الاجتهاد الجماعي
ودوره في الانتقال بالإنتاج الفقهي إلى آفاق غير مسبوقة
السيد عباس نورالدين
هناك عدّة عوامل تؤدّي إلى نضج الفقه وارتقائه إلى مستوًى يجعل الفقيه يرى الفقه أكثر تطوّرًا ودقّةً وعمقًا. ففقهاء اليوم، ومع اعتزازهم بالقدماء والأقدمين من نظرائهم، يعلمون أنّ الاجتهاد وصناعة الفقه والتحقيق الفقهي قد مر بمراحل من التطوّر النوعي الذي يجعل الاجتهاد على الطريقة القديمة غير مقبول.
تمتع قدامى الفقهاء بمجموعة من الخصائص والميزات الخاصة على صعيد الاجتهاد، منها قرب عصرهم وزمانهم من عصر المعصوم، مما كان عاملًا مساعدًا لفهم حيثيات ترتبط بمعرفة الأحكام بطريقة لا تتطلّب بذل الكثير من التحقيق والتدقيق الذي يحصل اليوم.
يعرف فقهاء زماننا ومجتهدو عصرنا هذه الميزة جيدًا ويعتزون بها ويعتمدون على نتائجها في العديد من الحالات. لكن حين يأتي الحديث عن الاجتهاد والاستنباط، وتبدأ المقارنة بين عملية الاجتهاد والتحقيق التي كان يقوم بها الفقيه منذ ألف سنة مثلًا، وما يقوم به الفقيه اليوم، نلاحظ أن تطوّرًا نوعيًّا قد حصل على مستوى البحث والتحقيق.
وأحد أسباب هذا التطوّر يرجع إلى تضافر جهود التدقيق والتحقيق ليس فقط على مستوى أصول الفقه، والقواعد والمبادئ التي يحتاج إليها الفقيه في عملية الاستنباط فحسب، بل في كل شيء، ومنها الآراء والأنظار التي إذا اجتمعت قد تكشف عما لا يتصور الأقدمون.
لقد خضعت هذه المبادئ والأصول إلى دراسات معمّقة وواسعة ومستوفية، ساعدت على إخراج الكثير ممّا هو غث وضعيف، وأدّت إلى تنقيح الأصول والقواعد بصورة نوعية.. وحتى لو لاحظنا في العديد من الحالات أبحاثًا ودراساتٍ غير مجدية أو مثمرة، لكن المسار العام لحركة الاجتهاد أضحى تطوريًا وتكامليًا. فحين نتأمل في الأبحاث الفقهية التي كتبها فقهاء عصر ما قبل ال 500 سنة، ونقارنها مع ما كُتب قبل 200 سنة أو 100 سنة ومع ما يُقدم اليوم من أبحاث وتحقيقات على يد فقهاء مجدّين، لا نشك لحظة بحجم التطور النوعي في البحث الفقهي.
يتمتّع الفقيه اليوم بميزة تؤهله للاستفادة من تراث هائل يزيده قدرة وعمقًا ودقة، بالإضافة إلى فرصة الوصول إلى جميع المصادر والأبحاث ببعض الجهد.. فالفقيه الذي يبحث اليوم في موضوعات الطهارة أو في كتاب الصلاة أو الحج عل سبيل المثال، يجد أمامه من الأبحاث ومن الآراء ما يساوي أضعاف ما كان يجده الفقيه قبل 100 أو 200 سنة، ما يسمح له بمعالجة القضية من زوايا مختلفة والالتفات إلى دقائق، ما كان ليلتفت إليها لولا هذه الأبحاث المتراكمة.
