
الحجاب في مواجهة الإغراء الجنسي
ما هو المعيار الأساسي؟
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب بحثًا عن حضارة جديدة
الجاذبية الجنسية تدور حول جذب الآخر من خلال تحريك شهوته وإشعاره بلذة ما أو إمكانية الوصول إلى لذة.. تنطلق الجاذبية الجنسية من التصوُّر بأنّ الطرف الآخر (العارض) يتيح لنا الاستمتاع به، بشتى أنواع الاستمتاع من مُتع النظر والسماع واللمس وحتى الشم.
هناك درجات للاستمتاع الشهواني أيضًا؛ يعتبر البعض التقبيل والجماع أعلاها وأشدها. يُقال إنّ كل درجات الاستمتاع الأخرى لا تكون متعة إلا إذا خلقت في الذهن أو الخيال احتمال الوصول إلى الدرجة الأخيرة. يبدو أنّ سر شهوة الجنس في هذا العالم الأرضي يكمن في دفع الألم الذي يتسبّب به الحصر والحرمان والكبت. والدليل أنّها تنطفئ تمامًا وتخمد بعد الاستمتاع الأقصى.
إذًا، تنبثق الجاذبية الجنسية عند المرأة أو إغراءاتها من إشعار الرجال بأنّها متاحة لأي درجة من درجات المتعة. هنا يكون الكشف عن الجسد بأي نحو أو بأي طريقة رسالةً واضحة، وإن اختلف التعبير والمظهر والهيئة باختلاف المجتمعات.
في وقتٍ ما، كان اللباس الشرعي للمرأة الذي يكثر استعماله في لبنان وتركيا يُمثل لمجتمعات أخرى كالعراق وإيران رسالة تُعبّر بأنّ هذه المرأة مُتاحة للجنس. ما لم ترتدِ الشادور الأسود الذي يغطي الفم والأنف وإحدى العينين فهي تعرض نفسها. هذا ما يزيل استغراب النسوة اللواتي يزُرن مناطق في العراق. كان لدينا أستاذ في حوزة قم المقدسة ينعت اللواتي يرتدين اللباس الشرعي دون الشادور بالخلاعة، ولا استعمل عبارته هنا. وبالتأكيد، فإنّ هذا العالم الجليل لم يكن يتقصَّد أي إهانة. في حين أنّ التنورة القصيرة فوق الركبة تُعد في مجتمعات أخرى لباسًا يدل على الالتزام تجاه المدرسة أو مكان العمل.
رسائل اللباس تتفاوت، وتتم قراءتها وتفسيرها في كل مجتمع بحسب الأعراف السائدة فيه. في مجتمعنا إذا لم تضع المرأة العباءة التي كانت قد اعتادت على ارتدائها والالتزام بها في جميع المناسبات، فهذا مؤشر على أنّها تخلت عن درجة من الالتزام الديني، ذلك لأنّ مجتمع المتدينين المتأثرين بعلماء الدين الوافدين من الحوزات القمية والنجفية قد رفع مستوى الالتزام إلى هذا الحد.
ربما يفزع البعض من هذا التغيير والتبديل في هيئة اللباس، وقد يتصورون أنّه إشارة ما من هذه المرأة بأنّها صارت متاحة.. عليك أن تدخل إلى ذهن هؤلاء الرجال والنساء الذين يخطر مثل هذا على بالهم، لتعرف القصة.
ممّا لا شك فيه أنّ عالمنا إذا تُرك وشأنه، يسير نحو التعرّي التام، طالما أنّه يتمسك بمبدأ الإغراء الجنسي والجاذبية الشهوانية كقيمة إيجابية.. يتم تعريف المرأة القوية فيه بأنّها المرأة التي لا تخشى إظهار جميع مفاتنها (الحياء يصبح هنا علامة الضعف والتخلُّف)، بل أكثر من ذلك، قوة المرأة أضحت جزءًا من ثقافة العالم الحديث الذي يريد أن يجر المجتمعات الأخرى نحو ثقافته.
