
ابحثوا عن كلّ المصائب في اللغة
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب كيف أجعل القرآن قائدي
جاء عن الإمام الصادق(ع): "يَا مُفَضَّلُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ بِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ هَذَا الْمَنْطِقِ الَّذِي يُعَبِّرُ بِهِ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ وَمَا يَخْطُرُ بِقَلْبِهِ وَيُنْتِجُهُ فِكْرُه وَبِهِ يَفْهَمُ عَنْ غَيْرِهِ مَا فِي نَفْسِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهَائِمِ الْمُهْمَلَةِ الَّتِي لَا تُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهَا بِشَيْءٍ وَلَا تَفْهَمُ عَنْ مُخْبِرٍ شَيْئًا. وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ الَّتِي بِهَا تُقَيَّدُ أَخْبَارُ الْمَاضِينَ لِلْبَاقِينَ وَأَخْبَارُ الْبَاقِينَ لِلْآتِينَ، وَبِهَا تُخَلَّدُ الْكُتُبُ فِي الْعُلُومِ وَالْآدَابِ وَغَيْرِهَا وَبِهَا يَحْفَظُ الْإِنْسَانُ ذِكْرَ مَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ وَالْحِسَابِ وَلَوْلَاهُ لَانْقَطَعَ أَخْبَارُ بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ عَنْ بَعْضٍ وَأَخْبَارُ الْغَائِبِينَ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَدَرَسَتِ الْعُلُومُ وَضَاعَتِ الْآدَابُ وَعَظُمَ مَا يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْخَلَلِ فِي أُمُورِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَى النَّظَرِ فِيهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ" [توحيد المفضل، ص79]
إنّ تفاعل شعوبنا المسلمة مع القرآن ومع تراثها الديني كفيل ببعث حياتها من جديد واستعادة مسارها الحضاري؛ لكن هذا التفاعل دونه عقبات، أهمها وأوّلها عامل اللغة.
يجب أن نعترف بأنّ هذه الفجوة الكبيرة بين الجيل الحالي والقرآن إنّما ترجع بالدرجة الأولى إلى الضعف اللغوي البياني المُزمن.. إن أردنا أن نُقرّب الفكرة إلى الأذهان، علينا أن نتصوّر أي عربي في عصر النزول ونُقارنه مع العرب اليوم؛ حيث كان مُجرّد سماع كلام الله كافيًا لإحداث هزّة عميقة في نفس ذلك العربي، وهو أمرٌ أبعد ما يكون اليوم عن عامّة العرب. العربي الأول كان يُدرك بسرعة سحر البيان القرآني الذي كان يتجلّى له إعجازًا يستحضر وجود عظمة إلهية.
إن اعتبرنا أنّ عرب ذلك العصر كانوا عمومًا في المستوى الأعلى للغة العربية، فإنّ عرب اليوم قد ابتعدوا عن هذا المستوى بدرجةٍ مُخيفة، وإن كان هذا الابتعاد مختلفًا بين بلدٍ وآخر (ربما يُمكننا تصنيف لبنان في أسفل القائمة).
لابتعاد العرب عن لغتهم عوامل تاريخية اجتماعية سياسية متشعّبة؛ لكن المفارقة هي أنّ عرب العصور اللاحقة لنزول الوحي قد هجروا القرآن فهجرتهم اللغة، في حين أنّ عرب اليوم قد هجرتهم اللغة فهجروا القرآن!
المستوى اللغوي العالي لعرب صدر الإسلام كان ميزة مفروغًا منها؛ ربما لم يضطر النبي الأكرم (ص) إلى العمل على لغة قومه ليفهموا لسان القرآن وبيانه؛ هذا، وإن كانت الحواجز النفسية وتدنّي المستوى الذهني قد شكلا موانع كبرى أمام حركة القرآن آنذاك؛ ولعلّ هذا ما يُعد أحد أعظم إنجازات القرآن والرسالة، حيث استطاع هذا القرآن أن يوجد مثل هذا التحوُّل المعنوي والنفسي والذهني عند قومٍ ربما لن نجد لهم مثيلًا اليوم في أحط شعوب العالم وأبعدها عن القيم والحضارة!