ولكن قد يكون لعملية الاجتهاد مجال آخر للتطور والتكامل، وذلك حين يتمكن المجتهدون والباحثون من العمل ضمن فرق، فيتحقق أسلوب "الاجتهاد الجماعي" الذي يوفر الكثير من الجهد ويسمح للفقيه بأن يصبح أكثر إحاطة في مدة زمنية نوعية. وذلك فيما إذا قام فريق من المحقّقين أو المجتهدين بعملية الاستنباط والبحث كرجلٍ واحد وعقلٍ واحد حيث يتم توزيع مهمات وجهود البحث والاستنباط للموضوع الواحد على الجميع. أجل، قد طرح بعضٌ فكرة حول مؤسسة المرجعية، لكنّها شيء آخر. ففي هذه الأطروحة يتباحث الفقهاء بعد أن يخلص كل واحد منهم من الاستنباط، في حين أنّ ما نقصده من الاجتهاد الجماعي أو الفريقي هو أن تجري عملية الاستنباط نفسها في إطار عمل مجموعة، يسمح لعدد لا يُحصى في المشاركة، ما يزيد من القيمة النوعية والكمية.
ولا أتصوّر أنّ مثل هذه العملية قد ابتُكرت لحدّ الآن أو جرى تطبيقها، بالرغم من وضوح فوائدها عند العقلاء؛ ولعل السبب يرجع بالتحديد إلى تلك النقطة التي ترتبط بالمرجعية كحالة فردية.
إنّ الاجتهاد الفريقي لا يعني أن يُنتقص من حظ أحد، خصوصًا على مستوى الاقتدار والارتقاء بالمهارات والكفاءات، لأنّ عمل الفريق يختصر الجهد الكمي ويضاعف الناتج النوعي. ولعلّ هذا ما يريده الحديث الشريف حيث يقول الإمام عليه السلام: من شاور الناس شاركهم عقولهم.
إنّنا نتحدث عن آلية يُفترض أن تؤسس لبرامج كمبيوترية مستقبلية على طريقة عمل الذكاء الاصطناعي الذي يراكم الخبرات والآليات ويطورها. كل ذلك، من دون أن يفرض أي شيء على أي أحد. فنحن نتحدث عن مسارٍ موازٍ يسلّط الضوء على القضية ويزيد من الخيارات.
وقد يصبح هذا الأمر أكثر إنتاجية باستخدام الشبكة العالمية، التي تجعل الارتباط والتواصل بين الفقهاء والمحققين أكثر يسرًا وسرعة وأحسن تدبيرًا. فبواسطة البرامج الذكية يمكن عرض الموضوعات وتأمين المصادر المرتبطة بها وعرض الآراء وتحديد المطلوب، ومن ثمّ عرض الآراء التحقيقية الجديدة واستخلاصها وبيانها، وهكذا حتى يصل البحث إلى درجة عالية من النضج. وكأنّ برنامج الحاسوب مدير مدبر وقوي يدير جلسة بحث بأفضل وأقوى طريقة وأشدها فعالية.
وقد يُقال أنّ مثل هذا الأمر يحدث أحيانًا، ولا نشك بأنّ هناك من يتجاوز العقد النفسية والعملية وهو يؤمن بأنّ استشارة الزملاء والنظراء وأهل الخبرة لا تزيده إلا علمًا وعمقًا؛ لكنّنا نطمح لأن يصبح الاجتهاد الفريقي ميزة إضافية يتم اكتشاف فوائدها الكبيرة على نطاقٍ واسع؛ وهذا ما يتطلّب إعادة النظر في طريقة إدارة دروس البحث الخارج، التي يكتفي الفقيه فيها بعرض استنباطه من مراحله الأولى وحتى إصدار الحكم الشرعي أو الفتوى. فلو اعتمد الفقهاء في مثل هذه الدروس على طلابهم وفوضوا إليهم مجموعة من المهام والأعمال التي يقومون بها عادة، لوجدنا أنّ مسار الدروس سيتسارع بصورة غير مسبوقة.
يُراجع الفقيه غالبًا الكتب القديمة للاطّلاع على آراء من سبقه، ولكن هذه الطريقة متيسرة اليوم بفضل الشبكة العالميّة ووسائط التواصل، ويمكن أن تُشكّل قفزة نوعية تساعد الفقهاء على الارتقاء بأبحاثهم واجتهادهم.
