زواجنا بين الحقوق والمودّة (للرجال فقط)

السيد عباس نورالدين

"يقول محمود: حين دخلتُ البيت وجدتُ زوجتي منشغلةً باستقبال رفيقاتها وكأنّها أمّ العروس؛ لقد كنتُ جائعًا ومتعبًا واحتجتُ إلى السكينة التي اعتادت زوجتي إلقائها عليّ بمجرّد رجوعي من العمل. لقد كان الفرح الظّاهر على زوجتي من وجود رفيقاتها أكبر ممّا يحصل لها حين تستقبلني بعد غيابي، وكأنّها كانت في أسعد لحظات حياتها! كانت تعلم أنّني أحتاجها الآن، لكنّها لم تبدِ أي إدراك لذلك، بل تابعت شؤون ضيفاتها العزيزات وكأنّ شيئًا لم يكن".
ربما سمعنا عن مثل هذه الحالة التي حدثت مع محمود، وربما جرى معنا ما يشبهها. فمحمود هنا يشعر بأنّه تم الانتقاص منه. وبسرعة تتفاقم مشاعر الغضب الناشئة من المهانة. فما الذي ينبغي أن يفعله، وكيف يتعامل مع هذه الحالة؟
هذا الزوج محتار لأنّه يشعر أنّ سلطته في المنزل تتعرّض لتوهين، وأنّ شأنه لا يُراعى؛ وفي الوقت نفسه، فإنّه غير قادرٍ على تفسير مثل هذا الفرح الزائد، الذي لم يعد يشعر به منذ مدّة طويلة من جانب زوجته.. فهل أنّ تصرّف زوجته ينمّ عن استخفافٍ مقصود؟ أو أنّه مجرّد انفعال زائد جرّاء حضور هذا العدد من الضيوف؟
لا شك بأنّ استقامة أي علاقة زوجيّة تعتمد على احترام كل طرف لمشاعر الآخر وتقدير حاجاته. والأهم هنا أن يكون هذا التقدير في الأولوية، خصوصًا ممّن يكون في موقع إدارة المنزل. ففي مثل هذه الحالة من الطبيعيّ أن يتوقّع الزوج استقباله بحفاوة، مثلما إذا دخل منزل صديقه. والأمر ذاته فيما لو بقي الرجل في المنزل، ثمّ رجعت زوجته من سفرٍ طويل، فإنّها ستتوقّع استقبالًا حميمًا منه. هذا توقّعٌ طبيعيّ وفي محلّه، وعدم حصوله ينم عن وجود شيء غير سليم في العلاقة. لكن، ماذا عن شعور الزوجة بأنّها قادرة على الاعتماد على زوجها حين يحضر هذا العدد من الضيفات؟  ألا يمكن أن يكون هذا الاعتماد ناشئًا من عمق حسن الظن بالزوج وصفحه ورحمته؟
غالبًا ما نرتكب الأخطاء أو نقصّر بحقّ من نحب، لا لأنّنا نستخف به، بل لاعتمادنا على نبله وركوننا إلى تسامحه. وبالتالي، فالقضية قد لا تكون من باب التقليل من شأن الزوج أو توهين موقعيّته في البيت.
لكن، مهلًا! ماذا لو تكرّر هذا الأمر وأصبح ملفتًا في سلوك الزّوجة وتصرّفاتها. فلا شك أنّ تكراره يدلّ على انقلاب في أولويّاتها؛ ويبدو أنّ الزوج أصبح في المرتبة الثانية أو الثالثة بعد الأولاد والزميلات والأقارب.
بالنسبة لمن تحرّكه العواطف، فإنّ هذا الانقلاب يدلّ على مشكلة في القلب. وغالبًا ما تتصرّف النساء انطلاقًا من مشاعرهنّ، إلّا من رحم الله. كل ذلك بمعزل عن رعاية نظام الحقوق والواجبات الشرعية والعرفية. إنّه لأمرٌ متوقّع في عالمٍ تحكمه المشاعر والأحاسيس بدل العقول والحكمة. ولا بدّ أن نتبيّن وجه الحكمة في التعامل مع مثل هذه الحالة الحرجة.
إنّ الحكمة تعني أن نتصرّف وفق المصلحة، وأن لا نسمح لغضبنا وانفعالاتنا أن تتحكّم بنا وتسيّرنا. والزوج الحكيم، قبل أن يتّخذ موقفًا تأديبيًّا، ينظر إلى ما يمكن أن يؤدّي إليه موقفه. هل تأمرنا الحكمة أن نتّخذ موقفًا لمجرّد تلقين الزوجة درسًا، رغم أنّ ذلك سيؤدّي إلى خسارة ما هو أهم نفعًا؟ وهل تأمرنا الحكمة أن ننتفض للدفاع عن سلطتنا العليا في البيت والحفاظ على موقعيتنا مع أنّ ذلك سيحرمنا من عاطفة الزوجة ومودّتها؟
لا شيء يضاهي الحب والعطف والحنان الذي يمكن أن تقدّمه الزوجة. فهذه العاطفة الشاملة هي أحد أهم مظاهر عطف الله ورحمته في الدنيا. ولا ينسى قيمة ذلك سوى اللئيم أو الفاقد للاستعداد. إنّك ترى أي رجل في هذه الدنيا مستعدًّا لتقديم الغالي والنفيس من أجل الحصول على المودّة الخالصة من الزوجة.
إنّ افتقاد هذه المودّة يُعدّ خسارة كبرى وحرمانًا كبيرًا في الحياة الزوجية بالخصوص. ولا يمكن لعاقلٍ جرّب مثل هذه النعمة أن يتهاون بها، فقط من أجل تثبيت موقعيّته وسلطته؛ اللهم إلّا في حالة واحدة! وهذه الحالة هي فيما إذا علم أنّ ضياع الحدود والأولويات سيؤدّي في النهاية إلى زوال تلك المودّة الرائعة.
أجل، فقد تكون مودّة الزوجة وحبّها لزوجها ناشئًا من الشعور بهيبته ورجوليته. ولا شيء يجعل الزوج يفقد رجوليّته إلّا تصرّفاته هو باختياره وإرادته. فإذا ما قرّر الرجل التخلّي عن ذلك، فهو يخاطر ويغامر بذلك العنصر الذي جلب له قلب زوجته.
لكنّ الرجولة لا تعني القسوة والعنف. بل يمكن القول أنّه كلّما زاد عنف الرجل دلّ ذلك على ضعفه وافتقاده للرجولة.
 فالحكمة قد تتطلّب منّا أن نتنازل عن القليل كي لا نخسر الكثير. وربما كان تحمّل محمود لقلّة اهتمام زوجته به في ذلك الوقت، وانصرافه عن لومها وتقريعها عاملًا مهمًّا لزيادة مودّتها له أضعافًا كثيرة؛ وفي هذا ربح أكيد إن شاء الله.