لحد الآن لا يبدو أنّه قد تم الكشف عن دور اللغة على مستوى التكامل المعنوي والفكري، فضلًا عن أهميتها المحورية على صعيد التفاعل مع ثقافة الإسلام الأصيلة. الدراسات في هذا المجال تكاد تكون معدومة، وإن وُجد شيء منها، فإنّه لا يجد طريقه إلى أي نوع من الخطط والبرامج التعليمية. تعليم اللغة في الحوزات العلمية يبتعد عن روح اللغة ويصب في إطار النزاعات النحوية التي تشكّلت في العصر العباسي على وجه الخصوص. يشهد على ذلك الركاكة الواضحة في بيان أكثر الذين يدرسون قطر الندى والألفية والمغني وغيرها من كتب اللغة، كذلك عجزهم عن تقديم بيان جذاب ينافس، إلا ما ندر. إن أردنا معرفة حجم المصيبة هنا فلنقارن بين عدد الكتاب المرموقين في ساحاتنا الحوزوية والجامعات الغربية، ليتبين لنا الفارق النسبي الكبير.
دراسة قواعد النحو ومذاهبه ومدارسه والآراء لا تصنع البيان، بل ربما تُبعد عن البيان. الرغبة بالكتابة والبيان والانخراط في هذه الصناعة الفائقة الأهمية هي الخطوة الأولى. الكتابة في حوزاتنا تكاد تكون ترفًا، والكتابة في جامعاتهم هي وظيفة أساسية. مخاطبة العقول الذكية غير مُدرجة على لائحة إعداد المبلّغين، في حين أنّ هناك شريحة واسعة من هؤلاء في تلك المجتمعات.
هكذا نقف أمام مشكلة حادّة إن أردنا أن نرأب الصدع ونشيد الجسر الذي يعيد شعوبنا إلى لغتها، لكي يرجعوا إلى قرآنهم. حجم الكتابات والمساهمات البيانية ذات الصلة بهذا المشروع قليلة جدًّا لا يمكن أن تُنافس السطحية المستشرية والركاكة الممجدة.
يبدو أنّ قدرنا هو أن نرجع إلى اللغة العربية إن أردنا أن نقوم بأي عملية لإحياء الفكر الإسلامي. لا يمكن ترجمة القرآن إلى أي لغة في العالم. كل ترجمة هي تحريف. نعم، يمكن تفسيره، والتفسير يجب أن يصب في حث القارئ على الرجوع إلى القرآن. الهدف من نزول القرآن ليس مجرّد الحصول على معلومات، بل هو إيجاد رابطة قوية لا بديل عنها مع الله، وهذا ما لا يتحقق إلا بالقراءة اليومية.
الذين يحاولون بناء الكادر الإسلامي بعيدًا عن تأمين البُنية اللغوية المتناسبة مع لغة القرآن والتراث الأول مثلهم كمثل الذي يزرع في أرضٍ قاحلة فاقدة للخصوبة. قد تُنبت شيئًا، لكنّه لا يتناسب مع حجم الجهد المبذول. ولهذا نشاهد كل حين نماذج فريدة لشعوبٍ مسلمة تميزت بمستوًى لغوي ما مقارنةً بغيرها، نشاهد أبناءها في أصالة الوعي ووضوح العقيدة وإدراك الأصول، بالإضافة إلى تأثيرهم المميز في الإعلام.
إنّ البنية اللغوية عند أي إنسان هي بمثابة الوعاء الذي يحتفظ بالأفكار لكي تتفاعل النفس معها في تجارب الحياة المختلفة. فإذا كان هذا الوعاء صغيرًا أو رخوًا أو مليئًا بالثقوب (كحال المجتمعات التي لم تعد تعرف عربيتها من فرنسيتها) لن تتمكّن النفس من الاحتفاظ بالكثير من الأفكار التي تسمعها من القرآن والحديث والتراث. وهذا ما يفسر ذلك التسرُّب الكبير في معارف الكهول من المؤمنين الذين مرّ عليهم حوالي ثلاثين سنة وقد سمعوا مئات المحاضرات الدينية والتلاوات القرآنية والأحاديث النبوية والعلوية والأدعية السجادية، ثم تراهم وكأنّهم بدأوا لتوهم مسيرة المعرفة الدينية!
تأملتُ كثيرًا في أسرار نبوغ علماء القرون الإسلامية الأولى، فوجدتُ أنّ أكثر ما كان يميزهم هو قدراتهم اللغوية. كانت الفصاحة لا تزال ميسرة مع قربهم من عصر النزول وانعدام منافسة اللغات الأخرى وحداثة الاعتباطية اللغوية. لفصاحتهم وخلو أذهانهم من الركاكة اللغوية، كانت المعارف الدينية تجد لنفسها موضعًا محكمًا في عقولهم. لذلك كان النتاج كبيرًا عند كل من كان يُقبل على الإسلام والقرآن في ذلك الزمان.
ولمن يسأل عن أسباب انحطاط المسلمين وتمزّقهم رغم ذلك، فالإجابة ستكون في محلٍّ آخر. الإنتاج العلمي ليس هو الشرط الوحيد لانبعاث النهضة وتحقيق الاقتدار والتقدم، لأنّ أي حركة علمية تفقد الوجهة الصحيحة والهدف المنشود لن تكون عاملًا للتقدم مهما كان نتاجها.