وما نطرحه في مجال الاجتهاد الفريقي يتميز عن هذا أيضًا في عدة نقاط مهمة ترتبط، كما ذكرنا، بتضافر الجهود واجتماعها في شخصٍ واحد، لكن هذا الشخص سرعان ما يصبح كل عضو من أعضاء الفريق. فأنا أبذل جهدًا إلى جانب جهود الآخرين لكنني استثمر كل هذه الجهود لكي أخرج بالفتوى المطلوبة.
فحين ننظر إلى عملية الاجتهاد هذه، نجد أنّ قسمًا منها يعتمد ـ بلا شك ـ على أصول ومهارات وإمكانات كل مجتهد داخل هذا الفريق؛ وبالتالي فلا بد من توافر حد أدنى من المعرفة والكفاءة التي تؤهل صاحبها ليكون عضوًا فاعلًا في فريق الاجتهاد.
وبامتلاك هذا المستوى من الكفاءة، والذي يتوافر عادة بعد مرحلة السطوح العليا، يختصر الباحث جهد سنوات في أشهر قليلة، بواسطة اعتماده على جهود زملائه. فعلى سبيل المثال، سيبذل الفقيه ها هنا جهدًا ويقضي ساعات طويلة في مطالعة الأحاديث والبحث في الآراء والأدلة. مثل هذا الجهد يمكن تقسيمه على مجموعة من الناس ضمن إطار الفريق، فيختصر ما يحتاج إليه الفقيه من وقت، بحسب قوّة هذا الفريق واتّساعه وإدارته أيضًا. فعمل الفريق هنا سيرتبط في البحث والمراجعة والجهد الكمي، الذي سيقل عبر العمل الفريقي، ما يعني حصول إنجازات سريعة وقفزة نوعية كبرى على مستوى الاجتهاد.
على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$
روح المجتمع
كتابٌ يُعدّ موسوعة شاملة ومرجعًا مهمًّا جدًّا يمتاز بالعمق والأصالة لكلّ من يحمل همّ تغيير المجتمع والسير به قدمًا نحو التكامل، يحدد للقارئ الأطر والأهداف والسياسات والمسؤوليات والأولويّات والغايات المرحليّة والنهائيّة في كلّ مجال من المجالات التي يمكن أن تشكّل عنصرًا فعّالًا في حركة التغيير، على ضوء كلمات قائد الثورة الإسلاميّة المعظّم روح المجتمع الكاتب: الإمام الخامنئي/ السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19*25غلاف كرتوني: 932 صفحةالطبعة الأولى، 2017م ISBN: 978-614-474-020-0 سعر النسخة الملوّنة: 100$سعر النسخة (أبيض وأسود): 34$ للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراءه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
معادلة التكامل الكبرى
يقدّم رؤية منهجيّة تربط بين جميع عناصر الحياة والكون وفق معادلة واحدة. ولهذا، فإنّك سوف تلاحظ عملية بناء مستمرّة من بداية الكتاب إلى آخره، تشرع بتأسيس مقدّمات ضروريّة لفهم القضية ومنطلقاتها، ثمّ تمرّ على ذكر العناصر الأساسية للحياة، لتقوم بعدها بالجمع بينها والتركيب، لتخرج في النهاية بمعادلة شاملة لا تترك من مهمّات الحياة شيئًا. معادلة التكامل الكبرى الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 21.5*28غلاف ورقي: 336 صفحةالطبعة الأولى، 2016مالسعر: 15$ تعرّف إلى الكتاب من خلال الكاتب للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم أن تطلبوه عبر موقع جملون على الرابط التالي:
حول أسلمة العلوم الطبيعية أو التطبيقية.. مبادئ أساسية لبناء المناهج
لا ينظر المؤمنون بالإسلام وقيمه إلى الحركة العلمية الغربية بارتياح عمومًا، ومنها ما يرتبط بالعلوم التي تمحورت حول دراسة الكون والطبيعة والإنسان؛ هذه العلوم التي عبّرت عن نفسها بمجموعة من الاختصاصات والفروع، وظهرت بنتاج هائل استوعب جهدًا كبيرًا للبشرية، فأصبح بسبب ضخامته وحضوره مدرسة عامة يتبنّاها العالم كلّه. فالمنهج الغربيّ في التعامل مع الطبيعة والكون والإنسان هو المنهج المعتمد اليوم في كل بلاد العالم دون استثناء. إلا إنّ المؤمنين بالإسلام متوجّسون من حركة الغرب عمومًا، لا سيّما حين ينظرون إلى نتائج هذه العلوم على مستوى علاقة الإنسان بربّه. لقد أضحت هذه العلوم علمانية بالكامل، ليس أنّها لا ترتبط باكتشاف مظاهر حضور الله وعظمته وتدبيره وربوبيته فحسب، بل أصبحت سببًا لحصول قطيعة بين الإنسان وخالقه؛ في حين أنّ هذه العلاقة هي أساس سعادة الإنسان وكماله. أضف إلى ذلك، الآثار الهدّامة المشهودة لهذه العلوم على مستوى التطبيق والتكنولوجيا.من هنا، فإنّنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، والعمل على تأسيس مقاربة أدق وأوسع وأشمل تجاه الكون والإنسان والوجود تنطلق من فهم فلسفة الوجود وغايته، فتكون عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف الكبرى.
