حول ظاهرة التنمُّر في المدارس الإسلامية
فتشوا عن الأسباب الواقعية
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب تربية الأولاد وأولادنا
سألتني ابنتي متعجبةً متألمة عن بعض حالات التنمُّر في مدارسنا الإسلامية. "التنمُّر صار ظاهرةً فيها"، قالت وهي تقارن الوضع الحالي بأيام دراستها فيها. بالطبع، الظاهرة لا تعني بالضرورة أنّ الكل يمارسه، لكن الكل يقبل به أو لا يكترث له.
المدرسة الإسلامية هي المؤسسة التي يُرجى منها أن تكون محلًّا لازدهار الفضيلة والتراحُم والمودة والصداقة والإحسان، لا التوهين والتحقير والأذية والتحطيم.
فمنذ مدة ليست ببعيدة، وقعت حادثة تنمُّر مؤسفة للغاية في مدرسة إسلامية عريقة؛ حيث اتُّهمت فتاة مجتهدة خلوقة طيبة بأنّها تنقل أخبار الصف للنظارة، وتم إقصاؤها من قبل جميع زميلاتها؛ ولم يلبث الأمر أن تحول إلى حملة شاملة لنبذها من قبل جميع الطالبات في المدرسة تحت عنوان الجاسوسة الخائنة. حدثتني ابنتي عن وضع هذه الفتاة الذي أصبح لا يُطاق، حيث تمكنت طالبات صفها والشُعَب الأخرى المتآمرة معهن من تحويل حياتها إلى ما يشبه الجحيم. فمع وجود شبكات التواصل والذكاء الاصطناعي وتحرير الصور، يمكنك أن تتوقع ما لا يُتوقع.
وحالةٌ أخرى أيضًا في مدرسة إسلامية ثانية؛ فتاة ملتزمة يتم التعليق عليها دومًا والسخرية منها ونعتها بلقب الشيخة بطريقة التحقير، فقط لأنّها متدينة وتتحدث عن قناعاتها الدينية بحرية أمام الجميع. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبحت كلمة الشيخة وسيلة للحط من شأنها في كل مناسبة أو موقف. ونحن نعلم أنّ أقدس الكلمات حين تُستعمل في سياقات الاستهزاء تكون أشد وقعًا من السباب والشتيمة.
التنمُّر لا يقف عند حد أذية الشخص الذي يتعرض له، بل يصبح سببًا لسقوط صاحبه نفسه، لأنّه يُعد من أسوأ الأفعال وأشدها قبحًا.. وفي الحديث: "مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ أَرْصَدَ لِمُحَارَبَتِي وَأَنَا أَسْرَعُ شَيْءٍ إِلَى نُصْرَةِ أَوْلِيَائِي".[1] وفي حديث آخر: إنّ الله...أَخْفَى وَلِيَّهُ فِي عِبَادِهِ فَلَا تَسْتَصْغِرَنَّ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ فَرُبَّمَا يَكُونُ وَلِيَّهُ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ".[2] لذلك من يهين شخصًا لإيمانه واستقامته ونزاهته، عليه أن يتوقع ردًّا شديدًا في المقابل.
وبمعزل عن النتائج الوخيمة لهذا السلوك الأرعن، فإنّ مسؤولية المدرسة هي الحؤول دون حصوله، وتوفير الأمن النفسي لجميع تلامذتها مهما كلف الأمر، لا أن تكون محلًّا لنمو هذا المرض وتكاثره.
فلماذا نجد مدارسنا قد تحولت إلى مهدٍ للتنمّر؟
يأتي الطالب إلى المدرسة، وقد يكون حاملًا لبذور العقد النفسية؛ فتكون المدرسة حاضنة لهذه البذور تبدّلها إلى أشجار خبيثة ذات جذور! والتنمر على الآخرين من أجل تحقيرهم وتوهينهم وإسقاطهم هو مرض ينبع من عقدة الحقارة. فلا يحتقر غيره إلا من احتقر نفسه في داخله، ولا يتنمر على غيره إلا من استكبر في نفسه، أي طلب لها العلو على الآخرين. ولا يتكبر إلا من كان يشعر بالدونية والحقارة.
شعورنا بالدونية غالبًا ما ينشأ من تقييم الآخرين لنا. ربما لو عاش الإنسان وحده على جزيرة نائية، لما شعر بالحقارة أبدًا.
داخل أجواء الأُسرة يحصل تقييم ومقارنة من قبل الوالدين والإخوة؛ لكن هذه المقارنة تجري على نطاق ضيق عادةً. يقارننا آباؤنا بإخوتنا أو بعض أقاربنا: "لماذا لا تكون شاطرًا مثل أخيك؟"، و"لماذا لا تكون نجيبًا مثل ابن خالتك؟".
أمّا في المدرسة فيتّسع نطاق المقارنة ليشمل عددًا أكبر من الأشخاص، ويزداد التقييم عمقًا، لأنّه يرتبط بمصيرنا ومستقبلنا؛ "أنت لن تفلح في حياتك!"، "أنت لن تكون شيئًا في المستقبل!".