المدرسة الإسلامية
يعرض لأخطر المشاكل وأهم القضايا حول أوضاع المدارس الحالية، التي تبنت المناهج الغربية، وذلك بالطبع بحثًا عن المدرسة المطلوبة التي تنسجم مع حاجات المجتمع وثقافته. كل ذلك من أجل بعث حركة فكرية جادة بين المهتمين بالتعليم عن طريق بناء الرؤية الشاملة للتربية التعليمية في الإسلام. المدرسة الإسلاميّة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 232 صفحةالطبعة الأولى، 2014مالسعر: 10$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

ثورة التربية والتعليم
يتطرّق الكتاب الرابع في سلسلة الأطروحة التربوية التعليمية التي يقدمها السيد عباس نورالدين إلى أهم القضايا التي تواجه أي ثورة حقيقية تريد إعادة إنتاج التربية التعليمية وفق استحقاقات العصر ومتطلّبات الزمان وبما يتناسب مع التحدّيات التي يعيشها مجتمعنا.الثورة التي يدعو إليها الكاتب تطال جميع مفاصل التربية التعليمية من رؤى ومناهج وقيم وحتى تلك التفاصيل التي تعني كل عامل أو مهتم بهذا المجال المصيري. ثورة التربية والتعليم الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 216 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-033-0 السعر: 12$

المدرسة النموذجية
إنّ القوّة الأساسيّة للمدرسة النموذجيّة تكمن في برامجها ومناهجها التي تتميّز بقدرتها على تقديم المعارف والمهارات بأحدث الطرق وأسهلها، وتعتصر كل التراث العظيم للبشريّة وتتّصل بكامل التّراث الاسلامي وتقدّمه لطلّابها عبر السنوات الدراسيّة كأحد أعظم الكنوز المعرفيّة. وهكذا يتخرّج طلّابنا وهم متّصلون بهذا البحر العظيم لكلّ الإنجازات الحضاريّة في العالم كلّه ويمتلكون القدرة التحليليّة اللازمة لتمييز الخير من الشرّ في جميع أنحائه. المدرسة النموذجيّة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 140 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$

