
حين تصبح المرأة المثيرة هي القدوة
ما الذي جرى وكيف تُصنع الهوية؟
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب على طريق بناء المجتمع التقدمي
على مدى عصور المسيحية يبدو أنّ الكنيسة عجزت عن تقديم نموذجٍ واضحٍ محبَّب للمرأة يمكن أن يمثّل قدوة للنساء في المجتمعات التي تتبع السلطة البابوية بالحد الأدنى. رغم اعتبار مريم العذراء "أم الرب" ـ وفي الشرق العربي يُقال "أمّ الله". فإنّ هذا المقام الرفيع والقداسة المهولة لمريم المرأة لم يكن بالإمكان تنزيله إلى مستوى القدوة لنساء المسيحية، بل بقيت المرأة مع ذلك نموذجًا للشر باعتبار أنّ ما فيها من إغواء وشهوة يمثّل أشد فتنة للإنسان. النموذج الرفيع عجز عن التحوُّل إلى قدوة بفعل هذا اللاهوت القوي للكنيسة.
لكي نفهم هذا الجدل الذي دار حول المرأة نحتاج إلى فهم ما يُمثّله الجنس وشهوته في الرؤية المسيحية التقليدية، حيث اعتُبر عنوانًا للخطيئة وللدنس (وهنا نجد مرة أخرى التعبير عن مريم العذراء بأنّها سيدة الحبل بلا دنس). ولأنّ المرأة هي المحرك والمحفز لهذه الخطيئة فسوف تكون أكبر شر في العالم. الجنس الذي يقابل تمامًا ويقف في موقع التضاد مع حقيقة مريم المقدسة سيكون الشر الأكبر في مثل هذه العقيدة والثقافة.
التاريخ غير البعيد يكشف عن تعاليم كنسية ممتدة تهبط بالمرأة إلى مستوى الحيوان أيضًا.
هكذا فقدت نساء تلك المجتمعات القدوة التي تحتاج إليها لتعريف نفسها وصياغة هويتها حين تبحث عنها وتنهض من أجلها. ومع عدم وجود أسوة ومثل أعلى ينبع من الثقافة الدينية والدين الذي يتبناه الناس، فمن الطبيعي أن يسرع الشيطان لملء هذا الفراغ عند أدنى فرصة.
وقد مثلت مرحلة هزيمة الكنيسة على يد العلمانية العلمية بداية عصر جديد يحمل معه فراغات كبرى في قضية المرأة؛ ولم تكن المجتمعات التي تبنت هذه العلمانية الشاملة والإلحاد المُسيّس جاهزة لتقديم بديل إنساني يمكن أن يشكل النموذج المتين (البديل هنا عن الفراغ)؛ فأضحت المرأة الغربية هذه المرة عرضة لتجاذبات واسعة بين جميع العاملين والمؤثرين في ساحات الثقافة التي باتت تتشكل ضمن خواء فكري بارز. نذكر على سبيل المثال النقاش الحاد الذي اندلع في الأوساط الفنية والثقافية والقانونية بشأن إبراز المرأة للخط الفاصل بين ثدييها حيث لم يتمكن المجادلون من تحديد أي مرجعية حاسمة.
الجدير بالذكر أنّ الأسلوب الإلهي لهداية المجتمعات البشرية كان يرتكز على المرور بالمراحل التالية:
ففي المرحلة الأولى يتم تثبيت المرجعية الإلهية على الأرض متمثلة بالأنبياء والأوصياء.
وفي المرحلة الثانية يتم تقديم النماذج القدوة للمجتمعات؛ وغالبًا ما تتمتع هذه النماذج بإمكانات خارقة وأدوار مفصلية، من الكرامات والشفاعة والفكر والحكمة. الأمر الذي يسهّل عملية تعميق الارتباط.
وبعدها في المرحلة الثالثة تترسّخ هذه النماذج عبر التجربة والمعايشة والتواصل المعنوي والروحي، لتصبح مرجعيات للاقتداء وصناعة الهوية وتشكيل الذات.
وهكذا يبدأ بعث الأفكار ومناقشتها والاحتكام إلى معايير واقعية مشهودة، مما يجعل عملية التأثير العام سهلة يسيرة. وهكذا أيضًا نجد بعض المجتمعات المسلمة أكثر استقرارًا من غيرها لقوة حضور القدوة ومرجعيتها.
أما المجتمعات التي تحارب هذا الأسلوب الإلهي أو تنقلب عليه، فسوف تعاني من فقدان المرجعية التي يمكن أن تحتكم إليها في عملية تشكيل الهوية العامة، فتخسر القدوة التي تحتاج إليها لتوجيه الأجيال وهدايتها، وتعجز لاحقًا عن تحديد منهج واضح للعيش والعلاقات.
هذا الفراغ المرجعي فسح المجال لكل هذه الفوضى التي شهدناها في الغرب ومن يدور في فلكه؛ وكان الشيطان المستغل الأول لهذه الفوضى التي بنى عليها منظومته القيمية بصورة غير مسبوقة. فمن الطبيعي أن يسهل الأمر على الشيطان في وسط كل فراغ. وكان هذا الفراغ في الغرب والذي نتج عن هزيمة الكنيسة على يد الإلحاد عاملًا أساسيًّا للانتقال من الإفراط إلى التفريط، من اعتبار المرأة مخلوقًا خطرًا يجب تقييده بشتى السبل إلى مخلوق يجب إطلاق العنان لكل طاقاته. وأي طاقة تمتلكها المرأة في المجتمع المادي ستكون أقوى وأهم من طاقتها الجنسية!
فإذا كان التيار العام في المجتمع يتحرك نحو الماديات (التي تقابل المعنويات)، وكان التنافس على المادة هو المحفز الأول، فمن الطبيعي أن تستغل المرأة طاقاتها المادية وتحويلها إلى إحدى أكبر السلع والمداولات. هكذا أصبحت "المرأة المثيرة" قدوة نساء الغرب.
من الصعب على أبناء العالم المسلم أن يدركوا هذا الواقع الجديد نظرًا لأنهم لم يعيشوا مثل هذه التحولات التي مرت على الغرب وولدت من رحم الصراعات التي جرت داخله. فمنذ البداية استطاع الإسلام أن يرسخ للنساء قدوة بل قدوات، فرفع شأن المرأة عاليًا في نظر أتباعه المخلصين، محبطًا بذلك أي محاولة فكرية أو تأويلية تريد أن تهبط بها أو تنتقص من قدرها وشأنها. فأينما جرت محاولة من هذا القبيل على يد فقيه أو متكلم أو حتى فيلسوف كانت آيات القرآن التي ضربها الله للذين آمنوا أمثلة بمريم وآسية حاضرة قوية غير قابلة للتأويل. وأينما نزع ذهن فلسفي أو كلامي للانتقاص من المرأة، جاءه فكر عرفاني بخديجة الكبرى وابنتها فاطمة الزهراء وهما تحملان من أسرار الحقائق وعجائب المعارف ما يذهل القلوب. ثم كان العالم الإسلامي بعد فترة على موعد مع نهضة فكرية ذات دعوة حضارية في الوقت الذي كان الغرب المتوحش قد هبط بالمرأة إلى مستويات يندى لها الجبين. فقامت هذه النهضة الفكرية باستلهام النماذج وتجديد حضورها وقذف باطل الغرب بحقها.
تاريخنا الفكري والاجتماعي لا يتحدث عن صراع بين دين وعلم يمكن أن يمهّد الطريق لطرد الدين بعد سلسلة من الاكتشافات "العلمية". ولذلك فإن المجتمعات المسلمة كانت آمنة نسبيًا من انفتاح أبواب الفوضى والعبث الشيطاني. ففي العالم المسلم يوجد تصور واضح وتفريق كبير بين إنسانية المرأة وجسدها. الأمر الذي يكاد لا يبين في غرب قام على المادية والحيوانية والشهوانية التي تحفز كل أشكال التنافس المادي.
إذًا، اكتشاف المرأة الغربية لقوة جسدها وتأثير مفاتنها هو جزء من هذه العملية والصيرورة التاريخية الخاصة والتحول الاجتماعي الثقافي. وتحديد المرأة ككائن مثير لا ينفك عن مساره المحروم من كل أشكال المرجعيات الإنسانية والدينية (فكيف إذا كان الداء في دينه).
في عالم اليوم يتم تعريف المرأة وصياغة هويتها على ضوء ما لديها من إمكانات مادية (جسمانية شهوانية) لتصبح إثارة الرجل والشهوات عنصرًا للقوة والشخصية. وذلك حتى لا يشعر من يتبنى هذه الهوية بأي نحو من الخجل والاضطراب (حيث عملت الفرويدية بجدارة على القضاء على الحياء باعتباره مرضًا مهلكًا). وفي ظل هذه الثقافة ينبغي أن تتجاهر المرأة بمفاتنها وتحسن استخدامها إلى أقصى درجة لتحقيق ذاتها وتمكين وضعها.. فهذه المفاتن ستكون عنصر تميّزها عن الرجل، وهو الحق الذي سيحميه القانون الوضعي وتشجع عليه كل المؤسسات التي تستفيد منه.
ما يصعب علينا فهمه أحيانًا هو أن كلمة "المرأة المثيرة" لم تعد ذات دلالة سلبية في غرب فقد أي قدرة على تحديد معاني الإنسانية وقيمتها.

