا ويعتزون بها ويعتمدون على نتائجها في العديد من الحالات. لكن حين يأتي الحديث عن الاجتهاد والاستنباط، وتبدأ المقارنة بين عملية الاجتهاد والتحقيق التي كان يقوم بها الفقيه منذ ألف سنة مثلًا، وما يقوم به الفقيه اليوم، نلاحظ أن تطوّرًا نوعيًّا قد حصل على مستوى البحث والتحقيق.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...
مجالات وأبواب
نحن في خدمتك

دورة في الكتابة الإبداعية
الكتابة فن، وأنت المبدع القادم دورة مؤلفة من عدة فصول نواكبك حتى تنتج روايتك الأولى