صناعة الجيل المتفوق يبدأ من اللغة.. ما هو تأثير اللغة العربية في صراع الأمم
من القضايا المهمة التي ينبغي أن تُطرح في موضوع التعليم والمدرسة والمناهج التعليمية صناعة الإنسان المتفوّق، لأنّ هناك صراعًا خارجيًّا حتميًّا يجري بين الأمم؛ حتى لو رفضنا هذا الصراع، فإنّه آتينا لا محالة. من القضايا المهمة التي ينبغي أن تُطرح في موضوع التعليم والمدرسة والمناهج التعليمية صناعة الإنسان المتفوّق، لأنّ هناك صراعًا خارجيًّا حتميًّا يجري بين الأمم؛ حتى لو رفضنا هذا الصراع، فإنّه آتينا لا محالة

لماذا نزل القرآن الكريم باللغة العربية؟
هذا تساؤل يدعونا إلى التفكر في الحكمة من وراء إنزال هذا الكتاب إلى العرب بلسانهم أو بعبارة أخرى لماذا تم اختيار الناطقين بهذه اللغة ليكونوا مهبط رسالة الوحي وخاتمة النبوات؟

كارثة تعليم اللغة العربية في المناهج الحالية.. وكيفية الخروج من هذه الورطة
نسمع كثيرًا من طلاب المدرسة تعبير "أنا لا أحب اللغة العربية". ودون أن نلتفت إلى خطورة هذا الأمر، نستمر في التسبب بهذه المشكلة. طريقتنا في تعليم اللغة العربية، وما نفعله من جعل تلامذتنا في مواجهة لغتهم الأم، تجعلنا أشبه بمن يتعمد تعميق المشكلة وإيصال أعزاءنا وأمانات الله بين أيدينا إلى هذه الحالة النفسية التي هي أسوأ ما يمكن أن يعيشه إنسانٌ عربي أو مسلم تجاه اللغة العربية.

نحو أفضل مقاربة منهاجية لتعليم اللغة.. اللغة العربية نموذجًا
النظر في وضع اللغة العربية ومخرجات مناهجنا الحالية يؤكد أنّنا في أزمة كبيرة تنعكس دومًا على مستوى الانتماء إلى الدين والاتّصال بينابيع معارفه الثرّة. فحين تضعف لغة الإنسان تضعف شخصيته ويضعف اتّصاله بما يُفترض أن يكون أفضل رافدٍ لبناء النفس وتقويتها. قوة البيان هي القاعدة التي تُبنى عليها قوة العلم وقوة العمل. ولأجل ذلك، ينبغي أن يكون الهدف الأول من تعليم اللغة العربية ربط المتعلم بكتاب الله وتجلياته، الذي يمثّل مصدر المعرفة ومصدر القوة.

ماذا نعرف عن القدرات العظيمة للّغة العربية؟
أيّها الآباء والأمّهات والمربّون، توقّفوا قليلًا! هل فكّرتم بالهدف من وراء تعلّم اللغة العربية؟ما نفع أن يدرس أبناؤنا هذه اللغة الجميلة لمدّة اثني عشرعامًا، ومع ذلك لا يجدون أيّ انجذابٍ للغة القرآن والنّصوص الرّائعة المنقولة عن أئمّة الدّين؟هل فكّرتم ماذا يحدث في المدرسة؟ ولماذا لا يستسيغ أكثر الطلّاب لغةَ القرآن الكريم ولغة الأدعية الرّائعة الواردة في الصّحيفة السجّاديّة مثلًا؟

تعالوا نقضي على الأمّية اللغويّة... لماذا يجب تطوير برامج تعليم اللغة العربية؟
إنّ مطالعة سريعة لمستوى اللغة العربيّة في خرّيجي المدارس الثانويّة يدلّ على مشكلة حقيقيّة، تتفاقم آثارها لتطفو على سطح الشخصية في جميع مجالات الحياة. وإذا كان ثمّة اتّفاق حول دور اللغة في بناء الفرد وأهمّيتها في حفظ ثقافة المجتمع، فإنّ الخطوة الأولى على طريق المعالجة تكمن في تحديد المستوى المطلوب لتحقيق هذه الأهداف الإسلامية.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...