
معضلة العلم الكبرى
السيّد عبّاس نورالدين
كل من يتأمّل قليلًا في أحوال المجتمعات الاقتصاديّة والأمنيّة والمناخيّة والبيئيّة، يدرك أنّ هناك مشاكل كبرى يصل بعضها إلى حدّ التّهديد بالفناء والكارثة العظمى. هذا، بالرّغم ممّا يُقال عن بلوغ البشريّة شأوًا عظيمًا في العلم والمعرفة. وقد أطلق بعض المفكّرين على هذا العصر عصر العلم، باعتبار أنّ المجتمعات البشريّة باتت تلجأ إلى العلم والعلماء لحلّ مشاكلها أو تحقيق مآربها المختلفة.
لا شك بأنّ للعلم صروحًا جبّارة في معظم مناطق العالم، ويُقبل عليه أكثرية الناس، باعتباره وسيلة للعيش أو بلوغ المنى؛ وهذا أمر لم يكن مشهودًا عبر تاريخ العالم.
فأين تكمن المشكلة؟ ولماذا لم تتمكّن هذه الحركة العلميّة الهادرة من إيقاف هذه التدهور الذي يشمل جميع مناحي الحياة؟
فنحن لا نطالب هذه الحركة بإقامة الجنّة على الأرض، لكنّنا نطالبها بالحد من هذه الكارثة على الأقل.
ورغم تسارع التطوّر التكنولوجيّ، فإنّنا نشهد تراجعًا ملحوظًا على صعيد تقديم الأطروحات والأيدولوجيّات الواعدة. ويعتري أهل العلم حالة من اليأس والإحباط تجاه الأطروحات السّائدة. ولعلّنا نستطيع أن نقول أنّ الأطروحة المهيمنة على أذهان الأكثريّة السّاحقة منهم باتت أطروحة التّعايش مع الباطل والفساد والظلم والخطأ!
أجل، لقد استنفد الغرب كل إمكاناته الفكريّة والذهنيّة فيما يتعلّق بتقديم الرؤية الكونيّة التي تعدنا بالحياة السّعيدة والمجتمع المثالي. وأصبحت أكثر الإنجازات العلميّة في هذا المجال أشبه بتعليق على تعليق، أو حاشية على حاشية، للمتن والنص الأصلي الذي انطلق منه منذ بداية "عصر العلم"!
هذا حال الغرب ومن معه في معظم مناطق العالم. ولكن ماذا عنّا نحن الذين نؤمن بضرورة الانطلاق من أسس مغايرة تمامًا لأسس الغرب المادية التجريبية! فنحن أتباع الوحي، وقد شهدنا تجربة رائعة قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا ما زالت ملهمًا أساسيًّا للكثيرين منّا.
نحن نؤمن بأنّ هذه التجربة الرّساليّة كانت خطّة إلهيّة ونتاجًا للاتّصال بالسّماء والاستفاضة من وحي ربّ الأرض والسّماء. ونؤمن بأنّ هذه التّجربة قد بدأت لتحقّق كل أهدافها الكبرى بإصلاح العالم وتبديل الأرض وإقامة حكومة العدالة والفضيلة والسعادة الكبرى. ومن المفترض أن يدفعنا هذا الإيمان للبحث عن هذه الأطروحة واكتشافها وتقديمها للعالمين مشفوعة بالتجربة الحيّة والتّطبيق الناجح. فما الذي حدث؟ ولماذا تأخّرنا إلى هذا الحد؟!
