
الفكر الإسلامي
نحو آفاق غير مسبوقة
السيد عباس نورالدين
هناك قدرة عظيمة عند الفكر الإسلامي، خصوصًا في نسخته النابعة من مدرسة أهل البيت (ع)، على ملء الفراغ الفكريّ الذي يعيشه العالم وعلى تقديم الكثير من الحكمة التي تحتاجها البشرية.
يوجد أعمال فكرية رائعة في وسطنا، ومع ذلك هي مجهولة حتى في هذا الوسط، فضلًا عن الأوساط المسلمة الأخرى وبقية بلاد العالم. ورغم المحاولات العديدة لإيصال هذا الفكر للآخر، والمحاولات الحثيثة لنشره وسط بيئة تتقبّله بحكم الانتماء؛ إلا أنّه وبعد مرور عدّة عقود لا يبدو أنّ هناك أثرًا واضحًا لهذه المحاولات. بل نجد أنّ هذا الفكر في انحسار، ومع انحساره يفقد أهله الاندفاع المطلوب لإكمال مشروع بناء تلك المنظومة الفكرية وإظهار الفكر الإسلاميفي كل العالم.
حين يجد المفكّر أنّه لا يستطيع أن يوصل ما يكتبه إلى الآخرين، وحين يشعر أنّ ما يكتبه يصعب أن يُنشر أو أن يصل إلى المجتمعات المسلمة الأخرى، التي يكتب لها حتى بلغتها، فإنّه يُصاب بنوع من الإحباط، وهكذا تنحسر الأعمال الفكرية وينحسر ميدانها ونصل إلى مرحلة نُسأل إذا كان هناك فكر إسلامي أصيل من الأساس.
فمن الذي يتحمّل المسؤولية في هذا المجال؟ والأهم كيف يمكن أن نحلّ هذه المشكلة حتى نحقّق هذه البيئة الناشطة الفاعلة التي تتفاعل فيها الأفكار الأصيلة العميقة الملهمة والمهتمة مع الواقع البشري بقضاياه المختلفة؟
إنّ البشرية اليوم تقاسي وتعاني كثيرًا بسبب هذا الفراغ. لا يصح أن يُقال أنّ البشرية لا تقرأ ولذلك نحن لا نستطيع أن نخاطبها بالفكر، لأنّه على المفكر والعالِم أن يكون هو البادئ دومًا، فكيف يمكن القضاء على الجهل إن لم يكن هناك فكر وتعليم ونشر علم، خصوصًا باللغات السهلة وبالأساليب المتيسرة؟ فهذا واجب على الجميع.
لكن حين يشعر هذا العالم أو ذاك المفكر بأنّ عمله غير مؤثر، فإنّه سيتراجع وينحسر. فلو كان هناك من يتبنى حركته ونشاطه الفكريّ ويفعّل دوره، سواء على مستوى طباعة الكتاب أو نشره أو الترويج له أو الترويج لفكره وإظهاره كشخصٍ مفكّر أمام الناس ليُقبلوا على فكره، لاستطاع أن يُقدِّم الكثير.
إنّ القضية ترتبط بمجموعة من العوامل، بعضها سياسيّ اجتماعيّ بحكم وجود الخوف من هذا الفكر من قبل السلطات والحكومات، التي تخشى كثيرًا، إن انتشر هذا الفكر، بأن يُفتضح زيفها وأعمالها ويكشف عن خوائها وعدم شرعيتها؛ مثل هذا الخوف متوقّع وطبيعي وكان وما يزال.
إنّ الحكومات المختلفة، وخصوصًا في المناطق المسلمة، تلعب دورًا كبيرًا في مواجهة هذا الفكر أو الحؤول دون انتشاره، فمثل هذا الأمر كان وسيبقى، وإذا لم نعمل من خلال الفكر على إسقاط هذه الحكومات المستبدة وتعريتها، فمن الذي يستطيع أن يقوم بذلك؟
إنّ الأعمال الأمنية والعسكرية لا يمكن أن تكون هي الحل، بل الحل يكمن في الصحوة والوعي الجماهيري واختيار الناس للحرية والعدالة والحقيقة، وهذا بدوره يحتاج إلى التوعية وإلى عمل المفكرين. فمن كان ينتظر قيام انقلابات أو أعمال عسكرية وأمنية تؤدي إلى انتشار هذا الفكر فهو واهم! إنّ الفكر هو الذي ينبغي أن يتجاوز هذه الموانع، وعلى المفكّرين والمهتمين وأصحاب القرار وكل من يقدر على خدمة هذا الفكر، الذي هو أساس الصحوة والوعي، أن يعمل على نشره في هذه الأوساط الجماهيرية والشعبية حتى تتحقّق التحولات والتغيرات الاجتماعية بالشكل الصحيح. فإذًا هذا مانع طبيعي ومتوقع ولا يمكن أن ننتظر زواله أو نعوّل على زواله من تلقاء نفسه؛ بل بالقيام بأعمال توصل هذا الفكر وتفعّله ليكون فكرًا صاخبًا وعالميًّا ومنتشرًا ومؤثرًا. ما نحتاج إليه هو أن نفكر بتلك الوسائل أو المقدمات أو الشروط التي ينبغي تحقيقها من أجل جعل هذا الفكر يصل وينتشر ويكون مقبولًا، بحيث يتجاوز العوائق النفسية والذهنية والاجتماعية وحتى المذهبية، لا سيّما في المناطق المسلمة التي لها صبغة مذهبية مختلفة. ومن هذه المقدّمات إضافة عنصر اللغة والبيان العالمي ليتحقق الانتشار على مستوى العالم.