ما الدليل على جواز تقليد الميت ابتداءً؟
إنّ قضية التقليد كلها هي قضية عقلائية، ترجع إلى أصلٍ واحد وهو ضرورة رجوع الجاهل إلى العالم.
متى يخطئ الفقيه في تشخيص التكليف؟
نسمع عن المرجع أو العالم أو الفقيه الفلاني أنّه شخّص تكليفه لأن يقوم بفعلٍ ما أو ينهض بأمرٍ ما؛ لقد سمعنا مثلًا أنّ الإمام الخميني(قده)، أيام المواجهة والنضال ضدّ الحاكم المستبد في إيران قبل الثورة الإسلامية، كان يقول: إنّ تكليفي هو أن أُسقط هذه الحكومة. وفي الوقت نفسه كنا نسمع عن مراجع أو فضلاء من أهل العلم أنّهم كانوا يقولون: إنّ تكليفنا هو أن نسكت عن الشاه أو عن هذه الحكومة حتى لو كانت جائرة. فمن أين استنبط هؤلاء تكليفهم؟ وهل يحق للإنسان العادي أن يشخّص تكليفه المرتبط ببعض قضايا الزمان أو الحوادث الواقعة؟
ما هي مسؤوليات طالب العلم الدينية؟
ما هو تكليف العصر فيما يختص طلب العلم الديني؟ هل أنكب على الكتب الفقهية والاصولية او على الفلسفة والامور العقائدية ؟ كيف امكن نفسي لمتطلبات العصر لاسيما الفلسفة الغربية
الفكر الإسلامي: نحو آفاق غير مسبوقة
هناك قدرة عظيمة عند الفكر الإسلامي، خصوصًا في نسخته النابعة من مدرسة أهل البيت (ع)، على ملء الفراغ الفكريّ الذي يعيشه العالم وعلى تقديم الكثير من الحكمة التي تحتاجها البشرية.يوجد أعمال فكرية رائعة في وسطنا، ومع ذلك هي مجهولة حتى في هذا الوسط، فضلًا عن الأوساط المسلمة الأخرى وبقية بلاد العالم. ورغم المحاولات العديدة لإيصال هذا الفكر للآخر، والمحاولات الحثيثة لنشره وسط بيئة تتقبّله بحكم الانتماء؛ إلا أنّه وبعد مرور عدّة عقود لا يبدو أنّ هناك أثرًا واضحًا لهذه المحاولات. بل نجد أنّ هذا الفكر في انحسار، ومع انحساره يفقد أهله الاندفاع المطلوب لإكمال مشروع بناء تلك المنظومة الفكرية وإظهار الفكر الإسلاميفي كل العالم. فمن الذي يتحمّل المسؤولية في هذا المجال؟والأهم كيف يمكن أن نحلّ هذه المشكلة حتى نحقّق هذه البيئة الناشطة الفاعلة التي تتفاعل فيها الأفكار الأصيلة العميقة الملهمة والمهتمة مع الواقع البشري بقضاياه المختلفة؟
مذهب في طور التشكّل... لماذا يجب أن ننظر إلى التشيّع بنظرة خاصّة؟
يثبت العديد من علماء الشيعة أنّ مذهبهم قد تشكّل منذ الأيام الأولى لصدر الإسلام حين كان النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) يركّز في بعض المناسبات على موقعية عليّ بن أبي طالب ومكانته السامية في الإسلام، ومن ثم يشير إلى شيعته من هذا الاعتبار؛ كما أشارت بعض الأحاديث إلى أنّ عليّ وشيعته على منابر من نور أو أنّ علي وشيعته في الجنة، وغيرها من الأحاديث التي تقارب هذا المعنى. وأخال أنّه