عن خدعة الديمقراطية الغربية
وكيف تشكلت مع بقاء النظام القديم
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب على طريق بناء المجتمع التقدمي
الديمقراطية الغربية واحدة من أكبر إنجازات الغرب وأكثرها جاذبية. لو فرضنا أنّ هذا الغرب وصل إلى ما وصل إليه من تقدُّم علمي وتطوُّر تقني ولم يحقق هذه الديمقراطية التي نراها في الانتخابات وتداول الرئاسات لما كان له مثل هذا التأثير النفسي والفكري على بقية الشعوب. كل الآداب والمعارف والعلوم والفنون الغربية تتبع هذا الإنجاز الفريد.
بتصور معظم شعوب العالم، تُعد الديمقراطية أفضل نظام للحكم على الإطلاق. لم تتمكن تجربة السيادة الشعبية الدينية في إيران من منافسة مبدأ الديمقراطية الغربية لحد الآن؛ ولهذا قصته المفصلة. لكن هذه الديمقراطية المزعومة التي تقوم على حكم الأكثرية هي واحدة من أكبر خِدع الغرب قاطبة. تنطلي الخدعة على المحرومين منها بشكل طبيعي، وعلى المتعجّلين الذين لا يقدرون على رؤية بواطن الأمور وخباياها.
أعجوبة الديمقراطية الغربية تكمن في حصول ذلك التحول من أنظمة الاستبداد الملكية والاقطاعية إلى حكم الأكثرية، خصوصًا في الدول التي حافظ فيها هؤلاء الأمراء والإقطاعيون على ثرواتهم الهائلة. ولا يشك أحد بأنّه مع وجود الثروة توجد السلطة. فالديمقراطية الغربية ليست سوى إطار سياسي لحماية الرأسمالية التي يُفترض أن تقوم بدورها برفدها بكل عناصر القوة والبقاء! حين تنهار الرأسمالية سيطالب الجميع بالاشتراكية أو الاستبدادية الديكتاتورية ويصبحون مستعدين للتخلي عن أصواتهم، كما حصل بجزء منه في أزمة انهيار البنوك عام 2008.
هذا الانتقال في السلطة، والذي شهد عنفًا في بعض البلاد الأوروبية (كما حصل في الثورة الفرنسية) وحصل عبر نوع من التحولات السلمية في بعضها الآخر (كما في الدول التي ما زالت تحتفظ بعرش الملوك)، لم يتمكن من القضاء على تأثير المال والثروة أبدًا، لأنّ نظام الديمقراطية لم يكن نظامًا يعتمد على قيمة العدالة الواقعية. ولذلك سرعان ما تمكن الرأسماليون الكبار من الازدياد في الثراء في ظل الأنظمة الديمقراطية وما كانوا ليحلموا بذلك في أزمنة آبائهم الإقطاعيين. حصل ذلك من خلال القوانين التي تمكنوا من فرضها عبر الديمقراطية نفسها.
الديمقراطية الغربية هي حكم الأكثرية، لكن صناعة الأكثرية تجري عبر سلطة المال قبل أي شيء. هذا الأمر مشهودٌ بوضوح في انتخابات الرئاسة الأمريكية وحملاتها المموَّلة من اللوبيات النافذة.
في كل دولة ديمقراطية غربية يوجد دولة عميقة يحكمها مجموعة من الرأسماليين الكبار لا غير. وهذه الدولة هي التي تتحكم بالسياسات العامة للدولة الظاهرة، من أجل ضمان مصالح هؤلاء الرأسماليين أولًا.. يتفق هنا أنّ بعض مصالحهم قد لا تتعارض مع مصالح الأكثرية، فينال الجميع حصته من الكعكة. لكن هناك حصة الأسد وهناك حصة الفأر. تكبر هذه الكعكة بفضل السياسات الخارجية التي يتّبعها هؤلاء الكبار، والتي يُفترض أن تبقى خافية على الأكثرية قدر الإمكان. لا ينبغي لأفراد الشعب أن يطلعوا على حجمها أبدًا. وهكذا يكون المؤدى ازدياد الهوة بين الطبقات على مر الزمن، فيزداد الرأسماليون ثراء وقدرة وتسلطًا.
الديمقراطية هذه هي واحدة من إبداعات الإقطاعيين الذين تحولوا إلى رأسماليين بين عشية وضحاها، فوجدوا في هذا اللقب الجديد مزايا لم تكن حاصلة لهم من قبل. أصبحت مشاركتهم في تكبير الكعكة أكثر فاعلية. والكعكة الواقعية في الدول الغربية هي نتاج نهب الدول والشعوب الأخرى.
لأجل إخفاء الطبيعة الوحشية والاستعمارية على شعوبهم، كان على سادة الدولة العميقة أن يصنعوا كعكة أخرى يتشارك فيها الجميع بنحوٍ من المساواة، فيقل الشعور العام بالاستبداد والظلم. وهي كعكة الشؤون الداخلية. نظرة متفحصة لكل الدول الغربية الديمقراطية تبين مدى التفاوت بين سياساتها الداخلية والخارجية. فهي شديدة العدوانية والاستعلاء والنهب والظلم وعدم الشفافية حين يتعلق الأمر بالشعوب المستضعفة، لكنها تنتهج مبادئ المشاركة والمساواة على صعيد قضايا المجتمع الداخلية (هذا أيضًا خاضع لاعتبارات السلطة). فيشعر المواطن هناك أنه يقرر مصيره الصحي والتعليمي والمعيشي من خلال المشاركة الديمقراطية، لكن حين يأتي الأمر إلى السياسات الخارجية، يجري التعتيم عليه من خلال استغلال جهله وعدم اهتمامه وقلة اكتراثه بما يجري في مناطق العالم الأخرى.
مارست هذه الحكومات الديمقراطية الغربية هذا النوع من الإلهاء منذ عشرات السنين، وما زالت تفعل ذلك. فالقدرة الواقعية لهذه الدول تكمن في نهب الآخرين. إن الأمر أشبه بتلك الأسرة التي يقوم ربّها بسرقة جيرانه خفية، ثم يقوم بتقسيم جزء بسيط من هذه المسروقات على أولاده بالمساواة. الأولاد يشكرون أباهم على عدالته وشفافيته ولا يشعرون بضرورة مساءلته عن مصدر هذه المسروقات.
الديمقراطية الغربية ليست سوى قناع وضعه مجموعة من المقتدرين في المجتمعات الغربية لإخفاء وجوههم الحقيقية. هذه الوجوه التي لم تتخلَّ يومًا عن حلم السلطة والتحكم والاستبداد. لكن المؤسف حقًّا هو هذا الجهل الذي يتغذّى بالغباء الإرادي عند المنبهرين بهذا الغرب المتوحش.
على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$
بين الاستبداد والديمقراطية.. أيها أنفع للازدهار
الاستقرار السياسي ضروري لتحقيق الازدهار والتنمية الاقتصادية المستدامة، لكن أوضاع العالم اليوم وما تشهده من تحولات تطال البنى الاقتصادية التحتية ما عادت تحتمل أي تباطؤٍ في أخذ القرارات. يجب البحث عن مخرج وحل.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...