
المونديال وضياع العمر
كيف يتعارض الاهتمام بالمونديال مع أهم القيم الدينية؟
السيد عباس نورالدين
إنّ للرياضة البدنيّة أهمّيّة فائقة في سلامة الأجساد وقوّتها. وكل نشاط بدني منظّم ومنسجم مع التكوين الطبيعيّ للجسم هو عامل مساعد في الحفاظ عليه وصيانته وتمتّعه بالحياة الطيّبة.
ويندر أن نجد من يعارض ممارسة الرياضة أو يتحدّث عن ضرورة التخلّي عنها لمصلحة الإنسان. ولكن هل يصح اعتبار كل نشاط رياضيّ مفيدًا لجسم الإنسان؟ وهل يمكن أن يكون لبعض الرياضات آثار سلبيّة على صحّة القوى الأخرى، كالعقل والرّوح؟
إنّ الإفراط في ممارسة الأنشطة الرياضيّة ـ هو كالتفريط بها ـ أمر مضر وغير صحّي. كما إنّ الإفراط في استعمال بعض العضلات على حساب عضلات أخرى يؤدّي إلى نوع من التشوّه في بنية الإنسان الجسمانيّة. لهذا، ينبغي أن يكون النشاط الرياضيّ متوازنًا ومنسجمًا مع التكوين العصبيّ والعضليّ والعظميّ وحتّى النفسيّ؛ فلا يهدر الطاقات فيما لا ينبغي، ولا يضعف الجسد عن القيام بما خُلق لأجله، ولا يكسل الأعصاب ويفتر الهمّة. والأهم هنا أن لا يشغل الخيال ويجمح به إلى حيث لا ينبغي ولا يجوز.
ومن الواضح أنّ وضع الرياضة في زماننا هذا قد خرج عن دوره التربويّ السليم ودخل في سوق اللعب واللهو والعبث والتجارة والقمار والعصبيّة. فبدل أن تكون رياضة صارت لعبة؛ وبدل أن تكون للتعارف بين الجماعات البشرية والشعوب، صارت محرّكًا ومحفّزًا للعصبيّات؛ وبدل أن تكون وسيلة للترفيه والتنفيس، صارت عنصرًا ضاغطًا على الأعصاب وهادرًا للمال والطاقات.
إنّ أي نشاط بشريّ سليم، حين يقع بأيدي الأنظمة الماديّة والجاهليّة، فلن يكون مستغربًا أن ينحرف عن دوره التربويّ والتكميليّ للأفراد والمجتمعات. وقد كان للرياضة النصيب الوافر من هذا التشويه والانحراف. ويبدو أنّ أحد أهم الانحرافات التي جرت في ميادين الرياضة هو ذاك الذي أصاب عقل الإنسان.
إنّ قيمة العقل إنّما تتجلّى في قدرته على التمييز بين الكامل والناقص؛ وبتبع ذلك قدرته على التمييز بين الخير والشر والحسن والقبح والنفع والضر. وحين يسلك الإنسان مسار العقل، فهو يسير على طريق التكامل والسعادة والازدهار. وكل شقاء وتعاسة وخسارة، مرجعها إلى النقص والشر والضر. وإنّ أحد أهم علل تحريم الخمر في الإسلام هو أنّه مذهب للعقل، حتى لو كان ذلك لمدّة وجيزة. فالدين الإلهيّ يريدنا أن ندرك قيمة العقل ونعظّمه، لأنّ ذلك يؤدّي إلى استقرار حكومته في حياتنا ووضعه في موضعه ومكانه السامي فيها. ولهذا، يجب نبذ كل أشكال الممارسات التي تقلّل من شأنه، مهما كانت سطحية أو عادية. وهذا ما يفسّر تحريم الإسلام للغناء (الذي هو إنشاد للكلام اللهويّ والباطل) أو الملاهي وأمثالها.
ليست القضيّة في بقاء العقل حيًّا وفاعلًا على الدوام بقدر ما هي تقدير وتعظيم لقيمته. لهذا، لا ينبغي أن يُقال أنّه ما المشكلة في أن يعطّل الإنسان عقله لعدّة ساعات كحال النائم مثلًا. فللعقل مكانة سامية وينبغي تقديرها قبل أي شيء؛ وحين يتم الخدش بها، فسوف ينجر ذلك إلى تراجع العقل عن دوره المحوريّ في الحياة كلّها.
إنّ ما يجري اليوم على مستوى الألعاب الرياضيّة، وخصوصًا لعبة كرة القدم، يمكن أن يندرج في إطار معارضة العقل. وذلك لما نشهده من خروج وانحراف هذه اللعبة عن دورها التربويّ، حيث أصبحت وسيلة لتأجيج الرّوح القوميّة التي هي من أسخف سخافات البشريّة عبر تاريخها الطويل. ولا يصح أن يتذرّع بعض الناس بأهميّة تأجيج المنافسة في التشجيع على ممارسة الرياضة، لأنّ الواقع يثبت أنّ معظم مشجّعي وعشّاق هذه اللعبة ليسوا من أهل الرياضة والتربية البدنية على الإطلاق. ويا حبّذا لو تُعد الدراسات حول العلاقة بين التشجيع الذي يصل إلى حدّ التأليه وبين الاستقامة الجسمانية.
