
أنا والآخر
كاتبة "يوم سقطت طهران" تتحدّث عن تجربتها مع النقد
أمل عبد الله
يُقال من ألّف فقد استُهدف. هذا كان حالي بعد صدور روايتَي "برج الخديعة" و"يوم سقطت طهران". وعلى الرغم من التباين في ردود الفعل على الروايتين، إلّا أنّهما تشاركتا في اثنين منها.
جاء ردّ الفعل الأوّل من قرّاء ملتزمين دينيًّا شعروا أنّ مضمون الروايتين يشبههم ويتناول موضوعات تمسّهم، وتمسّ إيمانهم بالله، وتجربتهم الدينية، وجوانب أخرى قلّ ما يجدون لها مكانًا في الروايات الأخرى التي يقرأونها. والحقيقة أنّ مثل هذا التعليق كان يشعرني بأنّي أصبت الهدف. فأنا حين بدأت الكتابة كان هدفي أن تُبنى القصص التي أكتبها على قاعدة متينة من القيم الإسلاميّة التي نؤمن بها، دون أن يكون ذلك على حساب المقوّمات الجماليّة للرّواية أو العمل القصصيّ. وبعبارةٍ أخرى، كنت حريصة على ألّا تتحوّل الرواية التي أكتبها إلى كتاب وعظ وإرشاد. أردت أن أكتب عن الحياة لكن من منظورنا كمسلمين.
أمّا ردّ الفعل الآخر فكان على العكس تمامًا. كان المأخذ على الروايتين هو أنّهما موجّهتان لفئة معيّنة هي الفئة الملتزمة دينيًّا، ما يجعلهما حُكمًا يخسران القرّاء من جمهور "الآخر". كان عليّ ـ بحسب هذا الرأي ـ أن أتوجّه للجمهور الأوسع، وألّا أقيّد نفسي بهذا القيد الدينيّ، فالكاتب ينبغي أن يكون حرًّا ومنفتحًا على الجميع لا على فئة دون أخرى.
بصراحة، لم أستطع تقبّل هذا النّقد بطريقة إيجابيّة لأنّني شعرت أنّ مشكلة الناقد ليست مع النّص الروائيّ الذي قدّمته، وإنّما مع القيم التي يحملها هذا النص بصرف النظر عن روايتي، وهي مشكلة ليست جديدة. إنّها المشكلة التي يواجهها الدين بشكل عام في واقعنا الراهن، والتي تتمظهر في الرفض الصريح أو المبطّن (كحال النقد الذي تلقيته) لكلّ عملٍ فنّيّ يحمل في طيّاته أبعادًا دينيّة إيجابيّة، أو يحاول تقديم الدين أو المتديّنين بالصّورة الأصيلة الحقيقيّة غير المشوّهة؛ الصورة التي تتحدّى النمط الممسوخ للتديّن الذي يُروّج له في كل مكان.
