الجمال المحظور
لماذا يجب ستر جمال المرأة
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب قواعد الزواج الناجح
أهل العالم كلهم مُجمعون على أنّ للمرأة جمالًا أخّاذًا يخلب الألباب. ليس فقط في باطنها وشخصيتها الأنثوية الرائعة فحسب، بل في شكلها وهيئتها وتقاسيمها وملامحها. ومع كل هذا التفنُّن في إظهار هذا الجمال النسائي وعرضه، ازداد وعي البشر واهتمامهم به. تضاعفت قيمة هذا الجمال، خصوصًا مع وجود الكثير من العيوب والنواقص في الخلقة، سواء كانت بفعل وراثة أو سوء تغذية أو نمط عيش.
المرأة الجميلة مطلوبة جدًّا. يمكنها أن تستغل هذه المطلوبية للحصول على الكثير من المنافع. كلما ازدادت جمالًا استطاعت أن تنال المزيد. قد تصبح زوجة ملك أو عشيقة ملياردير بلمح البصر. يوجد الكثير من المهن التي لا تتطلب سوى الجمال الظاهري للمرأة، وبعضها يدر الكثير من المال.
نحن نتحدث عن العرض فقط؛ لكن للقصة تتمة، وهناك تكمن المأساة. فالجمال الظاهري لا يدوم وهو سريع الزوال قياسًا بمتوسط الأعمار، ربما لا يزيد عن عشرين سنة. هو أزيد قليلًا من عمر لاعب كرة القدم. كما إنّ الجمال الظاهري يذوي عند الاقتراب منه بفعل مشاكل الشخصية وعيوب الباطن. يصبح هذا الجمال منفّرًا إلى حدٍّ كبير إن لم ينبع من الباطن. التحاسد والتكالب بين الرجال للحصول على صاحبة هذا الجمال يجلب مصائب عظمى (قصص الخيانات داخل بلاطات الملوك خير شاهد). بذل الكثير من المال والجهد والألم في عمليات التجميل يجعل الحياة أكثر تعقيدًا وضنكًا.
سيبقى جمال المرأة قضية أساسية في هذا العصر ما لم تكتشف البشرية كيفية الاستفادة المثلى منه. هنا نتعرف إلى واحدة من أعظم مفاخر الدين الإسلامي الذي يظهر متشددًا في هذا المجال؛ وقبلها قد نتعرف إلى أسرار الخلقة ونكتشف بعض جوانب روعة الفطرة.
تنحو معظم المجتمعات البشرية وتبعًا للمجتمعات الغربية نحو المبالغة في إظهار جمال المرأة وعرضه. المدارس والرؤى والفنون والمهارات العجيبة التي تدور حول محور هذا الجمال شكلت مجالًا واسعًا جدًّا؛ منه ما يدخل في المصالح التجارية المباشرة، ومنه ما يرتبط بنمط العيش وتحسين الحياة. لكن القاسم المشترك بين الجميع هو أنّه من المستحسن والمطلوب الاستمتاع بجمال المرأة بمعزل عن الثمن الذي يُدفع. جزءٌ مهم من صورة الشركات والمؤسسات يرتبط بوجود عدد من النساء اللاتي يجب عرض جمالهن والتباهي به.
أما في مجتمعات المتدينين فإنّ الذهن يقفز مباشرةً من الجمال إلى الجنس دون أدنى توقف! يختلف هذا عن تلك المجتمعات التي اعتادت على الاستمتاع بالجمال بحد ذاته.
المرأة في المجتمعات المتدينة لا ينفصل جمالها عن الاستمتاع الجنسي بها على مستوى التصور عمومًا. الحالتان تتداعيان، هذا يستدعي ذاك والعكس، وذلك يعود إلى قضية الستر والحجاب وما يجري الحديث فيه عن توسعة نطاق العورة واعتبار كل جزء في المرأة من المفاتن (مع اختلاف بين المجتهدين حول الوجه والكفين). لا يوجد في عرف هؤلاء فصل بين الجمال والجنس، لأنّ الاستمتاع بالجمال النسائي هو من الجنس أيضًا (النظر يستدعي الشهوة). لا يتم اعتبار المرأة كلوحة فنية بحتة تظهر فيها الملامح والتقاسيم بصورة انسيابية شديدة الانسجام والتناغم. ينتقل الذهن إلى التعبيرات الجنسية مباشرة.