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

تجنيس المرأة أو تنجيسها؟ أي فاجعة يرتكبها الغرب بحق الأنوثة
تحت عنوان تمكين المرأة وتقويتها، يشهد عصرنا أوسع عمليات تفعيل القوة الجنسية للمرأة، مستغلًّا الاحتياج الشديد لهذه السلعة من قبل الرجال؛ وهذه العملية، كغيرها من المساعي الغربية الطائشة، كانت وستتحول إلى أهم سبب لإضعاف المرأة واستعبادها واستغلالها، بصورة لم يسبق لها مثيل. وكل من تأمل في أي مجتمع جعل الجنس محورًا والمرأة مصدره، علم أنّ هذا لن يؤدي إلا إلى إضعاف الأمرين معاً!

فينيق يخرج من بين الركام... القوّة العظيمة الآتية لنساء مجتمعنا!
يشهد مجتمعنا ما يشبه الثورة الهادرة على صعيد انبعاث دور المرأة وازدياد مشاركتها في مختلف مجالات الحياة. تسجّل النساء معدّلات مرتفعة ملفتة على صعيد الدراسات العليا وتحصيل العلوم المختلفة. وفي ظلّ الاقتصاد القائم على العلم، المتوقّع أن يجلب ذلك الكثير من القوّة المضافة والإمكانات المتزايدة.. إلا إنّ هذا كلّه لا شيء إذا ما قورن بالشعور العارم الذي بات يسيطر على قطاعات واسعة من نساء مجتمعنا على صعيد الرغبة بالتحرّر وتحقيق الذات بعيدًا عن سلطة الرجل وهيمنة الذكور.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...