إنّ المشكلة تكمن بالدّرجة الأولى في ساحة أهل العلم، الذين ينبغي أن يكونوا وسطاء وحي السماء ومعارف الدين والناس: كما في قوله تعالى:{وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيدًا وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وإِنْ كانَتْ لَكَبيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضيعَ إيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحيم}.[سورة البقرة، 143]
فعلى ما يبدو لم يحسم أهل هذه السّاحة قناعاتهم بشأن الخطوة الأولى للاتّصال بمصدر العلم الصّافي الذي ينبغي استنباط هذه الأطروحة الكبرى منه. وما زال العديد منهم غافلين عن هذه القضيّة أو متوجّهين إلى مصادر أخرى. أمّا المؤمنون بهذا المصدر، فلم يحسم العديد منهم قراره بشأن الخطوة الأولى!
فإذا دخلت إلى ساحة العلوم الإنسانيّة، التي هي أهم ساحة تُناقش فيها الرؤى وتُدرّس الأطروحات، لوجدت أنّها ساحة مرتبكة في تعاطيها مع قضيّة العلم، ويسودها اتّجاه قويّ لتغليب آلية استكشافيّة بحثيّة واحدة، وهي منهج التّجربة والاستقراء. وهذا ما يمكن أن نعبّر عنه بروح الاستقلاليّة والتنكّر لقضيّة الوحي.
وفي المقابل، ترى في خصوم هذه السّاحة من يشن حربًا شعواء على المنهج الاستقرائيّ والتّجريبيّ من دون أن يقدّم البديل؛ فيحوّل المشكلة إلى الصّراع بين أهل العلم الذين يفترض أن يكونوا يدًا واحدة وجسدًا واحدًا ومجتمعًا متكاتفًا.
أجل، إنّ مشكلتنا الأولى، كمحبّين ومعتقدين ومتأثّرين بتجربة الرّسالة والوحي، هي أنّنا جعلنا الصّراع فيما بيننا قضيّتنا الأولى. وأصبحت قضيّة اختيار المنهج الوحيد قضيّتنا الكبرى.
ونحن نقول، وما الضير فيما لو كان هناك عشرات المناهج البحثيّة الاستقرائيّة والتجريبيّة والاجتهاديّة والشهوديّة والعقليّة والفلسفيّة و.. وفسحنا المجال لكلّ باحث أو صاحب رأي أن يبدي رأيه ويقدّم حلّه، سواء فيما يتعلّق بمشكلة الفقر والبطالة أو قضيّة الماليّات والبنوك أو قضيّة الأمطار والبيئة والبلاستيك، أو أي قضيّة أخرى.
فهل يضر أهل الحقّ أن يسمعوا الآراء الشاردة والأفكار الضعيفة، فيما لو كانت مطروحة في أجواء مفعمة بالمحبّة والتسامح والمشاركة والإصغاء والتبادل؟! وهل تظنّون أنّ الله تعالى يحصر الحقّ في شخصٍ واحد أو منهجٍ فارد؟
فلو شاء الله لأرى ملِكًا جاهلًا منامًا ينجي به شعبه من الإبادة!
ولو شاء الله لجعل العلم في رجل لا يراه النّاس!
فليست المعضلة العلميّة في قلّة الأفكار وندرة الحلول، بل هي في تعاطينا السلبيّ وفي مشاكلنا النفسيّة، التي لا تسمح ببناء تجربة علميّة رائدة قائمة على التناصح والتسامح.
أجل، لقد شاهدت الكثير من أهل العلم وهم ينظرون إلى العالم وقضاياه من مواقعهم العلميّة ومقاماتهم الاجتماعيّة، ولا همّ لهم سوى أن يسودوا ويكونوا أصحاب الرأي النهائيّ. فتشوا عن عقدة العالم في هؤلاء، ولا تظنّوا أنّ الله تعالى يحرم عباده من العلم الذي ينجيهم وهم يبحثون عن سبيل النجاة.