نعم، على المفكّرين أن يعملوا قدر الإمكان، لكن الأساس هو أن يقوم المهتمون وأصحاب القرار والإمكانات بالأدوار المتناسبة مع إيصال هذا الفكر وتشجيع أهله لكي يبذلوا المزيد ويطوّروا من أساليبهم وبيانهم والقضايا التي يطرحونها. فالقضية تكمن في هذه الحلقة بالذات، إنّها الحلقة المحورية في التحول على مستوى إيصال الفكر وإنتاج الفكر.
كانت هذه الحلقة المحورية في الأزمنة الماضية عبارة مثلًا عن بعض التجار الذين كانوا يتواصلون مع الناس في عمليات التبادل التجاري، فكانوا إما ينقلون لهم الفكر أو يكونوا هم أنفسهم من أصحاب الفكر. فهذا ما كان يحصل في بعض المناطق عبر التاريخ؛ حيث لم يكن بالإمكان أن يذهب العالم كعالم إلى تلك المناطق، بل كان التجار يقومون بهذه المهمة إما بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد انتشر الإسلام في العديد من المناطق بهذه الطريقة.
في زماننا هذا يوجد العديد من الوسائط والوسائل لنشر الفكر. فمع توفر تقنية الإنترنت التي تجوب العالم، لم يعد بإمكان الحكومات صدّ انتشار الفكر ووصول الحقيقة إلى الشعوب. فوسائط ووسائل انتشار الفكر إذًا متوفرة. والمتوقّع أن يقوم أصحاب القرار والإمكانات بتطوير هذه الوسائل لتكون منصّات متناسبة مع إنتاج المفكّرين، حتى ينتقل هذا الفكر إلى مختلف شعوب العالم ويصبح فكرًا مطلوبًا ومرغوبًا، أي له الموقعيّة والسمعة، حتى إذا أصبح كذلك ستفتّش الناس وتبحث عنه، بل ستهوي بأفئدتها إليه، بمعنى أنّه سيكون هناك نوع من الحج والانتقال العام عند شعوب العالم إلى المناطق أو الأماكن التي تعيش الحرية النسبية على مستوى إنتاج الفكر وانتشاره. وبهذه الطريقة، ستزول حتى العوائق الجغرافية، لأنّ هذا الفكر سيصبح بمستوى من المرغوبية والمطلوبية العالمية التي يشعر معها الناس بأنّهم لا يستطيعون أن يستغنوا عنه أو أن يعيشوا من دونه.
إنّنا نحتاج إلى تحقيق هذا الهدف من خلال التركيز على كون الحكمة الموجودة عند المفكّرين الأصيلين هي حكمة عالمية وحكمة ضرورية للبشرية، وفيها الحلول الكبرى لمشاكل الناس، وهذا أمر متوفر نوعًا ما وإمكاناته موجودة. فهناك أعمال مهمة في هذا المجال، على سبيل المثال إذا تمكّنّا من إيصال كتابي الآداب المعنويّة للصلاة والأربعون حديثًا للإمام الخميني(قده) إلى الناس، فإنّ أي إنسان يستطيع أن يقرأ ويقرأ هذه الكتابات، وسيندهش من العمق والإحاطة والحلول والجمالية الموجودة في هذه الكتب، بحيث سيدرك تمامًا حجم الفارق النوعي بين الأفكار المطروحة فيها وأي فكر يُطرح الآن على مستوى ما يُعبَّر عنه بتغيير الحياة ونمط الحياة وبناء الذات وصقل المهارات. ممّا يؤسف له إنّ الأفكار الموجودة في العالم الآن، والتي لها صبغة عالمية ومرغوبية واسعة وسوق كبير في الدنيا ـ كما يُقال ـ تفتقد لما يمكن أن يكون له التأثير الأكبر ويحمل الحلول الأساسية للمشاكل التي تعاني منها البشرية، في سعيها للتخلص من آلامها الروحية وفي سعيها للتكامل.
من أجل ذلك إنّا نوجّه هذه الدعوة لكلّ المهتمين ولكل أصحاب القرار والإمكانات ليعلموا أنّ عليهم هذه المسؤولية، فبإمكانهم أن يوجدوا المنصّات ـ عبر الإعلام أو الإنترنت أو غيرها من الوسائل العالمية ـ التي تساعد الكُتّاب على إيصال أفكارهم وتشجعهم على هذا الإنتاج الفكري، ما يؤدي إلى الارتقاء بهذا الفكر وإيصاله إلى مديات غير مسبوقة.

