
لماذا فشلت الحركات التغييرية؟
السيّد عبّاس نورالدين
شهدت بعض الدول العربيّة حركات تغييريّة شبه ثوريّة، انطلقت من رفض الواقع المرير الذي كانت ترزح تحته لسنوات طوال. وباستثناء بعض الدول الإفريقيّة التي ما زالت تعيش تركة الاستعمار، فإنّ أكثر المناطق العربيّة تعاني من تدهور عام في اقتصاداتها وأوضاعها المعيشيّة والاجتماعيّة. والأخطر من الكل ذاك التدهور الأخلاقيّ والمعنويّ والثقافيّ الذي يزداد يومًا بعد يوم، وتزداد معه مخاطر الاندثار وضياع الهويّة بالكامل.
فإذا كان أيّ شعب عاجزًا عن ترجمة أصول دينه وقيمه في إطار الحياة الاجتماعيّة، فهذا يعني أنه يتّجه نحو تضييع هويّته التي تمثّل أهم أركان نسيجه الاجتماعيّ. أي حين يعجز الشعب عن معاداة عدوّ دينه وإظهار هذا العداء لمن يهتك مقدّساته، فاعلم أنّه قد أصبح على شفير الهاوية.
وهكذا اجتمعت عوامل ازدراء الأوضاع (المفروضة بيد حكومات تابعة للغرب) واستغلّت بعض التحوّلات في العالم، لتشكّل عنصر تحرّك جماهيريّ واسع. ثمّ كانت النتائج مخالفة للآمال والأحلام، حتى أنّها أعادت في بعض هذه الدول الكبيرة الساعة إلى الوراء. ويبدو أنّها أدّت إلى ترسيخ الدكتاتوريّة أكثر من ذي قبل.
كل ذلك يحملنا على إعادة النظر فيما جرى ودراسة أسباب الإخفاقات، في محاولة منّا لتلمّس طريق الخروج من المأزق، وإعادة صياغة رؤية واضحة حول عوامل تحقيق النجاح في الثورة والتغيير والإصلاح.
بالنسبة للبعض ليس من الصعب وضع اليد على العنصر المحوريّ الأوّل في أي حركة اجتماعيّة، وهو ما نعبّر عنه بالقيادة الرشيدة؛ القيادة التي ترقى في مؤهّلاتها وفي أدائها إلى مستوى التحدّي، فتجمع في شخصيّتها خلاصة وزبدة الثقافة الشعبيّة في أبهى حلّتها، والقدرة السياسيّة والقياديّة اللازمة لمواجهة كل ما يعصف بالحركة الثوريّة.
وحين ننظر إلى معظم الحركات الثوريّة التي انطلقت في السنوات الأخيرة، لا نتلمّس فيها قيادة قريبة من هذه الخصائص. وقد أدّى افتقاد هذا النوع من القيادات إلى صيرورة الثائرين والمطالبين بالتغيير ضائعين لا يقدرون على تحديد الموقف المناسب في الوقت المناسب.
وما يهمّنا في هذا المجال هو أن نلتفت إلى العوامل التي تؤدّي إلى نشوء مثل هذه القيادات؛ حيث نقطع باستحالة ذلك في ظلّ خضوع الثقافة الشعبيّة (التي تستقي من الإسلام والقرآن) لأكبر وأطول عمليّة تدجين عاشها أي شعب في العالم. وفي ظلّ هذه البيئة المدجّنة ثقافيًّا لا يُتصوّر أن يتخرّج قائدٌ ثوريّ يحمل في فكره وروحه روح الإسلام الأصيل الذي لا يقبل بالظلم ويورث أبناءه الحكمة ويلهمهم معرفة حقيقة ما جرى في التاريخ.
مثل هذا الإسلام الذي يمنح أبناءه الوعي السياسيّ والاجتماعيّ المطلوب للإصلاح والتقدّم، قد تمّ استبعاده في معظم هذه الدول منذ مئات السنين. وما قامت به الحكومات التابعة منذ حوالي خمسين سنة لم يكن سوى استكمال لما جرى عبر العصور.
فإلى الشعوب الرازحة تحت نير الظلم والفساد: لا يمكن تغيير الواقع إلّا بعد إصلاح الثقافة والعودة إلى الإسلام الأصيل وإصلاح التأريخ وطرد الأساطير التي عشعشت في تراثكم وسلبتكم قدرة استشراف المستقبل.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...