
هل من الطبيعي أن نخاف مما يجري؟
حول أنواع الخوف والتعامل معه
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب لماذا أحب الموت؟
الخوف أمرٌ طبيعي في الإنسان كالجوع والعطش. من لا يخاف أبدًا فهو غير طبيعي أو يعيش في الجنة. يُخيفنا الله تعالى من خلال بعض الوقائع والأحداث. لكننا قد نخاف من أمور وهمية لا وجود لها في الواقع. أكثر خوف البشر ناشئ من الوهم. تمييز المخيفات الواقعية من الوهمية مقدمة ضرورية للتعامل مع الخوف. الخوف الذي يأتي من الأمور الواقعية يمكن أن نعتبره تخويفًا من الله تعالى: {ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرين}.[1]
حين يخيفنا الله ولا نخاف، فهذا ليس بالأمر السليم. لأن الإخافة الربانية جزء من التربية التكميلية للإنسان السالك. يعبّر أهل العرفان عن هذا الأمر بالتجليات الإلهية الجلالية التي يكون أدناها على سبيل المثال وحشية حيوان سبع أو سطوة عدو. هو الذي يحفظنا من هذه المخيفات ويمنعها عنّا، ولو شاء تعالى لسلطها علينا. قال تعالى: {إِلاَّ الَّذينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ميثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبيلًا}.[2]
الخوف ينشأ من ترقب حالة سيئة أو احتمال عروض ضرر. غالبًا ما يكون الخوف من أي ضرر ناشئًا من أنّه ينتهي إلى الموت. لذلك كان الخوف من الموت أصل كل خوف طبيعي. أما ما يُطلق عليه "مخافة الله" والخوف من الله فهو شبيه بهذا الخوف الطبيعي من ناحية بعض العلائم النفسية والآثار من اصفرار وارتعاد واضطراب، لكنه يختلف عنه في العمق والحقيقة.. الخوف من الله إذا كان خوفًا من عذابه ونقمته، ينبغي أن يكون ممتزجًا بالرجاء، فلا يقضي على صاحبه أو يهدّ أركانه، بل يدفعه نحو السعي الحثيث والعمل، ويبقي في قلبه الأمل. وهناك خوف ناشئ من تجلي هيبة الجمال وسطوته وهو ليس من الخوف الذي نعرفه في شيء.
الخوف من الموت يكون مؤذيًا جدًّا ومدمرًا حين نجهل طبيعة الموت وما فيه وما بعده. يشتد خوف الإنسان من الجروح والمرض حين لا يعرف إلى أين ينتهيان. إذا جُرحنا أو مرضنا وتيقّنا بأنّنا سنُعالج ونُشفى، لن تعترينا أي حالة من الخوف تزيد من ألمنا أضعافًا. احتمال حصول الموت أو توقعه عند الجراحات هو الذي يسبب لنا هذا الخوف. الخوف من الفقر كونه يؤدي إلى الجوع، والجوع يؤدي الى الموت، هو الذي يجعلنا نخاف من الفقر وكل أشكاله. نحن نخاف من أمور قد تحدث لنا لأنّنا نرى ونحتمل في نهايتها موتًا. يمكن أن نقول إنّ فكرة الموت هي أساس كل خوف طبيعي. قسمٌ كبير من الآلام التي نشعر بها ترجع إلى هذا الخوف بالذات.
لذلك يجب أن نواجه الموت في فكرنا ومشاعرنا وقلوبنا. الحل الوحيد هو أن نُقبل على الموت بلهفة وأن نعتبره خلاصنا من الغموم والهموم والمآسي، ويجب أن نرى الموت انتقالًا إلى عالم جميل رحب تزداد الرحمة فيه أضعافا. يجب أن نصل إلى الوضع الذي نستبطئ معه الموت كما نقول في الدعاء عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "واجعلْ لنا من صالِحِ الأعمالِ عملًا نستَبْطِئُ معَهُ المصيرَ إليكَ، ونَحرِصُ لهُ على وَشْكِ اللّحاقِ بكَ، حتى يكونَ المَوتُ مَأْنَسَنا الذي نأْنَسُ بهِ، ومأْلَفَنا الذي نَشتاقُ إليهِ، وحامَّتَنا التي نُحِبُّ الدُّنوَّ منها".[3] وهذا يعني أن نشعر ببطء قدومه؛ ونتساءل دومًا: لماذا تأخر إلى هذا الحد؟ فنستعجله. وهكذا يصبح هذا الفعل الإلهي الحتمي "يحيي ويميت" مرغوبًا عندنا، فنتصالح مع الله في أحد أهم أفعاله بعد الإحياء. {الَّذي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزيزُ الْغَفُورُ}.[4]
هناك علاقة وطيدة بين الموت والحياة من جهة، والنجاح في هذا البلاء الإلهي الذي يتمثل في قيامنا بأحسن الأعمال من جهة أخرى. والإمام الصادق (ع) يُفسر هذا الأحسن بالأصوب. الأحسن عند الله هو الذي يصيب ما يريده الله منا.
ما دامت علاقتنا بالموت متوترة، فلا يمكننا أن نحصل على هذه البصيرة التي نحتاجها للإصابة والنجاح في العمل. هذا العمل الذي سيؤدي في النهاية إلى تلك العلاقة الجميلة مع الموت. وذلك لأنّنا سنخاف كثيرًا، وخوفنا سوف يمنعنا من التفكير الصحيح ورؤية الأمور كما هي. بسبب الخوف من الموت سنخاف من أمور وهمية كثيرة. والوهم أساس الفشل والإخفاق.
يوجد نوعٌ آخر من الخوف وهو الخوف على الناس. وهذا هو خوف المرسلين. خوفهم من أن يضل الناس وينحرفوا عن الصراط المستقيم. حين نشاهد فظائع تُرتكب بحق شعبٍ ما، ما يخيفنا أكثر من أي شيء آخر هو سقوط هذا الشعب في اليأس والاستسلام لعدوّه. نتألم مما يجري ونحزن وتهولنا الفظائع فتسلبنا النوم؛ لكن أكثر ما يُخيفنا هو أن تنكسر إرادة هذا الشعب ويخضع. فالحروب بالدرجة الأولى هي لكسر الإرادات. قتل الحلفاء مئات آلاف الجنود الألمان في الحرب، لكنّهم أعدموا منهم بعد استسلامهم أضعاف ذلك. الروس وحدهم قتلوا عدة ملايين انتقامًا. كان قتل الجنود والضباط الألمان بعد استسلامهم يكاد يتحول إلى لعبة للجنود البريطانيين والفرنسيين أيضًا.
بعد استسلام اليابان أعدم الأمريكيون أربعة آلاف ضابط رفيع المستوى من الجيش الياباني. ولولا القرار المفاجئ من الإدارة الأمريكية لأعدموا عشرات أضعاف ذلك.
الاستسلام يجلب العار والمزيد من الفظائع. وحين نستحضر هذه الحقيقة يزداد خوفنا مما يجري من جهة، ويقل شعورنا بالألم من جهة أخرى. لأننا نترقب ما هو أفظع.
وفي قوله تعالى: {قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى *... قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى * قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى * فَأَوْجَسَ في نَفْسِهِ خيفَةً مُوسى * قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى}.[5] قال أمير المؤمنين علي(ع): "لَمْ يُوجِسْ مُوسَى (ع) خِيفة عَلَى نَفْسِهِ بَلْ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الْجُهَّالِ ودول الضلال".[6]
[1]. سورة البقرة، الآية 155.
[2]. سورة النساء، الآية 90.
[3]. الصحيفة السجادية، دعاؤه عليه اسلام إذا نُعي إليه ميّت وذُكر الموت.
[4]. سورة الملك، الآية 2.
[5]. سورة طه، الآيات 59، و65-68.
[6]. نهج البلاغة، ص 51.

