
هل اكتشفت الثّراء الحقيقيّ؟
الحياة الغنيّة في عالم الكتاب
السيّد عبّاس نورالدين
لا أعلم لماذا يتّخذ كلام أكثر المدافعين عن الكتاب الصّبغة التراجيديّة. فيُقال أنّ الكتاب في خطر وأنّ عصر الكتاب قد انتهى، وأمثال ذلك! في حين أنّ العنصر الأهم في حديثنا عن الكتاب (بما يشمل المجلّة والجريدة ولا يستثني الكتاب الإلكتروني طبعًا) يبقى غائبًا في هذا الخطاب.
لو سُئلتُ عن الكتاب لقلتُ إنّه عالمٌ كبيرٌ واسعٌ من الثّراء المعنويّ والغنى النّفسيّ. وهذا العالم لا يمكن أن نقارنه أو نستبدله بأي تجربة من تجارب الثّراء والاقتناء مهما كانت.. لا لأنّ المرئيّ بكل أشكاله عاجزٌ عن مضاهاته في إيصال الأفكار والمعاني (فلهذا قصّة أخرى)؛ بل لأنّ الكتاب ما زال يمثّل مجالًا واسعًا ميسّرًا للتّعبير والبيان والعرض بالنسبة لعددٍ كبيرٍ من أهل الفكر والمعنى. إنّه السّوق الأعلى والأغنى في المعارف والحقائق والحكم والمشاعر..
أنت جائعٌ، فمن الطّبيعيّ أنّك لن ترفض عرضًا لتناول طعامٍ شهيّ بصورةٍ ميسّرة. ولو كانت نفسك توّاقة للمعرفة، وأدركت أثر التّواصل مع أهل الفكر لما استغنيت عن الكتاب أبدًا؛ وما عليك إلّا أن تجرّب ولو لمرّةٍ واحدة هذا التّواصل مع عالم الكتاب حتّى تدرك متعته وروعته. وبعد ذلك أشكّ كثيرًا إن كنت ستندم على ذلك.
قد أفهم أنّ بعض النّاس لا يستطيعون الوصول إلى كتابٍ معيّن، لأسباب مادّيّة أو مكانيّة؛ لكنّ عالم الكتاب أوسع بكثير من كتابٍ واحد أو بضعة كتب. إنّه عالم يفتح ذراعيه لكلّ إنسان على الأرض بصورةٍ لا يوجد مثلها في أي سوق في العالم.
كم هو محرومٌ هذا الإنسان الذي ـ مع كل هذا اليسر والسّهولة ـ لا يُقبل على الكتاب ولا ينفتح على عالمه ولا يسعى للاتّصال بمجالاته ومعارضه.
هو حرمان من متعة وبهجة أقل ما يُقال عنها أنّها تجربة تفيض على أنفسنا روح الحياة العابرة للدّنيا، وتبلسم جراحات قلوبنا المثقلة المجهَدة من اشتغالها بهذه الدنيا الضيّقة الفانية.
ولا بأس أن نتفكّر ثانيًا بما يعنيه عالم الكتاب.
ليس المقصود من عالم الكتاب هنا كتابًا محدّدًا؛ بل هو عالمٌ كبيرٌ واسعٌ مترعٌ بالبهجات الروحيّة والنّفسيّة التي تشعرك بقيمة الحياة وما فيها من روعة وجمال وفُرص وآفاق وإنسانيّة وفضيلة وإمكانات.
وبمعزل عن قراءة هذا الكتاب أو ذاك، لو كنتَ متّصلًا بعالم الكتاب، فأنت متّصلٌ بأجمل ما في الحياة من معانٍ تصبو إليها روحك.
في هذا العالم أنت تجلس أمام شلّال رائع يصبّ في نهرٍ عذبٍ محاطٍ بكل أنواع النّباتات والزّهور الطّيّبة والطّيور المزقزقة بأجمل الألحان. ربما أنت لا تريد الآن أن تشرب، لكن نفس جلوسك واتّصال بصرك وحواسّك بهذه البقعة المتنزّلة من عالم الجنّة يكفي ليشعرك بروعة الحياة. حينها ستسري إلى روحك بشارة الوجود، وتعلم أنّك خُلقت لهدفٍ أسمى وأعلى.
