
عن اختلاف الشيعة وسبل الخروج منه
الكاتب والمفكر السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب أي مجتمع نريد؟
لو نظرنا في كل فرق العالم ومذاهبه وطوائفه وجماعاته لعلنا لن نجد جماعة لديها من المشتركات في العقيدة والقيم والقوانين والأحكام العملية كما لشيعة أهل البيت عليهم السلام؛ هؤلاء الذين يؤمنون بعصمة الأئمة وبخلافتهم المؤكدة للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله.. ومع ذلك قد لا نجد جماعة فيها هذا القدر من الاختلاف الذي يكاد يطال كل شيء!
أما الاشتراك والاتفاق فإنه يمثل أرضية، هي غاية في الأهمية لصيرورة الجماعة أمة واحدة تؤدي دورًا محوريًا ورياديًا في بناء الحضارة الإسلامية الجديدة. كيف لا، ولدى القائد الفريد في هذه الجماعة أطروحة شاملة لهذا المشروع الكبير، يمتلك معه قدرات تنفيذية مميزة تتمثل في دولة مقتدرة وأحزاب وتيارات وجمعيات منتشرة في كل بلاد العالم.
إلا إنّ الاختلافات التي نلاحظها داخل هذا البيت الشيعي ليست بالأمر العادي؛ ففي بعض الحالات تصل الاختلافات إلى الخلافات، ومن ثم تودي بعض هذه الخلافات بالبعض إلى التحالف مع الأعداء لأجل تصفية الحسابات، وفي حالاتٍ أخرى تحملهم على استنباط تكاليف شرعية، تحتّم عليهم مواجهة الشيعي الآخر ومحاربته إلى حد تكفيره واهدار دمه، نظرًا لما يشكله من خطر على المذهب أو على عقائد الناس، بحسب ما يراه أصحاب هذه الفتاوى.
حين نتأمل في عوامل التوافق والاتحاد داخل أي أمة أو شعب أو جماعة، لا نشك لحظة بأنّ للرؤية الكونية والعقائد المرتبطة بالوجود والمصير أبلغ الأثر في تمتين أواصر هذا الاتحاد وتعميقه. فقد نجد شعبًا يعيش كأمة واحدة دون أن يمتلك تلك العقائد والأفكار والرؤى الكونية العميقة، وما إن تعصف به ريح التحديات الخارجية والغزوات الثقافية حتى يتفرق ويتشرذم إلى شعوب وقبائل، وإن حفظ لنفسه عنوان الوحدة بالظاهر.
يُقال إنّ سر بقاء الشيعة على مجموعة مهمة من عقائدهم على مدى التاريخ ـ الذي كان يلاحقهم حتى في تشريعاتهم المرتبطة بالوضوء والطهارة ويهدر دماءهم لأدنى اختلاف مع الأكثرية أو السلطة ـ بالإضافة إلى أسلوب التقية الذي اعتمدوه، هو امتلاكهم للعقائد العميقة المترابطة التي لا يبلغ شأوها وقوتها أي مذهب آخر؛ وهي منظومة فكرية كانت تتألق مع مرور الأيام واشتداد التحديات لتُبرز الكثير من مكنوناتها وتحوّلها إلى عقيدة صالحة لكل عصر وزمان.
لقد واجهت هذه العقائد كل أشكال المعارضات والتحديات الفكرية من قبل المذاهب المختلفة على مدى التاريخ، وصمدت وانتصرت ثم تألقت استعدادًا لمرحلة جديدة يبحث فيها أهلها عن أساليب جديدة وعصرية لعرضها على كل شعوب العالم.
في الوقت نفسه، حين تم التركيز على الاجتهاد الفقهي على حساب العقيدة وأُعطي الفقه الأصغر الهامش الأكبر على حساب الفقه الأكبر، فقد سمح هذا التركيز بسيادة ذهنية الاختلاف وسيطرتها على حساب الاتفاق. فبمقدار ما تكون العقيدة حديدية في التوحيد بين الناس وتمتين روابطهم، فإن الفروع الفقهية قد تكون مثار الاختلاف بينهم. وقد لاحظنا كيف أنّ أهل الخلاف والاختلاف كانوا في بعض الظروف يتوقفون عند الاختلافات الفقهية في الفروع، ليجعلوا منها قضية كبرى، ولينالوا من أصحابها نيلًا عظيمًا، أوصلهم أحيانا إلى إخراجهم عن المذهب واتهامهم بكل أشكال البدع وأمثالها.
