
قراءة في كتاب: أسماء الله التسعة وتسعون*
دانيال توماس داير
ترجمة: مركز باء للدراسات
إنّ كتاب "أسماء الله التسعة وتسعون"، هو كتاب للأطفال والراشدين، للمسلمين وغير المسلمين. إنّه دليلٌ لكل العائلة، إنّه أيضًا مصدرٌ تعليميّ، يمكن لتلامذة الأديان المقارنة، أن يجدوه قيّمًا. يهدف الكتاب بشكلٍ أساسيّ إلى إظهار أنّنا نعيش في عالمٍ قيميّ. وفق الفهم الإسلاميّ، هذه الصفات والخصائص تشكّل الحجر الأساس للحقيقة.
إنّها تتضمّن الرّحمة والطهارة والكرم، فإذا كنّا مدركين لأنفسنا ولعالمنا، يمكننا التحقّق من وجودها في أنفسنا.
بالنسبة للمسلمين، هذه الصّفات هي أسماء الله. ينسبها الله تعالى لنفسه في القرآن: الله هو الرحمن، القدّوس، الكريم. إنّها أكثر من مجرّد كلمات لتشير إلى شيءٍ ما ـ بالنسبة للصوفيّين، الله يحيى في هذه الأسماء، ولهذه الأسماء قوّة حقيقيّة فيما لو اتّصلنا بها عن وعيٍ وإدراك.
يوجد حديثٌ قدسيّ (هي كلمات الله التي أوحى بها إلى محمّد (ص) خارج النص القرآني)، حيث يقول الله:
"كنت كنزًا مخفيًّا، فأحببت أن أُعرف فخلقت العالمين، الظاهر والغيبيّ، من أجل أن يُعرف كنز كرمي ومودّتي".
العالم بأسره موجود من أجل إظهار هذه الصفات الإلهيّة. ولكن هنا يكمن المفتاح: إنّها صفاتٌ تصف الله، لكن من الممكن أن تكون وصفًا لنا أيضًا، ذلك لأنّ هدف خلق الإنسان هو أن يعلم هذه الصفات ويكون تجلّيًا لها، والتي يكون الله مصدرها. نحن نصبح مرائي، وكما يقول القرآن، يمكن أن تشعّ {نورٌ على نور} في عالمنا.
فإذا تحدّث الصوفيّون عن ٩٩ اسمًا، فذلك مصاحبًا بهذا الفهم وهو أنّه لا يمكن الإحاطة بصفات الله. إنّ العدد ٩٩ هو رمز للامتناهي (يمكنك دومًا أن تضيف واحدًا). لكن لعلّ العدد ٩٩ هو العدد الذي يمكن لذهننا البشريّ أن يتحمّله ـ المحدودية هي من صفاتنا لا من صفات اللامحدود. للعدد ٩٩ معنى الشمولية، ولكن وبينما كنت أكتب هذا الكتاب وأعدّه، كان مفرحًا بالنسبة لي أن أكتشف بأنّ الـ ٩٩ اسمًا يمكن أن تشكّل القاعدة لتربية روحيّة كاملة. بالطبع، إنّ الكتابة والبحث وتجميع المصادر للكتاب شكّلوا مصدرًا تعليميًّا هائلًا بالنسبة لي.
