
حول تنزيه النفس وخطره
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب إشراقات الروح
"اللهم لكَ الحمدُ على سِتْرِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، ومُعافاتِكَ بَعْدَ خُبْرِكَ، فكلُّنا قدِ اقتَرَفَ العائِبةَ فلَم تَشهَرْهُ، وارتَكبَ الفاحِشةَ فلَم تَفضَحْهُ، وتَسَتّرَ بالمساوئِ فلَم تدْلُلْ عليهِ".
تجارب الحياة تقدم لنا تغذية راجعة بشأن أنفسنا في كل المجالات التي نخوضها. لكن إن كنّا سنعرف أنفسنا من خلال التجربة فقط، ربما نقع في خطرٍ عظيم.
في هذه الحياة مواقفُ تحدٍّ تُمتحن فيها تقوانا. الكثير من الادّعاءات السابقة بأنّنا سنفعل أو لن نفعل تنكشف في ساحات التحدي. وبعدها قد نعتبر من هذه التجارب ونُحدّد بدقّة مدى قوة التقوى في أنفسنا؛ نخاف بعد ذلك من الوقوع مجددًا في تلك الأخطاء التي كنّا ندّعي استحالة ارتكابها ونتواضع إلى حدٍّ ما، وقد نستبعد ارتكاب أخطاء ربما لا تخطر على بالنا أو تميل إليها نفوسنا، لأننا بكل بساطة لم نرتكبها أبدًا.
هذا الاستبعاد هو الذي نُعبّر عنه بتنزيه النفس. وهو ما يمثّل خطرًا عظيمًا، قد تكشف الأيام المستقبليّة عن مصيبة الوقوع فيه.
لا شك بأنّ استبعاد ارتكاب بعض الأخطاء له دورٌ مهمٌّ في اجتنابها، لأنّ الاستبعاد ينشأ من الاستقباح، والاستقباح يؤدي إلى النفور، والنفور يؤدي إلى الحذر والاجتناب. لكن قد يكون الاستبعاد ناشئًا من محل آخر وهو تنزيه النفس عن إمكانية التورُّط بمثل هذا الخطأ أو ذاك.
هذا التنزيه يرجع بالدرجة الأولى إلى الجهل بحقيقة النفس التي هي عين العجز والضعف. ومع العجز والضعف المُطلق تبرز إمكانية اقتراف أي خطأ مهما كان فظيعًا.
إذا أراد الله بعبده خيرًا وفقه لمعرفة نفسه على الحقيقة، وإن أراد به شرًّا أنساه نفسه، {نسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُم}.[1]
إنّ معرفة حقيقة النفس هي الشرط الأول لمعرفة الرب على طريقة العلم الحضوري والشهودي والقلبي. ولأنّ الله تعالى لا يُعرف بذاك النوع من المعرفة كما هو حقُّه على العباد إلا عن طريق الحضور والمُشاهدة، فإنّ الغفلة عن النفس والجهل بها سيكون مانعًا من تحقُّق هذا الهدف الأسمى الذي بُعث من أجله كلُّ النبيين.
ليس من الضروري أن يرتكب أحدنا أفظع الجرائم حتى يدرك باليقين مدى ضعف نفسه وعجزها، لكن عدم استبعاد ارتكاب تلك الفظائع يكون عاملًا مهمًّا على طريق هذه المعرفة الوجدانية. ننفي الاستبعاد ونحتمل ارتكاب ذلك الذنب العظيم حين نعتبر من سقوطنا واقترافنا لآثام ما كان يخطر على بالنا أنّنا قد نفعلها. يكفي ذلك لأخذ العبرة والدرس الأكبر. لكن إن غفلنا عن أسباب هذا السقوط ونزّهنا أنفسنا مرة أخرى وأحلنا الخطأ إلى عوامل خارجة عن النفس، فهذا يعني أننا قد نحتاج إلى صدمة أكبر، نعوذ بالله.
إن دار الأمر بين أن ننزّه أنفسنا (مع ما يعنيه هذا من جهل بحقيقتها) وبين أن يخلّي الرب المتعال بيننا وبين المعصية المُستبعدة، وكان الله يحب لنا أن نعرفه، فلنتوقع مثل هذا السقوط أو ما يقرب منه.
فقط أولئك الذين يريد الله لهم أن ينتقلوا من هذه الدار عُميًا، قد يعصمهم عن ارتكاب الذنوب وهم لا يعرفونه حق المعرفة.
العجز والضعف المُطلق لا يتجلّى فقط في عجز الأبدان وضعفها عن القيام بما تريده النفوس، بل إنّ هذا العجز يتجلى بأعلى مراتبه في الضعف عن مقاومة الإغراءات في بعض الحالات رغم شدة قبح ما ينجم عنها. ولذلك، كانت معركة الإنسان مع المعاصي في مسير التقوى رحلةً لاكتشاف نفسه من أجل معرفة ربّه.
وما لم ندرك حقيقة العجز المُطلق الذي يعني عدم امتلاك أي نوع من القدرة الذاتية، فلن نعرف القدير المُطلق الذي يمد عباده ومخلوقاته بالقدرة لا على نحو التفويض كما تصور الجاهلون، بل على نحو الفيض المستمر.
في رحلة التقوى هذه يكتشف السالك هذا الخط الدقيق للإمداد الإلهي الذي يتوفر له في ساحة مجاهدة النفس بالتقوى بما لا يتوفر في أي ساحة أخرى، مثل ساحات الجهاد والرزق؛ وذلك لأنّ معركة التقوى ضد الذنوب لا تنحصر في عمل الجوارح تحت وطأة الإغراءات والضغوط، بل تمتد إلى قاع النفس حيث الأفكار والأوهام والرغبات والميول. وفي هذه الساحة قد نرتكب أكبر خطأ في حياتنا حين ننزه أنفسنا عن بعض المعاصي.
[1]. الحشر، الآية 19.

عشر قواعد لحياة روحية عظيمة
عشر قواعد أساسيّة تدلّنا على كيفية الوصول إلى حياة روحانية صاخبة فوّارة طيّبة مفعمة بالنشاط والاندفاع. 10 قواعد لحياة روحية عظيمة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 160 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 7.5$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

فعّل طاقاتك الكامنة
ما يسعى اليه هذا الكتاب هو ان يكون دليلاً مرشداً للانطلاق في الآفاق الواسعة لمعرفة النفس وتفعيل قواها فعّل طاقاتك الكامنة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 368 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$

إشراقات الروح
لقاء الله هو الغاية القصوى من حركة الكائنات. لقاء الله هو الوجه الأبرز للمعاد الذي يعني العود إلى المبدأ. لقاء الله هو الحقيقة الكبرى التي ستتجلّى يوم القيامة.لقاء الله هو الهدف الأسمى لسير السالكين ورحلة العابدين ووجود المسلمين.فكيف سيكون هذا اللقاء؟ وكيف ينبغي أن نستعد له؟ إشراقات الروح الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 160 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-036-1 السعر: 10$
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...