لماذا أحب الموت؟
استطاع هذا الكتاب أن يتحدى الموت. لكن ليس الموت الذي خلقه الله تعالى، لأنّ تحديه خطا فادح وخسارة كبرى؛ بل الموت الذي يعشعش في أذهان الناس ويمنعهم من الاستفادة من أروع تجارب الخلق والتكوين..أجل فالموت كان ولا يزال جسرًا يعبر بنا إلى الله؛ وما أجمل العبور إلى أعظم محضر في الوجود. لماذا أحبّ الموت؟ الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 104 صفحاتالطبعة الأولى، 2018م ISBN: 978-614-474-016-3السعر: 6$ القرّاء كتاب أكثر من رائع يحمل بين طيّاته موضوعًا يتطرّأ إلى تفكيرنا كثيرًا.يحبّب الكتاب حقًّا القارئ بفكرة الموت بعد أن غرس المجتمع في عقولنا أفكارًا مخيفة إلى أن أصبحنا نتناسى الموت هربًا من الخوف المحيط به والذي اصبح هاجسًا بالنسبة إلينا. لكن كالعادة يتألق السيد عباس نورالدين وينوّر الدين لنا فيمحي ما غرسه المجتمع من أخطاء ويغرس قيمًا وأفكارًا جديدة صحيحة مفعمة بالايمان. لماذا أحبّ الموت كتاب يروي عطاشى المعرفة والعلم. فلتسلم تلك الأنامل. د. سرور كتاب جدًّا قيم يشد القارئ للقراءة حتى النهاية ويبعث في النفوس الأمل والطمأنينة لاستقبال هذا الضيف الجميل بكل رحابة صدر،لأنّ أسلوب التشويق بالنسبة للموت أبلغ من التخويف ويشجع الإنسان على الاستزادة من العمل.لكم جزيل الأجر والشكر على جهودكم المباركة سيدنا وزادكم علما وقربًا. ن. سلمان للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