التعري الكامل يصبح حتميًّا في نهاية هذا المسير، لأنّ بقاء الإغراء الجنسي يعتمد على ما عبرنا عنه بالإتاحة. هنا تُظهر المرأة نفسها بأنّها هي التي تتحكم بحياتها وخياراتها الجنسية، في الوقت الذي تعرض نفسها أمام الجميع وبالمظهر الذي ترغب به؛ وأي مس بها دون إذنها يُعتبر اعتداءً يعاقب عليه القانون. بمجرد أن صار العرف السائد أو الموضة الدارجة أن تلبس النساء ثيابًا بلا أكمام، حتى فقدت هذه الموضة إغراءها ولم تعد تخدم خيار المرأة العصرية القوية الجذابة جنسيًّا. صار من اللازم إظهار الشق في الصدر، ثم صار هذا الشق أمرًا معتادًا وعدم إظهاره تزمُّتًا وضعفًا. الموضة الجديدة اليوم تتّجه نحو إظهار الحلمتين وذلك بعد أن أصبح إظهار الصرة أمرًا عاديًا، وهذا القطار يسير، ومساره لا بد أن يصل إلى التعرّي الكامل.
قد تتعجّب إذا قلنا بأنّ المشكلة الكبرى في التعري الكامل هي أنّ هذا الانسان سيفقد عندها أي نوع من الجاذبية الجنسية. والنتيجة زوال الجنس والعلاقات الشهوانية. وهذا يعني انقراض المجتمع البشري. وهذا ما يفسر انخفاض معدل الممارسات الجنسية بين الشباب في المجتمعات المتفلتة من جميع الضوابط الجنسية تقريبًا.
مؤشر الخصوبة ينخفض في هذه المجتمعات بمعدلات قياسية جعلت بعض المسؤولين الكبار يعتبرون ذلك الخطر الأكبر على هذه المجتمعات وأنّ تهديدها أكبر من الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل.
يُقال بأنّ الجاذبية الجنسية تبقى في صعوبة الوصول وليس في الإتاحة. كلما كان الجنس متاحًا فقد إغراءه. ما تفعله المرأة من إتاحة نفسها يحقق عكس الغرض. وهذا ما يعكس الاندفاع نحو المزيد من العرض والكشف. هذا حال المجتمعات التي تضيع فيها القيم ولا يبقى فيها سوى الحيوانية والمادية.
تكمن القضية في مجتمعاتنا المتدينة في النقاش الدائر حول ما هو لباس شرعي، حيث يقوم البعض برفع سقفه، ربما من باب الاحتياط أو سد المعاذير أو لاعتبار أنفسهم وُلاة على المجتمع ولهم دور الوصاية الأبوية عليه. وهذا ما كان يؤدي إلى جعل اللباس الشرعي المحدَّد في الفتاوى والأحكام مندرجًا في دائرة الإغراء الجنسي والإشكال الشرعي. ثم يجد آخرون في المقابل أنّ هذا لا يتناسب مع الحياة ومتطلباتها ومصاعبها ودور المرأة الاجتماعي ووظائفها، فيطالبون بخفض السقف.
يدور عالمنا هذا بين إفراطٍ وتفريط، ويتأرجح الناس فيه بين التعري والتزمُّت. ويُصبح تحديد الحد المطلوب والعدل الوسط صعبًا. وحين لا تتضح المعايير الدقيقة ندخل في جدالات عقيمة. للستر الجنسي حكمته التي يجب الكشف عنها لأنّها أساس الأحكام المتعلقة به.

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

أي مجتمع نريد؟
ما هي أهمية البحث عن المدينة الفاضلة؟ وكيف نرتقي بوعينا ومسؤوليتنا الاجتماعية؟ ما هي القضايا التي لا بد من دراستها وفهمها لرسم معالم الطريق الموصل إلى المجتمع الأمثل. وما هي العوائق الكبرى على هذا الطريق.

بحثا عن حضارة جديدة
ماذا يعني أن يؤسس المسلمون حضارة جديدة؟ وما هي أسباب إخفاق حضارتهم الأولى؟ هل كانت قواعد البناء واهنة؟ أم أن المسلمين لم يتمكنوا من إشادة حضارتهم عليها؟ هل نشهد في عصرنا الحالي إمكانية بناء حضارة جديدة وسط كل هذه التحديات التي تمثلها القوى العظمى في العالم؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...