
بين الولاية الشعبيّة والولاية العسكريّة
السيد عباس نورالدين
لا شيء يضاهي وجود ولاية شرعية في حياة الإنسان المؤمن، ففي ظلّ هذه الولاية تصبح أهم قضايا حياته مهتدية أو تأخذ صبغة القبول والعفو عند الله تعالى. وهذا ما يًسمّى ببراءة الذّمّة.
فما نفع صلاتنا وصيامنا وعباداتنا إن كانت قضايانا الكبرى خارجة عن شريعة الله وأحكام دينه؟!
إنّ وجود وليّ شرعيّ نرجع إليه في مثل هذه الشؤون الاجتماعيّة (بما يشمل الاقتصاد والسياسة والأمن و..) يدلّ على أنّ الله يريد بنا خيرًا كثيرًا. وأدنى هذا الخير أن يجعل سيرنا في الحياة إليه سريعًا، فنكون من السّابقين.
وقد شبّهت بعض الروايات حال من لا وليّ له بالمتحيّر الضالّ في صحراءٍ مقفرة أو اليتيم الذي لا وصيّ له في أمره. فلا بدّ لكلّ من ارتبط بوليّ شرعيّ (يستمدّ ولايته من الله ولو عبر عدّة وسائط) أن يشكر الله ليل نهار على هذه النّعمة التي لا نظير لها.
بَيد أن تشكّل هذه الولاية في حياتنا يخضع لظروف المجتمع الذي نعيش فيه ومساراته التّاريخية. فالولاية تنشأ من رحم التّجربة الاجتماعية، وتكون قويّة وفاعلة وشاملة بمقدار قوّة هذه التجربة وأدائها. فلا يتساوى مجتمع عاش تجربة نضاليّة طويلة ممتزجة بالمعرفة والرّصيد العلميّ الكبير، مع مجتمعِ نهض لتوّه وكان أبناؤه متسرّعين في مجال العلم والمعرفة أو غير متعمّقين ولا متبحّرين في الدين وقضاياه.
ومن بين الولايات المشهورة في زماننا يمكن الإشارة إلى نوعين:
الأوّل، الولاية الشعبيّة التي تنشأ من رحم النشاط الجماهيريّ، حيث ترتهن منذ البداية للناس وترهن نفسها لنضالهم، فتتقدّم معهم وتعيش همومهم منذ البداية.
والنوع الثاني، هو الولاية العسكرية التي تتشكّل من بيئة الجهاد العسكريّ المقاوم؛ فتكون قدرتها نابعة من أدائها الجهاديّ ومن مستوى وطبيعة تقدير المجاهدين لها. فهي ولاية منتخَبة من ثلّة مجاهدة عاقدتها على القتال والمشروع الجهاديّ. ولا شك بأنّ طبيعة نظرة الولاية العسكريّة للأمور ستكون متأثّرة إلى حدٍّ كبير بكل مقتضيات القتال والمواجهة، حيث سترى كلّ شيءٍ انطلاقًا من الحروب القائمة والمعارك المتواصلة، وستكون ساعة حياتها بحسب عقارب المناوشات العسكريّة مع الأعداء، وسيكون الناس والمجتمع بالنسبة لها إمكانات للحرب وخزانات للمقاومة. وبسبب ذلك، ترى أنّ الحروب هي التي تمتلك الكلمة الفصل في كلّ الأمور وأنّ الانتصار فيها هو الذي يحدّد مستقبل الناس ومصير المجتمع. وعلى ضوء ذلك، ستقع كلّ الجهود التي تصبّ في القتال والعسكر موقع التقدير دون سواها.
أمّا الولاية الشعبية، فسوف تخوض التجربة الاجتماعيّة من موقع المشاركة الشعبيّة وترى في الجماهير المحور الأساس في كلّ تطلّعاتها وهمومها، وتعتبر أنّ ارتفاع منسوب هذه المشاركة هو الذي يشكّل رصيدها الأكبر ويكون العنصر الأساس في تحديد قدرتها وتأثيرها. ولا شك بأنّ مثل هذه الولاية تحتاج إلى أن تأخذ بعين الاعتبار الكثير من الشؤون الاجتماعيّة وتضعها في سلّم الأولويات وترى التاريخ مجموعة من العناصر الفاعلة بالإضافة إلى الحروب والمعارك والقتال..
وبناء عليه، فإنّ الولاية الشعبية هي الأوسع والأشمل والأقدر، لأنّها أخذت بالعنصر الأقوى للقدرة. هذه هي قدرة الشّعوب التي أثبت الإمام الخميني (قدّس سرّه) أنّها القدرة التي لا تُهزم.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...