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

متى يخطئ الفقيه في تشخيص التكليف؟
نسمع عن المرجع أو العالم أو الفقيه الفلاني أنّه شخّص تكليفه لأن يقوم بفعلٍ ما أو ينهض بأمرٍ ما؛ لقد سمعنا مثلًا أنّ الإمام الخميني(قده)، أيام المواجهة والنضال ضدّ الحاكم المستبد في إيران قبل الثورة الإسلامية، كان يقول: إنّ تكليفي هو أن أُسقط هذه الحكومة. وفي الوقت نفسه كنا نسمع عن مراجع أو فضلاء من أهل العلم أنّهم كانوا يقولون: إنّ تكليفنا هو أن نسكت عن الشاه أو عن هذه الحكومة حتى لو كانت جائرة. فمن أين استنبط هؤلاء تكليفهم؟ وهل يحق للإنسان العادي أن يشخّص تكليفه المرتبط ببعض قضايا الزمان أو الحوادث الواقعة؟

هل نظام هذا العالم هو النظام الأحسن؟
بُني الفكر الإسلامي منذ بداية تشكّله على أساس أنّ نظام العالم هو النظام الأحسن، وعلى قول بعض العارفين بأنّه النظام الأجمل. ولكن حين ننظر إلى هذا العالم نرى أنّ فيه الكثير من الاختلال الذي لا يجعل العيش فيه سهلًا ويسيرًا في كلّ الأحوال والظروف، فقد يشتدّ البرد أحيانًا، والحر أحيانًا أخرى؛ وهناك الكوارث كالفيضانات والأعاصير والزلازل، فضلًا عن الأمراض والحشرات المضرة والحيوانات المؤذية التي تنشأ من الاختلال البيئي. إذًا، هناك العديد من الحالات التي لا يمكن مع وجودها وصف العيش على هذه الأرض على أنّه الأحسن.لكن هناك من يقول إنّ الله هو الجميل وهو الحكم العدل وهو العالم والقدير، ومن يتصف بهذه الصفات المطلقة، لا يصدر منه أي عبث أو خلل أو نقص فهو قد أتقن كل شيء خلقه، وأحسن كل شيء صنعه، ما يعني أنّ هذا العالم لا بدّ أن يكون كذلك. لقد انتقل هؤلاء ببرهان اللم من العلّة إلى المعلول وأثبتوا أنّه طالما أنّ الخالق يتّصف بهذه الصفات على نحو مطلق ـ فهو ليس فيه عجز أو جهل أو أي ضعف ـ فلا بد لمعلوله أو مخلوقاته، الذي هو هذا العالم بحسب الفرض، أن يكون كذلك أيضًا وأن لا يتصف بأي نقص.فأين تكمن المشكلة في هذا الدليل؟

