
نهاية المدرسة
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب المدرسة النموذجية
الذين يعرفون كيف نشأت المدرسة قد يتمكّنون من تصوُّر نهايتها وانقراضها. فقط أولئك الذين يعجزون عن تصوُّر العالم بلا مدرسة هم الذين يعجزون عن تصوُّر ذلك. المدرسة التي نعرفها ظاهرة حديثة نوعًا، وفي بلادنا قد لا يتجاوز عمرها المئة سنة. لا ننسى أنّها قد جاءت مع الاستعمار الأجنبي. هي مؤسسة مستوردة مثلما تم استيراد السيارات والأجهزة الإلكترونية. قد نكون نحن من عبّد الطرقات للسيارات، لكن السيارة بكل أبعادها هي شيء لم ينشأ من رحم ثقافتنا ولم يكن نتاج مسيرتنا العلمية (إن كان لنا مسيرة علمية).
فهمنا للعوامل والمبرّرات التي تقف وراء إنشاء مؤسسة المدرسة المتعارفة يمكن أن يعيننا على تصوُّر عالم بلا مدرسة. فمع تشكُّل الأوطان القومية وانبعاث الهويات العرقية برزت الحاجة الماسّة إلى مؤسسات تعمل على إنتاج المواطن الذي يستطيع أن يرسّخ هذه الأوطان والدول؛ هذا في الوقت الذي كان التعليم قد وصل إلى مستوى يؤهله ليكون عامًّا (بالطبع هذا كلّه في الغرب المعروف). لا ننسى مقولة نابليون بونابارت الشهيرة التي تعكس رؤية زعماء هذه الدول والكيانات، حين قال: "من بين جميع المؤسسات، فإنّ التعليم العام هو الأكثر أهمية.. ففوق كل شيء يجب أن نضمن الوحدة ويجب أن نكون قادرين على صياغة وقولبة جيلٍ بأكمله في القالب نفسه".
الفوائد والمنافع السياسية للمدرسة كانت الأكثر شهودًا، ومن ثمّ جاءت المنافع الاقتصادية حيث لعبت المدرسة دورًا بارزًا في نهضة بعض الأمم وازدهارها. ولم تعُد المدرسة منذ ذلك الحين مورد شك عند تلك الطبقة من الزعماء الذين كانوا قد تخرّجوا من هذه المؤسّسة نفسها.
هل كان الأمر في بلادنا على هذا النحو؟
بالتأكيد؛ ولكن بالاتجاه الذي أراده مؤسّسو هذه المدرسة ومبتكروها. صحيح أنّ هناك من المسلمين من فهم هذا الدور السياسي والاقتصادي وحاول تجييره لمصلحة وطنه في المشرق، لكن ما كانت تفتقده هذه المؤسسة العامة هو ذلك التراث الفكري والفلسفي اللازم مقارنةً بما كان في الغرب.
حين انطلقت المدرسة في مهدها الغربي، كان التراث المرتبط بأفكار الوطنية والقومية جاهزًا ليخدم تلك المشاريع والتطلُّعات. لقد أسّس الغربيون لفكرة الدولة القومية الخاصة بهم، بنحوٍ كان كفيلًا بتزويد المدرسة بما تحتاجه للنجاح في هذه العملية. الرصيد الفكري القومي عندهم كان غنيًّا إلى الحدّ الذي مكّن المدرسة من تحقيق ما يتطلّعون إليه، أما هنا فقد كان ضعيفًا ومتزلزلًا.. بناء الدول القومية في بلاد المسلمين جرى على أيدي الأجانب ولم يكن نابعًا من ثقافتهم ولا منسجمًا مع تطلُّعاتهم. فُرضت القومية عليهم وقام بحراستها عملاء مُخلصون تمّ نعتهم بالأبطال لاحقًا.
المدرسة هنا لعبت دور القطيعة مع التراث بدل أن تنطلق منه وتتزود. لذلك أضحى التعليم العام عاملًا لتأزُّم الهوية والشخصية وسببًا لتعميق التناقضات بين أفراد الشعوب نفسها. أضحت المدرسة في بلادنا أفضل وسيلة لتزويد الغرب بالأدمغة حين تنجح، وبالمضطربين والقلقين في مجتمعاتها حين تفشل. لم يسلم من سطوتها إلا من رحم الله.
لا شك بأنّ الحاجة إلى الأوطان القومية لم ترتفع بعد. النظام العالمي الحالي مبني على الدول القومية؛ لكن هذه الأوطان ضعفت من حيث مشروعيتها وسوف تستمر بالاتجاه نحو الضعف والأفول في النهاية. ربما نشهد عالمًا تديره شركات كبرى تحدّد مصير شعوب بأكملها، حيث تكون الدولة مجرّد وسيلة لديها (البعض يقول إنّنا نعيش في هذا العالم دون أن نشعر). لكن ما هو ملفت أكثر هنا بخصوص المدرسة هو دورها التعليمي في عصر تطوّرت فيه تقنيات التعلُّم الذاتي إلى درجة أضحى معها دور المعلّم التقليدي يمثّل عائقًا أمام التقدُّم العلمي المطلوب لأي متعلّم.
يومًا بعد يوم يتّضح أنّ التعليم المدرسي (حيث نجد فصولًا وصفوفًا دراسية وموادًا تعليمية ومراحل بحسب الأعمار) هو أمرٌ غير متناسب مع التطوُّرات الكبرى التي تحدث، سواء كان ذلك على صعيد دور الذكاء الاصطناعي في معظم مجالات الحياة (إن لم نقل كلها)، أو بما يرتبط بنمو الفرد وتطوُّر مهاراته.
لا أتصور أنّ الأمر سيحتاج إلى نقاشات معمَّقة حين تبدأ النماذج المتفوّقة بالظهور من خارج المدرسة. حين تكثر هذه النماذج سيتخلى العالم عن المدرسة تلقائيًّا. لكن، وككل تحوُّلٍ يحصل، إن لم تكن مجتمعاتنا مستعدة كما ينبغي فسوف تقوم باستيراد هذه التجربة التعليمية الجديدة دون التفكير بعواقبها، تمامًا كما حصل مع استيراد المدرسة الغربية وتبنّيها.
تشير بعض الدراسات والآراء الصادرة عن خبراء في مجالي الذكاء الاصطناعي والتعليم إلى أنّ هذه التقنية كغيرها من التقنيات تخضع للأدلجة والتوجيه بحسب ثقافة من يصنعها ويطوّرها. لقد رفض معظم مفكّرو بلادنا فكرة أدلجة التكنولوجيا لمدة طويلة، وعدّوا من يقول ذلك مهرطقًا ورجعيًّا. ثم تبين أنّ التكنولوجيات المختلفة لا تنفصل أبدًا عن ثقافة صانعيها ومبتكريها. بعضها واضح المثال، والآخر يتطلب شيئًا من التعمُّق.
لا يشك أحد بأنّ الذكاء الاصطناعي يتّبع المنهج البحثي والتحليلي الذي يضعه مبرمجوه. المناهج المُعتَمدة في العالم اليوم بُنيت على أُسسٍ فلسفية قامت على رؤًى كونية خاصة. كثرة الآثار والفوائد تجعل بعض أهل الفكر عاجزين عن اكتشاف العيوب والأضرار. هؤلاء لا يُمكنهم أن يتصوّروا عالمًا بلا سيارة إلا إذا كانت وسائل النقل فيه هي الحمير والبغال. ولذلك، فإنّه من غير المتوقَّع أن يرى الذين يهيمنون على فلسفة التعليم اليوم مناهج مخالفة لما عرفوه ودرسوه في جامعات الغرب! حين تتوغّل البشرية في المنهج التجريبي والاستقرائي وتبتعد عن منهج الوحي الإلهي، هل يُتوقع منها أن تقترب من سعادتها المنشودة؟