وفقًا لهذا النقد، توجّهت لبيئة محدودة أسرَت روايتي في زنزانة لا يُسمح فيها بالزيارة إلّا لقلّة قليلة، علمًا أنّ المتديّنين ليسوا قلّة قليلة على الإطلاق، بل هم جمهور عريض جدًّا ينتظر بشوق من يخاطبه بلغته الأصيلة. لكن لنفرض أنّ هذا النقد مصيب، ماذا إذًا عن الروايات الروسية، أو روايات أمريكا اللاتينية، أو الروايات الأفغانية أو الإنكليزية أو غيرها من الروايات العالمية، التي يتناول فيها الكاتب مجتمعه الضيّق بعاداته وتقاليده وقيمه، والتي كلّما زخرت بالتفاصيل اللصيقة بهذه البيئة علا شأن الكاتب الأدبيّ، باعتبار أنّه فتح أعين القرّاء حول العالم على هذا المجتمع الغريب عنهم بتقاليده وتراثه وقيمه؟ لماذا لم تُعدّ الكتابة عن حياة الفلاحين الروس تقوقعًا؟ وهل كان ذاك الكاتب الروسي يحمل همّ القارئ في النصف الآخر من الكرة الأرضية حين شرع بكتابة روايته، أم كان همّه أن يعبّر عن الواقع الذي يعايشه من خلال الرواية أو القصة؟ لقد نجح هذا الكاتب وأصبحت روايته "عالميّة"، بالرغم من خصوصية المجتمع الذي تناولته، لأنّه قدّم قصّة تمسّ الإنسان. إنّ المخزون الإنسانيّ الذي يودعه الكاتب في روايته هو الذي يجعلها عابرة للقارّات. وأيّ شيء قادر على مخاطبة الإنسان كالإسلام؟
انا لا أتحدّث عمّا كتبت، لأنّ الأمر غير متعلّق بهاتين الرّوايتين؛ إنّه متعلّق برهاب الإسلام الذي يسعى كثيرون لغرسه في وجدان كلّ من يحاول أن يستنطق البعد الفنيّ في الإسلام. إنّه الرّهاب الذي يجعلنا نبتعد عن الإسلام كي لا نُوسم بالتقوقع، وكي لا يشعر "الآخر" بالعزلة، وكي لا نُتّهم بالعصبية... إلى ما هنالك من محاذير تضيء أمامنا كلّما حاولنا استكشاف هذا الكنز المخفيّ لتبقيَه تحت التراب.
ونأتي هنا لفكرة "الآخر". من يكون هذا الآخر؟ وما الذي يجعله "آخرًا"؟ وهل العالم مقسّم بيننا وبينه، أم أنّ هناك أحزابًا مختلفة كلّ منها هو "آخر" بالنسبة للآخر؟
من الأخطاء الكبيرة التي قد نقع فيها هي الاعتقاد بأنّ "الآخر" هو كتلة متماسكة ومنظّمة تمتلك رؤية واحدة وموقفًا محدّدًا وصريحًا لا لبس فيه؛ وهو موقف يقع في الجهة المقابلة لما نؤمن به أو ما نحاول التّعبير عنه أو إيصاله للناس. وأنّه "آخرٌ" شديد التحسّس، يستشعر أدنى محاولة نقوم بها للتعبير عن قيمنا، وينفر مباشرةً من كلّ نتاج يصبّ في هذا الإطار.
إنّ هذه السطحية وهذا التبسيط في نظرتنا "للآخر" ليست إلّا أحد آثار الرّهاب الذي ذكرته، والذي قد يُصاب به كثيرون دون أن يعوا ذلك. وربما نحن الذين ندّعي أنّنا نسعى لاستخراج كنوز الفن الإسلاميّ مُصابون به بدرجةٍ ما؛ درجة تظهر في خوفنا من أن يُساء فهمنا، أو تطالنا الملامة، أو نوسم بوسم معيّن يترتّب عليه أمور قد تعيق مسيرتنا.
لكن أعتقد أنّ الأثر الأسوأ لهذا الرّهاب هو تلك النقطة السوداء التي تظهر في قلوبنا، وتتمدّد بخفاء وببطء لتحيلَ الابتسامةَ، التي ينبغي أن تعلو وجه المؤمن، إلى تكشيرة لا تمتّ للإسلام بِصلة، والسماحةَ إلى حدّةٍ وقسوة، فنكتشف بعد فترة أنّنا بتنا نعبد الله بغضب لا بحب لأنّنا سنعتقد في أعماقنا، وإن لم نجرؤ على الاعتراف بذلك، أنّ التزامنا مع الله هو الذي صعّب حياتنا، وأسرنا في جزيرة معزولة عن باقي العالم.
في رواية "برج الخديعة" تقع فاطمة سليمان في فخّ الآخر، الذي يتّضح لها مع تطوّر الأحداث، أنّه مجرّد أداة استغلّتها "نفسُها" لكي تحكم سيطرتها عليها. فإذ بفاطمة التي تدّعي أنّها تُجاهد نفسها وتسلك مسارًا تكامليًّا على صعيد الأخلاق والإيمان، تكتشف أنّ نفسها نجحت بخداعها لتظنّ أنها بالمقارنة مع هذا "الآخر" منزّهة عن كلّ خطأ.
