
استحضار التاريخ في السير التكاملي
كيف يمكن أن نبلغ أعلى مراتب القرب بواسطة النية والأمنية؟
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب إشراقات الروح
من كلام لأمير المؤمنين عليه السلام، لما أظفره الله بأصحاب الجمل، وقد قال له بعض أصحابه: "وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلَانًا كَانَ شَاهِدَنَا لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِكَ. فَقَالَ، لَهُ [عَلِيٌّ ع]: أَهَوَى أَخِيكَ مَعَنَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَقَدْ شَهِدَنَا، وَلَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ، سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ وَيَقْوَى بِهِمُ الْإِيمَان.[1]
حين يدعو الإمام السجّاد عليه السلام في مكارم الأخلاق يسأل الله تعالى أن يخلّص نيته، لكنّه أيضًا يطلب منه تعالى أن يوفّر نيته. وتوفير النية يعني إكثارها بحيث يتمكن من أن ينوي القربة والتقرُّب إلى الله في أكبر عدد ممكن من الأعمال. فنحن قد نمارس العديد من الأمور دون أن نتوجه إلى الله فيها، ربما ظنًّا منّا أنّ هذه الأعمال لا يمكن أن تكون لله أو غفلة منا عن ذلك. ولهذا ورد في الحديث وصية من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لأبي ذر يقول له فيها: "يا أبا ذر إن استطعت أن لا تأكل ولا تشرب إلا لله فافعل". كما إنّ هناك الكثير الكثير من الأمور التي يمكن أن تنبعث منها النية دون أي جهد أو عمل، فقط يكفي أن نتصوّرها، ثم نتعمّق فيها، حتى نتّخذ موقفًا ليكون ذلك بمثابة النية.
إنّ الأمور التي يمكن أن تنعقد فيها النية دون عمل لهي أكثر بكثير من الأمور التي تتطلّب جهدًا وعملًا؛ ومن هذه الأمور القضايا التاريخية التي تُصوّر لنا مواقف الصراع بين الحق والباطل، حيث يكفي أن نتمنّى من أعماق قلوبنا لو كنّا في جانب الحق ننصره حتى يكتب لنا ثواب ذلك تمامًا.
وسرُّ ذلك هو أنّ قيمة المرء تكمن في قلبه كما قال عز من قائل: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُون * إِلّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَليمٍ}.[2] والقلب هو محل الأماني والرغبات، فمن صلُحت أمانيه وسلِمت رغباته سلم قلبه. وإنّما يُمتحن القلب بواسطة مواقف الحياة قبل العمل. وإنّما يكون العمل تجلّيًا للقلب، لكن قد يحول حائلٌ أو مانعٌ دون العمل، كما حين الضعف وعدم القدرة وفقدان الإمكانيات والوسائل، فيكتب الله تعالى لصاحبه أجر العمل الذي لو قدِر عليه لفعله. وهذا ما أُشير إليه في الحديث الشريف: "وَإِنَّمَا خُلِّدَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ نِيَّاتِهِمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَوْ بَقُوا فِيهَا أَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ أَبَدًا".[3]
وكذلك الحديث الذي يُشير إلى أنّ الله تعالى يُعطي الشيخ الكبير الذي ضعف وهرم أجر ما كان ليفعله في صحته وسلامته. فعن رسول الله(ص): "إِذَا كَانَ الْعَبْدُ عَلَى طَرِيقَةٍ مِنَ الْخَيْرِ فَمَرِضَ أَوْ سَافَرَ أَوْ عَجَزَ عَنِ الْعَمَلِ بِكِبَرٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُ ثُمَّ قَرَأَ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ".[4] وعنه(ص): "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِامْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا أَوْ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ".[5]
من عرف هذه القاعدة وأدرك حقيقة هذه المعاملة الربَّانية وكان ذكيًّا، فسوف يذهب إلى التاريخ ثمّ يفتّش في طياته عن مواقف الصراع بين الحق والباطل ويتعرّف على أماني الأنبياء والصالحين من الأولياء ليتمنى في نفسه عند كل موقف وأمنية لو كان هناك لفعل ما فعل.
هذا المؤمن الذكي العارف يُمكنه أن يدخل إلى عالم النية اللامتناهي ليعيش فيه ردحًا طويلًا ويرتقي بذلك بسرعة لا مثيل لها، وما عليه إلا أن يجول في التاريخ ثم يأتي إلى الحاضر المليء بهذه المواقف أيضًا ويسعى للاتصال به بكل ما أمكنه من قوة. فما أكثر مواقف الحاضر وما أكثر الصالحين اليوم الذين يعملون ليل نهار من أجل نصرة كلمة الله ودين الله؛ هناك سيكتشف هذا المؤمن الذكي أنّ عالم الأعمال العظيمة واسعٌ جدًّا ورحب للغاية ويمكنه أن يشارك فيه بألف طريقة وطريقة. فمن التاريخ بدأ هذا المؤمن بصدق النية التي سافرت به إلى الحاضر الممتزج بما لا يُحصى من الفرص التي تبعث النوايا العظيمة وتحرّك التوجّهات الجميلة فيصلح باطنه ويصفو قلبه وهذا هو الفتح المبين.