من منّا جلس في مثل هذه البقعة الطّبيعيّة الرّائعة ولم تحلّق روحه إلى الآفاق البعيدة. هناك حيث يشعر بأنّ عيشه في المدينة الإسمنتيّة الملوّثة كان خطأً كبيرًا وحرمانًا أكبر.
حين تتّصل بعالم الكتاب وتشعر بأنّ لديك قدرة الوصول إلى المعارف والحِكم والمعاني اللامتناهية المبثوثة فيه من قِبل مئات آلاف الكتّاب والمفكّرين، ستشعر أنّك غنيٌّ حقًّا، وأنّ حياتك متّصلة بالفرص الواسعة.
لا شيء يمكن أن يجبر شعورنا بالفقر والحرمان مثل هذا الاتّصال..
قد تكون محرومًا من منزلٍ لائقٍ أو تشعر بغصّة الاحتياج إلى شريك لروحك يؤنسك ويفهمك ويحنّ عليك ويسامر نفسك المتعبة، أو تتألّم من ملاحظة نقصك أمام كل هذا التفوّق عند الآخرين. لكن كل هذا ـ صدّقني ـ سُرعان ما سيتبخّر بفعل وهج الاتّصال بعالم الكتاب السّاطع.
الاتّصال بالكتاب يعني أن تفتح كيانك كلّه على عالمه، فلا تبقى حدود وسدود بينك وبين كتابٍ صادرٍ في اليابان أو مجلّة تُبثّ على الشّبكة أو معرضٍ يُقام في المدينة البعيدة. فالاتّصال بهذا العالم يعني أن تتابع عالم الكلمة اللامتناهي من دون شرط؛ فتتصفّح كلّ كتاب يقع بين يديك أو تصل إليه عيناك وتقلّب أوراقه بحثًا عن حكمة أو فكرة أو تعبير أو شعور مبثوث أو تجربة لم تعشها من قبل. وقد تختار بعدها أن تقرأه أو تجعله ضمن مقتنياتك النّفيسة.
الاتّصال بعالم الكتاب لا يعني أن تبذل جهدًا في المطالعة، ولا يعني أن تعاني من صعوبات اللغة؛ فهو أشبه بزيارة معرض للتقنيّات الحديثة أو التّحف الثّمينة أو أي شيء أبدعته يد القدرة، حيث يحقّ لك أن تشاهد وتمتّع بصرك وتسرح بخيالك فتدرك أنّ في هذه الحياة الكثير الكثير من الإبداع والرّوعة والآفاق.
اتّصالنا بعالم الكتاب يعني أن نتابع ونلاحظ ونهتم بما يقدّمه لنا أهل المعنى؛ فنعلم أنّ الحياة على هذه الأرض هي أمرٌ أوسع بكثير من همومنا الضيّقة التي تكاد تخنقنا وتحبس عنّا الهواء العليل.
لا شيء يضاهي أن تكون محبًّا ومتواصلًا مع عالم الكتاب!

البنى التحتية للثّورة الثقافيّة
المقصود من الثورة الثقافية هو تلك التحوّلات الجوهرية التي تحدث في طريقة تفكير الناس ونظرتهم إلى الوجود، والتي تتجلّى في تبنّي مجموعة من القيم التقدّمية وشيوعها. ونحن نؤمن بأنّ المعرفة هي المقدّمة الأولى والأساسية لتحقّق تلك التحوّلات، وأنّ الجهل هو المانع الأكبر من انبعاثها وانطلاقها.

8 أمور تجعل ولدي محبًّا للمطالعة
يمثّل الارتباط بالكتاب إلتزامًا جديًا تجاه المعرفة وعالم الفكر والبحث والتعمّق. وهذه هي الأسلحة الماضية التي يمكننا بواسطتها القضاء على الآثار السلبيّة للمعاصرة.إليكم 8 نصائح يمكن أن تساهم في جعل أبنائكم محبّين للمطالعة والكتاب.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...