
كيف نُعد أولادنا للنجاح في العمل والحياة؟
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب #أولادنا و #تربية الأولاد
كم هو مؤلم وباعث على الأسى أن يشاهد الآباء أبناءهم وقد بلغوا سن العمل والإنتاجية وهم لا يقدرون على تحقيق أي نجاح. الآباء الذين حققوا نجاحًا بفضل كدحهم، فأسّسوا أسرة متماسكة وأمّنوا لها مسكنًا وحياةً كريمة، لكنّهم لم يتمكنوا من إعداد أولادهم للنجاح مثلهم؛ ترى أولادهم يتخبطون في متاهات الحياة لا يهتدون إلى النجاح سبيلًا. فلا هم قادرون على الحصول على مهنة تحقق لهم الاستقرار المعيشي ولا هم قادرون على استيفاء شروط النجاح في المهنة التي اختاروها!
يُقال إنّ هناك نوعًا من الآباء الذين كدحوا طويلًا وقد تعقّدوا من معاناتهم، فلم يريدوا لأبنائهم أن يعانوا كما عانوا هم في طفولتهم. ولذلك تجدهم يسعون كل جهدهم ليؤمّنوا لأبنائهم كل متطلبات العيش الكريم والرفاهية التي حُرموا منها. لكن، لهذه الرفاهية ثمن قد يكون أن هؤلاء الأبناء أنفسهم لن يستطيعوا تكوين شخصية جاهزة للسير في غمار الحياة بنجاح.
هذه الآفة معروفة وسببها واضح؛ فالترف والدلال الزائد والاهتمام الخارج عن الحد والتربية المنطلقة من العقد النفسية (مثل اعتبار الحرمان مصيبة كبرى)، كل هذه العوامل لا تستطيع أن تبني شخصية قادرة على الكدح وعلى امتلاك الكفاءات اللازمة للنجاح.
الكثير من الآباء لا يتقصّدون ذلك، لكنّهم لا يعرفون كيف يربون أبناءهم وإعدادهم للتعامل مع واحدة من أهم قضايا الحياة التي ترتبط بتأمين المعيشة والمهنة المناسبة.
لا تعجب إن وجدتَ نسبة مقلقة من أبناء الآباء الناجحين غير ناجحين ولا يمتلكون الكفاءات المطلوبة.
تربية أولادنا في هذا المجال تحتاج إلى وعي وبصيرة ومعرفة. وأهم ما ينبغي أن يعرفه الآباء في هذا المجال هو تربية الأبناء لتحصيل الخصائص اللازمة، وأهمها:
1. العلم: بمعناه الحقيقي لا الاعتباري. صحيح أنّ الشهادات الجامعية قد توسّع من الفرص، لكنّها ليست علامة على الكفاءة اللازمة. يوجد مجالات للعمل لا تتطلب سوى حمل شهادة معينة، كالوظائف الحكومية التي كان يرغب بها الكثيرون لما فيها من استقرار وظيفي وضمان اجتماعي. لكن إذا أردنا أن نزيد من فرص أبنائنا ونوسع عليهم، يجب أن نعدّهم ليكونوا طلاب علم، يطلبونه كونه سلطانًا وقدرة؛ كلما ازدادوا علمًا ازدادوا اقتدارًا. ومع القدرة تأتي الفرص. بعض العلوم تحمل معها أخبارًا مبشرة، مثل علم الطب الذي يضمن لمن توغل فيه وتبحّر أن يكون شخصًا مطلوبًا ومورد حاجة مسيسة في المجتمع. والسر الأكبر في فرص العمل يكمن في حاجة الناس إلى العامل.
يجب أن يدرك أبناؤنا العلاقة الوثيقة بين العلم والقدرة والفرص. هناك فارق كبير بين العالِم وغيره على هذا الصعيد. قد يستحيل أن تجد عالِمًا في زماننا لا يجد عملًا أو مهنة شريفة ذات مردود كبير. سيبقى العلم حتى في عصر الذكاء الاصطناعي الكفاءة الأولى في مجال العمل.
إعداد أبنائنا ليكونوا من أهل العلم (لا الشهادات فقط) يتطلب الاهتمام المبكر بتعليمهم العلوم الأساسية وعلى رأسها اللغات. المهارات اللغوية العالية سر التعليم الناجح حتى فيما يتعلق بامتهان العلوم الطبيعية. أستطيع أن أضمن لأبنائك مستقبلًا واعدًا إن استطعت إعدادهم لغويًّا بطريقة تجعلهم أصحاب ذكاءٍ لغوي. الذكاء اللغوي لا يعني أن يتمكنوا من تمشية أمورهم في السوق والمحاورات العرفية، بل يعني القدرة على فهم النصوص الأساسية للغة واستخدامها. يوجد كلام كثير هنا لا تتسع هذه المقالة له.[1]
من الطبيعي أن يُقاوم الأبناء عملية التعليم خصوصًا إذا نشأوا في بيئة مُترفة مرفَّهة، أو انتسبوا إلى مدارس غير كفؤة تُعاني من نقصٍ فادح في الأداء التربوي. هنا يحتاج الآباء إلى تدخُّل مبكر وذكي قبل أن يفوت الأوان. ويفوت الأوان عادة في المرحلة الثانوية، حيث يصعب القيام ببناء المهارات اللغوية وتحصيل العلوم الأساسية كالرياضيات. الإشارات الأولى على إخفاق تعليم أبنائنا تبدأ من المرحلة الابتدائية. يمكن جبران هذا النقص في المرحلة المتوسطة لكنّه يصبح عملًا شاقًّا جدًّا في المرحلة الثانوية. بسبب هذا الإخفاق يختار أولادنا اختصاصات جامعية لا تضعهم على المسار المستقيم للعلم. قد يحصل الأبناء على الشهادات لكن لا يكون لذلك أي علاقة بالعلم الذي يحتاجون إليه للنجاح في العمل.
