
محنة الإسلام السياسي اليوم
إلى أين وصل الإسلاميون في أطروحة الحكم؟
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب أي مجتمع نريد
يعاني المؤمنون بالإسلام السياسي في شتى أنحاء العالم المسلم من صعوبة بالغة في جعل أطروحاتهم المتنوعة قابلة للتطبيق. الضغوط الخارجية لا علاقة لها في تضخيم هذه المعاناة، هذا إن لم نقل أنّها كانت فرصة مناسبة لكل الإسلاميين لبلورة أفكارهم المتناثرة في تراثهم.
المشكلة في الأساس كانت وما تزال ترتبط بقضية ربط السياسة بالدين. أما المعاناة فلم تنحصر في الجانب التطبيقي أو الأدائي، بل تمحورت في أحيان كثيرة حول العجز عن توليد أطروحة تقنع المتدينين أنفسهم بأنّها نابعة من الدين الذي يعرفونه.
وأمام هذه الضغوط والاستحقاقات المستعجلة التي أوصلت بعض التيارات الإسلامية إلى الإخفاق أو الفشل المزمن، وجدنا تراجعًا عند البعض عن أصل القول بوجود علاقة بين الدين والسياسة. حتى لو كان هذا الادعاء نفسه وجهًا آخر لخطهم السياسي.
إنّ الذين يدعون إلى فصل الدين عن السياسة يعبرون عن قراءتهم الخاصة للدين. فهم يستخدمون الدين لأجل تحقيق مآرب سياسية ليس إلا. أما في المجتمعات الأوروبية وما شاكلها، فقد شاهدنا استغلال هذه المقولة لأجل إبعاد طبقة رجال الدين والإكليروس عن العمل السياسي، وتصفية وجودهم في السلطة كمؤسسة مستقلة ذات نفوذ خاص.
في العالم المسلم تختلف تجارب الإسلاميين أنفسهم بحسب المذاهب وحتى المناطق. وربما لا نجد مذهبًا واحدًا أجمع زعماؤه على مقولة أن السياسة جزء من الدين وأنها فريضة إسلامية. لكن يلفت نظرنا بعض المذاهب التي يدّعي منظروها ارتباط السياسة بالأصول الاعتقادية الموجودة في الدين. هذا، في الوقت الذي نفى أتباع مذاهب أخرى هذا الأمر كليًا واعتبروه بدعة. لأجل ذلك، ليس من الإنصاف العلمي المساواة بين هاتين الفئتين أثناء دراسة تجارب الأطروحة والأداء.
لقد خضعت عقائد المذاهب على مدى القرون لعمليات مراجعة وصقل وترسيخ حتى صارت حاضرة بهذه القوة في نفوس أتباعها. لا يمكن غض النظر عن هذه العملية المستغرقة بالزمان، لأنها تكاد لا تُمس. لذلك نستطيع القول بأنّ العالم المسلم يشهد مدرستين سياستين بين الإسلاميين. الأولى استطاعت أن تبني أطروحتها من الأصول والمبادئ الاعتقادية، أما الثانية فقد حامت حول تراثها الفقهي والاجتهادي.
إنّ إدراكنا لقدرة وإمكانات كل مدرسة يعتمد على إدراكنا للفارق النوعي بين العقيدة والفقه (أو بحسب التعبير الأدق بين الفقه الأكبر والفقه الأصغر)، حيث تتمتع الأولى بقدرة مميزة في تحقيق الإقناع والإجماع بسبب ركونها إلى أصالة العقل، في حين أنّ الثانية ستعاني بشكل طبيعي من التشتت واختلاف الآراء بسبب اعتمادها على الاستحسان والقياس وأمثاله.
لم تكن قضية السياسة في الإسلام أمرًا طارئًا أو نقاشًا مستجدًا كما حاول البعض أن يصوّرها، باعتبارها رد فعل على الاستعمار والتغريب والحداثة. النقاش حول سياسة المجتمع بين المسلمين بدأ منذ الاختلاف على قضية الإمامة، وما تبعه من مقاربات متعددة تفاوتت بين مذهب يراها أحد أصول الدين، في حين اعتبرتها مذاهب أخرى قضية شرعية فرعية يمكن التعامل معها انطلاقًا من عملية الاجتهاد المتعارفة.
وهكذا وجدنا التجربة السياسية التي انطلقت من تلك المبادئ العقائدية تحقق ثباتًا غير مسبوق، وتسبق في تشكيل دولة وحركات نهضوية رائدة رغم كل العوائق التي واجهتها من الداخل والخارج. أما الذين أصروا على تحليل السياسة وتناولها انطلاقًا من تلك الأصول الفقهية والاجتهادية، فهم في وضع لا يحسدون عليه من تأزمات تصل إلى حد مراجعة أصل الوجود.
حين أعلن الإمام الخميني في بيانه المشهور الذي وجهه لعلماء الدين والحوزات العلمية بأنه لم يعد مقبولًا عند الشباب والعوام أن لا يكون مرجعهم ناشطًا سياسيًا، لم يكن الإمام يفتي أو يصدر حكمًا شرعيًا يجب على المراجع اتباعه؛ بل كان يصف حالة ذاك المجتمع المسلم الذي عاش تجربة فريدة في الحياة السياسية للإسلام، بحيث لم يعد ممكنا عند أبنائه تصور الفصل بين الدين والسياسة. كان ذلك قبل حوالي 35 سنة، وكان على أتباع هذا النهج أن يتقدموا على طريق الأطروحة السياسية ليثبتوا قدرة الدين الذي آمنوا به على تحقيق الأهداف التي ينادي بها. أما إلى أي مدى نجح هؤلاء، فإننا بحاجة إلى تحديد معايير علمية دقيقة عند دراسة نجاح أو فشل أي تجربة سياسية اجتماعية لجماعة بشرية. ولا أتصور أن هذا الأمر متوفر بسهولة اليوم.
لا ينبغي إغفال العصبية المذهبية بل التعالي المذهبي الذي يسيطر على شارع واسع من أدبيات الإسلام السياسي. تجد الباحثين في هذا الشارع وكأنهم لم يشاهدوا ما يحدث في العالم القريب منهم، أو تجدهم اختزاليين إلى حد الثمالة. يحكمون على تجربة بهذه الأهمية والقوة وهم يكادون يموتون غيظًا أو لا يقدرون على تصور أولئك المهمشين على مدى التاريخ وقد نجحوا في بناء دولة حديثة مستقلة بكل ما للكلمة من معنى.

