
على طريق بصيرة الأولياء
كيف نقدر قوة العدو وقدراته بشكل صحيح
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب أي مجتمع نريد
"إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمُ الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا إِذَا نَظَرَ النَّاسُ إِلَى ظَاهِرِهَا".[1] [الإمام علي(ع)]
لكل شيء ظاهرٍ في الدنيا باطنٌ، به تُعرف حقيقته. ومن عرف حقيقة الأشياء تمكّن من التصرُّف معها بحكمة. ومن كان حكيمًا يضع الأشياء مواضعها، وصل إلى غايته من التوفيق والنجاح.
حتى القوى الكبرى والصراعات والحروب والمجتمعات لها باطن. الأساطيل الكبرى والجيوش المتطورة لها باطن هو غير ما يظهر منها من قوة وإمكانات. يجمع أهل الظاهر عديد الجيوش المتحاربة والمعدات والأسلحة المتوفرة، ثم يحسبون المنتصر في حال حصول المواجهة بينها.. لكن، قد تكون الأسلحة المتطورة سببًا لهزيمة الجيش بدل انتصاره. أول باطن ينكشف لنا هنا من هذا الواقع الظاهر هو أنّ السلاح يفرض على قادة الجيش نوعًا من الرؤية والقرارات لا يمكنهم أن يحيدوا عنها، "أعطني مطرقة أرى كل الأشياء مسامير". مع تطور الأسلحة وفق مسارٍ حتمي يجري في عالم المختبرات الحديثة المدعومة بالميزانيات الهائلة، يحصل ما يشبه التسيير الإجباري للجيوش، فتتحرك خططتها على طريق واحد لا يكاد يكون له ثان. هكذا تقلل التكنولوجيا الخيارات بدل أن توفرها.
المجتمع الأمريكي يصل تعداد أفراده إلى ما يقارب الثلاثمئة وخمسين مليونًا بحسب الإحصاءات. لكن هل يصح أن نحسب قدرة كل شخص فيه ونضربها بهذا العدد، ثم نجعل الحاصل مقابل المجتمع الإيراني الذي يبلغ تعداد مواطنيه حوالي الثمانين مليونًا. فهل تكون المواجهة في الواقع بين ٣٥٠ و٨٠؟
من بواطن الأعداد أن عدد المواليد هو أمر إلهي بحت. فالله تعالى هو الذي يحدد من يولد وكم يولد في هذا المجتمع أو ذاك بناء على حكمة إلهية عميقة. هو الذي ينبتنا من الأرض نباتًا كبذور توضع في التربة، ويخرجنا منها إخراجًا، ويقطف بعضنا بعمر الشباب لغاية تبلغها حكمته. فالأصل هو هذا العدد من الشهداء الذين يريد الله تعالى أن يتخذهم لنفسه في وقت محدد. وعلى أساس ذلك يهب هؤلاء الشهداء لأزواج وآباء وأمهات، ونحن نظن أن هؤلاء الآباء هم الذين زرعوا وأنبتوا وقدموا غافلين عن الأصل. ولو شاء الله تعالى لما وهبنا هؤلاء الأبناء.
الشهداء الذين يُقتلون في سبيل الله هم فعل الله تعالى وصُنعه. ولا يوجد أي صدفة في كل هذا المسار منذ اللحظات الأولى للزرع والإنبات. كل شيء مُخطَّط له ومدروس، فهو الذي زاد هذا العدد من الأشخاص ليأخذهم في وقتٍ معلوم. وأهل الظاهر يرون الأمر خسارة.
إن مثل هذا مثل ذاك الذي يعطيك مالًا كوديعة؛ فأنت لا تحسبه زيادة في مالك ولا تحسبه من مالك. ولذلك فإذا استرجعه لن تعتبر أنك خسرت مالًا. هذا هو حال الشهداء الذين جاؤوا إلى هذا العالم لأداء دور عظيم، ويخرجون منه وقد فتنوا أهل الظاهر فحسب.
أدنى ما ينبغي أن نعرفه عن مواطني أي مجتمع هو أنّ نسبة منهم تكون طاقاتهم وقدراتهم سلبية، بمعنى أنّهم عالة وخبال على المجتمع. فهم عددٌ سلبي يحذف ما يقابله من إيجابي. المرضى والمدمنون والمجرمون على سبيل المثال يحذفون من المجتمع ما يعادلهم تقريبًا، حيث يتطلبون العناية من الأطباء والممرضين وموظفي الصحة والتأمين والجنائز والشرطة. كل عامل سلبي يخلق حوله مجموعة من العمال الذين يمتص طاقاتهم من أجل إيجاد التوازن في المجتمع.