2. أخلاقيات العمل: كالأمانة والنزاهة والإتقان والوفاء والصدق. وهي لا تقل عن أهمية العلم. بل تكون بحد ذاتها سببًا للانفتاح على فرص كثيرة؛ حيث يمكن لمن يتمتع بهذه المواصفات أن يعيد تجديد مساره العملي والمهني ولو بلغ الخمسين. هناك عددٌ كبير من الأعمال التي تبحث عن الذين يتمتعون بمثل هذه المواصفات، حيث يئن أربابها من النزيف الأخلاقي للعاملين عندهم. أعرف العديد من المؤسسات التي تتوق إلى مدراء أمناء صادقين أكثر من أي شيء آخر.
لا يمكن للأمين الذي يسعى للإتقان إلا أن يكون المطلوب الأول في سوق العمل. يضج الناس من هول الكذب والخيانة التي تسود مجال المهن الحرة. نادرًا ما يجدون كهربائيًّا صادقًا أو نجارًا وفيًّا أو سمكريًّا يتقن عمله أو مِعمارًا يلتزم بالوعود.
يمكن لأبنائنا أن يصبحوا عمّالًا مهرة حتى بعد سن الثلاثين والأربعين.. لو فرضنا أنّهم لم يتمكنوا من تحصيل العلوم النافعة، ولم يسلكوا طريق العلم الواسع والمتقدم، ثم استفاقوا على هول الحياة ومصيبة البطالة في عمر الأربعين، لكنّهم كانوا يتمتعون بأخلاقيات العمل، فإنّه بإمكانهم أن ينطلقوا من جديد وكأنّهم أبناء العشرين. مع الفضائل تأتي الفرص بصورة مذهلة.
يخفق ولدنا في دراسته لسببٍ ما، يقرر أن يصبح نجارًا أو حدادًا، لكنّك تراه يتقلقل في حياته ولا يستطيع أن يؤمّن الحد الأدنى من المعاش. تأمّل جيدًا في أدائه المهني لتكتشف بسرعة أنّه يعاني من نقصٍ حاد في إحدى الأخلاقيات المهنية. يقول لك إنّه لا يوجد زبائن، وأنّ الناس أصبحوا يبحثون عن الأثاث الجاهز من الصين وتركيا، لكن لو تعمّقت في واقعه لوجدته يعد ولا يفي، أو يعمل ولا ينهي عمله بإتقان، أو يعامل زبائنه باستخفاف، أو... مرة أخرى نقول إنّ الأخلاق العالية تجذب الناس كما يجذب المغناطيس الحديد.
3. الكدح: وهو أن يثابر العامل حتى يصل إلى غايته. ورغم أنّه من الخصائص النفسية، لكنّنا جعلنا له فصلًا خاصًّا نظرًا لأهميته وفرادته. فالكدح ليس من الأمور الفطرية التي تنشأ من تلقاء نفسها في شخصية أبنائنا. بل يمكن القول إنّ الطبيعة البشرية تُناقض الكدح وهي تطلب الراحة والدعة والرخاء. ولو تُرك الانسان على رسله لما كدح في شيء أبدًا. والكدح كخصلة يتولد إما من المعاناة وإما من القناعة بضرورته ومحوريته.
الآباء الذين كدحوا في حياتهم حتى أمّنوا لأبنائهم هذه الرفاهية كانوا بمعظمهم ممّن عانى كثيرًا في طفولته وأراد الخروج من معاناته بأي شكل كان؛ فكدح وهجر الأوطان وجاع وعانى الغربة والوحشة وجرّب عشرات المهن والطرق حتى وصل إلى النجاح.
هناك من يفهم الحياة الدنيا جيدًا ويعلم أنّها أرض الكدح لأنّها لم تتذلّل لأهلها، ويعلم أنّ مواجهة المصاعب والعقبات فيها هو جزءٌ أساسي منها.
كم هو جميل أن يصل أبناؤنا إلى هذه القناعة في سنٍّ مبكرة، فتتجلى في دراستهم وتحصيلهم العلمي قبل أي شيء. ولتحقيق هذه القناعة نحتاج إلى الاستمداد بما لا يُحصى من قصص الناجحين والمميزين والعظماء الذين يمثلون أفضل نموذج وقدوة، وهم يعينوننا على فهم هذه الحياة بحقيقتها.
الآباء الذين يدركون أهمية هذه الخصائص والخصال، ويسعون جاهدين لترسيخها في شخصية أبنائهم، لن يجدوا صعوبة بالغة في اكتشاف الأساليب والطرق التربوية اللازمة لذلك؛ حتى لو كانوا جاهلين أو عاجزين عن استنباطها بأنفسهم، فإنّهم إن بحثوا سيجدون الأجوبة والإرشادات المطلوبة إن شاء الله.
[1]. يمكن مراجعة الكتب: المدرسة الإسلامية، المدرسة النموذجية، ثورة التربية والتعليم، التعليم في المستقبل.

