عن العظمة التي لا تُستنسخ
حين نعجز عن تقديم عظيم كقدوة
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب أي مجتمع نريد
{أُولئِكَ الَّذينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ}[1]
هناك أشخاص يأتون إلى هذه الحياة الدنيا ويحققون إنجازات عظيمة تُدخلهم في زمرة العظماء؛ لكن إذا أردتَ أن تستنسخ عظمتهم وتبني منها نموذجًا يقتدي به الآخرون عجزت. بعض أنواع العظمة التي تظهر في الأفعال والإنجازات ترتبط كثيرًا بظروفٍ خاصة لا تتكرر. عظمة بعض أبطال المقاومات الشعبية لا يمكن تقليدها إلا في ظل وجود مُحتلٍّ غاشم، وحيث يكون الشعب في حالة من الإحباط واليأس والخنوع. أي عمل ضد هذا الجيش في مثل هذا الوضع سيكون فريدًا من نوعه، وسوف يُعتبر بطوليًّا بامتياز. لكن بالتأكيد لا يريد هؤلاء الأبطال أن تعود الظروف إلى ما كانت عليه. لقد طردوا الجيش الغازي لا ليرجع مرة أخرى، ويُصنع الأبطال مجددًا!
إن كانت الأعمال العظيمة مرتبطة بحيثيات زمانية ومكانية إلى درجة الالتصاق، يصبح التفكيك صعبًا واستنباط عناصر العظمة أصعب.
فهل هذا عجزٌ منّا عن استنساخ عظمتهم وبطولاتهم؟ أو إنّ للظروف دورها المميز؟
بعض العظمة يتأتى من كون هذا البطل في المكان المناسب في الزمن المناسب. ثم، قد تتدحرج هذه البطولة لتُصبح مثل كرة الثلج، سلسلة من البطولات المتلاحقة التي تنتهي بعظمة من نوعٍ فريدٍ عجيب يفوق تصوُّر العقول. ما حدث هو أنّ التوفيق الأول جرّ إلى سلسلة من التوفيقات الأخرى المتواصلة. الموقف الأول يُكسبك شعورًا بالشجاعة والإقدام، وترى أنّه ليس هناك مستحيل على وجه الأرض. هكذا تندفع لتقوم بأعمالٍ مشابهة، تتراكم في سجلك وتضعك في خانة العظماء. فهل هي يد الله التي أرادت لك أن تظهر عظيمًا في الدنيا، أو أنّك عظيم فعلًا؟
العظمة الواقعية عندنا لا تكون إلا في درجة مهمة من درجات القرب من الله.. هذا ما نكون على يقين منه بخصوص الأنبياء والمرسلين، لأنّ لهم أعمالًا تشهد على ذلك بالتحديد. لا نشك بأنّ لهم منزلة خاصة عند الله وإن جهلنا ماهيتها وحقيقتها. القرب يتجلى في عمق الإيمان، وإن كان سيظهر في الحكمة والمعرفة (بمعزل عن رؤية الناس لهذه الحكمة وإدراكهم لها). في الحديث الشريف: "الجهل ذُل".[2] أهم علامات التقريب الإلهي للعباد أن يؤتيهم الحكمة فتتدفق متفجرة من قلوبهم على ألسنتهم. بدونها تكون الإنجازات العظيمة محل تساؤل فيما إذا كان أصحابها عظماء حقًّا، مهما كانت مؤثرة على حياة الأمم. بهذه الطريقة من التمييز والدقة يمكن أن نهتدي إلى العظمة القابلة للاستنساخ. هنا قد نتمكن من إرجاع الأعمال العظيمة إلى جذورها في الكمال الإنساني؛ ولا شيء يضاهي الحكمة في الكمالات.
قد تكون العظمة أمرًا مُعارًا، تُعطى لشخص ثم تُسلب منه في الآخرة. حتى الإيمان نفسه قد يكون كذلك، كما جاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام: "إِنَّمَا هُوَ مُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ، فَالْمُسْتَقَرُّ الْإِيمَانُ الثَّابِتُ، وَالْمُسْتَوْدَعُ الْمُعَار".[3] بعض الناس يعيشون حالة من الإيمان، ثم يُسلب منهم هذا الإيمان عند الموت؛ وهو معنى قوله تعالى: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ}.[4] لا كمال ذاتي للإنسان، لأننا نحن عين الفقر والعجز والإمكان. فلا ينبغي أن نتعجب من هذه الحقيقة.