ولو تم العمل على نشر العقائد الشيعية ورؤية الإمام العقائدية كما عُمل على نشر المسائل الفقهية، لكان وضع الشيعة اليوم أفضل بكثير على صعيد وحدة الكلمة والتفاهم والانسجام. إلا إنّنا رأينا المرجفين الذين ما ذاقوا طعم عمق العقيدة، يحذّرون من ذلك ويمنعونه بحجة الحؤول دون إثارة الاختلافات؛ بل ويعتقد بعضهم أنّ الشيعة إنّما اتفقوا على ظواهر العقائد والأصول الدينية واشتركوا في سطوحها دون أعماقها؛ ويُقال بأنه لو أُثيرت هذه العقائد ونُشر بساط بحثها، لما بقي اتفاق على شيء.
قد يبدو للوهلة الأولى أنّ أصحاب هذا الرأي محقون فيما رأوه، نظرًا لما تراه من اختلاف داخل بيئة العلماء حول قضايا التوحيد والوجود ومعرفة الله والرؤية والجبر والتفويض والرجعة وغيرها، فبالنسبة لهؤلاء إنّ ما حفظ وحدة الشيعة لا يرجع إلى العمق الفكري الموجود في عقائدهم، بل إلى قدرة فقهائهم على صياغة تلك الأصول بطريقة يمكن التوافق عليها ومنع الاختلاف بشأنها. لكن ما يبدو لي هو أنّ الأمر على العكس من ذلك تمامًا. إنّ هذا التوافق الهش أو السطحي يتحول إلى اختلاف، بمجرد أن يواجه أي نوع من التحديات الفكرية الخارجية؛ إنه توافقٌ يتناسب مع أهل الريف والبادية البعيدين عن الحضارة وتحدياتها. فلو جرى العمل على تعميق تلك العقائد بكل ما تتطلبه هذه العملية من مقتضيات، لكنا اليوم نشهد جماعة لا نظير لها على مستوى وحدة الكلمة التي تجعل منها قوة عالمية عظمى شديدة التأثير في كل مجريات العالم.
إنّ ما يمتلكه أصحاب العقائد الحقة من قدرات للتأثير والتغيير لا يمكن مقارنته بأي نوع من الوسائل والأسلحة والإمكانات. هذه هي الكلمة العليا التي تؤتي أُكُلها كل حين بإذن ربها، وتشرف بظلالها الوارفة لتشمل العالم كله. إلا إنّ الغفلة عن هذا الدور الاجتماعي من جهة، وصعوبة حضانة عملية التعميق من جهة أخرى، كانت السبب الأول وراء ضعف الاهتمام بالعقيدة والرؤية الكونية بما يتناسب مع حجم تأثيرها ودورها المصيري.
لقد لاحظت الكنيسة المسيحية منذ بدايات تشكلها أنّها إذا أرادت الحفاظ على وحدة المسيحيين في العالم، فلا بد أن تحصر لاهوتها بيدها، وأن تمنع أي نوع من الاجتهاد الفكري بخصوص العقائد المسيحية، كتلك المرتبطة بطبيعة المسيح وأمّه ومسألة الصلب وحقيقة الأناجيل وغيرها. لذلك أضحت العقائد المسيحية بمثابة القرارات التي تصدر من مجامع ومؤتمرات كهنوتية، وتحدد ما هو الإيمان المسيحي ومن هو المسيحي الحقيقي. وكان هذا العمل يشبه إلى حدٍّ كبير ما حدث في العالم السني، الذي جعل أئمته أو سلاطينه من المسائل الاعتقادية قضايا فتوائية، تتصدر كتب الأحكام الشرعية. ورغم أنه لا يوجد فتوى تمنع السني من التفكر في عقيدته، إلا إنّ سياسة سد الذرائع التي اعتُمدت تحت إشرافٍ من السلاطين، حتّمت على الفقهاء والأئمة أن يجعلوا من قضية العقيدة مسألة التزام ديني مذهبي كغيره من الأحكام العملية.
إنّ اختلاف الشيعة ورغم وضوح أسبابه بالنسبة لكل متأمل متجول في حواضرهم وتجمعاتهم وجماعاتهم، إلا إنّ حلّه وحسمه بالطريقة التي تجعلهم أمة متماسكة متحدة هو أمرٌ غاية في الصعوبة، إلى الدرجة التي يمكن القول معها بأنّه لن يحصل إلا على يد شخصٍ واحد يتمتع بمكانة تاريخية فريدة ويعيش في عمق وجدانهم على مدى العصور، ألا وهو الإمام المهدي عجل الله فرجه. وقد يكون هذا التصور بعيدًا عن الواقع إذا نظرنا في العديد من الروايات التي تشير إلى دوره هذا.