والواقع إنّ الجميع متفقون على الأمر وإن اختلفوا بالظاهر. الغربي ومن معه يريد الوصول إلى الجنس، لكنّه يعتبر أنّ لهذا المنال ثمنًا يجب أن يدفعه من خلال التصبر. الاندفاع والانقضاض على الفريسة لا يجلب له سوى الحرمان والسجن. ليس مجرد الحرمان من الاستمتاع الجنسي فحسب، بل الحرمان من الفرص المادية والمنافع (قد يُطرد من عمله لأدنى تحرش).
تعلّم الغربي أن ينفّس عن هذا التصبُّر والكبت بطرق مختلفة. يوجد أماكن كثيرة لتفريغ هذه الشهوة لكي يتمكن في اليوم التالي من الجلوس مع زميلته الجميلة في العمل لساعاتٍ متواصلة. أيُّ خرقٍ لهذه الضوابط المهنية قد يجلب له كارثة العمر. ولا شك بأنّ لهذا التنفيس أكلافًا تأكل جزءًا مهمًّا من راتبه. هكذا يدور الغربي في حلقة مفرغة.
ثم يعتاد بعدها على فكرة أنّ جمال المرأة مطلوب بمعزل عن الجنس. يجب أن يحترم هذه الفكرة كما يحترم وجود بعض المنحوتات واللوحات الجميلة في منزله أو مكان عمله. ولكن هل سيقدر على الالتزام بهذا الاحترام؟ بحسب ما نعرفه عن الطبيعة البشرية وما نقرأه ونطلع عليه من إحصاءات التحرش الجنسي والاغتصاب وغيره نشك بأنّ هناك قوة في الكون يمكنها أن تفرض هذا الاحترام. فكيف إذا دخلت المرأة بهذه اللعبة من أوسع أبواب الكيد!
هل ستبقى المرأة الجميلة حيادية تجاه هذا العرف الذي يمكن أن يمدها بالكثير من الإمكانات والقدرات؟ وما الذي يردعها من استغلال هذه القوانين؟ هي بشر مثلها مثل ذلك الرجل الطامح. والتجارب تثبت أنّها أمام فرصة عظيمة.
سيبقى الإنسان الغربي حائرًا يتخبط في متاهات الجمال والجنس لأنّه لم يعرف كيف يفصل بينهما. وسيبقى هذا الإنسان (رجلًا كان أو امرأة) يعيش المعاناة المبرحة التي تجعل استمتاعه بجمال المرأة محفوفًا بآلاف الغصص التي لا تمحوها ثمالة ولا سكر ولا تخدير ولا عزلة.
منذ أن توافق الأوروبيون على عرض واستعراض جمال المرأة في حفلات الرقص بغية اختيار شريكة الحياة أو عشيقة الشباب وهم ينزلقون في مزلة لزجة لن يتمكنوا من الخروج منها والنجاة. ومصيبتنا نحن الآخرين هي أنّنا أحيانًا كثيرة لا نرى سوى الجانب الذي يتوافق مع الفطرة السليمة، ونذهل عن الجانب الشهواني والجنسي وما يرافقه من مصائب ومتاعب لا تُحصى.
يعجبنا ـ والإعجاب هنا فطري طبعًا ـ أن نرى امرأة جميلة، حتى لو تظاهرنا بالإنكار والاستنكار، وكيف لا يُعجب الإنسان الطبيعي بمثل هذا الجمال الذي اجتمعت على إظهاره فنون وخبرات القرون؟! لكنّنا نجهل أنّ لهذا العرض كلفة باهظة جدًّا على كل صعيد. وحتى تلك المؤسسات التي تتباهى باستخدام العاملات الجميلات تخسر أكثر ممّا تجني؛ ليس فقط في نفقات المحاكم وفي إهدار الأوقات والجهود، بل في تضييع الإبداع والتركيز الذي تحتاج إليه أكثر من أي شيء آخر.
لقد تحدثنا في مقدمة كتاب قواعد الزواج الناجح عن هذا المنزلق ومآلاته. وهنا نقول إنّه ما لم يتم تقدير العلاقة الوطيدة بين بعدي الجمال والشهوة في المرأة، فإنّ البشرية ستبقى في أشد حالات المعاناة. يحتاج العالَم المتدين الذي يحترم الضوابط الإسلامية بخصوص المرأة والحجاب أن يفهم ويعي جيدًا كيف يكون الجنس أحد أهم التعبيرات عن حبّ الجمال، دون الغفلة عن آثاره الاجتماعية. ومع هذا الوعي نفهم ثقافة الغرب التي اجتاحت العالم كله ورمت بثقلها في ملعبنا الخالي من فلسفات الحياة.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...