لكن، لا شك بأنّ الإيمان ليس من مرتبة العمل، فهو أعلى وأهم. فلو فرضنا أنّ إنسانًا لم يخرج من هذه الدنيا سوى بالإيمان وكان كتابه خاليًا من أيّ عملٍ صالح، فإنّه ولا شك سيكون أفضل من ذاك الذي يخرج من الدنيا بصحيفة مليئة بالأعمال الحسنة دون إيمان؛ بل لا تصح المقارنة بينهما إطلاقًا. أين الفرع من الأصل! من المُستبعد أن يعيش المرء حياةً مُفعمة بالإيمان ثم يخسر ذلك عند الموت. لكن الأمر غير مستحيل ولا ينبغي أن ننكره. لكن ليس من المستبعد أبدًا أن يشتهر إنسان بعظمة منجزات أو يوفق لأعمال عظيمة في الحياة الدنيا ثم لا يُحشر مع الصالحين يوم القيامة. لعلّ هذا ما قُصد في الحديث الذي يشير إلى أن الله تعالى قد ينصر هذا الدين بقوم لا يشمون رائحة الجنة.
حين نعجز عن إرجاع الأعمال العظيمة إلى جذورها في النفس (وهي الملكات والعقائد والمعارف)، فهذا يشير إلى احتمال كونها من ذاك النوع من التوفيقات التي يريد الله سبحانه وتعالى أن تكون لغزًا لنا، علينا أن نحله بطريقةٍ ما. لكنّنا لن نُلام إن عجزنا عن استنساخ شخصية صاحبها.
العظمة القابلة للاستنساخ هي التي يمكن فهم جذورها الإيمانية الفكرية المعرفية. تلك التي تحكي عن امتلاك صاحبها رؤية كونية عميقة ومعرفة واسعة بالوجود وحكمة دقيقة ترتبط بوضع الأشياء مواضعها. إن استطعنا أن نقرأ هذه الحكمة في شخصية ذي الإنجازات العظيمة، فهذا يعني أننا نستطيع أن نقوننها ونبرمجها ونستخرج منها طريقة للاستنساخ.
[1]. سورة الأنعام، الآية 90.
[2]. الكافي، ج1، ص26.
[3]. قرب الإسناد، ص382.
[4]. سورة الانعام، الآية 98.
على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$
ما الفرق بين مقارنة الطفل بأقرانه وتشجيعه على اتخاذ قدوة
عادة ما يتبع الأهل أسلوب المقارنة مع أولادهم لتشجيعهم على القيام بعمل ما، خصوصًا مع أقرانهم، وهذا الشيء قد يعطي نتائج سلبية. فما الفرق بين هذا الأسلوب وبين تشجيع الأبناء على اتخاذ القدوة؟
القدوة أعظم مؤثّر
لا يتحرك الناس بمجرد حصول القناعة والفهم، فالمحبة والرغبة والإنجذاب إلى الشيء هو الذي يشكل الدافع الأكبر نحوه. إذا قمنا بتحليل الدوافع الأساسية في أي تحرك أو نشاط يقوم به الإنسان، لوجدنا أن تمثّل النتيجة والأثر في صورة خياله، وما تعطيه من لذة أو مصلحة متصورة عنده، هي التي تدفعه نحو ذلك الشيء...
10 أسرار لعظمة الشخصية... ما الذي يمكن أن نتعلمه من العظماء؟
منذ حوالي أربعين سنة وأنا أجول في عالم الإمام الخميني، في شخصيته وصفاته وأفعاله وإنجازاته؛ ولم يتوقف هذا الرجل الروحاني عن إذهالي أبدًا.
كيف يكون المعصوم قدوة؟ إذا كان وليّ الله معصومًا منذ طفولته ومؤيّدًا منذ صغره، فكيف يمكن أن نتّخذه قدوةً لنا؟
تثبت الأدلّة العقليّة والنقليّة أنّ الأنبياء والرّسل هم أشخاص معصومون عن الخطأ ولا يمكن أن يرتكبوا أي معصية في سلوكهم وفي تلقّيهم للوحي وفي تبليغهم للرسالة. وهم مؤيّدون بروح القدس الذي بفضله تنكشف لهم قبائح المعاصي وبشاعة الذّنوب إلى الحدّ الذي تكون في مذاقهم كالسمّ الزّعاف والجيفة النتنة. فهل رأيتم من يُقبل على تناول السمّ بإرادته أو أكل الجيفة برغبته؟
ذاك الشاب المغمور قدوتي! كيف يتحوّل شخص ضعيف بائس إلى قدوة لآلاف الشباب؟
يرسم بعض النّاس لنا صورة القدوة ويجسّدونها من خلال التحوّل العميق الذي يحدث في شخصيّتهم. هذا التحوّل الذي يظهر بارتقائهم من أسفل سافلين إلى أعلى عليّين في زمنٍ محدود، يعبّر عنه بعض أهل العرفان والرّوحانية بعبور ألف شهر في ليلة واحدة. يدهشنا كيف أنّ شابًّا بائسًا عديم الجدوى يمكن أن يصنع مثل هذه المعجزة دون أن يبذل جهدًا كبيرًا أو يستغرق زمنًا طويلًا.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...