منذ المراحل الدراسية الأولى، تضع المدرسة كل تلميذ تحت ضغوط المقارنة بالذكاء والهمّة والشطارة والسلوك. ومع فشل المدرسة في مساعدة التلميذ على التعلُّم الصحيح واكتشاف آلياته المتناسبة معه، يدخل هذا التلميذ في أزمة حادة، يشعر معها معظم الوقت بالنقص، بسبب أدائه الدراسي المتدني، هذا النقص الذي لا يمكنه التعامل معه إلا بالتمرُّد على المدرسة وعلى كل ما تمثله. وعندها سيكون كل نجيب في المدرسة ذي حظوة عند معلميها ونظامها هدفًا لهذا المتمرد. وإذا وجد هذا المتمرد من يشبهه ويعاني مثله سرعان ما يشكل هؤلاء عصابة للتمرُّد تستهدف النجباء والمنقادين والمتماهين مع نظام المدرسة. أليس عجيبًا أنّ التلميذ المتمرد أو المشاغب لا يتعرض للتنمر مهما كان يعاني من نقائص في شخصيته أو أدائه الدراسي؟!
إنّ الضغط الهائل على روح التلميذ هو العامل الأول وراء دفعه نحو السلوك الاستعلائي التنمري، لأنّه يراه تعويضًا عن ذلك الشعور بالنقص والدونية. هذا الضغط الذي يطال عمق نفسه ومشاعره ونظرته إلى ذاته منذ المراحل الدراسية الأولى، والذي سيتفجر لاحقًا بصورة أنواع المشاغبة والتمرد.
فتشوا عن أسباب التنمر قبل التعامل مع نتائجه. تعجز كل المدارس عن حل مشكلة التنمر، لا لأنّه يجري بعيدًا عن أعين النظار والأساتذة غالبًا، بل لأنّها لا تريد الاعتراف بأنّها هي السبب في تشكُّله وتضخُّمه.
إنّ التقليل من حُرمة التلميذ عبر توبيخه واستصغار شأنه والاستخفاف بذكائه وإشعاره بالنقص هو الذي يبدّله إلى شخصٍ يحتقر ذاته، فيُعبر عن ذلك باحتقار الآخرين.
يستحيل أن نجد متنمّرًا وهو متصالح مع ذاته، يدرك عيوبه ويعرف كيف يتعامل مع الإخفاق الدراسي ومشاكل التعلُّم.
علينا أن نبدأ من نظام المدرسة الذي أعطى الأولوية المطلقة للعلامات والدراسة، بدل الإحسان والتعاون والتراحم والمحبة. تقول المعلمات إنّ الإدارة تضغط علينا كثيرًا لإنهاء المنهاج ورفع المستوى العلمي، فلا نجد وقتًا للتعامل مع المشاكل والقضايا النفسية. وتقول الإدارة إنّ معلماتنا لا يمتلكن المعرفة والمهارة المناسبة لمعالجة هذه القضايا. ثم بعدها يقول الجميع إنّ المشاغبة أضحت أكبر مانع من التركيز والتحصيل العلمي. يبحث الجميع عن حل لهذه المشكلة وهو موجود بين أيديهم، بل هم من تسبّب بها ولا يشعرون.
[1]. الكافي، ج2، ص351.
[2]. الخصال، ج1، ص210.
المدرسة الإسلامية
يعرض لأخطر المشاكل وأهم القضايا حول أوضاع المدارس الحالية، التي تبنت المناهج الغربية، وذلك بالطبع بحثًا عن المدرسة المطلوبة التي تنسجم مع حاجات المجتمع وثقافته. كل ذلك من أجل بعث حركة فكرية جادة بين المهتمين بالتعليم عن طريق بناء الرؤية الشاملة للتربية التعليمية في الإسلام. المدرسة الإسلاميّة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 232 صفحةالطبعة الأولى، 2014مالسعر: 10$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
روح التربية
الإنسان لا يأتي إلى الدنيا فاسدًا. في البداية يأتي إلى الدنيا بفطرة جيّدة وهي الفطرة الإلهية "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَة"، وهذه هي الفطرة الإنسانية فطرة الصراط المستقيم والإسلام والتوحيد. أنواع التربية هي التي تفتح هذه الفطرة أو تسد الطريق على الفطرة. التربية هي التي يمكن أن توصل المجتمع إلى كماله المنشود، وهي التي تجعل البلاد إنسانية نموذجية كما يريدها الإسلام روح التربية الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 192 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$
المدرسة النموذجية
إنّ القوّة الأساسيّة للمدرسة النموذجيّة تكمن في برامجها ومناهجها التي تتميّز بقدرتها على تقديم المعارف والمهارات بأحدث الطرق وأسهلها، وتعتصر كل التراث العظيم للبشريّة وتتّصل بكامل التّراث الاسلامي وتقدّمه لطلّابها عبر السنوات الدراسيّة كأحد أعظم الكنوز المعرفيّة. وهكذا يتخرّج طلّابنا وهم متّصلون بهذا البحر العظيم لكلّ الإنجازات الحضاريّة في العالم كلّه ويمتلكون القدرة التحليليّة اللازمة لتمييز الخير من الشرّ في جميع أنحائه. المدرسة النموذجيّة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 140 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$
ثورة التربية والتعليم
يتطرّق الكتاب الرابع في سلسلة الأطروحة التربوية التعليمية التي يقدمها السيد عباس نورالدين إلى أهم القضايا التي تواجه أي ثورة حقيقية تريد إعادة إنتاج التربية التعليمية وفق استحقاقات العصر ومتطلّبات الزمان وبما يتناسب مع التحدّيات التي يعيشها مجتمعنا.الثورة التي يدعو إليها الكاتب تطال جميع مفاصل التربية التعليمية من رؤى ومناهج وقيم وحتى تلك التفاصيل التي تعني كل عامل أو مهتم بهذا المجال المصيري. ثورة التربية والتعليم الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 216 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-033-0 السعر: 12$
ولدي يتعرض للتنمر
كيف نعالج مشكلة آثار التنمر إذا كان الطفل هادئًا ولا يحب العنف وأقرانه يفوقونه قوة؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...