أخاف من النوم لأنه يشبه الموت!
أخاف من النوم لأنه يشبه الموت!

لماذا لا يصح الدعاء على أنفسنا بالموت إذا أصبنا بمصيبة كبرى؟
لم لا يصح للمرء ان يدعو على نفسه بالموت او يتمنى الموت اذا اصابته مصيبة كبرى او تصور ان تصيب مصيبة ما لاحبابه، في حين ان السيدة مريم دعت على نفسها وقت المصيبة {قالَتْ يا لَيْتَني مِتُّ قَبْلَ هذا}؟

هل يوجد أنواع من الموت؟
في سورة الدخان يقول الله سبحانه وتعالى {لا يَذوقونَ فيهَا المَوتَ إِلَّا المَوتَةَ الأولى وَوَقاهُم عَذابَ الجَحيمِ}، إذا كان الله سبحانه وتعالى يتكلم عن موتة "الأولى" هل يوجد أنواع من الموت؟ وإذا كان الجواب نعم فكم نوع من الموت يوجد؟

الحياة بعد الموت
الاعتقاد بالمعاد من أهم العقائد الإسلامية التي تشكل جزءًا أساسيًا من الرؤية الكونية لعقيدة الإسلام ولهذا الدين.من دون الاعتقاد بالمعاد يصبح كل شيء ناقصًا، والأهم أنّ إيماننا بالله عز وجل ستزعزع لأن جزءًا أساسيًّا من معرفتنا بالله عز وجل إنّما تتجلى بالمعاد.بدون وجود الحياة الأبدية فإنّ الصفات الإلهية العظمى لن تكون متجلية.

الصحة النفسية 5: حين يكون الموت منشأ كل عقدنا
لماذا تؤدي نظرتنا الخاطئة إلى الموت لتعاستنا؟ولماذا يجب أن نستحضر الموت بدل الفرار منه؟

أطفالنا في مواجهة الموت
عندما يواجهني طفلي بسؤال هل سأموت في الانفجار التالي؟ عندما تعود طفلتي من المدرسة لتخبرني بأن صديقتها استشهدت في الانفجار، واقرأ في عينيها الحزن على رفيقتها والخوف من فقد احبتها ماذا اجيبها؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...