إنّ كل أمر أو موقف من مواقفنا الإلهية ينقسم إلى ثلاثة أبعاد: البعد الأول هو النية، والبعد الثاني هو الإمكان والقدرة، والبعد الثالث هو الفعل والإنجاز.
وبداية كل عمل هو النية التي يتمنى فيها أن يقوم بهذا العمل، فإذا توفرت القدرة عليه (من القدرة البدنية والظروف المؤاتية والإمكانات اللازمة) لقام به فورًا. لكن المصيبة عند أكثر المتديّنين أو محبي العالم المعنوي أنّهم لا يعقدون النية إلا بعد توفُّر القدرة والإمكانات وتيسُّر الظروف؛ وفي هذا جهلٌ وحرمانٌ لا مثيل له؛ جهل بالقوانين الإلهية وحرمان من ثواب لا حد له.
لأنّ "نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَنْوِي مِنَ الْخَيْرِ مَا لَا يُدْرِكُهُ وَنِيَّةُ الْكَافِرِ شَرٌّ مِنْ عَمَلِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَنْوِي الشَّرَّ وَيَأْمُلُ مِنَ الشَّرِّ مَا لَا يُدْرِكُهُ"،[6] كما جاء في الحديث الشريف. وعن الإمام الرضا(ع): نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ يَنْوِي مِنَ الْخَيْرِ مَا لَا يُطِيقُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.[7] وعنه عليه السلام أيضًا حين سُئل عن تفسير "المؤمن خيرٌ من عمله" أنّه قال: إِنَّهُ رُبَّمَا انْتَهَتْ بِالْإِنْسَانِ حَالَةٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ يُفَارِقُهُ الْعَمَلُ وَمَعَهُ نِيَّتُهُ، فَلِذَلِكَ الْوَقْتِ نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ، وَفِي وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهَا لَا تُفَارِقُ عَقْلَهُ أَوْ نَفْسَهُ وَالْأَعْمَالُ قَدْ تُفَارِقُهُ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ.[8]
وسوف تبقى نية المؤمن في هذا العالم أكبر بكثير من عمله ولا ينبغي لمن عرف هذه الحقيقة أن يحصر نيته بما يقدر عليه ويتيسر له القيام به، بل عليه أن ينطلق في آفاق عالم النيات اللامتناهي ليعينه ذلك في سيره المعنوي التكاملي أفضل إعانة، حيث يطهّر قلبه من الغل والغش والشر بكثرة ما يورد عليه من أماني الخير والصلاح. وكفى بهذه الأماني تطهيرًا لأي قلب مغشوش بالشر والفساد والجرم والسوء.
وإذا كان الشيطان اللعين يستعين بوساوس الشر المتواصلة المتلاحقة التي يُلقيها في قلوبنا من أجل إفسادنا وحملنا على فعل بعض الشر عسى أن يصطادنا بذلك يومًا، فإنّ أفضل ما نواجهه به هنا هو أن نفتح قلوبنا على واردات الخير من عالم الملكوت الذي هو عبارة عن مرتبة ما قبل الأفعال، حيث الخواطر والآمال.
المؤمن الذكي يتجوّل في التاريخ ويسير في الحاضر مفتشًا عن كل مجال للخير والصلاح ليتمنّى لو كان يفعله، فإذا قدّره الله عليه، فهذا تأييدٌ له وتسكين. وحين القدرة تنكشف البواطن ويعلم المؤمن مدى صدق نيته. فمن ألف موقف تمنّاه موقف واحد يصدق النية ويطابقها إن شاء الله، ليتأكّد له أنه من أهل الصدق حقًّا وأنّه لو قدر على الخير لفعله.
تعالوا نسير في العالم بدءًا من التاريخ السحيق من آدم ونوح ونتوقف مليًّا عند مواقف الصدق الكبرى في الإسلام الأول مع رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام عليّ عليه السلام، حيث تزخر حياتهما وسيرتهما بالمواقف التي تتصل اتّصالا عميقًا بواقعنا. فمن هذه المواقف نتزوّد لتغيير جوهرنا نحو الصلاح عسى أن يُلحقنا الله بالصالحين. فعن أمير المؤمنين(ع): إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَالسَّخَطُ فَمَنْ رَضِيَ أَمْرًا فَقَدْ دَخَلَ فِيهِ وَمَنْ سَخِطَهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهُ.[9]
[1]. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج1، ص247.
[2]. سورة الشعراء، الآيات 88-89.
[3]. الكافي، ج2، ص85.
[4]. مستدرك الوسائل، ج2، ص64.
[5]. تحف العقول، ص 5.
[6]. علل الشرائع، ج2، ص524.
[7]. الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا(ع)، ص 378.
[8]. الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا(ع)، ص379.
[9]. المحاسن، ج1، ص262.