إنّ عدوّ العقل هو الوهم. والوهم عبارة عن إضفاء ما ليس في الشيء على الشيء. فكل أشكال المبالغات هي من غلبة سلطان الوهم. ولا شك بأنّ ربط الانتصارات الكرويّة بالتقدّم والتطوّر الاجتماعيّ والشأنيّة الحضاريّة هي من أسخف حالات الوهم، خصوصًا إذا عرفنا أنّ هذه اللعبة تخضع لمجموعة كبيرة من الاعتبارات الخارجة عن قيم الدين. فالإنفاقات الكبيرة التي تقوم بها بعض الدول لتضمن لنفسها سمعة كرويّة عالية، والتي لا تتناسب مع حاجات مجتمعاتها هي من أكبر حماقات البشر. أضف إلى ذلك أن دخول المادّة على مثل هذا النشاط ـ الذي يُفترض أن يحافظ على نقائه وصفائه ـ قد جعله ألعوبة بيد المراهنين وشركات القمار وأصحاب الإعلانات والشركات التي تريد أن تروج لسلعها.
وباختصار، ينبغي القول أنّ كرة القدم وغيرها من الألعاب الرياضية قد أصبحت اليوم جزءًا لا ينفصل عن نمط العيش الماديّ، الذي يميّز الحضارة الغربيّة الغريزيّة. ومن هو الذي يجهل كيف أصبحت هذه اللعبة تجارة (بيزنس) بكل ما تعنيه الكلمة في قاموس الاقتصاد اليوم؟!
لا شك بأنّ إنفاق الحكومات على الرياضة من أجل التشجيع على النشاط الرياضيّ السّليم ينبغي أن يكون ضمن أولويّاتها؛ لكن ما نشاهده في زماننا هذا على صعيد الواقع الكرويّ هو شيء مغاير لهذا الهدف العقلائيّ.
إنّ المخيف هنا هو أن نصبح ضحايا صخب ضجيج الدعاية الغربية والعالمية، التي تسعى لتحقيق أرباح هائلة لشركات ومؤسّسات خاصّة من جرّاء الترويج للعبة كرة القدم، فنكون ممّن يشجّع على نمط عيش لا يزيدنا عن قيم الإسلام الجميلة إلا بعدًا.
لقد خرجنا كثيرًا عن تشجيع الرياضة، وأصبحنا نهدر الكثير من عمرنا الغالي في أمور لا طائل وراءها. وليس هذا إلا مصداقًا واضحًا لظلم النفس.
ما هو الشيء الذي تمتاز به الرياضة والذي يجعلها تستحوذ على اهتمام مجتمعات الحداثة الغربية؟
يقول جون كارول، في كتابه "الأنا والروح: the ego and the soul": "إنّ المفكّرين والمثقّفين الذين يتعاطون مع هذا الأمر بجدية، والذين لا يرفضونه على أنّه ميدان لعامّة الجماهير، وإنّما ينظرون إليه على أنّه ضحيّة أخرى للمجتمع الاستهلاكي؛ يخافون من أنّ ما كان ذات يوم وسيلة ترفيه للنبلاء قد تمّ تحويله إلى مادّة استهلاكيّة مجرّد ترفيهية ـ وإن كان حدث ذلك بنجاحٍ باهر.
القضية هي أنّ الرياضة كانت تشكّل جزءًا مهمًّا من الحياة الاجتماعية المحلية، مقدّمةً شعائر مقنعة لعرض تلك القيم مثل المهارة، الشجاعة واللعب المنصف. أمّا اليوم فإنّ الرساميل الكبيرة، والتي تهتم فقط بالأرباح، قد وضعت يدها عليها وهي تحوّلها بنحوٍ سريع إلى مجموعة من المشاهد الاستعراضيّة المثيرة المعدّة لتسلية عامّة الجماهير.أثناء هذه العمليّة يتم القضاء على الشعائر، وتغيير القواعد، وتراجع المبادئ. كما أنّ اللاعبين يفقدون تعلّقهم التقليديّ بالنادي وأعضاء الفريق، وأخلاقيّات الروح الرياضية الجيّدة ويتحوّلون أنفسهم إلى أشخاص أنانيّين ساعين لتحقيق أكبر ربح شخصيّ ممكن. التخريب والمخدرات أيضًا دخلت على الساحة. جيل جديد من المشاهدين قد برز، جاهل بالأنظمة والمبادئ التقليدية، وأكثر ما يهتم به هو الحركات المثيرة والأسلوب العنيف للأخذ بالثأر. باختصار، قد أصبحت الرياضة عبارةً عن مشهدٍ استعراضيّ يعكس ويرضي الحاجات النفسيّة للمستهلكين.
لا شك بأنّ القوى الاستهلاكية فاعلة بشكلٍ قويّ في الرياضة الحاليّة، وتضغط في الاتّجاه الذي ذكرناه. ولكن، يتم مواجهتها من قبل سلسلة من القوى المختلفة. هناك حرب ثقافيّة قد بدأت في العديد من المجالات الأخرى في مجتمع الحداثة. القوى المضادة متجذّرة بقوّة وقويّة." [جون كارول، الأنا والروح: الغرب الحديث في بحثٍ عن المعنى]

كيف أمتلك جسدًا قويًّا؟
هل عرفت أنّ البدن هو أداة النفس للإرتقاء والتكامل، فإذا كانت هذه الوسيلة والمركبة ضعيفة أو مريضة، فسوف يصعب على النفس تحقيق أهدافها الكبرى والوصول إلى الكمال. ولهذا لا بدّ للإنسان أن يحافط على صحة بدنه وقوته. في هذا الكتاب نتعرّف إلى أهم مبادئ وأسرار القوة والصحة التي قد لا نسمع في اي مكان آخر.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...