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

الفكر الإسلامي... نحو آفاق غير مسبوقة
هناك قدرة عظيمة عند الفكر الإسلامي، خصوصًا في نسخته النابعة من مدرسة أهل البيت (ع)، على ملء الفراغ الفكريّ الذي يعيشه العالم وعلى تقديم الكثير من الحكمة التي تحتاجها البشرية. يوجد أعمال فكرية رائعة في وسطنا، ومع ذلك هي مجهولة حتى في هذا الوسط، فضلًا عن الأوساط المسلمة الأخرى وبقية بلاد العالم. ورغم المحاولات العديدة لإيصال هذا الفكر للآخر، والمحاولات الحثيثة لنشره وسط بيئة تتقبّله بحكم الانتماء؛ إلا أنّه وبعد مرور عدّة عقود لا يبدو أنّ هناك أثرًا واضحًا لهذه المحاولات. بل نجد أنّ هذا الفكر في انحسار، ومع انحساره يفقد أهله الاندفاع المطلوب لإكمال مشروع بناء تلك المنظومة الفكرية وإظهار الفكر الإسلاميفي كل العالم.

لماذا يجب تعميق الفكر الإسلامي في مجتمعنا؟
إنّ وجود عمق فكري للمعارف الدينية أمرٌ ملحوظ عند كل من كان له توفيق التوغل في هذه المعارف مطالعةً ودراسةً وتفحّصًا. ولا حاجة للإتيان بأدلّة من السنّة أو القرآن على هذا الأمر المشهود بالتجربة؛ أمّا من يطالب بالدليل، فما علينا سوى أن نقدّمه له بواسطة عرض الشواهد الكثيرة التي لا تُحصى. وأغلب الظن أنّ الذين ينكرون وجود هذه الظاهرة العجيبة، كانوا يتسترون ويخفون جهلهم، أو أنّهم كانوا يحملون معنًى مغايرًا لما هو مُراد من العمق.