إنّ الخوض في الأسماء أكّد لي أنّ الإسلام هو طريق للتكامل الإنساني، وما أتمنّاه هو أن يكتشف الشاب والعجوز في هذا الكتاب "الإسلام الشامل" (انظر كتاب كبير هلمينسكي الذي يحمل هذا الاسم والذي صدر حديثًا عن وايت كلاود برس). إنّ أساس مثل هذا الإسلام، بالطبع، هو الحبّ. إنّ هذا الاقتباس من الرومي، الذي يظهر في هذا الكتاب تحت الاسم "الودود" (المحب)، يلتقط هذه الروحيّة تمامًا: عند الخوض في كل اسم، حاولنا استخدام لغة بسيطة تكون سهلة على القرّاء الشباب. لقد تفادينا استخدام المصطلحات المجرّدة، وحاولنا استخدام لغة شعريّة مجسّدة، لأنّا مقاربتنا هي عمليّة أكثر منها مجرّدة. وهذا ما يقودنا للاهتمام بـ: أين نجد علامات لكلّ اسم في داخلنا وفي العالم من حولنا. على سبيل المثال، للاسم "العليّ"، نقدّم هذا النوع من التأمّل والتفكير:
"هل صادف أن تسلّقت جبلًا؟ فإذا كنت قد وصلت إلى قمة أحد الجبال، ونظرت من علوّ أميال إلى العالم، يمكن أن يعطيك ذلك فكرة عن العليّ. حين تصل إلى القمّة تحصل على شعورٍ خاصّ. يصبح لديك إحساس بتحقيق شيء ما، شعور باللذة والحماس لكونك على هذا العلوّ والارتفاع، وتنبهر بروعة الطبيعة. ولكن يوجد شيء آخر وهو الشعور بالسكون العجيب".
هناك فقط صوت الريح. إذا كنت مع أصدقاء لك، غالبًا ما تشعر بأنّك لا تريد قول أي شيء. لا تبدو الكلمات مناسبة، وكل ما تريده هو أن تنظر وتحويه كلّه في داخلك. حين نفكّر بالله، الأعلى، يمكن أن نحصل على الشعور نفسه: شعور بالرهبة يجعلنا نصمت".
يجمع الكتاب بين دفتيه بعض أفضل الترجمات الإنكليزية لمجموعة واسعة من الحكماء والقدّسين، ومن خلال ذلك يهدف إلى إيجاد توازن بين صوت الذكور والإناث. هناك أقوال لخديجة وفاطمة ومريم ورابعة، وغيرهن من النساء اللامعات إلى جانب محمد وعيسى وعلي والرومي وغيرهم.
كما أنّ الحكمة المقدّمة ليست محدودة بالوسط الإسلامي. في قسم "التأمّلات والأنشطة"، الذي يظهر تحت كل اسم، فإنّ الحكم التي سلّطت الضوء على الصفة التي نحن في صدد البحث حولها، يمكن أن تكون منقولة عن أمثال بلاك إلك، إميلي ديكسن، شيكسبير، بوذا، فريديريك دوغلاس، ماري اوليفر، ليونارد كوهين، وغيرهم كثر. ويؤمل من الطلّاب المسلمين الشباب الذين ينشغلون بهذا الكتاب، أن يحملوا تقديرًا عميقًا لباقي الاعتقادات والثقافات، لا مجرّد المداراة.
يهتم الكتاب أيضًا بتنمية التفكير الناقد ويطرح أسئلة من دون أن يقدّم إجابات قطعيّة. والمأمول هو أن يتشجّع الطلّاب الشباب على البحث والتفكير والمناقشة والتباحث للوصول إلى وجهات نظر خاصّة بهم يُعتد بها. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ليس هناك ما يُسمّى بالإجابات "الصحيحة" للأسئلة المطروحة، وما نهدف إليه هو أن نساعد التلامذة ليكونوا مرتاحين، إلى جانب المرونة واللغز، والدقّة وعدم اليقين. كما نهدف لتنمية الخيال المبدع والحدس، من خلال التأمل، الصلاة، والممارسات الروحيّة. من المؤمّل أنّ مثل هذه المقاربة ستؤدي إلى أسلوب للمعرفة والوجود أكثر توازنًا، وأن يلعب الكتاب جزءًا يسيرًا في الحركة تجاه حب أعظم وفهم أفضل في عالمنا.
* المقال من مجلّة Mind,Body, Spirit العدد: 53
مجالات وأبواب
نحن في خدمتك

دورة في الكتابة الإبداعية
الكتابة فن، وأنت المبدع القادم دورة مؤلفة من عدة فصول نواكبك حتى تنتج روايتك الأولى