
قضايا الحياة الكبرى
قضية المرأة نموذجًا
السيّد عبّاس نورالدين
إنّ التفاتنا إلى وجود قضايا كبرى تفوق قضايانا الشّخصيّة لهو دليلٌ واضحٌ على تفتّح وعينا العام ونموّ شخصيّتنا.
حين تبدأ بالإحساس بوجود مجتمعات بشريّة ذات هويّات متعدّدة تعيش فيما بينها تفاعلًا قويًّا، وحين تدرك طبيعة هذا التّفاعل الذي يتّخذ سمة الصّراع في العديد من الموارد، وحين تكتشف مفاعيل ونتائج هذا الصّراع؛ فأنت إنسانٌ حيٌّ شاعرٌ مدرك. وهنا، ستحتاج إلى أن ترتقي بوعيك إلى المستوى الأعلى، حيث تفهم طبيعة ما يتولّد عن هذا التّفاعل الكبير من قضايا ـ تكون بمنزلة محدِّدات المسارات الكبرى.
أجل، فالقضايا الكبرى في الحياة الاجتماعيّة هي التي تساعدنا على فهم ما يجري وما ستؤول إليه الأمور. فهي أفضل شارح لحركة المجتمعات. واهتمامك بهذه القضايا دليلٌ واضحٌ على انتقالك إلى المقلب الآخر؛ مرحبًا بك في عالم الإنسانيّة الواسع.
ربما لم تكن المرأة قضيّةً قبل مئات السّنين، فلم يتم استغلالها كقضيّةٍ من قِبل قِوى أو سلطات معيّنة، ولم تكن النّساء بوارد المشاركة الحقيقيّة في النّشاط الاجتماعيّ (وهذا كان ينطبق على قسمٍ كبيرٍ من الرّجال أيضًا)، ولم تتولّد ثقافةٌ معيّنةٌ تُشعر المرأة بهويّتها المستقلّة أو بكونها مظلومة أو كائنًا مقابل الرّجل. (فكل هذه هي بنات ثقافة عصرنا).
وهكذا أصبحت قضيّة المرأة قضيّة حسّاسة وحاضرة وذات تأثيرٍ مصيريّ على المجتمعات البشريّة. فقد استيقظ هذا المارد من القمقم، بمعزل عن أسباب يقظته وما الذي سيفعله بعدها. وأصبحت قضيّة المرأة تشغل المفكّرين والسياسيّين وتُطرح ضمن دوائر النّشاط الاجتماعيّ الواسع وتؤثّر على العديد من جوانب الحياة الاجتماعيّة للنّاس. فسوف تتشكّل الأسرة الحديثة على ضوء ما ستؤول إليه أوضاع النّساء في المجتمع. والأسرة هي نواة المجتمع الأولى. وبسبب الشّجار الدّائر حول هويّة المرأة سيتأثّر الزّواج نفسه والسّلوك الجنسيّ للبشر، وستتشكّل فنون عديدة وقيم جديدة لم تكن معهودة من قبل. والأهم من كلّ ذلك، ما يُطرح في هذا المجال في قضية نظام الوجود والتّكوين ممّا له مساس مباشر بخالق العالم وتدبيره وعدله وتشريعه. وسوف يُعاد النّظر بالتّاريخ وكل ما جرى فيه.
إنّنا نعيش تحوّلات جوهريّة في كل مناحي الحياة تبعًا لكون قضيّة المرأة قضيّة كبرى في مجتمعاتنا. وسوف يكون لأدائنا وتعاملنا مع هذه القضيّة أكبر الأثر في رسم مصيرنا. ويكفي أن نعلم أنّ هذه القضيّة باتت تشكّل أوسع بوّابة للتدخّلات الغربيّة. فعلى ضوئها ستتحدّد العلاقات الدوليّة، وتُفرض المعاهدات الاقتصاديّة، وتتغيّر قوانين ودساتير داخليّة.
وبمعزل عن نفاق الغرب المشهور، فإنّ وضع المرأة في مجتمعات المسلمين لا ينسجم مع الأصول الثقافيّة والدّينيّة التي يؤمنون بها، ممّا يؤكّد حصول تحوّلات مهمّة في هذا المجال. فإن لم تجرِ هذه التّحوّلات على أيدٍ أمينة على تلك الأصول، فلن نتوقّع سوى تلك البدع التي يعقبها فتنٌ قد تأكل الأخضر واليابس.
فالخطوة الأولى تقضي بضرورة تنشيط الوعي العام تجاه مثل هذه القضايا لمعرفة أسبابها ومناشئها وأبعادها وتأثيراتها والعوامل الدّاخلة فيها ودوافعها وكيفيّة استغلالها. وهذا ما يقتضي مساهمة فاعلة من قبل المفكّرين الحريصين على مستقبل مجتمعاتهم، ومشاركة واعية عميقة من قبل وسائل الإعلام والتّعليم العام.
سؤال للتّفكّر: كيف ستؤثّر التحوّلات المرتبطة بفهمنا لهويّة المرأة ودورها في تشكّل الأسرة الحديثة؟ وهل يمكننا أن نأخذ المجتمع الغربيّ كشاهد على هذا؟

العلامات الحقيقيّة لنموّ الشخصيّة
أن تهتم، يعني أنّ روحك فاعلة في نفسك. وأن تهتم كثيرًا يعني أنّك تمتلك روحًا وقّادة. والأهم، إن كنت تدرك القضايا المصيريّة والأساسيّة؛ فهذا يعني أنّ روحك تسير وفق مؤشّر النموّ السّليم. كيف نكتشف أنّ البعد الروحيّ فاعل ونشيط وحيّ فينا؟ وما هي علامات نموّ هذا البعد؟