وجدت الإسلام في أوروبا! هل يُطبق الدين الاجتماعي في أوروبا والفردي في بلادنا؟
محمد عبده مفكر إسلامي مصري من رواد النهضة العربية الذين واجهوا الغزو الثقافي الأجنبي وسعوا لتحقيق الإستقلال، نُسب إليه مقولة "وجدت الإسلام في أوروبا ووجدت المسلمين في بلادنا"، وقد شاعت هذه المقولة ونسبها كثيرون إلى شخصيات نافذة مختلفة، حتى صارت كالأحاديث الشريفة، تحدد عند العديد من المسلمين موقفهم من الحضارة الغربية.. فالإنسان الأوروبي بحسب هذه المقولة قد طبق الإسلام في حياته العمرانية والمدنية، وإن لم يفعل ذلك على مستواه الشخصي.في حين أنّ أهل بلادنا لم يطبقوا من الإسلام سوى ما يرتبط بحياتهم الفردية.فإلى أي مدى يمكن أن يكون هذا الكلام صحيحًا؟ وما الذي تنطوي عليه مثل هذه المقولات؟

نمط العيش الإسلامي... القواعد والأركان
شاع في العقود الأخيرة مصطلح نمط الحياة أو العيش للتعبير عن أسلوبٍ خاصّ ينتهجه الإنسان ويمشي عليه بوعيٍ تام باعتبار أنّه العيش الأفضل. ومن الطبيعي في ظل التفاعل الثقافيّ العالميّ الذي يتّخذ أحيانًا منحى الصراع وحتّى الغزو، أن تسعى كل ثقافة لإظهار نمطها الخاصّ في العيش، وتظهيره كأرقى وأفضل أسلوب للحياة؛ عسى أن يكسبها ذلك اليد العليا في هذه المواجهة الحضارية.

لماذا تنحسر المؤسّسات الإسلامية التعليمية؟
نسمع عن مؤسّسات تعليميّة إسلامية تصل إلى مرحلة تضطر معها للتخلّص من معلمين ومعلمات، امتلك بعضهم خبرات سنين متمادية، لا يمكن تحصيلها بسهولة في أي معهد إعدادي.ومن جانبٍ آخر، لا أحد ينكر أنّ مجتمعنا مازال يعاني من نقصٍ حاد فيالخبرات التعليمية والعلم وتأمين التعليم المناسب. إنّ مشكلة التعليم سواء في مجال المهارات أو المعارف هي مشكلة متفاقمة، لأنّ معظم المدارس الحالية لا تؤمّن الحد الأدنى اللازم من التعليم المطلوب.

نحو حياة فكرية فوّارة... بداية العيش الإسلامي الرغيد
اهتم روحانيّو الإسلام بالحياة والسلوك البشريّ، وتحدّثوا عن التفكّر كثيرًا، وذكروا أنّه المنزل الأوّل في رحلة الإنسان التكاملية، وهو أوّل ما ينبغي تثبيته في النفس والسلوك بالمجاهدة والرياضة الروحية.. فما لم يصبح التفكّر جزءًا أساسيًّا من شخصيّتنا، لا ينبغي أن نتوقّع أي توفيق أو نجاح في المراحل اللاحقة التي يمكن أن نقطعها.

محاولات تحريف الإسلام، لماذا تبوء بالفشل دائمًا؟
إنّ السعي لتحريف الدين الإلهيّ والعبث بالوحي، كان ولا يزال أمنية الشيطان وأوليائه. فالدين الحقّ كان دومًا عامل إيقاظ الغافلين، وتحريك الناكلين، وتحفيز المجاهدين، للقضاء على الظلم والطغيان. قال الله تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ}. [الحج، الآية 52]
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...