
القيمة الحقيقية لأنشطتنا الاجتماعية والسياسية
في البحث عن سر النجاح الأكبر
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب كيف يُصنع القادة المميزون
تتبلور الأنشطة الإنسانية في المجالات الاجتماعية وتظهر في جهاد الأعداء والدفاع عن الأوطان والعمل السياسي وقيادة المجتمع وفي المؤسسات التربوية والإعلامية والخدمات العامة والمشاريع الاقتصادية وغيرها. وبحمد الله، لقد أضحت هذه الأنشطة اليوم وعند جمهورٍ واسع من المؤمنين أولوية تتوقف عليها بقية الأعمال والعبادات بحسب تفقههم ورؤيتهم، وذلك على قاعدة "إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم"،[1] كما جاء عن رسول الله(ص).
إنّ هذا التحوُّل الجوهري في منظور المتدينين والذي انبعث بشكل واسع بفضل نهضة الإمام الخميني (س) يحتاج إلى تكميل، وإلا انحرف عن مساره الصحيح. وإنما يكتمل ويكتسي الروح المطلوبة حين يتطلع العاملون فيه إلى القيمة الأساسية التي يريدها الله تعالى له.
إنّ طبيعة الأنشطة والأعمال الاجتماعية العامة هي ذات صخب وضجيج كبير؛ ويعلو هذا الضجيج كلما ظهرت آثاره في الحياة الاجتماعية وانعكس في الإعلام العام. وفي هذه اللجة قد يفقد العاملون القدرة على التشخيص الدقيق لما هو صائب. ولا إصابة إلا في ظل المعايير الإلهية.
الكوارث والتفجيرات المدوية والانتخابات ذات المحادل وتغيير الحكومات وتشكيل الجيوش المؤلفة أو المظاهرات المليونية، كل هذه تُعتبر على الصعيد الإعلامي وفي العرف الاجتماعي السائد أحداثًا كبرى يتم تسجيلها لمصلحة فاعلها كأعمالٍ عظيمة. لكن هل هي كذلك عند الله؟ وما الذي يحدد عظمتها الواقعية؟
بالرجوع إلى الحقائق الأساسية للوجود يتّضح لنا أنّ سر وجود البشر على هذه الأرض يرتبط بالدرجة الأولى بعملية بناء الإنسان الرباني الذي يتحرك على طريق التخلُّق بأخلاق الله والاتصاف بصفاته الحسنى. وحين لا يتحقق هذا الهدف لن يكون هناك أي قيمة لحياة الإنسان ومشاريعه وإنجازاته مهما كانت. فالأعمال المرضية عند الله (وهذا سر النجاح) هي التي تكون وسيلة لتحقُّق هذه الغاية، سواء كانت فردية أو اجتماعية.
قيمة المؤسسة العسكرية ليست في استقطابها وتجنيدها للآلاف أو في دحرها للأعداء أو ردعهم عن غزو الأوطان، إلا إذا كانت هذه الإنجازات مقدّمة لصناعة الإنسان وبنائه، ولو بعد حين. وهذا الأمر ينطبق بصورة مؤكّدة على المؤسسات التي تكون بطبيعتها وهويتها محلًّا لصناعة الإنسان، كالمؤسسات التربوية والتعليمية.
من السهل أن يُقال إنّ وجود هذه المؤسسات والمشاريع الاجتماعية يُفترض أن يؤدي حكمًا إلى تلك النتائج المعنوية؛ لكن هذا الكلام قد يكون بعيدًا عن الواقع كل البعد، خصوصًا إذا كان أداء هذه المؤسسات مخالفًا لروح الغاية، وعاملًا سلبيًّا أمام تحقُّقها.
هذا الكلام يُشبه القول بأنّ مجرَّد وجود البُنية الجسمانية للإنسان كفيلٌ بانبعاث الروح وتألُّقها. صحيحٌ أنّ النفس جسمانية الحدوث وهي مدينة بالكامل لهذا الجسد في انبعاثها، لكن وصولها إلى مقام الروح الذي يليق بالإنسان ـ لا الروح النباتية والحيوانية، بل روح القدس ـ يعتمد على ذلك الوعي والإرادة والسعي الهادف.
قد تصبح الأنشطة الاجتماعية ومؤسساتها من موانع وعقبات هذا الطريق؛ ومن لا يدرك هذا المعنى فكأنه لم يقرأ التاريخ ولم يطّلع على تجارب الأمم المختلفة.
إنّ حضور هذا الهدف الإلهي في خطط المؤسسات العامة ومشاريعها شرطٌ أساسي لصحة سيرها وصوابية برامجها. ويجب أن تُقاس كل هذه الأعمال بمقياس "صناعة الإنسان" وفق المعايير الإلهية الإسلامية. وبحمد الله، فإن اكتشاف هذا المقياس وتعييره ليس بالأمر المستحيل، حتى يُقال بأنّ صناعة الإنسان الكامل مهمة تتجاوز نطاق عمل المؤسسات والأنشطة العامة. فالمطلوب بالذات هنا هو رسم المسار والتحرُّك عليه أكثر من تحقيق الهدف. وفي كل مسار هناك بداية ومراحل حتى النهاية.
لأجل ذلك يمكن أن نتحدث عن مؤسسة ترسم في أدائها ومشاريعها مسارًا لبناء الإنسان حتى لو كان هذا الهدف العظيم بعيد المدى أو يفوق قدراتها وإمكاناتها.
غالبًا ما ينصرف ذهن بعض مسؤولي المؤسسات عند طرح هذه القضية إلى ضرورة وجود عارف كامل يساهم في التربية والتهذيب داخل المؤسسة ويتولى مهمة البرامج الروحية، وبعدها يُقال لأنّ هذا الشيخ المرشد غير متوفر، فنحن غير ملومين.
هذا ما يعيدنا مرّةً أخرى إلى البحث المرتبط بدور المرشد المربي وضرورته. حيث انقسم أهل الفكر هنا إلى من يقول بضرورة وجوده منذ بداية السلوك (حيث سيبدو كلامهم مثاليًّا جدًّا وبعيدًا عن الواقع)، ومن يقول بعدم ضرورته مطلقًا (وهذا ما يُخالف أبسط قواعد العقلاء في الحياة). في حين أنّ من يطّلع على ما قيل بشأن عمل المرشد الكامل ودوره المحوري يُدرك أنّ الكثير مما ينبغي أن يتحقق في البدايات يمكن أن يتحقق مع عدم حضوره بصورة مباشرة، بمعزل عن العناوين التي تُطلق عليه والتسميات.
وهكذا يمكن للمؤسسات الاجتماعية بمختلف مجالاتها أن تؤدي دورًا مهمًّا في تحقيق مغزى وجودها بالتوجه إلى ما يمكن أن تحققه على صعيد بناء الإنسان؛ وذلك حين تصبح هذه القضية أولوية فيها، فلا تتغلب تلك النزعة الإدارية الكمية على معنى الكيف والنوعية وتسحقها.
عند بناء أي مؤسسة، إن دار الأمر بين استقطاب ألف شخص دون تحقيق هذا الهدف وبين صناعة شخصين فقط، يجب أن نكون مطمئنين إلى أنّ الثاني هو الأهم والأولى. وحين تصبح هذه الأولوية حاكمة على ذهنية المدراء والمسؤولين والقادة، فسوف تنفتح أمامهم أبواب الإنتاج الكمي والاستقطاب العددي والتوسع الشكلي أكثر من أي وقت مضى.
هذا هو سر النجاح والتوفيق في أي نشاط عام من مقاومة أو تعليم أو إعلام أو اقتصاد أو سياسة وغيرها. ومع هذا السر لن يكون هناك حدود للمدد الإلهي، فلله جنود السماوات والأرض.
[1]. الأمالي للطوسي، ص522.