كيف نبني برنامجنا العلميّ الصحيح (1)
إذا أردت أن تختبر علاقتك بالله، فابحث عن مدى رغبتك في طلب العلم.

كيف نبني برنامجنا العلميّ الصحيح (2)
امتلاك الرؤية الصحيحة للعلم هي أساس الاهتداء العملي. ما لم نحمل في أذهاننا رؤية واضحة عن ماهية العلم ودوره في حياتنا وكيف نحصل عليه، فإنّ حركتنا العلمية مهما كانت نشطة لن تكون مهتدية.

متى يكون العلم قوة وسلطانًا؟
تثبت التجارب الكثيرة أنّ من يعلم قوانين الأشياء يمكن أن يمتلك القدرة على تسخيرها؛ سواء كانت هذه الأشياء جمادات أو كائنات حية، وسواء كانت هذه الكائنات الحية أفرادًا أو مجتمعات. لهذا، فإنّ الهدف الأساسي لأي باحث في المجالات العلمية المختلفة هو أن يكتشف القوانين، والتي يمكن التعبير عنها أحيانًا بصورة معادلات رياضية أو رموز اختصارية.

البنى التحتية للثّورة الثقافيّة
المقصود من الثورة الثقافية هو تلك التحوّلات الجوهرية التي تحدث في طريقة تفكير الناس ونظرتهم إلى الوجود، والتي تتجلّى في تبنّي مجموعة من القيم التقدّمية وشيوعها. ونحن نؤمن بأنّ المعرفة هي المقدّمة الأولى والأساسية لتحقّق تلك التحوّلات، وأنّ الجهل هو المانع الأكبر من انبعاثها وانطلاقها.

6.لا طبقيّة في المجتمع العلمي
إن تقسيم المجتمع الى طبقتين عالمة وعامية له جذوره في الرؤية التي سادت في أوساط أهل العلم طيلة قرون من الزمن، باعتبار أن العلم الذي ينبغي الوصول إليه حكر على عدد قليل من الذين يتمتعون بالمقدرة العلمية والذهنية، وعلى باقي الناس أن يعملوا وفق ما تقوله هذه الفئة القليلة. لكن الرؤية الصحيحة للعلم تبيّن أنّ العلم متاح للجميع ويمكن لهم أن يصلوا إليه بسهولة فتنتفي الطبقية العلمية التي هي أحد أسوأ أنواع الطبقيات في تجارب التاريخ.

5. ضرورة الإنتاج الفكري في المجتمع العلمي
يحتاج المجتمع العلمي إلى المفكرين لأنّهم يقومون بتطبيق مبادئ الإسلام والاجتهاد وأصول الشريعة على الواقع المُعاش والقضايا الزمانية، ففي كل عصر وزمان هناك مقتضيات تنشأ من التطوّر والتحوّل الاجتماعي والسياسي والتكنولوجي، وكل هذه تؤدي إلى نشوء قضايا تحتاج إلى عملٍ فكريٍ أصيل.

1. على طريق بناء القدرة والازدهار
ما هو المجتمع العلمي؟ وهل يمكن أن يتحقق مثل هذا المجتمع؟ ولماذا لا يمكن أن نطلق على المجتمعات التكنولوجية اليوم عنوان المجتمع العلمي؟

2. من أين ننطلق لنصنع المجتمع العلميّ؟
هل تعلم أنّ المجتمعات البشرية تعاني كثيرًا من الجهل؟ المجتمعات الإسلامية اليوم لا تمتلك الكثير من المعارف والعلوم التي تحتاج إالها في إدارة شؤونها وتحقيق التقدم والازدهار.. هل تعلم أنّ القرآن الكريم يتضمن كل ما تحتاج إليه البشرية من معارف وإنّه المصدر االوحيد للعلم فكيف نصل إلى معارف القرآن؟

3. أركان المجتمع العلمي، دور المفكّر في بنائه
لكي يتحقق المجتمع العلمي لا بد من تشكّل سلسلة من الحلقات تبدأ من المنبع الحقيقي لتصل إلى الإبداع والفن فما هي هذه الحلقات وكيف تتصل وتتواصل؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...
مجالات وأبواب
نحن في خدمتك

دورة في الكتابة الإبداعية
الكتابة فن، وأنت المبدع القادم دورة مؤلفة من عدة فصول نواكبك حتى تنتج روايتك الأولى