تربية الأولاد
هذا الكتاب عرض مفصل لأهم مبادئ التربية وأصولها التي تغوص إلى أعماق النفس البشرية وتستكشف قواها وإمكاناتها العظيمة وحاجاتها الأساسية، دون أن يغفل النصائح العملية والتطبيقات المفيدة.إنه دليل مرشد لكل من يؤمن بهذه القضية كمسؤولية كبرى يجب أن يؤدي أمانتها إلى الله تعالى. تربية الأولادالكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبالطبعة الأولى، 2019حجم الكتاب: 17*17عدد الصفحات: 396نوع الغلاف: ورقيISBN: 978-614-474-082-8للحصول على الكتاب خارج لبنان، يمكن طلبه عبر جملون على الرابط: https://jamalon.com/ar/catalog/product/view/id/37164097او عبر موقع النيل والفرات على الرابط:https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb321957-312703&search=books

أولادنا..أسئلة حسّاسة، تحدّيات معاصرة
إنّ الهدف الأول .. هو مساعدة المربين على تبيّن المبادئ الأساسية التي تختفي وراء المعالجات المختلفة للمشاكل والأمور التي فرضتها الحياة المعاصرة.. وقد أردنا أن يكون هذا العرض نموذجًا ووسيلة لتعميق مقاربة هذه القضايا من زاوية المبادئ والأصول بدل الاعتباطية والسطحية. وكل رجائنا أن نكون قد ساهمنا في تفعيل الخطاب التربويّ بالاتّجاه الصحيح. الكتاب: أولادناالكاتب: السيد عباس نورالدينبيت الكاتب للطباعة والنشر والتوزيعالطبعة الأولى، 2019الحجم: 17*17عدد الصفحات: 396isbn: 978-614-474-083-5يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي النيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=0وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء

متى يكون العلم قوة وسلطانًا؟
تثبت التجارب الكثيرة أنّ من يعلم قوانين الأشياء يمكن أن يمتلك القدرة على تسخيرها؛ سواء كانت هذه الأشياء جمادات أو كائنات حية، وسواء كانت هذه الكائنات الحية أفرادًا أو مجتمعات. لهذا، فإنّ الهدف الأساسي لأي باحث في المجالات العلمية المختلفة هو أن يكتشف القوانين، والتي يمكن التعبير عنها أحيانًا بصورة معادلات رياضية أو رموز اختصارية.

كارثة تعليم اللغة العربية في المناهج الحالية.. وكيفية الخروج من هذه الورطة
نسمع كثيرًا من طلاب المدرسة تعبير "أنا لا أحب اللغة العربية". ودون أن نلتفت إلى خطورة هذا الأمر، نستمر في التسبب بهذه المشكلة. طريقتنا في تعليم اللغة العربية، وما نفعله من جعل تلامذتنا في مواجهة لغتهم الأم، تجعلنا أشبه بمن يتعمد تعميق المشكلة وإيصال أعزاءنا وأمانات الله بين أيدينا إلى هذه الحالة النفسية التي هي أسوأ ما يمكن أن يعيشه إنسانٌ عربي أو مسلم تجاه اللغة العربية.

نحو أفضل مقاربة منهاجية لتعليم اللغة.. اللغة العربية نموذجًا
النظر في وضع اللغة العربية ومخرجات مناهجنا الحالية يؤكد أنّنا في أزمة كبيرة تنعكس دومًا على مستوى الانتماء إلى الدين والاتّصال بينابيع معارفه الثرّة. فحين تضعف لغة الإنسان تضعف شخصيته ويضعف اتّصاله بما يُفترض أن يكون أفضل رافدٍ لبناء النفس وتقويتها. قوة البيان هي القاعدة التي تُبنى عليها قوة العلم وقوة العمل. ولأجل ذلك، ينبغي أن يكون الهدف الأول من تعليم اللغة العربية ربط المتعلم بكتاب الله وتجلياته، الذي يمثّل مصدر المعرفة ومصدر القوة.

تعالوا نقضي على الأمّية اللغويّة... لماذا يجب تطوير برامج تعليم اللغة العربية؟
إنّ مطالعة سريعة لمستوى اللغة العربيّة في خرّيجي المدارس الثانويّة يدلّ على مشكلة حقيقيّة، تتفاقم آثارها لتطفو على سطح الشخصية في جميع مجالات الحياة. وإذا كان ثمّة اتّفاق حول دور اللغة في بناء الفرد وأهمّيتها في حفظ ثقافة المجتمع، فإنّ الخطوة الأولى على طريق المعالجة تكمن في تحديد المستوى المطلوب لتحقيق هذه الأهداف الإسلامية.

ماذا نعرف عن القدرات العظيمة للّغة العربية؟
أيّها الآباء والأمّهات والمربّون، توقّفوا قليلًا! هل فكّرتم بالهدف من وراء تعلّم اللغة العربية؟ما نفع أن يدرس أبناؤنا هذه اللغة الجميلة لمدّة اثني عشرعامًا، ومع ذلك لا يجدون أيّ انجذابٍ للغة القرآن والنّصوص الرّائعة المنقولة عن أئمّة الدّين؟هل فكّرتم ماذا يحدث في المدرسة؟ ولماذا لا يستسيغ أكثر الطلّاب لغةَ القرآن الكريم ولغة الأدعية الرّائعة الواردة في الصّحيفة السجّاديّة مثلًا؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...