عهد أمير المؤمنين إلى القادة والمسؤولين
يعيد الكاتب تبويب هذا العهد المشهور الذي يعد أول وأجمع وثيقة في ادارة المجتمع المسلم وقيادته، ويشرح أفكاره بأسلوب عصري يتناسب مع التحديات والمسائل التي يواجهها المسؤولون في مختلف جوانب الادارة والقيادة. عهد أمير المؤمنين(ع) إلى القادة والمسؤولين الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 184 صفحةالطبعة الثانية، 2008م يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي: النيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=0وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء

كيف يصنع القادة المميزون
الهدف الأساسي لهذا الكتاب هو تمكين أي إنسان للبدء من النقطة الصحيحة في عملية بناء نفسه، ليكون قائدًا ناجحًا؛ مهما اختلفت ساحات العمل التي يخوض فيها. كيف يُصنع القادة المميّزون الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 264 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 8$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

العنصر المحوري لنجاح أي إدارة.. كيف نبني مؤسساتنا على تقدير الكرامة الإنسانية
لمّا كانت الإدارة تعني حسن توجيه الموارد بما يتناسب مع الأهداف، كان لا بد من الوقوف مليًّا عند الموارد ومعرفتها لاكتشاف طبيعة عملها وتفاعلها. ولا شك في أن أعظم الموارد هي الطاقات البشرية التي يُفترض أن تكون بمثابة المحرّك لغيرها من الموارد.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...