من الطبيعي جدًّا أن ينجذب عشّاق الفضيلة إلى شخصية هذا الإمام بمجرد أن يتعرفوا إليه، وبمعزل عن موقعيته السياسية وأحقيته بالخلافة. فقد كانت الخصائص الأخلاقية والمعنوية والعلمية والسلوكية، لهذا الشاب الذي تربى في حضن النبيّ الأكرم بارزة جدًّا، وكذلك إنجازاته المميزة على صعيد نصرة النبيّ والإسلام ومواقفه البطولية المجيدة، التي قلّما ظهر نظير لها على يد أحد الصحابة الأجلّاء؛ ولكن هل هذا يعني أنّه يُفترض بهؤلاء الشيعة المتابعين العاشقين الموالين لهذا الإمام أن يشكّلوا مذهبًا خاصًّا جنبًا إلى جنب المذاهب الأخرى؟ أم كان يُفترض لهذه القضيّة أن تبقى محض عُلقة عاطفية ومعنوية، قد تصل في بعض الحالات إلى مستوى الموالاة والطاعة حين يكون هذا الإمام في موقع السلطة والقيادة؟
متى يخطئ الفقيه في تشخيص تكليفه؟
نسمع عن المرجع أو العالم أو الفقيه الفلاني أنّه شخّص تكليفه لأن يقوم بفعلٍ ما أو ينهض بأمرٍ ما؛ لقد سمعنا مثلًا أنّ الإمام الخميني(قده)، أيام المواجهة والنضال ضدّ الحاكم المستبد في إيران قبل الثورة الإسلامية، كان يقول: إنّ تكليفي هو أن أُسقط هذه الحكومة. وفي الوقت نفسه كنا نسمع عن مراجع أو فضلاء من أهل العلم أنّهم كانوا يقولون: إنّ تكليفنا هو أن نسكت عن الشاه أو عن هذه الحكومة حتى لو كانت جائرة.فمن أين استنبط هؤلاء تكليفهم؟ وهل يحق للإنسان العادي أن يشخّص تكليفه المرتبط ببعض قضايا الزمان أو الحوادث الواقعة؟
حاجتنا إلى جبهة متراصة... لماذا لا يمكن مواجهة التحدّيات بالمبادرات والإنجازات الفردية؟
رُغم ما وفّرته الإنترنت من هامشٍ واسعٍ للإرادة الفردية، وذلك مقارنةً بكل العصور التي مرّت على البشرية، فإنّ العقل الجمعيّ للجماعات الإنسانية ما زال في طور التراكم والتطوّر والفاعلية. ومن الصعب الادّعاء بأنّ هذا العقل سيتفكّك أو يتلاشى في المدى المنظور.
الفكر الإسلامي... نحو آفاق غير مسبوقة
هناك قدرة عظيمة عند الفكر الإسلامي، خصوصًا في نسخته النابعة من مدرسة أهل البيت (ع)، على ملء الفراغ الفكريّ الذي يعيشه العالم وعلى تقديم الكثير من الحكمة التي تحتاجها البشرية. يوجد أعمال فكرية رائعة في وسطنا، ومع ذلك هي مجهولة حتى في هذا الوسط، فضلًا عن الأوساط المسلمة الأخرى وبقية بلاد العالم. ورغم المحاولات العديدة لإيصال هذا الفكر للآخر، والمحاولات الحثيثة لنشره وسط بيئة تتقبّله بحكم الانتماء؛ إلا أنّه وبعد مرور عدّة عقود لا يبدو أنّ هناك أثرًا واضحًا لهذه المحاولات. بل نجد أنّ هذا الفكر في انحسار، ومع انحساره يفقد أهله الاندفاع المطلوب لإكمال مشروع بناء تلك المنظومة الفكرية وإظهار الفكر الإسلاميفي كل العالم.