المدرسة النموذجية
إنّ القوّة الأساسيّة للمدرسة النموذجيّة تكمن في برامجها ومناهجها التي تتميّز بقدرتها على تقديم المعارف والمهارات بأحدث الطرق وأسهلها، وتعتصر كل التراث العظيم للبشريّة وتتّصل بكامل التّراث الاسلامي وتقدّمه لطلّابها عبر السنوات الدراسيّة كأحد أعظم الكنوز المعرفيّة. وهكذا يتخرّج طلّابنا وهم متّصلون بهذا البحر العظيم لكلّ الإنجازات الحضاريّة في العالم كلّه ويمتلكون القدرة التحليليّة اللازمة لتمييز الخير من الشرّ في جميع أنحائه. المدرسة النموذجيّة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 140 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$

المدرسة الإسلامية
يعرض لأخطر المشاكل وأهم القضايا حول أوضاع المدارس الحالية، التي تبنت المناهج الغربية، وذلك بالطبع بحثًا عن المدرسة المطلوبة التي تنسجم مع حاجات المجتمع وثقافته. كل ذلك من أجل بعث حركة فكرية جادة بين المهتمين بالتعليم عن طريق بناء الرؤية الشاملة للتربية التعليمية في الإسلام. المدرسة الإسلاميّة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 232 صفحةالطبعة الأولى، 2014مالسعر: 10$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

ثورة التربية والتعليم
يتطرّق الكتاب الرابع في سلسلة الأطروحة التربوية التعليمية التي يقدمها السيد عباس نورالدين إلى أهم القضايا التي تواجه أي ثورة حقيقية تريد إعادة إنتاج التربية التعليمية وفق استحقاقات العصر ومتطلّبات الزمان وبما يتناسب مع التحدّيات التي يعيشها مجتمعنا.الثورة التي يدعو إليها الكاتب تطال جميع مفاصل التربية التعليمية من رؤى ومناهج وقيم وحتى تلك التفاصيل التي تعني كل عامل أو مهتم بهذا المجال المصيري. ثورة التربية والتعليم الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 216 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-033-0 السعر: 12$
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...