
بين السيّئ والأسوأ
كيف يفضّل الغربيّون نظامهم السّياسيّ الاجتماعيّ؟
السيّد عبّاس نورالدين
من يظن أنّ الغربيّين عمومًا، والأمريكيّين خصوصًا، لا يرون مساوئ نظامهم الاجتماعيّ السّياسيّ (بما يشمل الاقتصاديّ والإعلاميّ والتّعليميّ و..) فهو مخطئ حتمًا. وإذا كنتُ أريد أن أتوجّه بالكلام إلى القارئ العربيّ، فلا شك أنّ هذا القارئ سيكون محكومًا ـ في نظرته وتقييمه للنّظام الغربيّ ـ لواقعه الذي يعيش فيه.
فإن كنت تعيش في الأسوأ فسوف ترى السيّئ جيّدًا. ومن الطّبيعيّ حينها أن تتمنّى العيش في النّظام السيّئ.
الإنسان الغربيّ يعلم تمامًا أنّ هناك طبقة، لا تمثّل أكثر من ( 0.01) من السكّان في بلاده، والتي يمكن أن نعبّر عنها بطبقة الملأ، هي التي تتحكّم بمعظم مفاصل دولته وحكومته.
والغربيّ يعلم جيّدًا أنّ معظم القوانين والمشاريع الحكوميّة وغيرها إنّما تتم صياغتها وتلزيمها ضمن نطاق سيطرة اللوبيّات المعلنة والسرّيّة.
صحيح أنّ القلة هناك تدرك عاقبة هذا النّظام وما سيجرّه على مجتمعه من ويلات، وما سيجرّه على المجتمعات الأخرى من مآسٍ وفظائع، لكنّ الغربيّ في نظرته للحياة يعجز عن رؤية الصّورة الكاملة؛ لأنّه ينطلق من رؤية كونيّة وعقيدة ضيّقتين فيما يرتبط بقيمة الحياة، فيعجز بالتالي عن استشراف المستقبل بوضوح.
الأمريكيّ، على سبيل المثال، يقول أنّ الأوضاع الاقتصاديّة والسياسيّة في بلده سيّئة؛ لكن إذا فكّر بالانتقال إلى بلدٍ آخر لا يرضخ لأمريكا ولا يعمل على تقليد تجربتها، كإيران مثلًا، لا يمكنه أن يتصوّر حياةً خالية أو بعيدة عن الحرّيّة الجنسيّة، التي يتمتّع بها في بلده، كما يصعب عليه أن يتصوّر حياةً ليس فيها الكثير من المشتهيات والحرّيّات المتاحة في أمريكا.. إذًا أمريكا سيّئة، لكن إيران أسوأ منها! هذا ما ينتهي إليه الغربيّ كلّما قاس الأمور، فيبقى السيّئ أهون الشرّين. ويبقى النّظام الغربيّ هو الأفضل من بين السيّئات.
الإعلام الغربيّ لا يخفي عورات وعيوب المجتمعات الغربيّة، بل ربما يبالغ أحيانًا في عرضها؛ لكنّه ولا شك يبالغ كثيرًا في إظهار عيوب الآخر (إيران مثلا)، يدفعه لذلك عداءٌ تاريخيّ ونزعةٌ شوفينيّة استعلائيّة، والأخطر من الكلّ افتقاد القدرة الذهنيّة والفكريّة على معرفة حقيقة ما يجري في المقلب الآخر من العالم.
لا ننكر أنّنا مقصّرون كثيرًا في عرض وتقديم إيجابيّاتنا، فهذا الأمر ينبغي أن يُضاف إلى سلسلة العوامل التي تمنع الإنسان الغربيّ من إدراك الحقيقة.
لقد قال الزّعيم البريطانيّ المشهور "ونستون تشرشل" ذات يوم: "إنّ الديمقراطيّة نظامٌ سيّئ، لكنّها النّظام الأفضل". ورُغم أنّ تجربة إيران ما بعد الثّورة، قدّمت نظامًا فريدًا، هو أرقى من النّظام الديمقراطيّ الغربيّ، إلّا أنّها عجزت عن إظهاره أو تظهيره للمجتمعات التي ترزح تحت بؤس الأنظمة المختلفة.
ما الذي يجعلنا ضعفاء أو قاصرين عن عرض إيجابيّاتنا للآخرين؟
هل هو ذاك الشيء المُسمّى بالضّعف الإعلاميّ؟ أم أنّنا نتوق دومًا لما هو أرقى، فلا نرضى بما عندنا ولا نعتبره جاهزًا للعرض؟ أم أنّنا مشغولون بحروبنا الداخليّة، التي تجعلنا دومًا في موقع الدّفاع، فنخسر فرصة رؤية الجميل عندنا؟
في أمريكا ما لا يُحصى من الدّراسات والكتابات التي تبيّن مدى سوء الأوضاع، وخصوصًا فيما يتعلّق بدرة التّاج الغربيّ، التي هي النّظام السياسيّ. يكفي أن تطّلع على كتب مثل "واشنطن تحكم" أو "الحريّة في القيود" أو "الأوليغارشيّة الأمريكيّة" أو "المال الأسود"، حتّى تتيقّن أن ما يُسمّى بالديمقراطيّة الأولى في العالم، ليست سوى وجه آخر للنّظام الاستبداديّ الملكيّ الذي تحسُن عنده جميع الأنظمة الملكيّة، التي عرفتها البشريّة.

كيف نتفوّق على الغرب؟
كل من يمتلك الحدّ الأدنى من الوعي والاطّلاع، يدرك مدى هيمنة الغرب على المجتمعات المسلمة ومدى نفوذه فيها وإيغاله في مكوّناتها الاجتماعيّة والنفسيّة والفكريّة، ويلاحظ بوضوح عمله المعلن على إخضاعها واستعبادها.

قرأتُ لك: قوانين واشنطن
عنوانٌ يحمل في الصياغة الإنجليزية معنًى آخر هو "واشنطن تحكم"، ينطلق فيه الكاتب وهو عقيد متقاعد وأستاذٌ جامعيّ مرموق في التّاريخ والعلاقات الدوليّة في جامعة بوسطن، من اكتشافٍ حدث له، أبان سقوط جدار برلين، حين انتقل مع بعض زملائه إلى القسم الشرقيّ من العاصمة؛ ليتعرّف هناك على حجم الجهل الذي كان يعيشه، والذي أوقعته فيه المؤسّسة التي خدم فيها لأكثر من عشرين سنة. كان حينها ينظر إلى العالم بمنظار الأبيض والأسود ووفق القيم والمعايير الأمريكيّة التي أصبحت بالنسبة لمعظم الشّعب الأمريكيّ من المسلّمات التي لا تتعرّض للمساءلة والنقاش.

لماذا نكره الحضارة الغربية؟
نظر المؤمنون بالإسلام والأحرار في العالم إلى الحضارة الغربية من موقع العداء، لكن قد تتفاوت أسباب عدائهم. وهنا يتقدم السيد عباس نورالدين لتقديم رؤية موضوعية بعيدًا عن العداء الشخصي. وبهذه الطريقة نتقدم خطوة مهمة نحو فهم هذه الحضارة التي تسعى للهيمنة على العالم وإبادة ثقافات الآخر.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...