هل نظام هذا العالم هو النظام الأحسن؟
بُني الفكر الإسلامي منذ بداية تشكّله على أساس أنّ نظام العالم هو النظام الأحسن، وعلى قول بعض العارفين بأنّه النظام الأجمل. ولكن حين ننظر إلى هذا العالم نرى أنّ فيه الكثير من الاختلال الذي لا يجعل العيش فيه سهلًا ويسيرًا في كلّ الأحوال والظروف، فقد يشتدّ البرد أحيانًا، والحر أحيانًا أخرى؛ وهناك الكوارث كالفيضانات والأعاصير والزلازل، فضلًا عن الأمراض والحشرات المضرة والحيوانات المؤذية التي تنشأ من الاختلال البيئي. إذًا، هناك العديد من الحالات التي لا يمكن مع وجودها وصف العيش على هذه الأرض على أنّه الأحسن.لكن هناك من يقول إنّ الله هو الجميل وهو الحكم العدل وهو العالم والقدير، ومن يتصف بهذه الصفات المطلقة، لا يصدر منه أي عبث أو خلل أو نقص فهو قد أتقن كل شيء خلقه، وأحسن كل شيء صنعه، ما يعني أنّ هذا العالم لا بدّ أن يكون كذلك. لقد انتقل هؤلاء ببرهان اللم من العلّة إلى المعلول وأثبتوا أنّه طالما أنّ الخالق يتّصف بهذه الصفات على نحو مطلق ـ فهو ليس فيه عجز أو جهل أو أي ضعف ـ فلا بد لمعلوله أو مخلوقاته، الذي هو هذا العالم بحسب الفرض، أن يكون كذلك أيضًا وأن لا يتصف بأي نقص.فأين تكمن المشكلة في هذا الدليل؟
حول أسلمة العلوم التطبيقية والطبيعية... مبادئ أساسية لإعداد المناهج
لا ينظر المؤمنون بالإسلام وقيمه إلى الحركة العلمية الغربية بارتياح عمومًا، ومنها ما يرتبط بالعلوم التي تمحورت حول دراسة الكون والطبيعة والإنسان؛ هذه العلوم التي عبّرت عن نفسها بمجموعة من الاختصاصات والفروع، وظهرت بنتاج هائل استوعب جهدًا كبيرًا للبشرية، فأصبح بسبب ضخامته وحضوره مدرسة عامة يتبنّاها العالم كلّه. فالمنهج الغربيّ في التعامل مع الطبيعة والكون والإنسان هو المنهج المعتمد اليوم في كل بلاد العالم دون استثناء. إلا إنّ المؤمنين بالإسلام متوجّسون من حركة الغرب عمومًا، لا سيّما حين ينظرون إلى نتائج هذه العلوم على مستوى علاقة الإنسان بربّه. لقد أضحت هذه العلوم علمانية بالكامل، ليس أنّها لا ترتبط باكتشاف مظاهر حضور الله وعظمته وتدبيره وربوبيته فحسب، بل أصبحت سببًا لحصول قطيعة بين الإنسان وخالقه؛ في حين أنّ هذه العلاقة هي أساس سعادة الإنسان وكماله. أضف إلى ذلك، الآثار الهدّامة المشهودة لهذه العلوم على مستوى التطبيق والتكنولوجيا.من هنا، فإنّنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، والعمل على تأسيس مقاربة أدق وأوسع وأشمل تجاه الكون والإنسان والوجود تنطلق من فهم فلسفة الوجود وغايته، فتكون عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف الكبرى.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...