لكن صعوبة الأمر لا ينبغي أن تمنعنا من السير في هذا الاتجاه، وخصوصًا إذا علمنا أنه يُعد أعظم مهمة وأشرف عمل يمكن أن يضطلع به إنسان. كيف لا؟ وهو المقدمة الحتمية لوحدة الأمة الإسلامية التي ستكون بوحدتها الحضارية العظيمة مقدمة لوحدة البشرية جمعاء. وهل يوجد ما هو أعظم من توحيد البشر وإحلال السلام بينهم؟!
بالتأكيد لا يخفى ذلك الدور المشؤوم الذي تقوم به مجموعة من الأجهزة المخابراتية المدعومة بإعلامٍ واسع لأجل بذر كل أشكال الخلافات والاختلافات، وهي تستخدم كل من تجده جاهزًا لأداء تكليفه الشرعي في مواجهة أهل البدع داخل الطائفة الشريفة.

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

ما العمل لجعل مذهب التشيّع متفوقًا.. السيد عباس نورالدين يكمل الحديث عن مستقبل التشيع كمذهب عالمي
أن تكون عالميًّا لا يعني بالضرورة أن تكون على هدى أو أن تمتلك الحقيقة؛ فقد تعرض مذهبك أو مدرستك ضمن الأطر والقوالب الفطرية، فيُقبل الناس عليها أفواجًا أفواجا، ليكتشفوا فيما بعد خواء ما هو خاوٍ منها أو كذب ما كان مناقضًا للادّعاء. فالدعاية هي فن تجميل القبيح، وهي صناعة كبرى تنفق فيها مئات مليارات العملة الصعبة سنويًّا؛ لكن أن تكون على حق وأن تكون مؤمنًا وتابعًا لمذهبٍ جامعٍ للكثير من الأمور التي يحتاج إليها الناس بحسب فطرتهم، يوجب عليك انطلاقًا من إنسانيتك أن توصل لهم هذه البضاعة الجميلة التي تعرفت إليها وخبرتها؛ ولكي تفعل ذلك تحتاج إلى عرضها بطريقة جذابة وسلسة وعالمية.

لماذا سيصبح التشيع مذهبًا عالميًا؟ 10 أسباب وراء مستقبل التشيع الباهر
لماذا نعتبر بأنّ التشيّع سيكون مذهبًا عالميًّا، تتبناه أكثرية البشرية كأفضل نمط للعيش، وأسهل أسلوب للتعامل مع مشكلات الحياة وأرقى منهج لصناعة المستقبل؟إنّ أي مدرسة فكرية أو دين أو مذهب، إذا كان لا بدّ له أن يستقر ويثبت على مستوى أتباعه أو ينتشر ويسود على مستوى العالم، لا بدّ أن يتمتع بمجموعة من المواصفات والخصائص العالمية، والتي هي في الواقع تلك الخصائص المشتركة التي تحدد ما هي الإنسانية والتي نعبر عنها بالمميزات الفطرية. ولا يعني هذا أنّ تمتع أي مذهب بمجموع هذه الخصائص الفطرية كاف لتحقيق هذا النجاح والانتشار؛ فيبقى على أتباع هذا المذهب أن يعملوا بصدق على إظهار مذهبهم وعرضه على الناس وفق هذه الخصائص الفطرية، مثلما أن عليهم تجاوز تلك العقبات والموانع التي تنشأ بشكل أساسي في عصرنا الحالي، من الاحتكار الإعلامي والهيمنة المفروضة من قبل الأمبراطوريات الإعلامية التي تقع تحت الدعم والحماية غير المباشرة للقوى الكبرى، وكذلك تجاوز الحدود والقيود التي تفرضها بعض الحكومات على حرية شعوبها وأنواع حرية التعبير والتواصل الفكري.

ما هي أركان التشيع الثلاثة؟
التشيع هو تفسير خاص للإسلام مثل بقية المذاهب الموجودة في العالم. هذا التفسير قائم على مبدإٍ أساسي يتفرع عنه مبادئ لتشكل معًا ثلاثية مهمة جدًّا معرفتها هي أساس فهم هذا التشيع؛ وإذا اختل فهمنا لواحد منها لن نفهم التشيع كما ينبغي. وهي: مبدأ التوحيد الذي يتجلى في هذا العالم بتدبير الله سبحانه وتعالى لخلقه وفق مشيئته وإرادته أي محورية الله سبحانه وتعالى. هذه القضية في النظرة الشيعية تتجلى في الإنسان الكامل والمعصوم ويظهر هذا التدبير الإلهي بواسطة الإمام في هذ العالم.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...