أمّا في رواية "يوم سقطت طهران"، نجد كيف أنّ النظرة المتشدّدة التي تحملها نرجس محمّدي للآخر ملأت قلبها، النابض بالعشق للثّورة وللحقّ وللشهداء، قسوةً فباتت أحكامها مبرمة لا تقبل النقض حتّى في حقّ التّائبين المعترفين بذنوبهم. في المقابل، كان هذا "الآخر" سببًا في نجاة بطلتي الروايتين. فلولا الآخر في رواية برج الخديعة، لما تفطّنت فاطمة إلى ألاعيب "نفسها"، ولبقيت تعيش حالة الغفلة. وفي رواية يوم سقطت طهران، لولا الآخر لتحجّر قلب نرجس، ولخسرت العشق الذي تحيا به ولأجله.
في النهاية، الخيار لنا في أن نبحث عن الحكمة من وجود الآخر في حياتنا، وفي أن ندرك أنّ ما من "آخر" يمكن أن يشكّل التهديد الذي قد تشكّله نفوسنا إذا ما غفلنا عنها لحظة واحدة، أو شُغلنا بمواجهات وهمية لا هدف لها سوى إلهائنا وتشتيتنا.
ومن رحمة الله تعالى علينا أنّه أمدّنا بقاعدة ذهبية ينبغي أن تحكم علاقتنا بالآخرين أيّا كانت انتماءاتهم، وهي قوله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطين}.[1]
هذه الآية الكريمة هي أيضًا حصنٌ نحتمي به من أيّ فخّ قد تنصبه لنا نفوسنا تحت عنوان "التصدّي للآخر".
[1]. سورة الممتحنة، الآية 8.

برج الخديعة
كانت فاطمة مهندسة معمارية تخرّجت حديثًا من إيطاليا، وكان ساجد قد أنهى لتوّه أكبر مشروع ثقافي... لكنّهما سرعان ما وجدا نفسيهما وسط صراع الأمم... هل ينسحبان من هذه المعركة أم يقومان بما يمليه عليهما الواجب في مواجهة منظّمة مستعدّة لارتكاب أبشع الجرائم للوصول إلى مآربها. كيف تمكّنا من التخطيط للرد واستطاعا إحباط الخديعة الكبرى. برج الخديعة الكاتب: أمل عبدالله الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 10*16.5 غلاف ورقي: 288 صفحة الطبعة الأولى، 2009مالسعر: 6$

يوم سقطت طهران
عالم دين ينتظر ليثأر لأخيه الذي استشهد في الحرب، محام شاب يبحث عن نافذة للتمرّد. وروائية تكتب لتبقى على قيد الحياة. شخصيات جمعها مخطط طروادة، الذي حاكت خيوطه وكالة الاستخبارات المركزية. الهدف، تغيير سيصدم العالم بأسره، ويعيد عقارب الساعة ثلاثين سنة إلى الوراء. ما دور هذه الشخصيات؟ وهل سينجح الحب والدهاء في فضح البغض وتفتيت المؤامرة؟ الجواب: مفاجأة لم يتوقعها أحد.. تقريبًا يوم سقطت طهران الكاتب: أمل عبدالله الناشر: مركز باء للدراسات حجم الكتاب: 14*21.5غلاف ورقي: 472 صفحةالطبعة الثانية، 2016مISBN: 978-9953-0-3773-8السعر: 15$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
الكاتب
أمل عبدالله
دخلت عالم الكتابة في العام 2008 ، بعد سنوات عديدة أمضتها في التعليم والعمل المخبري. أول أعمالها رواية "برج الخديعة" التي تلتها رواية "يوم سقطت طهران". في مجال أدب الطفل، للكاتبة مجموعة متنوعة من القصص صدر منها قصتي "توتة بلا توت" و "الأسبوع الذي أصبحت فيه متنمّرًا". شاهد اللقاء مع الكاتبة حول ...