مذهب في طور التشكّل... لماذا يجب أن ننظر إلى التشيّع بنظرة خاصّة؟
يثبت العديد من علماء الشيعة أنّ مذهبهم قد تشكّل منذ الأيام الأولى لصدر الإسلام حين كان النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) يركّز في بعض المناسبات على موقعية عليّ بن أبي طالب ومكانته السامية في الإسلام، ومن ثم يشير إلى شيعته من هذا الاعتبار؛ كما أشارت بعض الأحاديث إلى أنّ عليّ وشيعته على منابر من نور أو أنّ علي وشيعته في الجنة، وغيرها من الأحاديث التي تقارب هذا المعنى. وأخال أنّه من الطبيعي جدًّا أن ينجذب عشّاق الفضيلة إلى شخصية هذا الإمام بمجرد أن يتعرفوا إليه، وبمعزل عن موقعيته السياسية وأحقيته بالخلافة. فقد كانت الخصائص الأخلاقية والمعنوية والعلمية والسلوكية، لهذا الشاب الذي تربى في حضن النبيّ الأكرم بارزة جدًّا، وكذلك إنجازاته المميزة على صعيد نصرة النبيّ والإسلام ومواقفه البطولية المجيدة، التي قلّما ظهر نظير لها على يد أحد الصحابة الأجلّاء؛ ولكن هل هذا يعني أنّه يُفترض بهؤلاء الشيعة المتابعين العاشقين الموالين لهذا الإمام أن يشكّلوا مذهبًا خاصًّا جنبًا إلى جنب المذاهب الأخرى؟ أم كان يُفترض لهذه القضيّة أن تبقى محض عُلقة عاطفية ومعنوية، قد تصل في بعض الحالات إلى مستوى الموالاة والطاعة حين يكون هذا الإمام في موقع السلطة والقيادة؟

حاجتنا إلى جبهة متراصة... لماذا لا يمكن مواجهة التحدّيات بالمبادرات والإنجازات الفردية؟
رُغم ما وفّرته الإنترنت من هامشٍ واسعٍ للإرادة الفردية، وذلك مقارنةً بكل العصور التي مرّت على البشرية، فإنّ العقل الجمعيّ للجماعات الإنسانية ما زال في طور التراكم والتطوّر والفاعلية. ومن الصعب الادّعاء بأنّ هذا العقل سيتفكّك أو يتلاشى في المدى المنظور.

متى يخطئ الفقيه في تشخيص تكليفه؟
نسمع عن المرجع أو العالم أو الفقيه الفلاني أنّه شخّص تكليفه لأن يقوم بفعلٍ ما أو ينهض بأمرٍ ما؛ لقد سمعنا مثلًا أنّ الإمام الخميني(قده)، أيام المواجهة والنضال ضدّ الحاكم المستبد في إيران قبل الثورة الإسلامية، كان يقول: إنّ تكليفي هو أن أُسقط هذه الحكومة. وفي الوقت نفسه كنا نسمع عن مراجع أو فضلاء من أهل العلم أنّهم كانوا يقولون: إنّ تكليفنا هو أن نسكت عن الشاه أو عن هذه الحكومة حتى لو كانت جائرة.فمن أين استنبط هؤلاء تكليفهم؟ وهل يحق للإنسان العادي أن يشخّص تكليفه المرتبط ببعض قضايا الزمان أو الحوادث الواقعة؟

حين تتزاوج المذاهب الدينية مع السلطة الجائرة
حين كان الناس على مذهب واحد تجمعهم السذاجة وينحصر اهتمامهم بهذه الحياة الدنيا ويخضعون لسلطان واحد يقوم بجميع أمورهم، كان لا بدّ من بعث الأنبياء لأجل إعادة المسيرة البشرية نحو وجهتها الصحيحة وهي الحياة الآخرة. ولأنّ هذه الوجهة بطبيعتها وماهيّتها ستهدّد مصالح السلاطين الذين لا همّ لهم سوى هذه الحياة الدنيا، فقد انبرى هؤلاء لمواجهة الأنبياء بكل ما أوتوا من قوّة. وقد اكتشف سلاطين الجور قوّة المعارف التي أتى بها الأنبياء، بعد أن خبروا تأثيرها العجيب على الناس. وكانت وسيلتهم الوحيدة لاستخدام هذه المعارف علماء وفقهاء من قلب البيئة الدينية.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...