عشر قواعد لحياة روحية عظيمة
عشر قواعد أساسيّة تدلّنا على كيفية الوصول إلى حياة روحانية صاخبة فوّارة طيّبة مفعمة بالنشاط والاندفاع. 10 قواعد لحياة روحية عظيمة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 160 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 7.5$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

معادلة التكامل الكبرى
يقدّم رؤية منهجيّة تربط بين جميع عناصر الحياة والكون وفق معادلة واحدة. ولهذا، فإنّك سوف تلاحظ عملية بناء مستمرّة من بداية الكتاب إلى آخره، تشرع بتأسيس مقدّمات ضروريّة لفهم القضية ومنطلقاتها، ثمّ تمرّ على ذكر العناصر الأساسية للحياة، لتقوم بعدها بالجمع بينها والتركيب، لتخرج في النهاية بمعادلة شاملة لا تترك من مهمّات الحياة شيئًا. معادلة التكامل الكبرى الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 21.5*28غلاف ورقي: 336 صفحةالطبعة الأولى، 2016مالسعر: 15$ تعرّف إلى الكتاب من خلال الكاتب للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم أن تطلبوه عبر موقع جملون على الرابط التالي:

إشراقات الروح
لقاء الله هو الغاية القصوى من حركة الكائنات. لقاء الله هو الوجه الأبرز للمعاد الذي يعني العود إلى المبدأ. لقاء الله هو الحقيقة الكبرى التي ستتجلّى يوم القيامة.لقاء الله هو الهدف الأسمى لسير السالكين ورحلة العابدين ووجود المسلمين.فكيف سيكون هذا اللقاء؟ وكيف ينبغي أن نستعد له؟ إشراقات الروح الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 160 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-036-1 السعر: 10$

كيف أصبح مخلصًا؟
لو تأمّلت في نفسك وفي حياة غيرك لعلمت أنّ كلّ إنسان يريد الوصول إلى غايةٍ ما ويسعى نحوها؛ والخيار المطروح أمامنا هو في تحديد طريق السفر وغايته وسرعة السير والترحال. على صفحات هذا الكتاب سنحدثك عن رحلة هي أجمل وأعظم رحلة يمكن أن تقوم بها في حياتك؛ إنّها رحلة تعبر بك كل المحطات الجميلة التي تملأ حياتك سرورًا وحبورًا؛ إنّها الرحلة التي تفسّر لك كل شيء، فتجعل كلّ شيء واضحًا ساطعًا؛ إنّها رحلة الإخلاص. كيف أصبح مخلصًا؟ الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 152 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

سفر إلى الملكوت
المبادئ الأساسيّة لبناء حياة معنويّة رائعة.كتاب يتحدّى تفكيرنا ويحثّنا على إعادة النظر بما كنا نعتبره من المسلّمات أو الأمور التي لا تحتاج إلى تعمّق وتدبّر. سفر إلى الملكوت الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 406 صفحاتالطبعة الرابعة، 2017مالسعر: 10$ تعرّف أكثر إلى الكتاب من خلال الكاتب يمكنكم شراء الكتاب عبر موقع جملون على الرابط التالي:

مختصر معادلة التكامل
هذه الطبعة المختصرة لكتاب "معادلة التكامل الكبرى" الذي يبيّن مدى سعة الإسلام وشمول رؤيته ومنهجه لكلّ شيء في الوجود. كيف لا؟ والله عزّ وجل هو المبدأ والمنتهى.. نقدّمها لقرّائنا الذين يودّون أن يحصلوا على معرفة أوّليّة بتلك المعادلة الكبرى، أو للذين لا يجدون الوقت الكافي لمطالعة الكتب الكبيرة. مختصر معادلة التكامل الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 200 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

الحديث 20: النية
الدرس 24 في شرح الأربعون حديثًا للإمام الخميني(قده)
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...