وهكذا سيكون العدد الفعلي للطاقات الإيجابية التي يمكن تحريكها واستغلالها في المواجهة على سبيل المثال أقل بكثير من عدد المواطنين. كلما كان المجتمع استهلاكيًّا متفلتًا متحرّرًا من القيم والضوابط، يزداد فيه العامل السلبي. وهذا ما يحدث داخل الجيوش نفسها. لقد أشرنا سابقًا إلى ظاهرة الاعتداء الجنسي على الجنود والمتفشية في البحرية الأمريكية. هذه الظاهرة التي أضحت من التوسُّع والانتشار بحيث حملت الرئيس الأمريكي نفسه على الإعلان والاذعان لعارها. المعتدى عليهم قد يتحولون إلى أحد أهم عوامل إخفاق وإضعاف هذه القوة المهيبة في ظاهرها.
الطاقات البشرية إذا لم يتم استغلالها بالشكل الصحيح، تتحول غالبًا إلى عائق. وفي ظل وجود الأنظمة اللاأخلاقية تتفشى الرذائل في النفوس وتصبح أهم عوامل الإخفاق. التحاسد والصراع على السلطة والمنصب يؤدي إلى تنافس سلبي مدمر. مشاريع كثيرة يتم تعطيلها من قبل الزملاء والقادة حسدًا وخوفًا وطمعًا. وفي الوقت نفسه ينبغي أن نعترف بأنّ هذه المنظومات تُنتج أحيانًا ما شهدناه على صعيد التطوُّر التقني والعسكري والاقتصادي. لكن مع كل تطور هناك نقاط ضعف إضافية. إنها المنظومة التي يأكل بعضها بعضًا، {إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّار}.[2]
حين يصف الله لنا الشيطان يعدّه زعيمًا للكفار. الكافر هو الذي يجعل زمام أمره بيد الشيطان. والحكومات الكافرة مظهر إرادة الشيطان على الأرض. ليس الكفر والظلم سوى إلقاء للنفس في أحضان هذا العدو اللعين. قد يصل بعض المجرمين إلى مستوى من الإجرام بحيث تحصل بينهم وبين الشياطين لقاءات ومشافهات. وهؤلاء هم شياطين الإنس. لكن الله يصف لنا كيد الشيطان بأنّه كان ضعيفًا، أي أنّه ضعيف من الأساس، ولا يمكن أن يحقق أي شيء من أهدافه. هذا هو الضعف الذي يتّصف به معسكر الكفار الذين يعملون ليل نهار على إخفاء نقاط ضعفهم بشتى السبل، الاستعراضية والإعلامية وغيرها.
في الحقيقة، إن أردنا أن تجري المواجهة بين باطن الحق وباطن الباطل يجب أن نجعل باطننا فاعلًا، فيما إذا كنّا حقًّا من أهله. وهذا ما يتطلب إصلاح منظومتنا التي ندير من خلالها طاقات المجتمع. يجب أن نحوّل الصراع إلى صراع بين المنظومتين. كلما ظهر الحق ظهر الباطل في مقابله وانكشف. والله يقول بل {بلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ}،[3] {وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقًا}.[4] يكفي بعدها أن تحصل المواجهة بقذف الحق على الباطل.
لكن حين يكون أهل الحق متمسكين بالظواهر، فلن يروا سوى ظواهر الباطل؛ ولذلك ستكون حساباتهم مبنية على أُسس غير سليمة؛ وهذا ما يؤدي إلى فشلهم أو هزيمتهم. فللباطل طرق للإخفاء والاحتجاب تنطلي على أكبر أدمغة الظاهر. لا يمكن أن يقدم لنا الظاهريون سوى مُعطيات ما يرون؛ فيزيدوننا خوفًا.
لقد ظهرت حقيقة تلك الطائفة من قوم موسى حين طلبوا منه أن يجعل لهم إلهًا كما لعبدة الأصنام آلهة. كانت نظرتهم إلى الألوهية حسية ظاهرية، وهذا ما أدى بهم إلى أن يشاهدوا القوم الذين أمرهم الله بقتالهم كمجموعة من العمالقة، {قالُوا يا مُوسى إِنَّ فيها قَوْمًا جَبَّارينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ}.[5]
الكيان العنصري الذي أقامه الغرب في فلسطين، وأرادوا له أن يكون قاعدة عسكرية في قلب العالم المسلم، كان لا بد أن يزوّد بالعديد بشكل مستمر. وهذا ما تطلب تحويل المهاجرين إليه إلى ما يشبه الشعب المتجانس، لكي يكون لهذا الجيش تماسك. لكن، كانت النتيجة على خلاف ما تمنوه وأرادوه؛ فقد أصبح الشعب بحد ذاته العبء الذي يُثقل كاهل هذا الكيان بدل أن يكون دعامة رئيسية له. وفي كل مرة يعمل هذا الكيان على لعب ورقة المدنيين، يرتد الأمر عليه. هي ورقة جربها مرارًا واعتبرها رابحة، لكنها أضحت في النهاية أكثر نقاط ضعفه شدة.
[1]. نهج البلاغة، ص552.
[2]. سورة ص، الآية 64.
[3] سورة الأنبياء، الآية 18.
[4]. سورة الإسراء، الآية 81.
[5]. سورة المائدة، الآية 22.

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

كيف نتعرف إلى السنن الإلهية
التفكر في الحياة الاجتماعية في القرآن
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...